نبيل عبد الفتاح للفيصل: لا يمكن مقارنة حركة طالبان بثورة الخميني
الإثنين 04/يوليو/2022 - 12:19 م
طباعة
روبير الفارس
اجرت مجلة الفيصل في عددها الصادر مؤخرا حوار مع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبدالفتاح، تحدث خلاله حول أبرز القضايا في الفكر الديني وجماعات الإسلام السياسي وما يجري مصريًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا.و الدكتور نبيل عبدالفتاح أحد أبرز الباحثين الذين تابعوا بالرصد والتحليل والاستشراف المستقبلي شؤون الجماعات الإسلامية في مصر والعالمين العربي والإسلامي، وموقف النظم الحاكمة ومؤسساتها ونخبة الساسة وعلماء الدين والثقافة والمثقفين منها، وتأثيراتها المتعددة في البناء الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ وتطرق الحوار الذى اجراه الكاتب محمد الحمامي الي انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على البلاد حيث اجاب نبيل عبد الفتاح عن سؤال ما الذي تفكر فيه أميركا -في رأيك- فيما يخص الحركات والجماعات الإسلامية؟ وهل تشهد هذه الحركات والجماعات دعمًا أميركيًّا، ليس شرطًا أن يكون بالتسليح أو الخدمات اللوجستية ولكن بالتجاهل والصمت على تطرفها وإرهابها؟ فقال نبيل يبدو لي أن إدراك وفهم وتفكيك وتحليل الجماعات الإسلامية الراديكالية والسلفيات الجهادية، لا يزال يقف عند حدود المقاربات البسيطة، بدءًا من النظرة الأمنية أو الأيديولوجية -من مصادر أيديولوجية مختلفة، ليبرالية أو يسارية أو من الإسلام السياسي، وسلطاته الدينية- أو النظرة المؤامراتية، التي تحاول نسب أفعالها العنيفة للعدو البعيد أو القريب، والولاء والبراء إلى مؤامرة ما، حيكت سردياتها في أقبية مخابراتية، أو سيبرانية في مكان ما من العالم، وهو استمرار للعقل المؤامراتي السائد لدى بعضهم في أجهزة الدولة أو خارجها.يميل العقل السياسي إلى الأمور العملية في النظرة إلى تهديدات الإسلام الراديكالي وجماعاته -إذا جاز التعبير- لأنه يرمي، في إطار هيكل القوة في السلطة السياسية، إلى الإجراءات الأمنية الوقائية لمصادر تهدد الأمن، أو إلى الاحتواء لخطة تفجره كظاهرة سوسيو-سياسية داخل البلاد، وعمليات التفجير أو الاغتيال السياسي التي تهدد الأمن السياسي والعام. من هنا نستطيع تفهم السياسة العملية ذات الطابع الأمني والاستخباراتي وارتكازها علي العقل الأمني الأداتي لا العقل السياسي الخلاق في التعامل مع هذه الجماعات، وفي التوغل إلى ما وراء الفعل الإرهابي العنيف لهذه الجماعات، أو التمييز الدقيق بينها وبين الأوساط الاجتماعية التي ظهرت في إطارها، والأسباب والعوامل البنيوية لظهورها، وأساليب تجنيدها، وقدراتها في توظيف التقنيات، في الأسلحة والاتصالات والتجنيد والأداء القتالي، وفي استيعاب الجيل الرابع والخامس للحركة الإسلامية الراديكالية للرقمنة في الاتصالات والدعاية الأيديولوجية، وفي خطاب الإرهاب الرقمي، وفي التجنيد الرقمي، وأيضًا في القدرة على إنتاج ظاهرة الذئاب المنفردة، وعملياتهم الإرهابية الكبرى في بعض الدول الأوربية؛ فرنسا وبلجيكا وبريطانيا… إلخ. واضاف نبيل عبد الفتاح قائلا في هذا الإطار نحن أمام جماعات يتسم تفكيرها بالحركية والتكيف مع السياقات الرقمية والفعلية، ولسنا أمام ظاهرة الجمود الفقهي النقلي المؤدلج الذي يلعب دورًا تعبويًّا، وفي شرعنة عمليات القتل والطعن والتفجير… إلخ. ثمة تمايز بين الدور الوظيفي التعبوي والتجنيدي المرقمن، وبين الدور الأداتي الذي يتسم بالديناميكية الحركية في التخطيط والتنفيذ، وأيضًا في بث رهاب الخوف من الإسلام عمومًا، والراديكالي على وجه الخصوص.وحول سؤال يقول هل يمكن تشبيه صعود حركة طالبان بثورة الخميني؟ وهل تشكل طالبان دولة سنية على غرار إيران الشيعية؟ وما الذي يمكن أن يستتبع ذلك حال حدوثه؟
قال نبيل لا يمكن مقارنة حركة طالبان بثورة الخميني من زاوية اختلاف المذهب الديني والنظام الأيديولوجي الديني بين كليهما. طالبان حركة سنية متشددة ومتطرفة في بنيتها الأيديولوجية النقلية، وفي تصوراتها للهندسة الاجتماعية والسياسية والقانونية التي تتسم بالتشدد، والتركيز على السرديات النقلية التاريخية للإسلام السني، ومحاولة تطبيقها على الواقع القبلي والعرقي والمناطقي الأفغاني، مع بعض التداخلات العرقية/ المذهبية الشيعية. طالبان حاضنة تاريخية لتنظيم القاعدة، وتحولاتها في تحديد أهدافها وعملياتها وانتشارها ومناطق تحركها وعملياتها الجيوسياسية المتحركة. هذه الحاضنة السنية المحافظة، والمتشددة نقليًّا، التي تعتمد على فرض تصوراتها، وهندساتها القانونية والاجتماعية والسياسية، على تركيبات قبلية، وعلى التمييز الذكوري ضد المرأة في نظام الأحوال الشخصية، وفي نطاق الوظيفة، وجهاز الدولة الطالباني. البيئة القبلية والسنية النقلية المتشددة تعتمد على فوائض الذكورية القبلية والدينية المذهبية. من هنا تبدو الحاضنة الطالبانية ملائمة للراديكالية الإسلامية العولمية -ومصادرها التجنيدية الشرق أوسطية، والذئاب المنفردة الأوربية- كقاعدة ارتكاز. في الوقت ذاته الأيديولوجيا المذهبية الطالبانية، ستجد لها سندًا في نظرائها في السلفيات الجهادية، في مواجهة أي مصادر لتهديد وجودها وسيطرتها على أقاليم أفغانستان، سواء في القتال معها، أو في العمليات الخارجية ضد العدو البعيد.كلا النموذجين الطالباني والإيراني قد يبدو شكليًّا أنهما كليهما متشابهان، من حيث الارتكاز الأصولي على المذهب الديني/ السياسي، لكن إمعان النظر يكشف عن تغايرهما، انطلاقًا من المذهب، وما وراءه من تقاليد سوسيو-مذهبية، وسوسيو-ثقافية، وسوسيو-تاريخية، وسوسيو-سياسية. ومن ثم فإنهما كليهما مختلف في نمط أصولية المذهبية المسيسة. طالبان كنظام وهندسة دينية سنية نقلية تحاصر الحيوية الاجتماعية والثقافية من خلال نمط الدكتاتورية الذكورية المذهبية، ووضع المرأة ضمن معتقلاتها الدينية الاتباعية النقلية، على نحو نسقية التركيبات القبلية/ العرقية الحيوية، والثراء الثقافي، في ظل تقييد الحريات، وعلى رأسها الحريات الشخصية والعامة.
المرجح نسبيًّا أن النموذج الطالباني مآلاته الفشل، وضعف القدرة على التأثير في مناطق الأغلبية السنية. الأصولية المذهبية الطالبانية لا تملك تأثيرًا من زاوية مثال الدولة الإسلامية، في العالم العربي؛ لأنها تمثل التركيبة الأفغانية القبلية العرقية وثقافاتها وتاريخها، ولا تقدم جديدًا بخصوص التصورات السائدة والناقصة والسائلة والعامة عن الدولة الإسلامية. مثال ذلك تجربة دولة الخلافة -داعش- التي اعتمدت في بعض تصوراتها على بعض الأساليب العنيفة والوحشية والإرهابية لطالبان، لكنها لم تنجح، على الرغم من أنها كانت حاضنة لأهل السنة العراقيين والسوريين في بعض المناطق، ومنهم بعض الكوادر العسكرية لجيش صدام حسين، في مواجهة الهيمنة الشيعية في عراق برايمر وما بعده، في تشكيل النظام العراقي، بدعم إيراني سافر.واكد نبيل عبد الفتاح ان النموذج الطالباني لا يؤثر في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحماس في قطاع غزة، والنهضة في تونس، والتيار الإسلامي في السودان، وأبناء حزب المؤتمر الوطني وبقاياه بعد الانقلاب، وأبناء الترابي في نظام البشير، وجهاز الدولة السوداني. ثمة اختلافات في الخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية بين هذه البلدان وبين التجربة الطالبانية.