التهديد المستمر للتطرف الإسلامي في جنوب شرق آسيا
الإثنين 14/نوفمبر/2022 - 01:14 م
طباعة
حسام الحداد
تعمل الجماعات الإسلامية المتشددة في جنوب شرق آسيا منذ عقود، وتضم المنطقة، التي يقطنها أكثر من 625 مليون نسمة، العديد من البلدان التي تضم عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، بما في ذلك إندونيسيا، ثالث أكبر دولة ديمقراطية من حيث عدد السكان (بعد الهند والولايات المتحدة). تعد المنطقة موطنًا للعديد من الحركات الانفصالية القائمة منذ فترة طويلة والتي أحيانًا ما تكون عنيفة، فضلاً عن جيوب من التطرف الإسلامي، مما أدى إلى حدوث حالات عنف على مدار الثلاثين عامًا الماضية، لا سيما خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
حول هذا الموضوع يقدم لنا كومار راماكريشنا في كتابه «التهديد المستمر للتطرف الإسلامي في جنوب شرق آسيا» الأسباب الجذرية للإرهاب الإسلامي في جنوب شرق آسيا، كما يقدِّم استراتيجية فعّالة لمكافحة الإرهاب، من خلال التعامل مع الديناميات الإقليمية والثقافية. ويخصِّص الصفحات القليلة الأخيرة من الكتاب لمناقشة نموذج حزب العدالة المزدهرة (الإسلامي)، حزب سياسي إسلامي في إندونيسيا تأثّر بشدة بحركة الإخوان المسلمين في وقتٍ سابق، وتحوَّل الآن إلى حزب إسلامي قومي.
ويسلّط كومار راماكريشنا الضوء على العامل الثاني والأكثر خطورة: الظاهرة المتنامية للتطرف الديني (الإسلامي) ومنظومته الأيديولوجية التي ترعى الحركة في جنوب شرق آسيا منذ عقود. وعلى حد تعبير المؤلف، فإن الكتاب “يتحدى المفاهيم المضللة والمثيرة للجدل التي تصوِّر الإسلام على أنه دين عنيف بطبيعته، بحجة أن المزيج الديني الأيديولوجي لما يُسمى السلفية-الوهابية هو المنظور الأكثر فائدة لمعرفة التيارات المتطرفة المنغلقة الذهن”.
ويستند الكتاب إلى مفهوم "السلفية الوهابية" هذا المصطلح الهجين الذي صيغ في الأصل وتطور وعُمم - حسب المؤلف - في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قِبل العالم الإسلامي خالد أبو الفضل. وفي وقتٍ لاحق، خضع لتدقيق وتمحيص من قبل علماء الاجتماع مثل رياض حسن، على سبيل المثال، الذي بدأ دراسة الظاهرة في الدول التي يهيمن عليها المسلمون في وسط وجنوب آسيا.
وفقًا لأبو الفضل، لم يعد أتباع السلفية مهتمين باستمالة المؤسسات الغربية أو ادّعاء أنها مؤسساتهم. وتحت ستار استعادة الإسلام الصحيح والحقيقي، يعرِّفون الإسلام بأنه نقيض الغرب تمامًا”. وأشار إلى كيف تبنى السلفيون مقارباتٍ جامدة وغير عقلانية. ومع ذلك، ينتقد البعض ما توصل إليه أبو الفضل نظرًا لعدم وجود أدلة تجريبية توثِّق انتشار السلفية في العالم الإسلامي المعاصر.
وعلى غرار بحوث حسن الاستقصائية الاجتماعية حول هذا الموضوع، فإن محاولة كومار استكشاف ودراسة السلفية-الوهابية “المناهضة للغرب” و”المناهضة للحداثة”، داخل الوسط الجهادي والمتطرف في جنوب شرق آسيا، من شأنها أن تساعد في إعادة النقاش حول كيفية استغلال هذا المزيج السلفي-الوهابي للإسلام، وما إذا كانت المؤسسات الإسلامية التقليدية المتبقية قادرةً على الوقوف في وجه المنظومة الإسلامية المتعصبة “العنيدة”. ومع ذلك، يوثِّق الكتاب ويثبت الوجود القوي للسلفية-الوهابية في المنطقة، وكيف ينجح في التأثير على الوعي الديني للمسلمين في جنوب شرق آسيا.
يتألف الكتاب من سبعة فصول، ويناقش بين الروايات المفاهيمية للتطرف الإسلامي في ماليزيا وسنغافورة وجنوب الفلبين وإندونيسيا، وأربعة مُنظرين “سلفيين-وهابيين”، من الجهات الفاعلة اللا عنيفة والعنيفة على حد سواء. ويبحث كيف أن التشدد والتطرف جزء من القضية الأكثر أهمية للأصولية الدينية. ووفقًا للمؤلف، يمكن استيعاب التطرف المنفتح، أما التطرف المنغلق الذهن بطبيعته أكثر استعدادًا للعنف والخطر.
خلال استكشاف المنظومة “السلفية-الوهابية” الموجودة في دول جنوب شرق آسيا، يتناول المؤلف أربعة منظرين إسلاميين يشكِّلون جزءًا من هذه المنظومة، ويلتزمون بهذا التوجه الهجين: ذو الفقار محمد شريف (مؤيد لداعش، سنغافورة)، وان مين وان مات (الجماعة الإسلامية، ماليزيا)، أبو حمدي (جماعة أبو سيّاف، الفلبين)، أمان عبد الرحمن (جماعة أنشاروت دوله، إندونيسيا). في إطار هذه المنظومة، يستعرض المؤلف ثلاث منظومات محددة تضم أشخاصًا (مؤثرين)، وأماكن (واجهات مادية وافتراضية)، ومنصات (دور نشر ومواقع إلكترونية) يقترب فيها التوجه السلفي-الوهابي من الذروة.
في النهاية، يقدم كومار استراتيجية بديل لمواجهة المنظومة المتطرفة بفعالية من خلال أربعة طرق: محتوى الرسالة، وتأطير الرسالة، ونشر الرسالة، واستقبال الرسائل، بهدف التغلب على الروايات السلفية المتنافسة. ولتحقيق ذلك، يرى المؤلف أنه من أجل النشر الفعّال لهذه الاستراتيجية، يجب أن تظل حاضرة في صميم نهج “المجتمع بأكمله” الذي يستهدف السكان المسلمين القابلين للتأثُّر للابتعاد عن المنظومة المتزمّتة الجامدة نحو القيم والممارسات الإسلامية المتسامحة.
في حين نجح المؤلف إلى حد ما في حياكة أفكاره وأبحاثه التي استمرت عقودًا باستخدام علم الاجتماع وعلم النفس واللاهوت والفلسفة في كتابٍ واحد، فإن محاولته لشرح مفهوم السلفية-الوهابية مُربكة إلى حد ما. بالنسبة لأي شخص غير خبير، فإن فهم مصطلحات مثل السلفية الناعمة أو غير العنيفة مقابل السلفية-الوهابية العنيفة أو الجامدة يمثِّل تحديًا لعامة القراء، وقد لا يكون مفيدًا للمؤسسات الأمنية أو السياسية، خاصة في التمييز بين الأتباع “الناعمين والمتشددين”. تبدو هذه وكأنها المصيدة نفسها: “الجيد مقابل السيئ” أو المعتدل مقابل المتطرف التي وقع العالم فيها عند مناقشة حركة طالبان، وحركات الإخوان المسلمين. ومع ذلك، يتناول الكتاب، ويوضح، غالبية المفاهيم المألوفة ولكن غير الواضحة والمصطلحات المستخدمة -بشكلٍ فضفاض- المرتبطة بالإرهاب الإسلامي والعنف.
إضافة إلى ما سبق، يُلقي الكتاب الضوءَ على اهتمام المؤلف باستكشاف ألوان أخرى من التطرف الديني وملامحه (على سبيل المثال، يناقش بإيجاز التطرف البوذي الناشئ في ميانمار) حيث يستكشف سبعًا من سماته الأساسية (بما في ذلك تفوق الهوية، وخطاب الكراهية، والطموح السياسي، إلخ) للمتطرفين في هذا السياق.
وهكذا، يدمج المؤلف التطرف الديني البوذي في الكتاب الذي يركز جيدًا على السلفية-الوهابية الإسلامية في جنوب شرق آسيا، الأمر الذي ربما يكون غير واضح بعض الشيء ويبدو في غير محله.