حتى لا ننسى (2): الإخوان و مخطط " التمكين " في عهد مبارك:
الخميس 17/يونيو/2021 - 02:47 م
طباعة
أميرة الشريف
أعتبر نظام مبارك في بداية عهده إن جماعة الاخوان المسلمين بديلا معتدلا ، في مواجهة أفكار وممارسات الجماعات الاسلامية الراديكالية ( الجماعة الاسلامية – تنظيم الجهاد المصري ) ومنح رموز اخوانية مساحات وسماحيات في كل وسائل الاعلام ، للتواصل مع الشارع المصري ، واستغل الاخوان تلك الفرصة لمواصلة تجنيد الانصار والتوسع في تشكيل الهيئات والاسر والشعب (البنية التنظيمية) ، اعتمدت الجماعة على إستراتيجية تقوم على استقطاب مزيد من الأعضاء عبر المساجد والأحياء السكنية والجامعات، واستخدمت الخطابات والأحكام الدينية في تنفيذ مشاريع اقتصادية، مثل شركات توظيف الأموال التي كانت الغطاء لتوفير الدعم والتمويل لفتح الآفاق وتوسيع النفوذ أمام الجماعة. حيث تبنت الجماعة إستراتيجية تقوم على تقديم الخدمات والمعونات الاجتماعية عبر شبكة أنصار منظمة بشكل دقيق ومنظم غطت شرائح متنوعة من مختلف أطياف المجتمع وخصوصا الشباب. كما استطاعت الحركة الدخول إلى الميدان النقابي حيث سيطرة على نقابتي الأطباء والمهندسين عام 1985، ونقابة البيطريين والصيادلة عام 1988... وأخيرا حققت فوزا مهما في نقابة المحامين عام 1992 التي كانت تعتبر القلعة التقليدية للتيار القومي واليساري .وشارك الاخوان في الانتخابات البرلمانية عام 1984بالتحالف مع حزب الوفد الجديد .
وبدأ التجاذب والتوتر - منذ مطلع التسعينات - بين الإخوان ونظام مبارك يأخذ شكله السافر ، استمرت الحركة تشارك في الانتخابات البرلمانية،بعد تفاهمات وصفقات، كشفت عنها قيادات الاخوان فيما بعد ،وفي بعض المراحل أصبحت تشكل أكبر كتلة برلمانية معارضة في مجلس الشعب، واستمرت العلاقات بين الطرفين بين مد وجزر تحكمها التطورات الداخلية والخارجية معا
شهدت الفترة من 2007 إلى 2010، حالة من المهادنة والصفاقات غير المعلنة من تحت المائدة مابين الإخوان و نظام مبارك، وهو الامر الذي اقر به علنا المرشد الاسبق للاخوان مهدي عاكف ، قبيل الانتخابات البرلمانية في 2010، حيث طالب باتفاق مكتوب بين الجماعة ونظام مبارك كالذي سبق ابرامه بين الطرفين ، " اتفقنا وكتبنا والتزمنا والتزموا "
ومع ترهل نظام مبارك وشيخوخيته الأمر الذي استفادت منه جماعة الإخوان ووظفت قدراتها على تجنيد الانصاروالانتشار الأكبر بين صفوف الشعب وقد خدمها في ذلك عدة عوامل منها:
1- على المستوى المحلى، كان نظام مبارك يترهل وبدا وكأنه يدخل مرحلة انتقالية يمهد فيها لما بعد الرئيس مبارك، وهي المرحلة التي اطلق عليها مرحلة التمهيد للتوريث ، وسعت جماعة الاخوان لعقد "الصفقة الأكبر" بين النظام والإخوان إذا أعلن المرشد العام انه لا يمانع من حكم جمال مبارك لمصر. ووصل الامر بأن يصرح " التوريث سنة إسلامية...ونحن راغبون بحماس للجلوس والحوار حول هذا الامر "
كما أعلن محمد بديع المرشد بعد توليه المسؤلية كمرشد للإخوان المسلمين: إنه لن يدخل في أي مواجهة مع النظام خاصة فيما يتعلق بـ "ملف التوريث"، كما اتبع المرشد العام نهج التهادن فضلا عن أن حرصه على عدم وضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع الحكومة ،من خلال اتخاذ خطوات مثل الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الشوارع أو أي محاولة لتحويل الحركة إلي حزب سياسي رسمي. فضلا عن قوله:"إن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن يومًا عدوًا للنظام". كما رحبت قيادات من قبل الجماعة بشخص جمال مبارك وعدم ممانعة توليه حكم مصر إذا خرج من قصر أبيه مبارك ورشح نفسه كمستقل مثله مثل باقي الأعضاء الآخرين
وفى المقابل كان الخطاب الرسمي للدولة في إعلامها الرسمي وشبه الرسمي الابتعادعن تشويه الجماعة والسماح لها بالعمل وفقا لما هو مخطط وتحت عيون الأمن والإفراج عن بعض المعتقلين، كما تم تحويل القضايا المتهم فيها أعضاء الجماعة من المحاكم العسكرية إلى المحاكم العادية.
وهذا يؤكد ثمة صفقة تمت بين الطرفين لتهدئة الصراع بينهم وتخفيف حدة التوتر والإحراج الداخلي الذي تسببه جماعة الإخوان للنظام في خروجها مع المتظاهرين، فلم تشهد أي مظاهرة مصرية لحركة المعارضة الرافضة لتوريث جمال مبارك في مصر خلال هذه الفترة أي تواجد أخواني.
2- على المستوى الدولي: تخلي الولايات المتحدة عن أجندتها حول الإصلاح السياسي في المنطقة العربية. ومع ضعف إدارة اوباما إزاء الملف المصري. كانت الفرصة الذهبية لنظام مبارك في تهيئة المناخ العام لتوريث الحكم وعقد صفقات مع جهات معارضة ومن ثمة كان الإخوان على أول قائمة هذه الصفقات في عقد الهدنة حتى يمر التوريث بسلام.
ومع افتتاح مشهد عام 2011 بسلسلة من التصدعات التى ألمت بنظام مبارك الشائخ ، على خلفية النتائج الهزلية الصادمة لانتخابات مجلس الشعب في 2010 ، وتفجرت تظاهرات 25 يناير ، وأعلنت قيادات جماعة الاخوان الارهابية مع بداية الاحداث رفضها لتلك التظاهرات وعممت توجيه لكوادرها بعدم المشاركة فيها، ومع تصاعد الاحداث ، وتكشف تفكك وتخبط نظام مبارك ، وتزايد الاحتجاجات وانتقالها للكثير من مدن الجمهورية ، سارع الاخوان – كعادتهم – في القفز على رأس الجموع في الميادين ، خاصة بعد وصول الضوء الاخضر من الادارة الامريكية بأنها تخلت عن مبارك ونظامه ، بل وتحبذ رحيله ، وانطلقت كتائب الجماعة المنظمة ومليشياتها المسلحة وحلفائها من تيارات وجماعات اسلامية ، خاصة في ظل غياب بديل ديموقراطي مدني ، في تفيذ مخطط الاستحواذ والهيمنة على مسار الاحداث ، وبمباركة وتوجيهات مباشرة من الادارة الامريكية ،ومازال ماثلا في الاذهان الدور المشبوه الذي قامت به السفيرة الامريكية في القاهرة وقتها،في دعم مخطط الاخوان في القفز على السلطة وتطويع مسار الاحداث لصالح "تمكين" الاخوان ، وبوتيرة متسارعة بدأ يتكشف السيناريو الاخواني ، في الهيمنة والاستحواذ والاستعلاء وازاحة الاخرين، كل الاخرين ، حتى من حلفاء وداعمي الاخوان، وبقيادة النهج الاخواني القطبي المسكون باحلام التمكين سقطت مصر فريسة لمطامع مشروع "النهضة" المزعوم ، وخلال عام واحد كشف المصريون حقيقة وجوهر الجماعة الارهابية ، ليخرج الملايين – في ثورة 30 يونيو - معلنين رفضهم " لحكم المرشد" وليسقطوا دولة الاخوان ويطردوا " مندوبهم" في قصر الاتحادية الرئاسي ، ليسقط معها مشروع الاخوان السياسي .