"لن اسكت عن التجاوزات مهما كان الثمن"... سعيّد يوجه رسائل تحذيرية لرئيس الحكومة والإخوان
تعيش تونس منذ مدة طويلة أزمة سياسية ودستورية كان من
أهم معالمها رفض الرئيس، أداء وزراء عينهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، اليمين
الدستورية أمامه، وكذا رفض الرئيس المصادقة على القانون المتعلق بالمحكمة
الدستورية.
وتعمقت الأزمة بفعل الأحداث المتوالية خلال الأيام الأخيرة،
ومن بينها الاعتداءات الأمنية على مسيرة سلمية نظمها الحزب الدستوري الحر، ومحاصرة
محسوبين على رئيس بلدية ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي لراديو شمس إف إم، وظهور شريط
الفيديو الذي يوثق قيام أمنيين بتجريد مراهق من ملابسه وتعنيفه قبل الدفع به إلى سيارة
الشرطة.
وفي ظل هذا توتر الأمني والاجتماعي وعلى خلفية ما وصفته الكتلة
الديمقراطية (38 نائبا برلمانيا)، المكونة من حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب بـالانتهاكات
المتكررة في حق الشعب التونسي منذ تولي رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالإنابة هشام
المشيشي، عكفت الكتلة الديمقراطية على صياغة عريضة لسحب الثقة من هشام المشيشي.
وتسعى الكتلة الديمقراطية إلى جمع توقيع ثلث النواب (73 نائبا)
لتمرير العريضة للجلسة العامة، والتي تتطلب تصويت 109 نائبا للمصادقة عليها وسحب الثقة
من الحكومة.
وأثار انتشار مقطع مصور يظهر شرطيا يسحل طفلا في منطقة سيدي
حسين صدمة وغضب شديدين في البلاد. حيث وثّق المقطع اعتداء عنيف تعرض له طفل على يد رجال الأمن
في منطقة سيدي حسين السيجومي، وظهر الطفل وهو ملقى على الأرض ويتعرض للضرب والدهس بالأرجل
بعد تجريده بالكامل من ثيابه ثم جرّه وسحله واقتياده عارياً إلى سيارة الشرطة أمام
المارة، الذين ارتفعت أصواتهم للكف عن ضربه.
وانتقد الرئيس قيس سعيد اعتداء بعض قوات الأمن على الطفل،
مبرزا أن تونس "تمر بأوضاع لم تمر بها من قبل، وهي أوضاع شديدة الخطورة وتنبئ
بمخاطر أكبر".
وقال سعيّد خلال استقباله المشيشي، وحسناء بن سليمان، وزيرة
العدل بالإنابة، إن ما حصل هذه الأيام "ينذر بخطر شديد على الدولة"، مشددا
على أنه "لن يترك الدولة التونسية تسقط... وما يحدث غير مقبول".
قال سعيد:
"أعرف من يحرك الشارع ومن يفتعل الأزمات للبقاء في الحكم، وليعلم أن تونس ليست
بضاعة، وأن القوانين يجب أن تطبق على الجميع".
وفي إشارة
إلى رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي الذي يتولى رئاسة البرلمان، بيّن سعيد
إنه صمت على العديد من التجاوزات في وقت من الأوقات احتراماً للمقامات والمؤسسات، ولكنه
لم يقابل بالمثل، وأبرز: "من يرأس مؤسسة ويعتقد أنه رئيس للدولة هو مخطئ في العنوان
ومخطئ في التاريخ ولن اسكت عن تجاوزاته مهما كان الثمن". وتابع قائلاً: "لقد
حاولوا توظيف الدستور لفائدتهم، والدستور الذي وضعوه عليهم أن يطبقوه"، مشدداً
على أنه "لا أحد فوق القانون، وأنه لا مجال لأية معاملة تقوم على التمييز بناء
على الثروة أو التحالفات السياسية".
وتأكيداً على
ما وصفها "بالمؤامرة" التي تتعرض لها بلاده من خلال الخلط بين المؤسسات،
أكد سعيد أن السلطة التنفيذية هي بيد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فقط: "وليست
خارج قرطاج ( مقر الرئاسة ) وليست خارج القصبة ( مقر رئاسة الحكومة )" مردفاً:
"لا مجال لاستغلال أي منصب لتحويله إلى مركز قوّة أو ضغط لضرب وحدتنا".
وخاطب سعيد
رئيس الحكومة مذكراً إياه بأنه من رشحه لرئاسة الحكومة بالقول: "ائتمنتك ويجب
أن نكون في مستوى ما اتفقنا عليه"، وخاطب وزيرة العدل بالوكالة حسناء بن سليمان:
"كيف لا تتحرك النيابة العمومية حين يتجرأ عدد من النواب على الدخول إلى المحكمة
؟"، وذلك في إشارة إلى اقتحام عدد من النواب الداعمين لرئيس حزب قلب تونس نبيل
القروي المتحالف مع قوى الإسلام السياسي، أثناء التحقيق معه الثلاثاء الماضي بالقطب
القضائي المالي، وتساءل:"لماذا لم ترسل مطالب رفع الحصانة بعد إلى مجلس الشعب
في الوقت التي تعلقت هذه المطالب بجرائم خطيرة من حق عام وتهريب وجرائم أخلاقية"،
مستنكراً التلكؤ في ملاحقة نواب برلمانيين قضائياً رغم وجود ملفات تدينهم أمام القضاء،
لافتاً إلى أنه "لا يجب التخفي وراء الإجراءات لعدم رفع الحصانة عن نواب الشعب"،
ومعتبراً أن الحصانة وفّرها القانون لضمان الاستقلال في القيام بالوظيفة التي يقوم
بها وليس للتحصن بها خارج هذا الإطار،
كما أعرب عن
غضبه إزاء صمت النيابة العامة على من يتجرأ على رئيس الدولة: "كان على النيابة
العمومية التحرك لتنفيذ القانون ولاسيما أن الدولة تكاد تتهاوى" مستطرداً: "ليس
بهذا الشكل تدار الدولة ليعلم الجميع أنني لن اترك أحداً يضرب الدولة".
وخلال استقباله
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، أكد الرئيس التونسي أن
البلاد بها رئيس واحد للدولة ورئيس للحكومة، وأن الحديث عن رئاسات ثلاثة إنما هي بدعة،
دخلت على المنطقة بعد احتلال العراق في العام 2003، مؤكداً أن هناك رئيساً واحداً للبلاد
انتخبه الشعب ليقوم بمهمته، وأنه لا يقول ذلك من باب التمسك بالمنصب ولكن ليعرف كل
طرف حدود مسؤولياته، وليقوم الرئيس بدوره، متهماً بعض القوى بأنها لا تمتلك مفهوم الدولة،
في إشارة إلى جماعة "الإخوان" وزعيمها الغنوشي، ومشدداً على أن تونس دولة
واحدة وليست ثلاث دويلات.
كما اتهم سعيد،
الإخوان، دون تسميتهم، بالعمل على إفساد مساعيه الدبلوماسية لخدمة البلاد، عبر التداخل
مع الأطراف الدولية، وقال: كيف يعقل أن نقوم بعمل دبلوماسي فيحاول البعض ضرب هذا العمل
من خلال المحاصرة والمغالطة؟ والتونسيون يعرفون جيدا من هؤلاء.
وتساءل الرئيس
التونسي عن مصير الفقراء في بلاده، وقال إن هناك من يأكل وجبة واحدة باليوم وقد لا
يجدها، وهناك من يصل ثمن عشائه إلى 2000 دينار أو أكثر، ثم يقول إنه يريد تحقيق مكاسب
الثورة، "مؤكداً لقد سرقوا الثورة في 2011".
واعتبر سعيد أنّ تونس ليست دويلة وأنّ هناك وحدة الدولة،
قائلاً: من يتجاوز القانون والدستور الذي جئت لتحقيق مقاصده فليعلم مرة أخرى أننا قادرون
على الرد بأكثر مما يتصورون للحفاظ على الشعب التونسي.