"الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة”.. في أزمة النهضة وأسئلتها وفهمها...
الأحد 27/فبراير/2022 - 02:55 م
طباعة
محمد عبد الكريم
صدر مؤخرًا للكاتب والمفكر المصري د. هاني نسيرة كتاب "الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة.. أزمة تصورات النهضة في الفكر العربي الحديث"، والذي يمثل امتدادا لسلسلة من كتبه المهمة مثل، "الإيديولوجيا والقضبان: نحو أنسنة الفكر القومي العربي" في 2002م، و "أزمة تاريخ أم أزمة وعي، د. محمود عزمي سيرة ليبرالي منسي" في 2005م، و "متاهة الحاكميّة: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية" في 2015م، وغيرها..
يحاول الدكتور نسيرة في هذا الكتاب تفكيك سؤال نهضة العرب والمسلمين، ويكشف عن الإعاقة المفهومية الباكرة في أطروحاتها ومعارضاتها، مفسرا كيف كانت كثير من مفاهيمها قابلة للإزاحة والتهميش وفق تصورات وتأويلات إسلامية – أو إسلاموية – متخيلة، لا تتعارض معها في الحقيقة، موضحا أن هذه التصورات ترسخت في الوعي عبر التاريخ.
ويقع الكتاب تفصيلا في خمسة فصول، الأول بعنوان "النهضة المعاقة وتحولات الخطاب العربي في العقد الأخير" ويتناول فيه الكاتب ولادة سؤال النهضة ومفاهيمها في العالم العربي، والذي أشار فيه إلى اشتراك مختلف تيارات الفكر العربي الحديث في محاولة الإجابة على سؤال النهضة المستمر، والخلاف حوله. كذلك، رأى فيه الكاتب أن سؤال النهضة -والتخلف- العالق منذ قرنين من الزمان، دون أن تتحقق إجاباته، كان منطلق كل مشاريع النهضة العربية منذ ولادتها في أخريات القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.
كما يشمل هذا الفصل بحث الرابطة السياسية بين الأمة والوطن، فقد أشار إلى أنه بحكم تمكنه من الذاكرة واللاشعور الجمعي، والشعور الديني، كان تصور "الأمة" هو المقدم على غيره من التصورات، كونه التجلي الأول للشعور الجماعي للناس، حيث احتوى في عباءته الدينية والقومية الجميع. كما تم التطرق إلى التنازع القائم بين تصوري "الوطن" و"الأمة" من حيث الصفات الجغرافية، والسياسية والقانونية الحديثة، إضافة إلى استمرار مشكلة تعاطي العرب -على اختلافهم- مع مفهوم الدولة الحديثة. كذلك بحث الفصل طرح شديد الأهمية والخاص بتحولات الخطاب العربي بعد 2011، والتي كان من أبرز ملامحها فقدان الخطاب العربي للكثير من أهميته وتأثيره، كما تراجع دور الفكر والنظر الفلسفي العميق في السياقات العربية الراهنة، كما انزاحت قضايا وشعارات ونماذج عن الواجهة والأولوية وصعود مضاداتها أو غيرها مكانها.
أما الفصل الثاني وعنوانه "أزمة التصورات في الفكر العربي المعاصر: إشكالات الفهم وهشاشة التأصيل" فتطرق لهشاشة التأسيس عند كثير من التيارات الفكرية العربية الحديثة، الأصولية الماضوية أو الحداثة، كما أشار إلى فشل الأفكار الليبرالية أو أفكار الحريين كما كانوا يسمون في بدايات القرن العشرين، في التمكين لأنفسهم اجتماعيا وجماهيريا، وذلك في فترة زمنية شهدت الكثير من الجدل الفكري من مختلف التيارات. أيضا أُلقي الضوء على صياغة الإسلام المتخيل عند جماعات الإسلام السياسي، ليكون المرجع الوحيد للنهضة المعاقة التي يبغونها ويطلبونها، التي تختزل في معارك التاريخ المستمرة غلبة وانتصارا وتمكينا فقط.
كما تطرق الفصل إلى أزمة التصورات وغياب الوعي التاريخي، إضافة إلى بحث إشكالية الحكم والخلافة بعد النبي وحجج الأصولية الإسلامية المعاصرة، وإشكالية وجود مبادئ للحكم في القرآن والحديث، والتي ما زالت تتداول أحاديثها حتى وقتنا هذا. كذلك تناول مسألة غياب مفردة ومفهوم الدولة عند المسلمين، ومفهوم الدولة وأزمته بين القديم والحديث، وفيها تم استعراض خصائص وشروط الدولة الحديثة، إضافة إلى بحث تصور ومفهوم الأمة عند الإسلاميين والقوميين.
وبالنظر للفصل الثالث وعنوانه "صراعات تصوري الأمة والوطن في الفكر العربي الحديث" فنجد أنه يستعرض التصور الطبيعي للأمة والوطن، وتوجهات مفكرو النهضة من أصحاب التوجهات الدينية والروحية أو المدنية. كذلك رصد تصور الوطن في الفكر العربي الحديث، وصعود الاتجاه الوطني النهضوي في الفكر العربي الحديث مع نشأة الدولة الحديث في مصر وتونس، وغيرهما قبل وبعد الاستقلال، ثم الإسلام السياسي المتخيل وصراع الأمة والوطن، وبحث تأثير الخطاب الأصولي المعاصر على مفاهيم الدولة المختلفة، واستعراض الصراع بين تصوري "الأمة" و"الوطن"، إضافة إلى معركتي الأدلوجة الأصولية الإسلامية في سبيل ذلك، وهما: تشويه فكرة القومية العربية، وتشويه فكرة الوطن والوطنية.
أما عن الفصل الرابع وعنوانه "إشكالات تصور الدولة في الفكر العربي الحديث بين الحاكمية والحداثة"، فيتطرق إلى المصطلحات الأصولية المختلفة عن أنظمة الحكم السياسي المختلفة، وجهود تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون في أسلمة مختلف جوانب الحياة. فيتطرق فيه الكاتب إلى التفسير السياسي للإسلام والهروب من التاريخ، ودور حسن البنا كأول من وضع بذور التفسير السياسي للإسلام، والتي أثمرت صلابة خطابه الراديكالي فيما بعد، والذي تناقلته جل التنظيمات والجماعات الإسلاموية السياسية والمتشددة على السواء. كما لم يتوقف الأمر عند البنا، بل تطرق إلى عدد من الكتاب والمنظرين الإسلاميين أمثال المودودي وسيد قطب وغيرهم في ذات السياق وتأثير فكرهم على التوجهات الإسلاموية المتشددة.
أيضا في ذات الفصل، يتم التطرق إلى المرحلة من الحاكمية إلى الديموقراطية، والنظر إلى تأثير الحاكمية في نتيجتين خطيرتين هما: التمهيد لموجة تكفير الأنظمة الحاكمة ومعاداتها لاحتكامها للتشريعات الوضعية، وتركيز الحاكمية إلى دفع حركات الإسلام السياسي إلى التركيز على تطبيق الشريعة أو أسلمة التشريع والقوانين.
وأخيرا الفصل الخامس تحت عنوان "الإسلام السياسي وسؤال العلمنة بين التجربة والفرصة"، والذي ركز على استكشاف التصورات المركزية للإسلام السياسي في الموقف من الحزبية وتعدد الأحزاب، وتناول تحليل برامج بعض أحزاب الإسلام السياسي، سواء في طبعتها الإخوانية والنهضوية، أو في نسختها السلفية الحزبية الصاعدة الجديدة. كذلك، تم التطرق إلى بحث أسباب تراجع جاذبية الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، والمعلوماتية وتحدي الوصاية الأصولية، إضافة إلى صراع الأجيال داخل جماعات التطرف وحصاد الحكم الأصولي وتعرية التجربة.
كما أكد الباحث على فشل التجربة الأصولية في الحكم "منذ نجاح الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979 يتجسد شكل الحكم الإسلاموي بعد سقوط الخلافة، ورغم ما طرحته الخمينية من طموح تصدير ثورتها عالميا، إلا أن التجارب القطرية والوطنية والمناطقية التي طبقت فيها تجارب الحكم الأصولي، من آسيا إلى أفريقيا كانت تجارب مرة وفاشلة نفر منها المواطنون والمسلمون والعالم معها.." ص239.
وختاما، يرى دكتور نسيرة في الحديث عن حصاد الحكم الأصولي دوليا أنه تعرت تجارب الحكم الأصولي في نموذجين كبيرين مختلفين نسبيا، زهد معهما الناس في يوتوبيا الجحيم الأصولي ووعوده الفاشلة، التي صدمة كثيرا ممن انخدعوا بها قبل رافضيها، وهما: السقوط السياسي لجماعة الإخوان في مصر في 30 يونيو سنة 2013 بعد تجربة حكم دام عاما ثقيلا ترنحت فيه الدولة والمواطنة والسلم الأهلي معا، ثم تجربة سقوط "دولة داعش" المدوية، بعد تجربة حكم دامت أربعة أعوام في سوريا والعراق.