توسع القاعدة وداعش في أفريقيا وآليات المواجهة
الإثنين 21/يونيو/2021 - 03:12 م
طباعة
حسام الحداد
من الواضح أن المقاربات الغربية لمحاربة الإرهاب اتسمت بالعقم وعدم الفاعلية، حيث أنها غلّبت الأمني والعسكري ولم تستثمر في مبادرات السلام والتنمية المستدامة. بعد سنوات طويلة من حروب الاستنزاف والقصف والعمليات الخاصة بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسوريا تم الإعلان عن سحب القوات الأمريكية، في نفس الوقت الذي لا تبدو فيه أي مؤشرات للاستعداد لنقلهم إلى أفريقيا. والأكثر خطورة هو أن القوات الأمريكية أكملت انسحابها بالكامل من الصومال. كما أصيبت فرنسا، التي كانت القوة الغربية الرئيسية في منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2013، بخيبة أمل من الخسائر في الأرواح والمال وتراجع التأييد الشعبي الفرنسي للعمليات العسكرية في البر الأفريقي. وبالفعل أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن خطط لسحب أكثر من خمسة آلاف جندي من مالي قائلاً: "لقد حان الوقت لإعادة هيكلة الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة".
وحول التراجع الغربي في مواجهة الارهاب وانسحابه من البؤر الملتهبة قدم مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية دراسة حديثة تناول فيها د. حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، توسعات داعش والقاعدة في القارة السمراء وكيفية مواجهتها.
وعن توسعات داعش والقاعدة قالت الدراسة "مع قيام الجماعات الجهادية العنيفة في مناطق الساحل وغرب ووسط أفريقيا بتوسيع نطاق عملياتها في السنوات الأخيرة، أصبح العنف والتمدد الإرهابي يكتسب مناطق جديدة في كل من الأطراف والعمق الأفريقي على السواء. على أن الملاحظة المهمة هنا هى انتقال النشاط الإرهابي لدولتى بنين وكوت ديفوار، حيث يضع قادة القاعدة خطتهم التوسعية نحو دول خليج غينيا. يعني ذلك أن القاعدة تنطلق من مالي والعمق الأفريقي باتجاه المناطق الساحلية على المحيط الأطلنطي. وتمول القاعدة بالفعل التنظيمات المسلحة المحلية في كل من كوت ديفوار وبنين. أما داعش التي تمكنت من تأسيس خلافة لها في قلب الصحراء الكبرى وأخرى في غرب أفريقيا فإنها توسعت لتصل إلى وسط أفريقيا التي تضم الكونغو الديموقراطية وشمال موزمبيق. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التمدد الداعشى عبر الساحل الناطق بالسواحيلي على المحيط الهندي، فإن الغزو الإرهابي في مساراته الحالية يماثل الغزو الاستعماري وأهمية الوصول إلى السواحل الأفريقية في القرن التاسع عشر.
ولأغراض التبسيط تمثل مالي ومنطقة الساحل نقطة الانطلاق لغزو وتمدد كل من داعش والقاعدة في أفريقيا. هناك شبكتان متطرفتان رئيسيتان تعملان في منطقة الساحل. الأولى، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تعهدت بالولاء للقاعدة، وهى منظمة لامركزية تتمتع بقدر كبير من الاستقلال على المستوى العملياتي.
كما أنها تكيفت بمهارة فائقة مع السياقات المحلية. والثانية، تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (داعش)، وهى شبكة إرهابية أكثر مركزية ومتحالفة مع تنظيم داعش المركزي.اكتسبت هذه الجماعات الإرهابية العنيفة مكانة بارزة في المنطقة منذ عام 2012. وبدءًا من شمال مالي، امتد نفوذها منذ ذلك الحين بشكل حثيث إلى بنين وكوت ديفوار والسنغال. وفي نفس السياق تمكنت داعش من الوصول إلى مناطق جديدة في وسط وشرق أفريقيا.
أما عن دلالات الخطر القادم من الصحراء جاء في الدراسة: "يبدو أن ولوج تنظيم القاعدة ممثلاً في جماعة نصرة الإسلام والمسلمينإلى غرب أفريقيا الساحلية سوف يزيد من قدرته على استهداف المصالح الأمريكية والأوروبية في هذه المنطقة وربما خارجها، وهو الأمر الذي يتسق مع مفهومه الأيديولوجي الخاص بمحاربة العدو البعيد كأولويه ملحة. أعلن قادة القاعدة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين والآلة الإعلامية التابعة لهما عن عزمهما على التوسع في دول غرب أفريقيا الساحلية. وبالفعل اجتمع قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في فبراير 2020 لمناقشة توسيع عمليات القاعدة خارج مالي لتأسيس موطئ قدم أكبر لهم في غرب أفريقيا. كما بدأت وسائل الإعلام الموالية للقاعدة في التأكيد على توسع الجماعة، حيث نشرت خريطة في ديسمبر 2020 تشير إلى وجود الجماعة في كوت ديفوار مقارنة بخريطة سابقة كانت تركز على وجود الجماعة فقط في مالي وبوركينا فاسووالنيجر.
وتستهدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين دول الأطراف الساحلية لإعاقتها عن المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب ورفع الكلفة السياسية لذلك. فقد حدد زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي السنغال كهدف في أبريل 2017 بسبب مشاركة الأخيرة في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي. كما استهدفت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في السابق الدول المساهمة بالقوات الأممية، بما في ذلك بوركينا فاسو وكوت ديفوار، وذلك لتقليل الدعم المحلي لبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وعلى سبيل المثال، هاجم مسلحو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قوات الأمن في بوركينا فاسو في يونيو 2019 وهددوا بمزيد من الهجمات إذا واصلت الأخيرة دعم الأمم المتحدة وجهود مكافحة الإرهاب الفرنسية في مالي. ومن المرجح أن تستمر الجماعة في شن هجمات مماثلة تستهدف قوات الأمن في شرق السنغال.
يهدف توسع القاعدة في غرب أفريقيا أيضاً إلى تعزيز هدفها المتمثل في التخلص من الوجود الغربي في تلك المنطقة. لقد أدت الهجمات التي شنتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والجماعات الإرهابية التي سبقتها إلى تقويض السياحة والأعمال الدولية في العديد من دول غرب أفريقيا. ومن المحتمل أن تكون جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قادرة على شن هجمات بارزة على أهداف يتردد عليها الغربيون في سواحل غرب أفريقيا. كما يوفر الوصول إلى الساحل الأطلسي لغرب أفريقيا أيضاً فرصاً للقاعدة لتهديد المصالح الأمريكية والأوروبية بشكل مباشر. وليس من المستبعد كذلك أن تستخدم القاعدة وجودها المتزايد في السنغال لمهاجمة الأهداف الغربية في المناطق الساحلية، بما في ذلك الموانئ الأطلسية. ومن المحتمل أن تستخدم الجماعة أيضاً الوصول إلى الطرق الخارجية لتسهيل الهجمات في أوروبا. لم تشن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجمات خارج أفريقيا في السابق، لكن توسع الجماعة في المناطق الساحلية قد يمنحها إمكانية الوصول إلى خطوط النقل والاتصالات التي ستساعد في مشاركة الجماعة في الإرهاب الدولي.
إضافة إلى ذلك، سوف تحقق القاعدة فوائد اقتصادية واستراتيجية من الحصول على موطئ قدم لها في السنغال. إذ تنشط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالقرب من مناجم الذهب في السنغال وقد تسعى للوصول إلى هذا المورد الاقتصادي الهام. كما أن العمل في المنطقة الحدودية بين مالي والسنغال يسمح للحركة باستغلال الفراغات الأمنية وإنشاء منطقة دعم حيث يمكن أن تنتقل عبر الحدود لتفادي الضغوط عليها. ومن المعروف أن السنغال ليست جزءاً من القوة المشتركة لدول الساحل الخمس، التي يعمل أعضاؤها على تنسيق جهود مواجهة الإرهاب عبر الحدود، بما في ذلك القدرة على ملاحقة المسلحين عبر الحدود الوطنية. منذ 29 مارس 2021، شهدت كوت ديفوار ما لا يقل عن 9 ضربات جهادية داخل أراضيها. و يمثل هذا الرقم زيادة كبيرة في الهجمات، حيث شهد عام 2020 هجوماً واحداً فقط في يونيو من ذلك العام وهجوماً جهادياً مفترضاً في أواخر ديسمبر من العام نفسه. ولاشك أن هذا الاتجاه يؤكد وجود تطور خطير ومثير للقلق، حيث يستمر العنف الجهادي في منطقة الساحل، ولا سيما في مالي وبوركينا فاسو، في الانتشار جنوباً ويهدد دول غرب أفريقيا الساحلية.
وعن تمدد داعش جاء في الدراسة: "يبدو أن تنظيم داعش يحاول، بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق، أن يثبت أنه باقٍ ويتمدد عبر بوابة أفريقيا. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القوات التي هزمت بوكو حرام بزعامة شيكاو لم تكن تقاتل تحت العلم الوطني النيجيري، بل كانت تقاتل تحت أعلام داعش السوداء لعلمنا مدى قدرة هذا التنظيم الارهابي على التمدد والانتشار. لقد جاء مقتل شيكاو تتويجاً لحملة داعش في ولاية غرب أفريقيا للقضاء على جماعة يعتبرها منافساً وتهديداً محتملاً. بالانتقال من القواعد إلى الشرق، حول بحيرة تشاد، اجتاحت قوات أبو مصعب البرناوي الأشجار الكثيفة لغابة سامبيسا الشاسعة وحاصرت شيكاو حتى قضى نحبه. كان هذا شىء لا يمكن تصديقه، حيث لم تتمكن القوات النيجيرية بكل عددها وعتادها من القيام به خلال 12 عاماً من القتال، على الرغم من إرسال فرق العمل متعددة الجنسيات التي شكلتها الحكومات الغربية والمبالغ الهائلة من المساعدات المخصصة للقضاء على بوكوحرام.أفادت بعض المصادر أن مقاتلي بوكو حرام انضموا إلى فريق داعش المنتصر. ومن المرجح على المستوى الاستراتيجي أن يؤدي الاستيلاء على أراضي بوكو حرام في شمال شرق البلاد إلى إرساء منطقة تمتد آلاف الأميال عبر الأراضي النيجيرية على طول الطريق عبر النقاط الملتهبة مثل مالي إلى الحدود الليبية حيث تسيطر الجماعات التابعة لداعش.
ومن جهة أخرى، أضحت القوات الديمقراطية المتحالفة بزعامة سيكا موسى بالوكو بمثابة فرع داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتعرف هذه الجماعة في هذه المنطقة بعنفها الوحشي ضد المواطنين الكونغوليين والقوات العسكرية الإقليمية، حيث أسفرت هجماتها عن مقتل أكثر من 849 مدنياً في عام 2020 وحده وفقًا لأرقام الأمم المتحدة. وفي عام 2019، أضحت الجماعة تشكل "مقاطعة وسط أفريقيا" التابعة لداعش، وتنشط في الغالب في مقاطعتى شمال كيفو وإيتوري على طول حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية مع رواندا وأوغندا. كما تمثل ميليشيا أخرى منفصلة في موزمبيق، تُعرف باسم أنصار السنة أو حركة الشباب، الجناح الثاني لخلافة داعش في أفريقيا الوسطى. ومنذ أكتوبر 2017، تمكنت داعش - موزمبيق، بقيادة أبو ياسر حسن، من قتل أكثر من 1300 مدني. ولاشك أن اختلاف السياق وطبيعة هذين الفصيلين يعكسان تحولاً في تكتيكات داعش من حيث معايير العضوية والانتساب إليها. ربما يعكس ذلك رغبة داعش المركزية في إثبات قدرتها على البقاء والتمدد.
أما عن مواجهة هذه التحديات قالت الدراسة: "وختاماً، كيف يمكن مواجهة هذه التحديات الأمنية الخطيرة ؟ ثمة بعض القضايا التي يمكن أن تسهم في احتواء تداعيات هذه التطورات:
أولاً، يمكن أن يؤدي الاعتماد على جمع الأدلة بشكل أفضل من خلال المصادر الأولية حول النزاعات المجتمعية القابلة للاستغلال من قبل الإرهابيين وطبيعة التحالفات والانتماءات الخاصة بالجماعات الجهادية العنيفة إلى تحسين عملية صنع القرار وتبني استراتيجيات أكثر نجاعة لمواجهة الإرهاب. وعلى سبيل المثال، يؤدي الجدل حول طبيعة ولاء الجماعات الإرهابية في كل من الكونغو وشمال موزمبيق إلى إعاقة المقاربات المتعددة للمواجهة. ربما يكون السبب من وراء ذلك هو الخوف من التداعيات السياسية للاعتراف الرسمي بتمدد كل من داعش والقاعدة في الأقاليم الأفريقية.
ثانياً، الاعتراف بأن أسباب التطرف والمظالم الاجتماعية غالباً ما تكون مرتبطة بالسياسة وقضايا التنمية، وهو ما يعني ضرورة تبني مقاربات بديلة لمعالجتها. من المرجح أن بعض الحكومات الوطنية تقوم بتسييس بعض الصراعات، ولكن من المفيد هو إقناعها بالتدخل بشكل يعلى من المصالح الوطنية العامة ويحافظ على وجود الدولة ذاتها.
ثالثاً، إثارة المناقشات المجتمعية المفتوحة حول أفضل الطرق لمواجهة التحديات الإرهابية من خلال الاعتماد على مبادرات تتوافق مع السياقات الداخلية والبعد عن الحلول المستوردة. وعلى سبيل المثال، فإن أى قرار لتسليح جماعات الحماية المدنية لمواجهة خطر الهجمات الارهابية لا ينبغي أن يحدث في دائرة مغلقة تقتصر على مسئولي الأمن. بدلاً من ذلك، يجب أن تتم مثل هذه المناقشات علناً للسماح لمجموعات وطنية أكثر تنوعاً بالتعبير عن وجهات نظر بديلة.