مجلة الكلمة تشارك في وداع حسن حنفي
الأربعاء 03/نوفمبر/2021 - 12:39 م
طباعة
روبير الفارس
في وداع حسن حنفي نشرت مجلة الكلمة في عددها الصادر مؤخرا نوفمبر 2021 دراسة مهمة للكاتب أشرف الحساني لتسليط الضوء على المفكّر المصري حسن حنفي (1935-2021) ناقِد الاستشراق ومفكّر علم الاستغراب ومُجدّد التراث العربي ومُنظّر فكرة اليسار الإسلامي، والمُدافع بقوّة عن الإسلام الحضاري، بعيداً عن نظيريه السياسي والطائفي.
ومما جاء في الدراسة أنّ ارتكاز حنفي إلى إشكاليّة الغرب والعرب ونظرتهما المُتقاطعة إلى مسألة تجديد التراث، تجعله الأكثر غزارة على مستوى الموضوع. المُلاحظ في هذا الجيل العربيّ، أنّه لم تُحرّكه فقط دوافع فكريّة وذاتيّة إنّما مَشاغل إصلاحية وهمّ قومي تتمثّل في تأصيل المشروع القومي العربي وخلخلة مُرتكزاتٍ وجملة تصوّراتٍ وأفكار مُترسّبة في بنية التفكير العربي الإسلامي منذ العصر الوسيط. مشاغل تهدف في الأساس إلى تقديم قراءاتٍ مغايرة للتراث العربي من وجهة نظرٍ تُعلي من قيمة العقل وتحجب كل تفكير ميتافيزيقي. لقد انتمى صاحب «في الفكر الغربي المعاصر» (1977) إلى زمنٍ لم تكُن فيه العولمة(»الإنجيل الجديد» كما يُعرّفها المفكّر سمير أمين) قد بدأت تكتسح الطوبوغرافية العربيّة. آنذاك بدا الفكر العربي الحديث كأنّه معنيّ أكثر بمفهوم الإصلاح السياسي أكثر من مراجعة الموروث الفكري العربي، بخاصّة أنّ النّظرة السياسيّة المحضة ظلّت محكومة بطبيعة السياق السياسي والظرفية التاريخيّة الاستعمارية التي انتمت إليها المنطقة العربيّة. إذْ بقيت تحكم التراث العربي، المرجعية الإسلامية من طرقٍ وآلياتٍ وميكانيزمات في صناعة أفكارٍ كانت غربية بامتياز. لكن مع تدويل التراث العربي واستفحال ظاهرة العولمة، غدت الكتابة العربيّة، فلسفة وتاريخاً، تروم إلى إحداث قطيعة منهجية في النّظر إلى التراث العربي جرّاء دخول مفاهيم غربية في مقاربة المفهوم (المنهج الماركسي مع حسين مروة والطيّب تزيني مثلاً) تقوم على ابتداع مشروع فكري جديدٍ يُوازي في خطابه بين أصالة الثقافة العربيّة الإسلامية وحداثة المنهج التاريخي الحفري المُستمدّ من الغرب.وقال اشرف الحسانيما نرغب تأكيده في هذا السياق، أنّ دخول مفهوم العولمة في ثنايا الخطاب الفكري العربي، جعل هذا الفكر نفسه منذ الخمسينيات يُغيّر مسار رؤيته ونسق تفكيره ونظرته إلى التراث العربيّ وتاريخه، متوقّفاً عند إمكانية تحصين هذا الموروث الثقافي العربي. على هذا الأساس، طالعنا منذ الثمانينيات مفهوم «الأمن الثقافي» للمُفكّر المغربي عبد الإله بلقزيز، كواحدٍ من المفكّرين العرب الذين لامست كتاباتهم مؤلّفات حسن حنفي على صعيد مفاهيم التجديد والتراث والعروبة والإسلام والهويّة، وتقاطعت في أحيانٍ كثيرة على مستوى المنهج أو الخلفية الإبستمولوجية التي أسّست مسار كل واحدٍ منهما. في «الأمن الثقافي»، يدعو عبد الإله بلقزيز إلى ضرورة تجديد التراث وتحصين تاريخ الثقافات الوطنية من التشتّت والانحلال في ثقافة الآخر، حيث غدا مفهوم الهويّة مُهدّداً، لا من الغزو الكولونيالي فحسب، كما حدث بين الثلاثينيات ومطالع ستينيات القرن الماضي، إنّما هذه المرّة من لدن العولمة وقدرتها على الاستفحال داخل الثقافات المحلّية وتفكيك لغاتها وآدابها وفنونها. أيْ كلّ ما يضرب في صميم الهويّة العربيّة، بما يُميّز خصائصها وتمظهراتها داخل النسيج الثقافي.
لكن عند حسن حنفي، تتخذ مسألة العولمة أبعاداً مُغايرة، فهي عنده نتيجة سياقاتٍ تاريخيّة، تحمل في نظره صورة «استشراقيّة» تهدف إلى تثمين سيطرة الغرب على العرب ومدن الشمال على الجنوب، بما يجعلها تكتلاً اقتصادياً قويّاً مبنياً على ثقافة الترفيه والصورة والاستهلاك. ذلك أنّ أخطر ما قد يُواجه العرب في نظر حنفي هو تلاشي وإمحاء هويّتهم الثقافيّة الرمزية وذوبانها في ثقافة الآخر الغالب. لذلك يطرح في كتابه المُشترك مع صادق جلال العظم «ما العولمة؟» (....) إمكانية الحديث عن مقاربة نوعية لظاهرة العولمة من زاوية إسلاميّة بما أنّها ظاهرة تاريخيّة.
أوّل ملمحٍ فكري يستمدّه المرء من قراءة أعمال حنفي، أنّها شديدة التدقيق في قضايا ومسائل شغلت المُفكّرين العرب. ذلك أنّ القارئ لنتاجه الفكري، لا يُمكن إلاّ أنْ يندهش من قدرته على المغايرة والاختلاف في بسط قضايا التراث والتجديد. ويوقل الحساني أنّ حنفي، قد يكون أكبر مفكّر إسلامي عرفته البلاد العربيّة، خاصّة أنّ حجم مؤلّفاته الفكريّة والتاريخيّة ذات النفس التسلسلي تحتل مكانة هامّة ومركزيّة داخل الأنساق العربيّة، بوصفها مشاريع مُركّبة يتمازج فيها الفكري بالتاريخي والأنثروبولوجي بالسوسيولوجي. لكنّها في النهاية تشكّل كتابة واحدة ذات ملامح معاصرة تغوص في التراث العربي القديم، لكنّها لا تذوب وتتلاشى في غيبوبة ماضيه. ذلك أنّها تبقى متيقّظة، حذرة، ممسوسة تجاه الانتماء إلى الحداثة والمناهج الغربية المعاصرة، التي تسلّح بها في رحاب جامعة «السوربون»، حيث درس وتتلمذ على يد أقطاب الفكر الفلسفي الفرنسي.