عملية مياه سيناء الإرهابية.. رسالة فاشلة
الثلاثاء 10/مايو/2022 - 08:36 م
طباعة
حسام الحداد
منذ يناير ٢٠٢٢، ونحن نحذر من عودة الإرهاب مرة أخرى للداخل المصري نتيجة الضغوط الخارجية على التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، ما أدى إلى انقسام الجماعة إلى معسكرين ابراهيم منير في لندن ومحمود حسين في تركيا، وقطع التمويل عن مجموعة محمود حسين والضغوط التركية عليها للتقارب مع مصر، وكان هذا سببا رئيسيا في محاولات العودة وتنفيذ بعض العمليات التي تعيد هذه المجموعة للمشهد مرة أخرى، وكانت أول العمليات استهداف القس ارسانيوس وديد في الإسكندرية الشهر الماضي، وتلتها عملية استهداف محطة المياه في سيناء والتي راح ضحيتها ضابط و١٠ جنود، والتي اعلن تنظيم داعش مسئوليته عن العملية بعد ما يزيد عن 24 ساعة من تنفيذها وهذا لا شك له دلالات مهمة سوف نحاول مناقشتها هنا، و الجميع يعلم ارتباط داعش سيناء بجماعة الإخوان وتأكد هذا الارتباط على لسان البلتاجي في اعتصام رابعة ونتذكر كلمته الشهيرة "سيتوقف ما يحدث في سيناء بعد عودة محمد مرسي"
حسام: الحداد: لماذا تأخر اعلان داعش مسؤوليته عن محاولة استهداف محطة المياه؟
أعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة عصر السبت 7 مايو 2022، عن احباط عملية الهجوم الإرهابي الذي استهدف إحدى محطات رفع المياه بمنطقة شرق القناة، والتي أسفرت المواجهة المسلحة عن مقتل ضابط و10 جنود وإصابة آخرين، وزاد عدد القتلى في اليوم التالي حيث توفى 5 مصابين وكانت الحصيلة 17 شهيدا من أبناء القوات المسلحة.
وقال المتحدث باسم القوات المصرية إن مجموعة من العناصر التكفيرية نفذت هجوما على نقطة رفع مياه شرق القناة وتم الاشتباك والتصدي لها من العناصر المكلفة بالعمل في النقطة.
وصرح بأنه يتم مطاردة العناصر الإرهابية ومحاصرتهم في إحدى المناطق المنعزلة في سيناء، وأكدت القوات المسلحة استمرار جهودها فى القضاء على الإرهاب واقتلاع جذوره.
ولم يعلن تنظيم الدولة "داعش مسؤوليته عن هذا الهجوم إلا بعد ما يزيد عن 24 ساعة من وقوعه وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتأخر فيها تنظيم الدولة عن الإعلان عن عملية قام بها مما يفتح بابا كبيرا لعدد من التساؤلات والتي تدور حول حقيقة أن التنظيم هو منفذ العملية خصوصا وأن العملية استهدفت مؤسسة مدنية وليست منشأة عسكرية كما عودنا تنظيم داعش في عملياته، وأن الذي كان يقوم بهذا النوع من العمليات واستهداف المنشآت المدنية المكاتب النوعية لجماعة الإخوان الإرهابية مثل حسم ولواء الثورة والمقاومة الشعبية وكتائب حلوان وغيرها من الحركات التي انتشرت في مصر بعد سقوط الجماعة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وفض اعتصامي رابعة والنهضة.
ومن هنا تشير أصابع الاتهام رغم اعتراف داعش بتنفيذ العملية إلى جماعة الإخوان أو على الأقل ثمة تعاون مشترك بينهما في تنفيذ هذه العملية وتأخر اعلان المسؤولية عن التنفيذ حتى يتم الاتفاق فيما بينهما عن اسناد العملية لأي فريق، خصوصا وان التسريبات الأخيرة التي تضمنها مسلسل الاختيار أكدت على وجود علاقات قوية بين جماعة الإخوان الإرهابية وعدد من قيادات وعناصر تنظيم الدولة "داعش سيناء".
ولا شك ان وضع جماعة الإخوان والضربات المتلاحقة التي تتلقاها من النظام المصري ومحاصرتها داخليا ليس فقط على المستوى الأمني بل أيضا على المستوى الفكري والفني والثقافي، وكذلك محاصرتها دوليا بتقارب العلاقات مع قطر وتركيا والضغوط التي مارسها عليها الجانب التركي لتدعيم هذا التقارب، جعلها في حالة استنفار دائم وتحاول الرد والعودة للمشهد ولو عن طريق المساهمة في تنفيذ مثل هذه العمليات لاستغلالها في نشر الشائعات عن الجيش المصري والدولة المصرية ومحاولة هز ثقة المصريين في قواتهم المسلحة او المؤسسات الأمنية.
كذلك في نجاح العملية الشاملة سيناء 2018، واعلان الرئيس السيسي في الافطار الجماعي إن القوات المسلحة المصرية دفعت 84 مليار جنيه خلال الـ 7 أو 8 سنوات ماضية، «ثمن كان لازم ندفعه، دي تكاليف الصراع، بس خلاص الموضوع خلص، بيقولولي طب أعلن بقى إن سيناء أصبحت خالية من الإرهاب، أنا بقول لما نخلص إزالة العبـوات الناسـفة والمـتفجرات اللي كانت موجودة، واللي حطوها في حتت كتير من رفح والشيخ زويد والعريش، نقدر ساعتها نعلن إنه تم تطهير أو انتهاء الإرهاب في سيناء»، هذا التصريح الذي أوجع "داعش" كثيرا وحاول أن يرد بعملية لإثبات وجودة ليقول أنه مازال يعمل في سيناء، هذا بجانب صحوة القبائل ومحاولتهم تنظيف سيناء من الوجود الداعشي مما اطر عناصر التنظيم الى التخلي عن اماكن تمركزه في الشيخ زيد ورفح والعريش وبئر العبد والاتجاه الى الأطراف حتى يكون بعيدا عن أعين القبائل والقوات المسلحة، إلا أن أبناء القبائل استطاعوا الفترة الماضية بالتعاون مع الجيش المصري تنظيف وتطهير جزء كبير من سيناء من هذه العناصر.
هشام النجار: عملية محطة المياه الإخوان وداعش كانوا هناك
قراءة خلفيات وأهداف الهجوم الإرهابي الغادر الذي شنته خلية موالية لداعش بغرب سيناء واستهدف محطة رفع المياه شرق القناة، تؤشر لعنوان رئيسي مفاده حاجة الإخوان الإرهابية وداعش الإرهابي الماسة لعملية كبيرة تخفف من بعض الضغوط عليهما وتمنحهما ولو مساحة ضئيلة للتنفس.
لم تكن جماعة الإخوان بعيدة عن أي حدث إرهابي وقع في مصر في الماضي أو الحاضر أو مستقبلًا سواء جرى تنفيذه بأيدي خلايا سرية تابعة لها أو خلايا تابعة تنظيميًا لحلفائها التكفيريين، واليوم تبحث جماعة الإخوان عن حدث سلبي يصيب استقرار الدولة في خضم عزلتها السياسية وعدم الاستجابة لدعوات المصالحة المزعومة التي أطلقها القيادي بالجماعة المتهم غربيًا بتمويل القاعدة يوسف ندا، وفي ظل ما تعانيه الجماعة من انكشاف غير مسبوق كرسته دراما مسلسل الاختيار الموثقة بالصوت والصورة والمشاهد الحية، فضلًا عن الذعر الذي يتملكها من التحولات في الإقليم وهواجس تخلي داعميها عنها.
قراءة العمل الإرهابي الأخير من زاوية واحدة عبر التركيز على منفذيه المباشرين المنتمين لداعش ووضع تحليلات تنحصر في هذا السياق تخل بالمعالجة التي يجب أن تكون شاملة لكل الزوايا على ضوء اعتبار داعش مجرد أداة تنفذ مهام محددة يستفيد منها لكنها تخدم في الأخير أهداف قوى وكيانات أكبر، خاصة تنظيم الإخوان الإرهابي الذي اعتاد هندسة الحراك الإرهابي في توقيتات وأماكن محددة بما يخدم مصالحه ويتوافق مع حساباته الآنية.
نعم داعش يرغب في الثأر لما أصابه بعد الضربات القاصمة التي تلقاها من الجيش المصري خلال الأعوام الماضية ما أفقده نفوذه وتمركزاته بمنطقة بئر العبد في أقصى الشمال الغربي وفي مثلث رفح والعريش والشيخ زويد شرقًا وحرمه من كبار قادته المحليين والوافدين، علاوة على حاجة فرعه في سيناء استغلال وجود قيادة جديدة للتنظيم المركزي في العراق وسوريا بعد مقتل عبدالله قرداش للفت نظر القيادة الجديدة وإثارة إعجابها بنشاطه ما يدفعها لإيلاء الاهتمام بهذا الفرع والشروع في دعمه ماليًا.
لكن هذا التصور يغفل المشهد العام والصورة المكبرة حيث يظهر غول جماعة الإخوان في الخلفية والتي تجمعها بداعش أهداف مشتركة وحسابات دقيقة لا يمكن أن يصوغها داعش منفردًا، نستطيع تلخيصها في عناوين ونقاط سريعة، أولًا: محاولة هز العلاقة القوية التي توطدت بين الجيش وقبائل سيناء التي تقوم بدور حيوي وهام في محاربة الخلايا الإرهابية عبر إتحاد القبائل وبالتنسيق مع الجيش والأجهزة الأمنية. ثانيًا: رغبة الإخوان وداعش في التشويش على الخطة التنموية الضخمة الجاري تنفيذها في سيناء باستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة وشبكة الطرق والكباري وتحديث الموانئ ومشروعات التعمير، ما يرد الاعتبار لأهالي سيناء ويعيدها حصنًا للوطن ومنطقة جاذبة للاستثمار، وهذا يتناقض مع مخطط الإرهابيين في الإخوان وداعش الحريص على إبقاء سيناء ساحة جاذبة للمتطرفين من الشرق والغرب، وهذا يفسر اختيارهم للهدف من خلال الهجوم على محطة رفع المياه والتي ترمز للمشروعات التنموية الجارية في سيناء. ثالثًا: رغبة التنظيمين الإرهابيين في التقليل من قيمة المنجز الوطني الأمني والتنموي في سيناء، بعد النجاح في سد غالبية الثغرات الأمنية في سيناء ونشر قوات الجيش بمناطق لم يكن مسموحًا بوجودها بموجب اتفاقية السلام، ما فتح مساحات للحياة والبناء والتعمير وتدفق المواطنين على سيناء للإسهام في تعميرها وتحصينها بشريًا بعد التحصين الأمني والعسكري، وهذا معناه كتابة سيناريو النهاية للإخوان وحلفائها التكفيريين، لذلك لجأوا لتنفيذ عملية خسيسة ظنوها واهمين قادرة على التشويش على هذا المسار الوطني وعلى تفكيك اللحمة الوطنية والتعاون والتشارك بين المواطنين من كل ربوع الوطن وفي أرض سيناء والجيش والشرطة قبل أن يشتد ويقوى.
عصام الزهيري: الإخوان وداعش ومحاولات استهداف الشعب المصري
أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن الهجوم الإرهابي الأخير على محطة رفع المياه بغرب سيناء وشرق القناة. وكانت القوات المسلحة أعلنت يوم السبت في بيان لها عن الهجوم، ذكرت فيه أن المقاتلين المصريين المكلفين بحماية المحطة تصدوا له مما أسفر عن استشهاد ضابط وعشرة جنود وإصابة 5 أفراد.
على ذلك لا يمكن في تقديري حصر زوايا النظر وسياقات التحليل لهذا الهجوم الإرهابي لسببين رئيسيين:
الأول، هو أنه يأتي في سياق الحرب التي يشنها الجيش المصري على التنظيمات الإرهابية، وفي إطار الرد على عمليات استئصال قتالية موسعة للإرهاب قامت بها القوات المسلحة في سيناء، وفي حروب من هذا النوع الخطير - اصطلح على تسميتها بحروب الجيل الرابع - لا يمكن تحليل الأحداث من خلال معلومات دقيقة معلنة وموثقة لاعتبارات أمنية وقانونية معلومة.
الثاني، أن الهجوم الإرهابي أتى بشكل مفاجئ في أعقاب إعلان الجيش عن قرب انتهاء عملياته وإعلان تطهير سيناء بالكامل من التنظيمات الإرهابية، وحسب تصريح للرئيس عبدالفتاح السيسي فإن ما صار يفصلنا عن إعلان تطهير سيناء من الإرهاب هو تطهيرها من حقول الألغام التي زرعها الإرهابيون على طريق مدينة رفح.
لهذين السببين فإن عددا كبيرا من العوامل يمكن أن يسهم في فهم وتحليل طبيعة الهجوم، منها:
- التوقيت: إذ وقع الهجوم الإرهابي عقب أيام قليلة تلت احتفالات عيد الفطر، وهو التوقيت المميز في نظر جماعة داعش للقيام بأعمالها الإرهابية التي تحرص على التجهيز لها بعناية خططية وميدانية. الحرص على التوقيت التقليدي ينطوي على رسالة لافتة وغير تقليدية تقول للجميع بكلمات قليلة: نحن لا نزال هنا.
- الموقع: وهو عامل ينطوي على حزمة اهداف انتقامية لداعش، فالهجوم الذي وقع غرب سيناء بعيدا عن بؤر النشاط وميدان العمليات التقليدي شرق سيناء، هو محاولة من قبل الإرهابيين للإيحاء بأنهم ليسوا موجودين وقادرين على القيام بأعمال هجومية فقط، ولكن بأن لهم كذلك أذرعا طويلة – وربما خلايا نائمة – تستطيع أن تضرب في مناطق بعيدة نسبيا عن بؤر تواجدها ونشاطها. وإن كان الإيحاء بذلك لا يمكن التعويل عليه في ظل اطمئنان توطد لشهور طويلة مضت تجاه ضعف ومحدودية قدرات الإرهابيين العلمياتية واللوجيستية، ودخولهم في مرحلة الاحتضار بشكل لا يمكن التشكيك فيه عبر عملية واحدة أو ضربات محدودة. ولعل الرسالة بشكلها ذاك تكون موجهة للممول الخارجي لتشجيعه على تمويل التنظيم بسخاء، بأكثر مما هي موجهة للقوات المسلحة المدركة إدراكا كافيا لقدرات التنظيم الحقيقية على الأرض.
- الاستهداف: هجوم على محطة لرفع المياه يحمل من غير شك دلالة العمل الانتقامي ضد أهالي سيناء وقبائلها بسبب تعاونهم الوطيد مع القوات المسلحة، وهو تعاون وصل إلى حد الاستهداف اليومي للارهابيين من طرف القبائل السيناوية. وبدون حاجة لذكر ذلك فإن الهجوم يشكل عملا انتقاميا ضد حصار القوات المسلحة للتنظيمات الإرهابية وتشديدها الخناق عليها اقترابا من القضاء المبرم عليها. لكن الدلالة الأهم تدور في مستوى استنزاف داعش لمشروعات التنمية ولمقدرات الدولة الاقتصادية، بعد أن شكلت مشروعات الدولة التنموية عاملا حاسما في القضاء على الإرهاب وخنقه في سيناء.
- الجوار: جهود القوات المسلحة في ملاحقة وهدم الأنفاق على الحدود بين رفح وقطاع غزة، وفي كسر الارتباط بين تنظيمات سيناء ومراكز الدعم بداخل غزة، كان له الفضل في تقليل فعالية عامل الجوار الحدودي مع القطاع، غير أن الانشقاق الذي وقع مؤخرا في صفوف مقاتلي حماس وأدى إلى خروج مجموعات من الجهاديين المسلحين عن خط حماس السياسي، هو انشقاق يعيد للمشهد بقوة احتمال عودة عامل الجوار الحدودي مع القطاع مجددا إلى موقع التأثير في مسار الحرب المصرية على الإرهاب، فهناك احتمال - لا يمكن التحقق من مدى قوته - أن يكون لبعض العناصر المتسللة عبر الحدود مشاركة ملموسة في الهجوم الأخير.
- دعم إخوانوداعشي: من أهم زوايا النظر الممكنة في تقديري للهجوم الإرهابي، وهو دعم محتمل في الاتجاهين: اتجاه دعم الجماعة الإرهابية لتنظيمات سيناء بعد الضربات والانشقاقات الموجعة التي أضعفت مجموعات الإخوان في بؤر تمركزها في الخارج، على الأخص في تركيا وقطر، حيث يمكن أن يؤدي تجدد العمليات الإرهابية في سيناء إلى الإيحاء بفشل القوات المسلحة في مواجهة الإرهاب، وهو ما يعضد في المحصلة موقف الجماعة الإرهابية وشركاءها السياسيين، على غرار مجموعة "أيمن نور" ومجموعة حزب الوسط وغيرهما، مما يشكل في اعتقاد الجماعة عامل ضغط على الدولة المصرية في اتجاه إشراك طرف منهم في الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس السيسي.
الاتجاه الآخر هو اتجاه دعم داعش لحملة التطويق السياسية الإعلامية التي بدأ الإخوان في شنها ضد الدولة المصرية، على هامش محاولة الجماعة الإرهابية استغلال التأثيرات الضارة للأزمة المالية العالمية وأوضاع الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد المصري، ومحاولة تفجير شحنات غضب بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي ينتظر أن يعيشها المصريون لأشهر قادمة كما تعيشها شعوب العالم الأخرى.
المراقب لحملات إعلام الجماعة ولجانها وخلاياها على الشاشات ومواقع التواصل يمكنه أن يلمح قصدية - لا يجوز الغض من شأنها - وراء وقوع الهجوم الإرهابي في توقيته الحالي. ففي أعقاب حملات تكفيرية متشنجة شملت نشر شائعات وطالت عددا كبيرا من رموز الاستنارة والوطنية من الإعلاميين والفنانين المصريين، وامتدت لكل من صادفته في طريقها من شخصيات وأحداث رسمية، بداية من وزير الأوقاف حتى تجديدات المشهد الحسيني، ومع بلوغ تلك الحملات ذروتها بمحاولة تصوير خروج المصريين لصلاة العيد في الميادين كما لو كان فعلا يحمل دلالة ثورة إسلامية صامتة (!!)، توجت تلك الحملات مؤخرا بدعوات النزول للشارع، بالتزامن مع الفبركات المخابراتية لصور حوادث عنف شرطي ملفقة، بثها بعض إعلاميي الجماعة المدربين مخابراتيا على منصاتهم الإعلامية وفي مواقع التواصل.
هنا بالذات يأتي هجوم غرب سيناء الإرهابي المؤلم للمصريين ليقلب بدلالاته وسياقاته ونتائجه كل الموائد على رأس الجماعة الإرهابية ومخططاتها، أي على عكس كل تصوراتها على طول الخط، وهو ما تكرر وقوعه في كل الأحداث الإرهابية السابقة، حيث كان مفعولها المؤلم منبها قوي المفعول للمصريين على خطورة ما يستهدفه أهل الشر بحملاتهم الخبيثة وأعمالهم القذرة والدموية.
عمرو فاروق: الإخوان وشراكة داعش في محاولات الهجوم على الشعب المصري
تعيش جماعة الإخوان حالة من التقهقر والإنحدار على المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي،على مدار السنوات الثماني الماضي، عقب سقوط أقنعتها وظهور وجهها الحقيقي أمام الدوائر الشعبية العربية، التي خدعت مرارًا في منهجها وتوجهاتها تحت غطاء شعارات التدين الوسطي.
ارتماء جماعة الإخوان وقياداتها في أحضان الأجهزة الاستخباراتية وانخراطهم في القيام بأدوار وظيفية، يمثل السمة الغالب في منطلقات تعاملهم مع الأنظمة العربية الحاكمة، وسعيهم الدائم للوصول إلى السلطة على حسب الاستقرار الداخلي للدول التي تغلغلوا في مفاصلها، من قبيل الاستحواذ على مؤسساتها وتطويعها لخدمة أهداف المشروع القطبي البناوي.
في ظل التغييرات التي تشهدها خريطة القوى السياسية دوليًا وإقلميًا، لايمكن التغاضي عن الدور المنوط بجماعة الإخوان، وجماعات الإسلام السياسي بشكل عام، التي تمثل الأداة الأكثر رواجًا وسهولة في تمرير الكثير من سيناريوهات التقسيم والإطاحة بالأنظمة السياسية، وإعادة هيكلة الأوضاع وفقًا لتوجهات اللوبي الأوروبي الأمريكي، لاسيما في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
اعتبر البعض أن جماعة الإخوان انتهى دورها الوظيفي كلية عقب سقوطها المدوي في الكثير من الدول التي تصدرت فيها المشهد السياسي، خاصة في عمق الدولة المصرية التي لم تتمكن من جرها تجاه مسلسل الخراب، ووقف القوات المسلحة المصرية، كحائ صد منيع أمام مخططهم الداعي إلى التمزيق والاقتتال الداخلي، لكن الحقيقي أن الجماعة تعلب دورًا جديدًا على مستويات سياسية وإعلامية، تحاول من خلالها العودة مجتمعيًا ودعويًا في ظل استراتيجية "المظلومية التاريخية"، والتوسع في بناء تيارات فكرية عبر منصات السوشيال ميديا، تعويضًا عن تفككها التنظيمي، وسعيها في الاستحواذ على الشارع من جديد.
يرى الكثير أن ثمة تغيير في طريقة التمويل والدعم والتوظيف الجديدة لجماعة الإخوان والدوائر الفكرية الأصولية، في ظل تراجع دور الوكيل و الوسيط(تركيا وقطر)، ودخولهما في حيز التفاهمات مع الجانب المصري والعربي، وانتقال مسارات التمويل بالتبعة إلى المحرك الرئيسي القابع في بريطانيا، المهيمن على تيارات الإسلام السياسي، والراعي الرسمي جماعة الإخوان منذ حسن البنا في عشرينات القرن الماضي، وحتى اللحظات الراهنة.
تاريخ جماعة الإخوان مليء بالكثير من التفاصيل التي تبرهن على دورها واستخدامها كأوراق ضغط على الأنظمة السياسية المصرية، من الجهات الخارجية، منذ مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، ومرورًا بفترة الرئيس السادات، وكذلك تصدرها مشاهد سقوط نظام الرئيس مبارك، التي بدأت منذ عام 2005 تقريبًا، وتأسيسها لعشرات المراكز البحثية والمؤسسات الحقوقية، التي ساهمت في إثارة مشاعر الشارع المصري والعربي ضد سياسات تلك الحقبة التاريخية، تحقيقًا لمآلاتها وأهدافها.
واستكمالًا لدورها في محاولات إسقاط الدولة المصرية ومؤسساتها، وليس النظام السياسي الراهن فقط، لم تتوقف جماعة الإخوان عن مخططها، ملتحفة بمشاعر الكراهية والثأر النفسي والديني، من قطاعات الشعب المصري، التي اعتبرته عدوها الأول والمساهم والفاعل في اسقاط مشروعها، ساعية في استغلال أية فرصة لإثارة الفوضى وتهييج الشارع، في قبيل الانتصار على النظام السياسي الراهن كنوع من التشافي أولًا، والعودة للمشد ثانية تحت شعارات واهية.
جماعة الإخوان ليست بعيدة تمامًا عن أي محاولات للنيل من استقرار الدولة المصرية، ولا من مخططات تمكين العناصر المتطرفة في سيناء، أو تنفيذها للعمليات المسلحة في العمق القاهري، وإرباك المشهد داخليًا، لا سيما في ظل الاتجاه لتأسيس ماكينة إعلامية جديدة من الداخل البريطاني، كبديل للأبواق الإعلامية التي تم تأسيسها في تركيا.
كما لم يمكن تغافل الدور التوعوي الذي صنعته الدراما الوطنية المصرية تجاه مخاطر جماعات الإسلام السياسي، ودورها في تنفيذ مشاريع تخريبية في قلب المنطقة العربية، فضلًا عن أن تناولها لمعالم النقاط الأساسية لعلاقة جماعة الإخوان بملفات الدولة المصرية، يمثل ضربة قاسمة لسمعة التتظيم ومستقلبه على مدار السنوات المقبلة، ما سيجعلها تستكمل مسلسل التشكيك في المؤسسة العسكرية.