ضربات متلاحقة لـ«الإخوان» فى أوروبا
الأربعاء 28/سبتمبر/2022 - 12:04 ص
طباعة
كتب- حسام الحداد وهاني دانيال وليلى عادل
ضربات متتالية تشنها الدولة الألمانية على جماعة الإخوان الإرهابية، وأزرعها الاجتماعية والفكرية في الداخل الألماني. ففى 18 سبتمبر الجارى، قام المجلس الأعلى لمسلمى ألمانيا، بطرد كل الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس، وفي مقدمتهم المركز الإسلامي فى ميونخ، واتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمين، كما أعلن عن تجريد إبراهيم الزيات المعروف، بـ«وزير مالية الإخوان» من كل مناصبه داخل الاتحاد. وكان المجلس قد عقد انتخاباته نفس اليوم، وسط تحديات كبرى تواجه المسلمين في ألمانيا في مقدمتها استخدام الواجهات الشرعية التي تمثلهم من قبل جماعة الإخوان كأدوات للعمل لصالح الجماعة.
من جهة أخرى، نشرت الحكومة الألمانية، يوم ١٩ سبتمبر الجاري، ٥ مقترحات لجلسة لجنة الشئون الداخلية والوطنية المتعلقة بقضية الإسلام السياسي، كان أبرزها اعتبار الإسلام السياسي والمتشدد ظاهرة واحدة، بالإضافة إلى الفصل في محاربة الإسلاميين المتشددين بين السنة والشيعة.
وكان من ضمن المقترحات، منع أي تاثير ديني سياسي يأتي من الشرق الأوسط، ووضع استراتيجية شاملة للتعامل مع الإسلام السياسي، فضلا عن العمل على وقف مخططات أفكار الإسلام السياسي وعلى رأسها أفكار جماعة الإخوان المسلمين في الأوساط الألمانية.
وفي جلسة استماع عقدها البرلمان الألماني ١٩ سبتمبر ٢٠٢٢، حول خطر الإسلام السياسي، تم التأكيد على ضرورة الكشف عن مصادر الأموال للإسلام السياسي في ألمانيا، ودعم المقترح الذى تقدم به الاتحاد المسيحي الديمقراطي بضرورة الكشف عن تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا ومنعه من المنبع.
واتفق الخبراء مع أعضاء البرلمان المشاركين في الجلسة التي عقدتها لجنة الشئون الداخلية والوطن مع الملاحظات المقدمة من الأحزاب السياسية، ومكتب حماية الدستور، بشأن خطورة جماعات الإسلام السياسي على المجتمع الألماني.
الإعلام الألمانى ومشكلة الأئمة من النساء فى المساجد
زاد الجدل في الوسط الألماني مؤخرًا حول الدعاة في المساجد، وتأثير النفوذ التركى عليهم، وخاصة وزارة الأديان التركية، وما يمكن أن تلعبه في تأثيرها على ما يتم نشره في المساجد، بل زاد الأمر إلى الحديث حول قلة عدد النساء، حيث لا يوجد في ألمانيا سوى عدد قليل من الأئمة الإناث في الجاليات المسلمة ، وهن في كثير من الأحيان مثيرات للجدل.
وفى تقرير لـ«راديو شمال الراين» ـ أحد أهم المؤسسات الإعلامية في غرب ألمانيا ـ تمت الإشارة إلى أن أئمة من الإناث، نعم أم لا، لا يزال هذا مطروحًا للنقاش، لكن النساء في المناصب المهمة لديهن تقاليد عريقة.
السؤال ليس بقديم، وإنما هناك الترويج والتأكيد مرارًا وتكرارًا على مدى أهمية وجود المرأة في الأعمال التجارية والعلم والسياسة، وهذا هو دور المرأة، ونقلت عن بنيامين إدريز قس ليبرالي، قوله: «يجب أن تكون المرأة ناشطة فى المجتمع».
القس الليبرالي له كتاب بعنوان «القرآن والمرأة» ويقود كنيسة فى بنزبرج، بافاريا العليا، مؤكدًا بقوله: «لا تزال المجتمعات المسلمة تجد صعوبة في معاملة النساء على قدم المساواة، يجب على المرأة أن تنشط في المجتمع، في مجتمعات المساجد، في الحياة الاجتماعية، في السياسة، في الاقتصاد - تمامًا كما في زمن بداية الإسلام، ليس فقط في المنزل، ولكن في المجتمع، يجب أن يكون لهم الحق في العمل والمساهمة في تنمية العالم تمامًا مثل الرجال، ويجب معاملة النساء على قدم المساواة».
وشدد على أنه لا يزال من النادر أن تقود امرأة مسجدًا هذه الأيام، والسؤال عما إذا كان بإمكان الإمام أن يقود أيضًا مجتمعًا في ألمانيا اليوم يعتمد على العديد من العوامل. من المهم أن يكون هناك انسجام وقبول في المجتمع إذا كان المصلون عازمين على أن تكون امرأة إمامًا وإذا وافق جميع الأعضاء، لا أعتقد أن هذه مشكلة لاهوتية على الإطلاق.
غالبية المؤمنين يرفضون الأئمة
التقرير أكد على أن العديد من الرجال يجدون صعوبة في الصلاة خلف النساء، لأنه وفقًا للفقه الإسلامي، لا يُسمح للمرأة بإمامة الصلاة إلا في المجتمعات المخصصة للنساء فقط، يحرم عليهم الصلاة أمام الرجال، تتعدد الأسباب التي قدمها الخصوم، ولا يمكن للمرأة أن تضمن الطهارة التي تتطلبها الصلاة، بالإضافة إلى ذلك، كإمام صلاة، كان بإمكانها تشتيت انتباه الرجال الواقفين خلفها. على سبيل المثال، يتم رفض الأئمة من قبل غالبية المؤمنين والعلماء.
يعتمد النقاد على تقاليد أو أقوال معينة في القرآن، توضح عالمة الإسلام أسماء دمير: «لا يوجد شىء في نصوص الوحي، أي في القرآن أو في السنة النبوية، لا يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي إماما للمصلين المختلطين.
نوه التقرير إلى محامية من برلين سيران أتيس، أسست أول مسجد ليبرالي في برلين في عام ٢٠١٧ وتقيم الصلاة هناك بنفسها كإمام. كان هناك الكثير من الموافقة على ذلك، ولكن أيضًا الكثير من الرفض، بما في ذلك التهديدات بالقتل. تعيش الناشطة في مجال حقوق المرأة اليوم تحت حماية الشرطة.
بينما تنتقد أسماء دمير «ناشطة نسوية» حقيقة أن بعض النساء يطلقن على أنفسهن أئمة: «إذا قالت امرأة إنني إمام، فلا أستطيع أن أتخيل أنها تفعل ذلك لأسباب دينية، ولكن لأسباب تحررية، ولكن هذا ليس بالأمر السهل. الدعم».
ختم التقرير بالإشارة إلى أنه سواء كان ذلك لأسباب تحررية أو دينية، النقاش مفتوح حول الأئمة من النساء.
علاقة الحكومة الألمانية بالتنظيم الدولى للإخوان
منذ البداية في الخمسينيات والستينيات حرصت جماعة الإخوان على تقوية علاقاتها بالسلطات هناك، وهو ما ترصده دراسة تحت عنوان «ألمانيا والإخوان المسلمين» صادرة عن مركز أبحاث الدراسات الدولية للباحث الألماني «جيدو شناينبرج»، تضمنت تاريخ الإخوان في ألمانيا علاقة الحكومة الألمانية بجماعة الإخوان إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهى مرحلة تغاضى ألمانيا عن وجود وتحركات التنظيم، ولعل هذا التجاهل كان سبباً في اتساع نشاط الجماعة في ألمانيا التي تعد المركز الرئيسي لنشاط التنظيم الدولي.
أما المرحلة الثانية: فبدأت بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ حيث بدأت الحكومة الألمانية في اتخاذ موقف احترازى تجاه جماعة الإخوان التي أصبحت بقوة في ألمانيا، واستمرت حتى أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، بدأت ألمانيا في تكثيف جهود تعاونها مع مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط من أجل مواجهة الجماعات الإرهابية. في تلك الأثناء رفضت الحكومة الألمانية أن تجمعها علاقات مباشرة مع التنظيم الدولي. في تلك المرحلة تعمقت علاقة ألمانيا مع مصر خاصة على المستويين الأمني والعسكري.
ومع الغزو الأمريكي للعراق وزيادة التهديدات الأمنية وخوف الحكومة الألمانية من وصول الإرهاب إلى أراضيها، حرصت ألمانيا على توطيد علاقتها بدول المنطقة من أجل مواجهة مثل هذه التنظيمات الإرهابية، لكن إلى جانب مشاركة ألمانيا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، تمت صياغة سياسية غير رسمية سمحت لألمانيا بالتواصل مع الإخوان.
وشهد عام ٢٠٠٢، صياغة مبادرة تعرف باسم «الحوار مع العالم الإسلامي» كجزء من برنامج التوعية الثقافية في وزارة الخارجية، وأسفرت هذه المبادرة عن تعيين ممثل خاص لتنفيذ المبادرة في وزارة الخارجية الألمانية وعدد من الموظفين في السفارات الألمانية من أجل تولى مهمة تنفيذ هذه المبادرة، ومع عام ٢٠٠٩، بدأت ألمانيا في عقد اجتماعات مشتركة لمسئولين ألمان مع برلمانيين وقيادات لجماعة الإخوان في مصر والشرق الأوسط.
أما المرحلة الثالثة: فبدأت بعد ثورات الربيع العربي مع تزايد احتمالات وصول الإخوان للحكم في دول الربيع العربي، بدأت ألمانيا في مد جسور التفاهم مع الإخوان ساعدها في ذلك علاقتها السابقة معهم. في نوفمبر ٢٠١١ وبعد فوز حزب النهضة بأكثر من ٤٠٪ في الانتخابات البرلمانية التونسية أعدت وزارة الخارجية ورقة داخلية تحدد الخطوط العريضة لاستراتيجية الارتباط الحذر مع الجماعات الإسلامية في العالم العربي.
كان الهدف الرئيسي من هذه الورقة البحثية هو وضع أسس عمل مشترك لدول الاتحاد الأوروبي وأيضا التمهيد لإمكانية فوز الإخوان المسلمين بالانتخابات البرلمانية. تنبأت الورقة البحثية أن تطورات الأحداث في العالم العربي تشير إلى إمكانية تمتع تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي بمزيد من النفوذ، ووضعت الورقة معايير محددة من أجل تحديد تيارات الإسلام السياسي التي من الممكن التحاور معها، ومن هذه المعايير الالتزام بمبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام التعددية وحقوق الإنسان ونبذ العنف السياسي واحترام الالتزامات والمعاهدات الدولية.
وكانت رسالة هذه الورقة البحثية واضحة، وهى أن الحكومة الألمانية قد تتعاون مع الإخوان في تونس ومصر، لكنها لن تقبل بحكم حركة مثل حركة حماس في قطاع غزة. ولم تتطرق الدراسة الحديثة للعلاقة التي جمعت ألمانيا بالإخوان أثناء حكم محمد مرسى. وما جاء في الدراسة التي تكشف مدى التغلغل الإخوانى في ألمانيا، يفسر تحركات بعض المسئولين الألمان تجاه مصر ومحاولتهم ممارسة ضغوط على الحكومة المصرية نتيجة ضغوط اللوبي الإخوانى المدعوم تركيًا من حكومة «أردوغان».
البرلمان الألمانى
وفي جلسة الاستماع التي عقدها البرلمان الألماني في ١٩ سبتمبر الجاري حول خطر الإسلام السياسي، أكد الدكتور مهند خورشيد عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة المونستر، أنه لا تكاد توجد أي تحليلات علمية وبحوث موثوقة حول شبكات تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا وأوروبا، إلا أن تخصيص مراكز بحثية ومنظمات مدنية والمؤسسات البحثية أمر ضروري لتسليط الضوء على هذا الخطر، وهذا لا يتطلب فقط تعاونًا مهنيًا متعدد التخصصات بين الدراسات الإسلامية، أو علم الدين الإسلامي، أو العلوم السياسية، أو القانون أو العلوم الاجتماعية، بل يتطلب أيضًا التواصل الوثيق مع الهيئات الأمنية في الداخل والخارج التي لديها إمكانية الوصول إلى شبكات الإسلام السياسي ذات الصلة.
بينما أوضح عاصم الدفراوي مساعد أول في المؤسسة المدنية بباريس أن الإسلام السياسي يشكل مخاطر مجتمعية طويلة الأمد لأنه يمكن أن يعرض التماسك الاجتماعي للخطر، ومع ذلك، فشلت المطالب الواردة في الاقتراح في معالجة القضايا المهمة المتعلقة بالإسلام والمسلمين.
دعا «الدفراوى» إلى تمويل مجتمعات وجمعيات المساجد من الصناديق الألمانية وليس الأجنبية، وهذا يتطلب مؤسسة تمثل المسلمين الألمان الذين يرغبون في ذلك ومعترف بها كهيئة عامة.
بينما شدد نصار جاردى الخبير في جماعات الإسلام السياسي بمدينة هامبورج إلى أن أهمية العنصرية المعادية للمسلمين كعنصر من عناصر استراتيجيات التجنيد فى روايات الفاعلين الإسلاميين ولا ينبغي الاستهانة بالمجموعات.
يري أن مبادرات المجتمع المدني ومقدمي التثقيف السياسي والشباب والعمل الاجتماعي ومراكز المشورة على مناهج تربوية وسياسية أكثر شمولًا لمواجهة خطر الإسلام السياسي القائم على الدين. المسلمون جزء مهم من ألمانيا.
في حين نوه هايكو هاينش خبير الإسلام السياسي في فيينا إلى أن صانعي القرار السياسى يفتقرون إلى المعرفة بظاهرة الإسلام السياسي وممثليه المختلفين.
اقترح إنشاء مركز توثيق علمي للإسلام السياسي على غرار النمسا، من شأنه أن ينقل المعرفة الأساسية حول الأيديولوجيا والجهات الفاعلة، وهذه هي الطريقة الوحيدة لمنع الترويج لتلك الجماعات والناشطين الذين يستغلون الديمقراطية لإلغائها واستبدالها بنظام إسلامى معيارى.
أما جامونا أويلمان عضو جموعة العمل الفيدرالية المعنية بالتطرف القائم على الدين ومقرها برلين، شددت على أن التركيز على الإسلاموية الشرعية لا ينبغي أن يؤدي إلى وضع المشاركة السياسية للفاعلين المسلمين تحت الشك العام، خاصة أن النفوذ التمويلي من دول مثل إيران أو السعودية سيتوقف.
جددت دعوتها بضرورة إجراء مزيد من البحث والتوسع في سجل الشفافية من أجل مواجهة خطر هذه الجماعات على ألمانيا والدول الأوروبية عامة.
في حين اعتبر ماتياس روه الأستاذ بجامعة إرلانجن- نورمبرج، ضرورة الحفاظ على سيادة القانون والدفاع عنها بكفاءة، موضحًا أن المساهمات المالية من الخارج ليست مرفوضة. التمويل الأجنبي في حد ذاته ليس حالة مشتبه بها بعد.
ركز على أن مطالبة الجالية المسلمة في ألمانيا بتمويل نفسها بشكل مستقل قدر الإمكان من الخارج تستحق الموافقة دون تحفظ.
بينما حذر هانز جاكوب شندلر، مدير مشروع مكافحة التطرف، من الفجوة الواضحة في معرفة السلطات الأمنية عند التحقيق في أنشطة تمويل المنظمات المتطرفة في ألمانيا، خاصة أن هذا يؤدي حتمًا إلى تحديات في مكافحة مثل هذه التدفقات المالية - ليس فقط من أجل الإسلام السياسي، ولكن - كما تم تناوله أيضًا في الحركة - للتطرف بشكل عام.
إبراهيم الزيات
إبراهيم الزيات الذى يعد من أهم قادة الإخوان في ألمانيا ويحمل الجنسية الألمانية وأمه أصولها ألمانية، ولأن «الزيات» يعد من أهم الحلقات المالية للتنظيم الدولي للإخوان، وثارت حوله شبهات عام ٢٠٠٩، عن علاقته بإحدى الجماعات الإرهابية، ما حدا بالحكومة الألمانية لتوقيفه والتحقيق معه، لكن التحقيق مع «الزيات» أغلق على الرغم من الاتهامات التي نسبت إليه والتي تتعلق بتمويله أنشطة إرهابية، ويرجع ذلك إلى أن «الزيات» صاحب نفوذ مالي كبير في الجالية التركية، فهو مدير عام لعدد من الشركات الألمانية والتركية، ورئيس مجلس إدارة «الزيات للتجارة»، ورئيس مجلس إدارة «إس إل إم» لتجارة العقارات والاستثمار، وهى الشركة التي تدير الأعمال العقارية للإخوان في أوروبا وليس ألمانيا فقط، وبالإضافة لذلك مسئول أوقاف مؤسسة «رؤيا الملة» التركية.
لذلك يعد «الزيات» حلقة الوصل بين أموال الإخوان وأوروبا، والتي يتم تمريرها عبر المنظمة التركية، واستغلال وضعه فيها، في ظل التماهي والتقارب بين الإخوان والحكومة التركية، خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة «أردوغان» للحكم.
كما أن «الزيات» يروج لنفسه بأنه معتدل وصاحب فكر وسطى ولا يدعو للعنف حتى يخفي تحركاته وقيادته لتنظيم الإخوان، لذلك انضم «الزيات» للقيادة العامة بأمانة الطلاب بالحزب الديمقراطي المسيحي بألمانيا، وهو الحزب الذى تنتمى إليه المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ورئيس البرلمان السابق نوربرت لامرت، كما أن «الزيات» عضو بالبرلمان الطلابي بجامعة دارم- شتات وماربورج، وعضو أيضًا بالبرلمان الطلابي الألماني، وممثل الطلاب بجامعة دارم- شتات.
ويتضح من انضمام الزيات للهيئات الألمانية، بالإضافة للتمويه على أنشطة التنظيم، حرص الإخوان على توسيع علاقاتهم بأطراف المجتمع والسياسيين في ألمانيا، حتى يكون لهم دور مؤثر، وحتى يخفوا الواجهات التي يتحركون بها خاصة المنظمات الطلابية الإخوانية التي يديرها ويوجهها «الزيات»، لمسئوليته عن قسم الشباب والطلاب باتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا، التابع للتنظيم الدولي، كما أنه مؤسس الاتحاد الإسلامي للطلاب بألمانيا.
ومؤخرًا نشر موقع عين أوروبية على التطرف تقريرًا حول الإخوان في ألمانيا يؤكد على أن الثابت أن العديد من التنظمات الإخوانية تلقت، ولا تزال تتلقى، دعمًا خارجيًا ما يُضخّم شعبيتها وقوتها الظاهرة، وبالتالي يسمح لها بالاستيلاء على المؤسسات، لا سيّما وسائل الإعلام والأقسام في الجامعات، والتمكن من التغلغل في مفاصل أخرى في المجتمع، وهنا يمكن الإشارة إلى تركيا التي تمثل في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان راعيًا نشطًا جدًا لجماعة الإخوان، بما في ذلك تشكيلها المسلح في سوريا وليبيا.
ولكن على الرغم من هذه التحديات، يبدو أن ألمانيا تسير في الاتجاه الصحيح، وقد تجّلت أماراتُ هذا التغيير في وقتٍ سابق من هذا العام، عندما سلّطت المخابرات الألمانية الضوء علنًا على مخاوفها بشأن جماعة الإخوان، وبالمثل، فإن القرار الأخير الذي اتخذه المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بطرد «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، إحدى واجهات جماعة الإخوان المسلمين، من عضويته يعكس تغيّر المزاج في ألمانيا.
من الواضح أن برلين تتبع النموذج الذي وضعته النمسا وفرنسا فيما يتعلق بالتعامل مع الإسلاموية غير العنيفة، وقد وجدت تلك الدول طرائق متطورة لتحديد هيكل الإخوان، فضلًا عن وسائل أكثر صراحة وفعالية للغاية لوقف التمويل الأجنبي للإخوان المسلمين وإمكاناتهم المتطرفة.
على سبيل المثال، أغلقت فرنسا العديد من المساجد التي تدعم أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، وأدخلت سياسات لفحص الأئمة. علاوة على ذلك، اتخذت السويد، دولة ذات مواقف أقل عدوانية بكثير ضد الإسلامويين، مؤخرًا خطواتٍ لتشديد الخناق على أنشطة الإخوان المسلمين.
ألمانيا، إذن، تتحرك ضمن إجماعٍ في أوروبا، وهي تواجه جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر مهم جدًا لاستدامة هذه السياسة لأسبابٍ تتعلق بالسياسة الداخلية، ومن الجوانب الأخرى الجيدة في هذا التوقيت أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها تتفسّخ: وهذا يعني أن أي تحرك من جانب تلك الدول، حتى لو كان طفيفًا، يمكن أن يكون له تأثير قوي في إضعاف جهود جماعة الإخوان المسلمين لنشر أيديولوجيتها المتطرفة.
وأخيرًا
يزيد عدد من ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا عن أربعة آلاف عضو تحت اسم «رابطة المسلمين في ألمانيا- IGD» وينشغلون بتصحيح المفاهيم الخاطئة عن دعوتهم وجماعتهم باعتبارها تجسد الطريق الإسلامي الصائب من وجهة نظرهم، وينتقدون أفكار وتصرفات السلفيين الألمان ويبتعدون عنهم بقدر الإمكان، وهم يؤكدون دوما أنهم غير تابعين مباشرة للجماعة الأم، لكنهم يستقبلون قيادات إخوانية عربية، ولاسيما مصرية، ويجرون اجتماعات مستمرة معهم، ويحرصون على وصفها بأنها اجتماعات تناقش قضايا عامة لكن الحكومة الألمانية تضعهم تحت المراقبة الدائمة الناعمة، ولديها معلومات يقينية أن هذه الاجتماعات لها علاقة بما يسمى «التنظيم الدولي للإخوان»، وأنها جزء لا يتجزأ منه.
الإخوان في ألمانيا يمارسون عادة الكذب على السلطات الألمانية حول نشاطهم وأهدافهم الحقيقية، لكن ما بدا من كلام بعض الساسة الألمان، أنهم يقظون جدًا، ويعرفون كثيرًا عن الجماعة ليس فقط على الأراضي الألمانية إنما في موطن تأسيسها مصر، وفي غيرها من بلدان العالم الإسلامي وهذا ما يؤكده تلاحق الضربات للجماعة هناك.