إصلاحات المملكة لمواجهة الفكر المتطرف والإرهابي

الأحد 23/أكتوبر/2022 - 12:57 م
طباعة إصلاحات المملكة لمواجهة حسام الحداد
 
الإصلاحات المختلفة التي تجريها المملكة العربية السعودية لمواجهة الفكر المتطرف والإرهابي، العوامل التي أثرت في تطور الحركات الإسلامية داخل المملكة، كانت أهم محاور اللقاء الذي أجراه موقع “عين أوروبية على التطرف” مع الباحث والكاتب السعودي خالد العضاض. والذي تحدث فيه بداية عن تأثير التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي على علماء الدين والحركات الإسلامية داخل المملكة، حيث قال: فترة حكم الملك عبد العزيز، تُعتبر أكبر ثورة ثقافية مرت بها الدولة السعودية، من عام 1727 وحتى العام 2016، حيث استطاع، نقل مؤسسة الحكم إلى مرحلة متقدمة ومتطورة من النظام السياسي القائم على أسس وقواعد الدولة الحديثة، عن تلك المرحلة التي قامت عليها الدولة السعودية في طوريها الأول والثاني، وهذا لم يكن ليحدث، لولا وجود إدارة انفتاح ذكية ولماحة على المتطلبات العصرية والحضارية في ذلك الوقت، ومدافعة حكيمة وواعية لممانعة الداخل المتحفظ، والمتوجس من كل جديد، والملك عبد العزيز، ومن خلال تعاطيه مع الأحداث السياسية، ومحاولة تحديث الدولة السعودية الوليدة في ذلك الحين، كان ينطلق من البعد الديني، ومراعاة عرابي التدين السعودي، الذين يمثلون طليعة الشعب السعودي، الذي اعتاد الانقياد المطلق للمشايخ والعلماء، وإن كانت هذه الميزة مناسبة لوضع الدولة في بداياتها متى ما تم ضمان التفاهم الكامل بين القيادة السياسية والعلماء، وهي مناسبة لحماية المجتمع من التشظي والتفرق، إلا أنها كانت سبيلاً لممانعة تؤجل تقدم المجتمع وتحضره، مقارنة بالمجتمعات المجاورة القريبة، لكن هذا كله انتهى بعد أن تجاوز الملك عبد العزيز حركة تمرد “إخوان من طاع الله”، فتسارعت خطى التحديث والتطوير، فأنشأ جيشاً نظامياً، واستورد السيارات وبعض الأجهزة الحديثة، وأنشأ محطة اللا سلكي، وغير ذلك، وكانت هذه الحركة التجديدية التي قام بها الملك عبد العزيز، مسرحاً واسعاً لمعارضات المشايخ، وهي تختلف جذرياً عن معارضة “إخوان من طاع الله”، كونها هادئة لا تخرج عن نطاق المناصحة، والفتوى وتحذير الناس من التعامل مع المنتج الوافد، وهو ما مكَّن للملك عبد العزيز، ومن بعده لأبنائه، من تجاوز هذه المعارضات الناعمة، عند الحاجة، والسير بالبلاد نحو التقدم ومواكبة الدول الأخرى، مع حفظ مكانة المشايخ في نفوس الناس.
بعد اكتشاف النفط وتصاعد وتيرة الرفاه الاقتصادي، كانت تتشابك، أو تتقاطع مقومات النهضة الحضارية والتنموية مع النمط التديني للمجتمع السعودي، وكانت الساحة تخلو قسراً لهذا التوجه، فتتوقف عجلة التحضر لحين تهيؤ المجتمع وصقوره لمرحلة قادمة، يقوم فيها كم هائل من التفاصيل الحياتية الصغيرة، والاحتياجات الكمالية المنبثقة من تنامي احتكاك أفراد المجتمع بالمجتمعات المجاورة وغير المجاورة، على تمهيد الطريق لإعادة طرح الممنوع، وبصورٍ متعددة ومختلفة في كل مرة، ليساهم ذلك في تفتيت الممانعة المجتمعية، ونقلها إلى ضفة التغاضي والتساهل؛ تمهيداً لقبولها بشكلٍ عادي وطبيعي، في سلوكيات المجتمع وعاداته.
وعن أبرز التطورات التي مرَّت بها التنظيمات الإسلامية في السعودية خلال القرن الماضي قال العضاض:  كان التأثير الإخواني الأوحد على مستوى الجماعات الدينية في المجتمع السعودي، والذي بدأ احتكاكها مع المجتمع السعودي قبل بداية عقد الأربعينيات الميلادية، مما مهَّد مبكراً للعمل التنظيمي للجماعة داخل البلد، وسمح تدفق قيادات الجماعة وكوادرها التنظيمية على السعودية، بالعمل والتغلغل داخل المجتمع السعودي، وانصب عمل هذه الجيوب التي انتشرت في أنحاء المملكة، خصوصاً في البدايات على الجانب الفكري، والذي استطاعوا بثه ضمن أسس البنية التعليمية والإدارية في البلد الناشئ، بشكلٍ طور الفكرة الدينية في السعودية، ونقلها إلى بعدٍ حركي لم يكن معهوداً من قبل.
هذا العمل الخفي والممتد لسنوات طويلة تقدر بما يقارب الثلاثة عقود، شكل الأرضية والأساس الذي انطلق منه تيار الصحوة في السعودية لاحقاً، والتي كشفت عن وجهها بشكلٍ عملي وتنفيذي، في أواخر النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، وبشكلٍ تصاعدي، وأحدثت صراعات فكرية مع مجموعة خصوم، وكانت هذه الصراعات ميداناً واسعاً لاستعراض قدرات الصحوة وقوتها ونفوذها المتغلغل في المجتمع السعودي.
ومع بداية التسعينيات، أبرزت أزمة احتلال الكويت، الصحوة كمعارض للحل السعودي لمعالجة الأزمة، هذه المعارضة عملت على نقل الصحوة إلى ضفة المعارضة السياسية، خصوصًا مع رفعها راية الإصلاح بعد انتهاء الأزمة، وتبنيها بعض المشاريع الفكرية التي قُدّمت للدولة، كمذكرة النصيحة، وغيرها.
لم يكن الاحتكاك مع الدولة في صالح الصحوة أبداً، وساهمت في الوقت ذاته إلى خلخلة صفوف الصحوة، وتمهيد الطريق إلى بداية تفتتها كتيار إلى تنظيماتٍ متفرقة، والتي أنتجت مناهج مغايرة لفكرة الحل الإسلامي على الساحة السعودية، وخلقت عدة جبهات منها الجهادية، ومنها الحقوقية، وغير ذلك، لتبدأ قصة جديد في القرن التالي، القرن 21.
وعن مساهمت النزاعات والتطورات الإقليمية التي حدثت في الشرق الأوسط في تطور الحركات الإسلامية في السعودية قال: هو تطور على مستوى المكاسب، ثم خفوت كبير، وتلاه انسحاب مبرم من على السطح، والقصة الأولى بدأت مع احتلال الكويت في 1990، وما تلاه من أحداث، انتهت بأبرز الأسماء الحركية إلى الإيقاف والسجن، ثم بدأت حكاية أخرى بعد العفو عنهم في إبريل 1999، وهي قصة أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي قلبت العالم رأساً على عقب، وتأثر بها المشهد السعودي بشكلٍ مباشر، وأضحت الحرب الأمريكية على الإرهاب أبرز ملامح القرن الحادي والعشرين، وأثرت بشكلٍ مباشر وكبير على الوضع الاجتماعي والثقافي في السعودية، الأمر الذي مكَّن الحكومة السعودية من تطوير استجابة أجهزتها الأمنية لقضايا الإرهاب بشكلٍ لافت ومثير للإعجاب.
وأضاف العضاض الضربة العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان في أكتوبر 2001م، والأخرى ضد العراق في فبراير 2003م، وانفتاح المنطقة محكمة الغلق سابقًا أمام الإرهابيين، والأثر الذي أحدثته على ما يعرف بساحات الجهاد في عددٍ من بؤر التوتر في العالم الإسلامي، ثم تبلور نظرية أو مشروع الشرق الأوسط الكبير، والذي أُعلن عن نصه في مارس 2004، وتم تفعيله في أغسطس 2010م، وأوصى بالتضحية بعددٍ من الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، وإطلاق يد إيران في المنطقة، وإعادة تشكيل المنطقة عبر نظرية “الفوضى الخلاقة”، وتم الترويج المباشر لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إضافة إلى قيام بعض أنظمة المنطقة بالعمل على إنشاء بؤر معارضة للحكومات العربية، أو دعم خلايا معارضة سابقة، وغير ذلك من الأعمال، التي جذبت الشارع العربي، تمهيدًا لما يعرف بالربيع العربي، هذا الأمر، أدى بالحكومة ومن ورائها الشعب إلى إعادة التقييم، وإعادة التموضع في الموقف من الإسلام السياسي والصحوة وقياداتها، لتأتي معضلة الخلاف مع دولة قطر، وتضع النقاط على الحروف في نوازع هؤلاء وخبايا نفوسهم، وبالتالي وضع حدٍّ لكل المكر والدسائس والتأليب والإرهاب الذي طال السعودية من 1993م، وحتى 2017.
وعن مساهمت الثقافة الدينية السائدة داخل المجتمع السعودي في تسهيل عملية استقطاب الأفراد من قبل الحركات الإسلامية المتطرفة قال: الفكر والثقافة الدينية السائدة داخل المجتمع السعودية، هي الثقافة السلفية، وهي متباينة بشدة مع منهج جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والتي استطاعت تجاوز هذا التباين الواضح بين المنهجية السلفية التي يقوم عليها التدين السعودي، والمنهجية الحركية التي يتبناها التنظيم، وذلك بالعمل على خيار تلاقي الفكرتين في منطقة مشتركة لضمان النجاح، فعملت القيادات الإخوانية الوافدة على إرساء وتمهيد اتساق وتوازي الفكرتين، بما يخدم الأغراض التنظيمية للجماعة، وهذا ما مكن حركية الإخوان وبرامجهم، من جذب واستقطاب أفراد المجتمع السعودي.
أما عن التحولات والتغيرات الحديثة التي تقوم بها المملكة قال: اليوم في المشهد السعودي، لا يوجد أي تنظيمات للإسلام السياسي تعمل على السطح، أو تستطيع العمل على تجنيد الكوادر على أرض الواقع، ربما هذا ممكن إلكترونيًا، وحتى هذا الأمر فيه الكثير من الصعوبة. فبعد حزمة تغييرات وإصلاحات شاملة على يد الملك سلمان، كان العام 2017 حدًا فاصلًا غير مسبوق على المستوى السياسي والأمني، لإيقاف عبث الإسلام السياسي بأطيافه وتنظيماته عند نهايته، ورغم ذلك فإن هذه النهاية ما زالت مفتوحة، ولا توجد ضمانة أكيدة لعدم عودة التطرف الإسلاموي بقالب جديد، ووجه مختلف، ما لم تكن هناك منظومة فكرية جديدة وشاملة مستمدة من سماحة الإسلام ونقائه الأصيل، مُوَشَّاةٌ بمنطلقات حضارية عالمية، وهذه المنظومة تقرأها وتسمعها بكل وضوح من خلال ما يرد في أحاديث ولي العهد السعودي، والذي تجد فيه لغة خطاب جديدة، وغير مسبوقة، ومنفتحة على كل الأفكار بحيادية تامة.
وحول مدى استطاعت علماء الدين في السعودية رأب الصدع الذي أحدثته أفكار الإخوان المسلمين بالبيت الوهابي وتقوية المؤسسة الدينية السعودية ضد البرامج والأفكار المتطرفة لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإرهابية قال: لم يعد هناك مؤسسة دينية سعودية رسمية تعتمد على فكرٍ محدد، أو مدرسة معينة، وهو الأمر الذي صرح به الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في حديثٍ له في إبريل 2021.
والخطاب الديني لدينا، غير قادر على الوقوف بوجه المد الإسلاموي الشرس بكفاءة موازية، ولولا قوة القرار السياسي وحزمه، وقوة الفعل الأمني، لما أمكن للمجتمع أن يلاحق التطورات والتغيرات المذهلة التي حدثت في المشهد السعودي خلال السنوات السبع الماضية، بسبب التثبيط الصحوي المستمر، لكل بوادر الإصلاح والتطور والتحضر.
وأضاف: أهم الجهود والأدوات والسياسات التي بفضلها زال خطر تطرف الجماعات الدينية في السعودية، هي رؤية المملكة 2030، التي وظفت الجانب التنموي كعنصر فاعل للقضاء على التطرف، إضافة إلى اتسام الخطاب السياسي السعودي، في مضمونه ومحتواه دائمًا بالوضوح والاتزان، لإبراز نهج وقيم السعودية الثابتة والراسخة في مكافحة التطرف والإرهاب، بكل أشكاله الأيديولوجية الدينية والعرقية والطائفية، إضافة إلى إنشاء (رئاسة أمن الدولة) في 2017، وصدور نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله في 2018، وغيرها الكثير، كل هذه الأمور تجعلني أقول إن هذه الجهود ناجحة بنسبة 100%.
أما عن مستقبل الحركات الإسلامية في السعودية في ظلِّ التطورات الفكرية المعاصرة والتحولات الدولية قال: في ظلِّ الظروف السياسية والأمنية المحكمة، وانشغال السعوديين برؤيتهم (رؤية السعودية 2030)، لا أمل ولا مستقبل للحركات الإسلامية في تحقيق أي مكتسبات جديدة على أرض الواقع في السعودية، وسيكون مكسبهم الوحيد هو محاولة وقف نزيف الخسائر في مكتسباتهم السابقة.
وهذا لا يعني انتهاء خطورة هذه الحركات، والتي تكمن اليوم في تحولها داخل المجتمع السعودي إلى تيارٍ فكريٍّ عام، لا يقوم على التحزب والعمل التنظيمي فحسب، وهذا التحول من تنظيم مغلق إلى تيَّارٍ فكريٍّ عام عبر المرور بحالة من التنظيم الهلامي، والذي يسعى إلى خلق تيَّارٍ واسع يستوعب كافة أطياف المجتمع، ولا يدركه المجتمع في الوقت ذاته، سيقوم على أساس التجميع حول “الفضيلة” المتوهمة، ونقد ممارسات الانفتاح الجارية في البلد حاليًا، وهنا مكمن الخطورة الآن ومستقبلًا.

شارك