الدكتور هاني نسيرة وتصور الدولة عند المتطرفين من الاخوان الى داعش
الخميس 09/يونيو/2022 - 03:00 م
طباعة
حسام الحداد
تصور الدولة عند المتطرفين كان عنوان الورقة البحثية المقدمة من الدكتور هاني نسيرة ضمن فعاليات مؤتمر سلام لدراسات التطرف الدينى الذى نظمه مركز سلام لدراسات التطرف التابع لدار الافتاء المصرية فى الفترة من 7-9 يونيو الجارى تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء وبحضور عالمى يضم مفتى الدول الإسلامية وعلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم.
د. هاني نسيرة: كاتب وباحث وصحافي مصري، له نيف وعشرون كتابا، آخرها كتاب "الإسلام المتخيل والنهضة المعاقة.. أزمة تصورات النهضة في الفكر العربي الحديث"، والذي يمثل امتدادا لسلسلة من كتبه المهمة مثل، "الإيديولوجيا والقضبان: نحو أنسنة الفكر القومي العربي" في 2002م، و "أزمة تاريخ أم أزمة وعي، د. محمود عزمي سيرة ليبرالي منسي" في 2005م، و "متاهة الحاكميّة: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية" في 2015م، وغيرها..
في هذه الورقة يؤكد الكاتب على الازمة المفهومية لدى جماعات الاسلام السياسي تجاه تصور الدولة، ويرى ان لديهم مفاهيم متخيلة بل اسلاما متخيلا غير الاسلام الحقيقي التاريخي والواقعي.
وتطرق الى أزمة التصورات وغياب الوعي التاريخي، إضافة إلى بحث إشكالية الحكم والخلافة بعد النبي وحجج الأصولية الإسلامية المعاصرة، وإشكالية وجود مبادئ للحكم في القرآن والحديث، والتي ما زالت تتداول أحاديثها حتى وقتنا هذا. كذلك تناول مسألة غياب مفردة ومفهوم الدولة عند المسلمين، ومفهوم الدولة وأزمته بين القديم والحديث، وفيها تم استعراض خصائص وشروط الدولة الحديثة، إضافة إلى بحث تصور ومفهوم الأمة عند الإسلاميين والقوميين.
وعن "إشكالات تصور الدولة في الفكر العربي الحديث بين الحاكمية والحداثة"، فيتطرق إلى المصطلحات الأصولية المختلفة عن أنظمة الحكم السياسي المختلفة، ودور تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون في أسلمة مختلف جوانب الحياة المعاصرة. فيتطرق إلى تاريخ مفهوم الدولة ومعناه في التراث الاسلامي وتطوره، وكذلك التفسير السياسي للإسلام والهروب من التاريخ، وصولا إلى دور حسن البنا كأول من وضع بذور التفسير السياسي للإسلام، والتي أثمرت صلابة خطابه الراديكالي فيما بعد، والذي تناقلته جل التنظيمات والجماعات الإسلاموية السياسية والمتشددة على السواء. كما لم يتوقف الأمر عند البنا، بل تطرق إلى عدد من الكتاب والمنظرين الإسلاميين أمثال المودودي وسيد قطب وغيرهم في ذات السياق وتأثير فكرهم على التوجهات الإسلاموية المتشددة.
وختاما، يرى دكتور نسيرة في الحديث عن حصاد الحكم الأصولي دوليا أنه تعرت تجارب الحكم الأصولي في نموذجين كبيرين مختلفين نسبيا، زهد معهما الناس في يوتوبيا الجحيم الأصولي ووعوده الفاشلة، التي صدمة كثيرا ممن انخدعوا بها قبل رافضيها، وهما: السقوط السياسي لجماعة الإخوان في مصر في 30 يونيو سنة 2013 بعد تجربة حكم دام عاما ثقيلا ترنحت فيه الدولة والمواطنة والسلم الأهلي معا، ثم تجربة سقوط "دولة داعش" المدوية، بعد تجربة حكم دامت أربعة أعوام في سوريا والعراق
ومن بين المحاور المهمة التي تضمنها الورقة محور "فصل ووصل: من الحاكمية إلى الديمقراطية" حيث يقول الباحث يمكننا أن نرصد من تأثير الحاكمية نتيجتين، كلتاهما خطيرة، هما:
1- مهدت الحاكمية لموجة تكفير الأنظمة ومعاداتها لاحتكامها للتشريعات الوضعية، والحكم- برأي جماعات التطرف- بغير ما أنزل الله، وهو ما زاد وتصاعد بقوة منذ صعود جماعات الجهاد ثم جماعات السلفية الجهادية التالية، فيما يعرف بحركات الإرهاب والتطرف العنيف، التي تؤمن بالمفاصلة ومواجهة هذه الأنظمة واستنزافها حتى إنهاكها.
2- أدى تركيز الحاكمية التي تعني اختصار حق التشريع لله، رغم أن التقنين والتنظيم البشري لأوضاعهم وإمكانية تحول كاجتهاد تاريخي موجود في كل العصور بما فيها التاريخ الإسلامي بدءا من النبوة إلى ما بعدها، نرى أنه دفع حركات الإسلام السياسي إلى التركيز على تطبيق الشريعة أو أسلمة التشري والقوانين، والتشجع على المشاركة في العمل السياسي والبرلماني، الذي وعت حركات كجماعة الإخوان المسلمين والنهضة التونسية منذ وقت مبكر وجود القابلية لأطروحاتهم في المجتمعات المتدينة، حتى أن الأستاذ راشد الغنوشي لا يرى حرجا في القبول بأحزاب لا تنتمي للمرجعية الإسلام، علمانية أو يسارية، رهانا على هذه الثقة وأنها لن تكون حسب قوله غير" جماعات هامشية مثل جماعات أقصى اليسار في المجتمعات الرأسمالية، وسائر النتوءات المتباينة مع الأرضية المشتركة للمجتمع" ولكن يضيف الغنوشي شرطا لهذا القبول المحتمل بها وهو شرط فضفاض يحدده ب" الإخلاص للولاء للدولة" حيث يقول: فطالما التزمت بأخلاقيات الحوار واكتسبت وأخلصت الولاء للدولة، من حقها أن تتمتع بحماية القانون" .
3- ولكن انطلاقا من مبدأ مخالفة كل ما تراه مخالفا للشريعة، وطرح ما هو مؤيد له، وهو ما جعله مستعدة- غالبا أو دائما- لإزاحة هوية الدولة الحديثة، وقيام حكومات لها لا يبقى من إسلامها إلا اسمها، عنفا وقهرا لمخالفيها، والصدام مع مجتمعاتها في النهاية.
كان توجه حركات الإسلام السياسي للمنافسة السياسية رهانا على عواطف وعقائد الناس المتدينة، وتأثير شعارات الحل الإسلامي فيهم، مع ضعف التيارات المدنية الأخرى، التي تراجع تأثيرها لأسباب مختلفة مرتبطة بمساحات الحريات التي انغلقت عليها أحيانا كثيرة، واستهداف الأنظمة والجماعات الشمولية لها على السواء، فضلا عن أزمة خطاباتها التي لم تنجح في حفز المؤمنين بأفكارها نحو حضور وتأثير سياسي، كما فعل الإسلاميون الذين استخدموا كل أسلحة المجابهة الرمزية والخطابية والمادبة أحيانا ضد مخالفيهم، بدءا من شعار" الإسلام هو الحل" إلى غزوات الصناديق إلى تخوين وتكفير مخالفيهم، ولكن ظلت حكومات ملتحية، ترفع الإسلام اسما وشكلا لكن افتقدت كثيرا من روحه، وثارت ضدها جماهيرها ومن عاشوا تجربتها، كما انقلب عليها كثير من أبنائها.
وحول علاقات التضافر بين الغلو الشيعي وحركات التطرف السنية قال الباحث: ولا يختلف الأمر كثيرا عند التشيع السياسي الشيعي، كما طرحه مرشد الثورة الإيرانية روح الله الخميني الذي تجاوز طائفيته عند التأسيس مصرا على طرحه الأممي الإسلامي العام، وكان معجبا إعجابا كبيرا برفض العلماء السنة الأتراك ورفضهم ل سقوط الخلافة العثمانية وقائلا بضرورة استعادتها، عبر تدمير النظم القائمة والثورة عليها، فيقول :" الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها، والدلائل على ذلك واضحة، فإن تمادي هذه الحكومات في غيها يعني تعطيل مبادئ الإسلام وأحكامه، في حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامي بأنه شرك والحاكم أو السلطة فيه طاغوت، ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم" ، وعن الخلافة وتحت عنوان" ضرورة الوحدة الإسلامية" التي تستبطن موقفا عدائيا واتهاميا لمقولة الأوطان التي صنعها الاستعمار والمؤامرة المستمرة منه على الأمة والوحدة الإسلامية حسب تصوره الذي يعبر عنه بقوله: " جزأ الاستعمار وطننا، وحول المسلمين إلى شعوب، وعند ظهور الدولة العثمانية كدولة موحدة، سعى المستعمرون في تفتيتها، لقد تحالف الروس والإنجليز وحلفاؤهم وحاربوا العثمانيين، ثم تقاسموا الغنائم كما تعلمون.. وجعلوا على كل دويلة عميلا لهم كما تعلمون" وعن الحل الذي يراه الخميني لعودة الدولة والوحدة الإسلامية وإسقاط الحكومات العميلة- حسب تعبيره- يقول: " نسعى إلى أقامة حكومتنا الإسلامية، وهذه بدورها سوف تتكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة" وهذا الموقف لا زال يروجه نظام الثورة الإسلامية الإيرانية في وجه معارضة الداخل والخارج، والأنظمة المختلفة معها، كما تلتزمه أحزاب الله والميليشيات التي رعت إنشاءها ودعمت وجودها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفق مبدأ تصدير الثورة الذي جعله الخميني أول مبادئ وعقائد ثورته.
ووفق متتابعة الغلو- التي افترضناها- في تفسير حركة التطرف وتاريخه وفعالية أفكاره وتطور جرثومتها العنيفة، من التخصيص إلى الاتساع، ومن تكفير الدولة إلى تكفير الأمة، فقد أدت كتابات سيد قطب والمودودي الذي بدأت تنتشر كتاباته وتعريباته في مصر التي بدأت بين عامي 1951 و1953 - حسب محمد جمال باروت - لظهور تنظيم 1965 او " جماعة المسلمين" التي اشتهرت إعلاميا باسم " التكفير والهجرة" والتي آمنت بتكفير المجتمع بعد الدولة، وتكفير كل من لا يكفر الكافر، وكذلك خرجت من تنظيم الجماعة الإسلامية المصرية تنظيم ك" الشوقيين" الذين كفروا رفقاءهم وقادتهم السابقين، وأمير الجماعة نفسه الراحل عمر عبد الرحمن، وكذلك خرجت داعش من رحم القاعدة، وخرج الحازميون من رحم داعش يكفرون من لا يكفر الكافر، ووصل ببعضهم الأمر لتكفير أسامة بن لادن مؤسس الجهادية المعولمة، وأبي بكر البغدادي خليفة داعش السابق نفسه .