التفكك والصراع والانقسامات تلاحق الجماعة الإرهابية
الخميس 29/ديسمبر/2022 - 08:45 م
طباعة
حسام الحداد
يعد عام ٢٠٢٢، بالنسبة لجماعة الإخوان الإرهابية، عاما كارثيا بكل المقاييس، حيث عاشت الجماعة الإرهابية هذا العام بين مطرقة الفشل فى الترويج لشائعاتها والتحريض على الدولة المصرية من ناحية وسندان الانقسامات الداخلية وفضح رموزها من ناحية أخرى.
وقد حاولت الجماعة الإرهابية بكل الطرق عرقلة التنمية والبناء فى مصر وكل محاولاتها قوبلت بالتجاهل والرفض من عموم الشعب المصرى طوال العام المنقضي، الأمر الذى مثل صفعات متتالية لجماعة تلفظ أنفاسها الأخيرة فى ظل تصدع غير مسبوق فى بنيتها التنظيمية.
فشل الجماعة ونجاح المصريين
ومع بداية ٢٠٢٢ ضجت مواقع التواصل عبر كتائب الإخوان الإلكترونية بالدعوة إلى التظاهر فى الذكرى الـ١١ لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أنها قوبلت بالتجاهل من المصريين فلم يستجيبوا لتلك الدعوات المشبوهة.
وفى شهر يوليو ٢٠٢٢، تلقى التنظيم لطمة قوية مع انطلاق الاستعدادات للحوار الوطنى المصرى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتأكيد جميع المشاركين على رفض مشاركة من تلوثت أياديهم بدماء المصريين، فى إشارة إلى تنظيم الإخوان.
فى الوقت نفسه رحب الحوار بعودة المعارضين، ولكن وضعت بعض القوى شروطا للعودة لمن يرغب، منها عدم مخالفة دستور البلاد، وألا تكون صادرة ضد من يشارك أحكام أو يكون متورطا فى عنف، وألا يكون منتميا لجماعة إرهابية أو محظورة- كجماعة الإخوان والحركات المسلحة التابعة لها.
وفى ضوء إعادة ترتيب المشهد السياسى الداخلى بعد انقضاء خطر الإرهاب شهدت البلاد عودة المخرج خالد يوسف والمعارض الليبرالى ياسر الهوارى الذى كان ينتقد السلطة المصرية من منابر إعلامية خارجية، بالإضافة إلى كل من الناشط المصرى وائل غنيم بعد ٩ سنوات قضاها خارج البلاد، منهيا فترة غياب توزّعت بين المعارضة اللاذعة والاعتذارات المتتالية، ليلحق بالأكاديمى الليبرالى عمرو حمزاوي، وكذلك المطرب حمزة نمرة.
ومع خطوات سابقة بإطلاق سراح ناشطين سياسيين ومنتمين لتيارات سياسية مختلفة، مع استبعاد شمول أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابى بـ«العفو أو المشاركة فى الحوار الوطني»، فلا تسامح مع شباب الإخوان وأعضاء التنظيم.
وعقب حشد التنظيم كل قواه لمحاولة إحراج مصر خلال مؤتمر المناخ كوب ٢٧ الذى عقد مؤخرا فى منتجع شرم الشيخ فى جنوب سيناء، دعا عبر منصات التواصل الاجتماعى للتظاهر، محاولا استغلال الانعكاسات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري، كغيره من اقتصاديات دول العالم المتأثرة.
وقد حاولت عناصر الجماعة الإرهابية، الحشد عبر منصاتها وقنواتها الإعلامية، بهدف إشعال اضطرابات، لكنها أصبحت مستحيلة الحدوث فى هذا التوقيت، نظرا لوعى الشعب بأهداف الجماعة التى تعمل ضد مصالح الدولة، بحسب آراء طيف واسع من الخبراء المعنيين بحركات الإسلام السياسي.
قابلت دعوات الإخوان لإفساد التنظيم الناجح الذى شهد به الجميع لمؤتمر المناخ هبة دعم واسعة للدولة المصرية ومؤسساتها بشكل شعبى عفوي، صاحبتها سخرية من الفشل الذريع لدعوات الفوضى.
وفى محاولة يائسة سخرت جماعة الإخوان أبواقها الإعلامية من أجل الحشد للتظاهر فى ١١ نوفمبر، وألقت الجماعة بثقلها خلف الدعوة، وسعت إلى تخفيف حدة المشاحنات داخل بنيتها لكن الفشل الذريع الذى منيت به أشعل مجددا الصراع الداخلى وعمق الانقسامات فى صفوف الجماعة.
وبحس فكاهى وسخرية لاذعة، تفاعل المصريون على مواقع التوصل الاجتماعى مع دعوات تنظيم الإخوان للتظاهر فى ١١ نوفمبر، وأجهض وعى ويقظة الأجهزة الأمنية، مخططات الجماعة الإرهابية لإثارة الفوضى قبل أن تبدأ.
وحينها تصدر هاشتاج "محدش نزل" موقع "تويتر" للتدوينات القصيرة فى مصر، بالتزامن مع دعوات الإخوان التخريبية للتظاهر.
وفى الوقت الذى بحت فيه أبواق تنظيم الإخوان الإعلامية للتحريض على التظاهر، وقف مصريون على الضفة المقابلة تماما للسخرية من هذه الدعوات البائسة.
حرب تكسير العظام
الصراع بين أجنحة جماعة الإخوان الإرهابية يرجع البعض بدايته إلى ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين كان الصراع بين الأجنحة المختلفة خصوصا جبهتى لندن وإسطنبول لا يتجاوز الاتهامات بمحاولات السيطرة على الجماعة أو أموالها، لكن هذا الصراع تطور بشكل حاد فى ٢٠٢٢، حيث بلغ أشده مع سعى جبهة إسطنبول «للقفز» على قيادة الجماعة المتشرذمة، ومحاولات جبهة لندن تسمية خليفة جديدة لمنصب «القائم بأعمال المرشد».
ودخلت المعركة مرحلة «تكسير العظام»، والتى يخوضها «محمود حسين» الأمين العام السابق لجماعة الإخوان، وزعيم ما يعرف بـ«جبهة إسطنبول»، بإعلان نفسه من جانب واحد «قائما بأعمال المرشد»، وإصداره بيانا يحذر فيه من تجاوزه وتعيين أى شخص آخر.
تحركات محمود حسين السريعة قابلها تلكؤ «غير مفهوم» من جبهة لندن فى تسمية خليفة للقائم بأعمال المرشد، بعد وفاة «إبراهيم منير»، واشتعال الصراع على القيادة الجديدة بين العديد من الأسماء والتى من بينها «حلمى الجزار» و«محى الدين الزايط»، وحتى «محمد البحيري»، والذى ظهرت إشارات قوية لتوافق التنظيم عليه، قبل أن تتجه الأمور من جديد إلى القيادى القطبى "صلاح عبد الحق" الذى وقع عليه الاختيار رسميا فى الاسبوع الأخير من ديسمبر ٢٠٢٢.
وتتمتع جبهة لندن بحضور مؤسسى وإعلامى قوى فى المملكة المتحدة، وبحسب تقارير رسمية بريطانية، استخدم الإخوان المسلمون لندن كقاعدة لأنشطة سرية تستهدف مواقع أخرى، واعتبرت هذه التقارير أن بعض جوانب أيديولوجيا وتكتيكات الإخوان «تتعارض مع قيم بريطانيا ومصالحها الوطنية».
من ناحية أخرى، يتعين على جبهة إسطنبول إعادة النظر فى مستقبلها بعد أن حصل كثير من أبنائها على الجنسية التركية واستقروا فى تركيا، حيث أسسوا مؤسسات ومدارس وشركات وشبكات فى تركيا.
السيناريو المحتمل وطبيعة الأزمة
هذا الصراع واحتدامه يؤكد أنه أصبح تفكك الإخوان إلى فصائل مختلفة سيناريو محتمل، وأصبحت إمكانية سد الفجوة بين الجبهات المتعارضة أكثر تعقيدًا بسبب الطبيعة الصارمة للجماعة وإعطاء الأولوية لهذه الصلابة على التطور الأيديولوجى، وفقًا لهذا السيناريو، من المرجح أن تؤدى الفصائل الفرعية التابعة للإخوان إلى مزيد من الانقسامات.
وطرح الدكتور أحمد موسى بدوى سيناريو محتملاً لمستقبل الإخوان، ويشير إلى أنه حتى لو حدث تغيير فى النظام وعاد الإخوان للانضمام إلى المجتمع المصرى مؤقتًا، فإن التنظيم سيظل قنبلة موقوتة لا بد أن تنفجر فى أى لحظة.
ومع ذلك، لا يزال الأمر مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بالهيكل المؤسسى للإخوان، حيث يتمحور حول الفردية فى إدارة شئون التنظيم، على هذا النحو، فإن المرشد وكبار القادة يسيطرون على عملية صنع القرار داخل الجماعة.
وفقًا لأحد المحللين، أصبح هذا الهيكل المؤسسى عبئًا على الجماعة، يتجلى فى بطء اتخاذ القرار والفشل فى التكيف مع الظروف المتغيرة.
وهكذا، أصبحت الجماعة «جسمًا ضعيفًا» تسيطر عليه مجموعة صغيرة من القادة الذين أعادوا هيكلتها، إن القيادة القديمة «تواجه أزمة حقيقية فى التواصل مع شباب الإخوان من حيث الخطاب والأفكار»، وتظهر على الجماعة أعراض الشيخوخة التنظيمية، وقد تضاءلت قدرتها الفكرية النظرية مقارنة بأدائها الديناميكى.
ويرجع محمد شومان القيادى فى الجماعة، هذا السقوط إلى تقاعس الإخوان التنظيمى والفكرى، الأمر الذى أدى إلى نشوب صراعات وانقسامات داخل الجماعة، وبحسب شومان، ازدادت هذه النزاعات تعقيدًا عندما وجدت جبهات الإخوان المختلفة نفسها معتمدة على تركيا وقطر وجماعات متطرفة أخرى، يعتقد شومان أن «أى عودة للإخوان إلى المجال العام المصرى فى العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين ستكون مهزلة»، يتفق هذا مع ما قاله الدكتور الراحل على مبروك، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، إنه لن يكون هناك مستقبل لمصر إلا فى الجانب المعاكس للإخوان.
تضاءل نفوذ جماعة الإخوان على فروعها فى المنطقة. لم تعد الحركة المعارضة الأبرز فى مصر أو حاملة راية الجماعات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.
فشلت محاولات الإخوان للترويج لفكرة أن مصير مصر سيتقرر من خلال مواجهة بين النظام والإسلاميين، استندت جماعة الإخوان فى هذه الإدانة إلى التكاليف الباهظة لاستمرار قمعها واضطهادها.
وكما سبق لـ«البوابة» أن عرضت طبيعة الأزمة الهيكلية التى تمر بها الجماعة والتى تعد الأزمة الحالية هى انعكاس لها وتجدر الإشارة إلى أربع قضايا رئيسية فى هذا الصدد:
أولاً: تعانى الجماعة من الجمود التنظيمى وعدم المرونة، وهى حقيقة تؤثر بشكل كبير على قدرتها على الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية. تتم عملية صنع القرار فى جماعة الإخوان بشكل أساسى من قبل مجموعة صغيرة من القادة الذين يسيطرون على موارد الجماعة ويوجهون أنشطتها. تتكون هذه الدائرة الداخلية مكتب المرشد العام ومكتب الإرشاد الذى يتألف من ١٦ عضوًا؛ ولكل من المؤسستين صلاحيات كاسحة على حساب مؤسسات أخرى مثل مجلس الشورى.
لذلك، عندما يتم القبض على المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد، تصاب الجماعة بالشلل وعدم القدرة على الاستجابة السريعة للتطورات السياسية. كان هذا هو الحال بعد عزلهم عام ٢٠١٣ عندما تم اعتقال معظم المستويات الأولى والثانية والثالثة من قيادة الإخوان، مما أدى إلى فوضى فى الحركة.
لا تتوقع القيادة أن يتم التشكيك فى قراراتها أو أفعالها أو الطعن فيها من قبل الأعضاء، وفى الواقع، أولئك الذين يجرؤون على الطعن أو التشكيك فى هذه القرارات هم عرضة للاستبعاد والتهميش.
ثانيًا: تفتقر جماعة الإخوان إلى قواعد واضحة للشفافية الداخلية والمساءلة، إن الثقافة التنظيمية ومدونة القيم التى توجه الحركة، والتى تشمل الولاء والطاعة والثقة العمياء فى القيادة، تمنح الأخيرة صلاحيات غير محدودة وغير مقيدة. نتيجة لذلك، لا تتوقع القيادة أن يتم التشكيك فى قراراتها أو أفعالها أو الطعن فيها من قبل الأعضاء.
وفى الواقع، أولئك الذين يجرؤون على الطعن أو التشكيك فى هذه القرارات هم عرضة للإقصاء والتهميش، وأحيانًا الشيطنة والطرد، ولهذه الغاية، طردت جماعة الإخوان خلال السنوات القليلة الماضية عدة شخصيات بارزة مثل المرشح الرئاسى السابق عبد المنعم أبوالفتوح وعشرات الأعضاء الشباب.
ثالثًا: تفتقر جماعة الإخوان إلى رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة حول كيفية الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية، القيادة منهكة لأنها تتعامل باستمرار مع المشاكل اليومية الناتجة عن مواجهاتها مع النظام والعزلة الإقليمية، لقد فشلت فى تطوير استراتيجية واضحة لكيفية الحفاظ على الوحدة خلال هذه الأوقات العصيبة، لم تكن قيادة الإخوان فقط غير قادرة على إعادة الاندماج فى العملية السياسية، ولكنها فقدت أيضًا الكثير من دعمها على الصعيدين المحلى والإقليمى.
رابعًا: عزل جيل الإخوان الأصغر سنًا، خلال السنوات العديدة الماضية، فلم تكن الترقية فى صفوف الحركة على أساس الجدارة أو بسبب مؤهلات الأعضاء؛ بل كان مرتبطًا بولائهم وإيمانهم بالقيادة، حرم هذا الموقف جماعة الإخوان من ضخ دماء وأفكار جديدة فى عملية صنع القرار فيها، مما أثر على استراتيجيتها وتكتيكاتها السياسية.
وقد أدى هذا الموقف إلى نفور الأعضاء الشباب وإجبارهم إما على التخلى عن الجماعة أو تعليق أنشطتهم كعلامة على عدم الرضا عن قيادة الإخوان، وفى الواقع، فإن الخسائر السياسية والاجتماعية والتنظيمية للحركة منذ عام ٢٠١٣ هائلة وستستغرق سنوات حتى تتمكن من استعادة ثقة الأعضاء الشباب وإعادة بناء شبكتها التنظيمية مرة أخرى.
تحديات مستقبلية
بغض النظر عمن سينتصر فى معركة القيادة المستمرة داخل الإخوان، وسواء كانت من معسكر منير أو معسكر الحسين، فإن الجماعة تواجه العديد من التحديات الحادة فى المستقبل المنظور.
أولاً: قدرة القيادة على توحيد الحركة بعد الانقسامات العديدة التى عانت منها منذ عام ٢٠١٣، هذه الانقسامات ليست أيديولوجية أو سياسية فحسب، بل هى أيضًا تنظيمية واستراتيجية، فلأول مرة منذ عقود، ينتشر أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية فى أكثر من دولة، لا سيما فى تركيا والمملكة المتحدة وماليزيا والسودان وقطر، ولم تعد الجماعة تسيطر على أعضائها، ولا سيما الشباب المحبطون من الانقسامات المستمرة. وبحسب هيثم سعيد، وهو شاب منتخب حديثًا فى مكتب جماعة الإخوان الإرهابية فى تركيا، فإن المهمة الرئيسية للقيادة الجديدة هى كيفية إعادة الانخراط فى الجماعة وتوحيدها.
ثانيًا: تواجه قيادة الحركة التحدى المتمثل فى كيفية الإفراج عن سجنائها السياسيين الذين يقبعون فى السجن منذ ٢٠١٣، ويلقى أعضاء الإخوان باللوم على القيادة فى فشلها فى المساعدة على إنهاء معاناة هؤلاء السجناء وعائلاتهم، صحيح أن نظام السيسى لا يظهر أى علامة على محاولة المصالحة مع الإخوان، لكن قيادة الحركة لم تتخذ خطوات جادة أو تتبنى مبادرة من شأنها التواصل مع النظام للإفراج عن الأسرى.
ثالثًا: تعمل جماعة الإخوان فى بيئة إقليمية معادية بشكل كبير، وقد أثر ذلك على قدرة الجماعة على المناورة داخل نظام السيسى وتحقيق مكاسب سياسية، حتى تلك الدول التى وفرت الملاذ والدعم لجماعة الإخوان، مثل تركيا وقطر، بدأت فى إعادة تموضعها مع النظام المصرى، مما أثر على القدرات السياسية للجماعة.
علاوة على ذلك، فشلت قيادة الحركة فشلاً ذريعًا فى حشد الدعم الدولى وحشده لإنهاء معاناة سجنائها السياسيين والضغط على نظام السيسى للإفراج عنهم. ومن المؤكد أنه من دون معالجة الجذور العميقة لأزمة الإخوان الحالية، ستعانى الجماعة من المزيد من المشكلات والانقسامات فى السنوات المقبلة وسيظل مستقبلها غير مؤكد. لطالما اعتقد الإخوان المسلمون أنهم لا يهزمون، حتى لو تم إعدام بعض قادتهم، كما افترضوا أن العنف سيؤدى إلى اضطرابات أو حتى اندلاع حرب أهلية ذات عواقب وخيمة على مصر وتداعيات سلبية على أوروبا. ومع ذلك، ثبت أن هذه الرهانات فى غير محلها بعد أن كشف المصريون الأساطير التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، ونجح السيسى فى إقصاء الإخوان الإرهابية من الحياة الاجتماعية والسياسية فى مصر من خلال تصفية جميع المؤسسات الخيرية والمستشفيات والمراكز التعليمية التى أنشأها الإخوان منذ السبعينيات لتقديم نفسها كبديل للدولة.
لم يعد الإخوان حركة أو جماعة مؤثرة فى المشهد المصرى، بعد خسارة الكثير من قدرتها المالية والتشغيلية وتفكك شبكاتها المحلية والأجنبية، يبدو أن جماعة الإخوان تنتظر انقلابًا كبيرا لإنهاء بؤسها وانهيارها التاريخى.
التنظيم الإرهابى سيظل قنبلة موقوتة لا بُد أن تنفجر فى أى لحظة
إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب
أصدرت محكمة جنايات القاهرة فى مصر، يوم الثلاثاء ٢٦ أبريل ٢٠٢٢، حكمًا بإدراج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية وذلك لمدة ٥ سنوات.
وتضمن الحكم إدراج أسماء ٢٠ شخصًا من قيادات وعناصر الإخوان على قائمة الإرهابيين، وكذلك أسماء شركتى «أسباير برودكشن هاوس» و«دلتا التعمير للاستثمار العقاري» على قائمة الكيانات الإرهابية على أن قرار الإدراج لمدة خمس سنوات.
وكانت محكمة الجنايات قد أصدرت فى أبريل ٢٠١٨ قرارات بإدراج ١٥٢٧ شخصاً وقيادياً فى جماعة الإخوان على قوائم الكيانات الإرهابية،. وفى العام ٢٠٢٠ قررت السلطات المصرية إدراج عدد آخر من قيادات وعناصر جماعة الإخوان وآخرين وجماعات أخرى فى قوائم الكيانات الإرهابية.
وتقدمت النيابة العامة بطلب لإدراج عدد كبير من قيادات الجماعة وبعض الموالين لها والتحفظ على أموالهم، نظراً لاستناد الحراك المسلح والعمليات الإرهابية إلى الأموال التى يمدها بها هؤلاء الأعضاء ومؤيدوها من أصحاب الكيانات الاقتصادية، إضافة لمساعدة هؤلاء الأشخاص للإرهابيين مادياً ومعنوياً.
وذكرت النيابة العامة أن التحقيقات أثبتت ارتكاب الأسماء المدرجة فى القوائم جرائم تمويل شراء الأسلحة وتدريب عناصر الجماعة وإعدادهم للقيام بعمليات إرهابية، وتوفير الدعم اللوجستى لهم والترويج للشائعات التى تمس الأمن القومى وتضر بالنظام الداخلى للدولة وتهريب ما تبقى من أموال الجماعة بالعملة الصعبة للخارج من خلال شركات الصرافة التابعة للجماعة
ونشرت الجريدة الرسمية فى ١٦ أكتوبر سنة ٢٠٢٢ قرار محكمة جنايات القاهرة الدائرة (٣١ جنوب» كيانات إرهابية، بالجلسة المنعقدة بغرفة المشورة برئاسة المستشار علی محمد عمر الهوارى وعضوية المستشارين أشرف عبد الوهاب العشماوي، وخالد فخرى الشلقامى - الرئيسين بمحكمة استئناف القاهرة. وحضور عمر الكردى - وكيل النيابة وحضور معتز مدحت محمد - أمين السر، أصدرت قرارا بشأن طلب الإدراج رقم ٤ لسنة ٢٠٢٢ إدراج كيانات إرهابية وفى شأن طلب الإدراج رقم ٩ لسنة ٢٠٢٢ إدراج إرهابيين.. ٣١٦ لسنة ٢٠١٧ حصر أمن الدولة العليا:
أولا: إدراج جماعة «الإخوان» على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات من تاريخ إصدار هذا القرار.
ثانيا: إدراج المتهمين فى القضية رقم ٣١٦ لسنة ٢٠١٧ حصر أمن الدولة العليا الآتية أسماؤهم بقائمة الإرهابيين، وذلك لمدة ثلاث سنوات مع وقف الأثر المترتب على الإدراج الوارد فى البند رقم (٥) من الفقرة ثانيا من المادة (٧) من القانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ المعدل بالقانون رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٠.
وفى ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢، قررت الدائرة ٩ جنوب محكمة جنايات القاهرة، بإدراج جماعة الإخوان على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة ٥ سنوات تبدأ من يوم نشر القرار بالجريدة الرسمية.
وقررت محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى جنوب بإدراج الإعلاميين معتز مطر، وسامى كمال الدين، ومحمد الحميد أحمد عوف، وطارق محمود مبارك محمد، ومحمد على على عبدالخالق، على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات.
ووفقاً لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، الذى صدر عام ٢٠١٥ بمصر، فإن إدراج أى جماعة أو أشخاص على هذه القوائم، يتبعه تلقائياً «التحفظ على الأموال، والمنع من السفر، والإدراج على قوائم ترقب الوصول والمنع من السفر».
وقد حاولت الجماعة الإرهابية بكل الطرق عرقلة التنمية والبناء فى مصر وكل محاولاتها قوبلت بالتجاهل والرفض من عموم الشعب المصرى طوال العام المنقضي، الأمر الذى مثل صفعات متتالية لجماعة تلفظ أنفاسها الأخيرة فى ظل تصدع غير مسبوق فى بنيتها التنظيمية.
فشل الجماعة ونجاح المصريين
ومع بداية ٢٠٢٢ ضجت مواقع التواصل عبر كتائب الإخوان الإلكترونية بالدعوة إلى التظاهر فى الذكرى الـ١١ لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أنها قوبلت بالتجاهل من المصريين فلم يستجيبوا لتلك الدعوات المشبوهة.
وفى شهر يوليو ٢٠٢٢، تلقى التنظيم لطمة قوية مع انطلاق الاستعدادات للحوار الوطنى المصرى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتأكيد جميع المشاركين على رفض مشاركة من تلوثت أياديهم بدماء المصريين، فى إشارة إلى تنظيم الإخوان.
فى الوقت نفسه رحب الحوار بعودة المعارضين، ولكن وضعت بعض القوى شروطا للعودة لمن يرغب، منها عدم مخالفة دستور البلاد، وألا تكون صادرة ضد من يشارك أحكام أو يكون متورطا فى عنف، وألا يكون منتميا لجماعة إرهابية أو محظورة- كجماعة الإخوان والحركات المسلحة التابعة لها.
وفى ضوء إعادة ترتيب المشهد السياسى الداخلى بعد انقضاء خطر الإرهاب شهدت البلاد عودة المخرج خالد يوسف والمعارض الليبرالى ياسر الهوارى الذى كان ينتقد السلطة المصرية من منابر إعلامية خارجية، بالإضافة إلى كل من الناشط المصرى وائل غنيم بعد ٩ سنوات قضاها خارج البلاد، منهيا فترة غياب توزّعت بين المعارضة اللاذعة والاعتذارات المتتالية، ليلحق بالأكاديمى الليبرالى عمرو حمزاوي، وكذلك المطرب حمزة نمرة.
ومع خطوات سابقة بإطلاق سراح ناشطين سياسيين ومنتمين لتيارات سياسية مختلفة، مع استبعاد شمول أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابى بـ«العفو أو المشاركة فى الحوار الوطني»، فلا تسامح مع شباب الإخوان وأعضاء التنظيم.
وعقب حشد التنظيم كل قواه لمحاولة إحراج مصر خلال مؤتمر المناخ كوب ٢٧ الذى عقد مؤخرا فى منتجع شرم الشيخ فى جنوب سيناء، دعا عبر منصات التواصل الاجتماعى للتظاهر، محاولا استغلال الانعكاسات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري، كغيره من اقتصاديات دول العالم المتأثرة.
وقد حاولت عناصر الجماعة الإرهابية، الحشد عبر منصاتها وقنواتها الإعلامية، بهدف إشعال اضطرابات، لكنها أصبحت مستحيلة الحدوث فى هذا التوقيت، نظرا لوعى الشعب بأهداف الجماعة التى تعمل ضد مصالح الدولة، بحسب آراء طيف واسع من الخبراء المعنيين بحركات الإسلام السياسي.
قابلت دعوات الإخوان لإفساد التنظيم الناجح الذى شهد به الجميع لمؤتمر المناخ هبة دعم واسعة للدولة المصرية ومؤسساتها بشكل شعبى عفوي، صاحبتها سخرية من الفشل الذريع لدعوات الفوضى.
وفى محاولة يائسة سخرت جماعة الإخوان أبواقها الإعلامية من أجل الحشد للتظاهر فى ١١ نوفمبر، وألقت الجماعة بثقلها خلف الدعوة، وسعت إلى تخفيف حدة المشاحنات داخل بنيتها لكن الفشل الذريع الذى منيت به أشعل مجددا الصراع الداخلى وعمق الانقسامات فى صفوف الجماعة.
وبحس فكاهى وسخرية لاذعة، تفاعل المصريون على مواقع التوصل الاجتماعى مع دعوات تنظيم الإخوان للتظاهر فى ١١ نوفمبر، وأجهض وعى ويقظة الأجهزة الأمنية، مخططات الجماعة الإرهابية لإثارة الفوضى قبل أن تبدأ.
وحينها تصدر هاشتاج "محدش نزل" موقع "تويتر" للتدوينات القصيرة فى مصر، بالتزامن مع دعوات الإخوان التخريبية للتظاهر.
وفى الوقت الذى بحت فيه أبواق تنظيم الإخوان الإعلامية للتحريض على التظاهر، وقف مصريون على الضفة المقابلة تماما للسخرية من هذه الدعوات البائسة.
حرب تكسير العظام
الصراع بين أجنحة جماعة الإخوان الإرهابية يرجع البعض بدايته إلى ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين كان الصراع بين الأجنحة المختلفة خصوصا جبهتى لندن وإسطنبول لا يتجاوز الاتهامات بمحاولات السيطرة على الجماعة أو أموالها، لكن هذا الصراع تطور بشكل حاد فى ٢٠٢٢، حيث بلغ أشده مع سعى جبهة إسطنبول «للقفز» على قيادة الجماعة المتشرذمة، ومحاولات جبهة لندن تسمية خليفة جديدة لمنصب «القائم بأعمال المرشد».
ودخلت المعركة مرحلة «تكسير العظام»، والتى يخوضها «محمود حسين» الأمين العام السابق لجماعة الإخوان، وزعيم ما يعرف بـ«جبهة إسطنبول»، بإعلان نفسه من جانب واحد «قائما بأعمال المرشد»، وإصداره بيانا يحذر فيه من تجاوزه وتعيين أى شخص آخر.
تحركات محمود حسين السريعة قابلها تلكؤ «غير مفهوم» من جبهة لندن فى تسمية خليفة للقائم بأعمال المرشد، بعد وفاة «إبراهيم منير»، واشتعال الصراع على القيادة الجديدة بين العديد من الأسماء والتى من بينها «حلمى الجزار» و«محى الدين الزايط»، وحتى «محمد البحيري»، والذى ظهرت إشارات قوية لتوافق التنظيم عليه، قبل أن تتجه الأمور من جديد إلى القيادى القطبى "صلاح عبد الحق" الذى وقع عليه الاختيار رسميا فى الاسبوع الأخير من ديسمبر ٢٠٢٢.
وتتمتع جبهة لندن بحضور مؤسسى وإعلامى قوى فى المملكة المتحدة، وبحسب تقارير رسمية بريطانية، استخدم الإخوان المسلمون لندن كقاعدة لأنشطة سرية تستهدف مواقع أخرى، واعتبرت هذه التقارير أن بعض جوانب أيديولوجيا وتكتيكات الإخوان «تتعارض مع قيم بريطانيا ومصالحها الوطنية».
من ناحية أخرى، يتعين على جبهة إسطنبول إعادة النظر فى مستقبلها بعد أن حصل كثير من أبنائها على الجنسية التركية واستقروا فى تركيا، حيث أسسوا مؤسسات ومدارس وشركات وشبكات فى تركيا.
السيناريو المحتمل وطبيعة الأزمة
هذا الصراع واحتدامه يؤكد أنه أصبح تفكك الإخوان إلى فصائل مختلفة سيناريو محتمل، وأصبحت إمكانية سد الفجوة بين الجبهات المتعارضة أكثر تعقيدًا بسبب الطبيعة الصارمة للجماعة وإعطاء الأولوية لهذه الصلابة على التطور الأيديولوجى، وفقًا لهذا السيناريو، من المرجح أن تؤدى الفصائل الفرعية التابعة للإخوان إلى مزيد من الانقسامات.
وطرح الدكتور أحمد موسى بدوى سيناريو محتملاً لمستقبل الإخوان، ويشير إلى أنه حتى لو حدث تغيير فى النظام وعاد الإخوان للانضمام إلى المجتمع المصرى مؤقتًا، فإن التنظيم سيظل قنبلة موقوتة لا بد أن تنفجر فى أى لحظة.
ومع ذلك، لا يزال الأمر مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بالهيكل المؤسسى للإخوان، حيث يتمحور حول الفردية فى إدارة شئون التنظيم، على هذا النحو، فإن المرشد وكبار القادة يسيطرون على عملية صنع القرار داخل الجماعة.
وفقًا لأحد المحللين، أصبح هذا الهيكل المؤسسى عبئًا على الجماعة، يتجلى فى بطء اتخاذ القرار والفشل فى التكيف مع الظروف المتغيرة.
وهكذا، أصبحت الجماعة «جسمًا ضعيفًا» تسيطر عليه مجموعة صغيرة من القادة الذين أعادوا هيكلتها، إن القيادة القديمة «تواجه أزمة حقيقية فى التواصل مع شباب الإخوان من حيث الخطاب والأفكار»، وتظهر على الجماعة أعراض الشيخوخة التنظيمية، وقد تضاءلت قدرتها الفكرية النظرية مقارنة بأدائها الديناميكى.
ويرجع محمد شومان القيادى فى الجماعة، هذا السقوط إلى تقاعس الإخوان التنظيمى والفكرى، الأمر الذى أدى إلى نشوب صراعات وانقسامات داخل الجماعة، وبحسب شومان، ازدادت هذه النزاعات تعقيدًا عندما وجدت جبهات الإخوان المختلفة نفسها معتمدة على تركيا وقطر وجماعات متطرفة أخرى، يعتقد شومان أن «أى عودة للإخوان إلى المجال العام المصرى فى العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين ستكون مهزلة»، يتفق هذا مع ما قاله الدكتور الراحل على مبروك، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، إنه لن يكون هناك مستقبل لمصر إلا فى الجانب المعاكس للإخوان.
تضاءل نفوذ جماعة الإخوان على فروعها فى المنطقة. لم تعد الحركة المعارضة الأبرز فى مصر أو حاملة راية الجماعات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.
فشلت محاولات الإخوان للترويج لفكرة أن مصير مصر سيتقرر من خلال مواجهة بين النظام والإسلاميين، استندت جماعة الإخوان فى هذه الإدانة إلى التكاليف الباهظة لاستمرار قمعها واضطهادها.
وكما سبق لـ«البوابة» أن عرضت طبيعة الأزمة الهيكلية التى تمر بها الجماعة والتى تعد الأزمة الحالية هى انعكاس لها وتجدر الإشارة إلى أربع قضايا رئيسية فى هذا الصدد:
أولاً: تعانى الجماعة من الجمود التنظيمى وعدم المرونة، وهى حقيقة تؤثر بشكل كبير على قدرتها على الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية. تتم عملية صنع القرار فى جماعة الإخوان بشكل أساسى من قبل مجموعة صغيرة من القادة الذين يسيطرون على موارد الجماعة ويوجهون أنشطتها. تتكون هذه الدائرة الداخلية مكتب المرشد العام ومكتب الإرشاد الذى يتألف من ١٦ عضوًا؛ ولكل من المؤسستين صلاحيات كاسحة على حساب مؤسسات أخرى مثل مجلس الشورى.
لذلك، عندما يتم القبض على المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد، تصاب الجماعة بالشلل وعدم القدرة على الاستجابة السريعة للتطورات السياسية. كان هذا هو الحال بعد عزلهم عام ٢٠١٣ عندما تم اعتقال معظم المستويات الأولى والثانية والثالثة من قيادة الإخوان، مما أدى إلى فوضى فى الحركة.
لا تتوقع القيادة أن يتم التشكيك فى قراراتها أو أفعالها أو الطعن فيها من قبل الأعضاء، وفى الواقع، أولئك الذين يجرؤون على الطعن أو التشكيك فى هذه القرارات هم عرضة للاستبعاد والتهميش.
ثانيًا: تفتقر جماعة الإخوان إلى قواعد واضحة للشفافية الداخلية والمساءلة، إن الثقافة التنظيمية ومدونة القيم التى توجه الحركة، والتى تشمل الولاء والطاعة والثقة العمياء فى القيادة، تمنح الأخيرة صلاحيات غير محدودة وغير مقيدة. نتيجة لذلك، لا تتوقع القيادة أن يتم التشكيك فى قراراتها أو أفعالها أو الطعن فيها من قبل الأعضاء.
وفى الواقع، أولئك الذين يجرؤون على الطعن أو التشكيك فى هذه القرارات هم عرضة للإقصاء والتهميش، وأحيانًا الشيطنة والطرد، ولهذه الغاية، طردت جماعة الإخوان خلال السنوات القليلة الماضية عدة شخصيات بارزة مثل المرشح الرئاسى السابق عبد المنعم أبوالفتوح وعشرات الأعضاء الشباب.
ثالثًا: تفتقر جماعة الإخوان إلى رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة حول كيفية الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية، القيادة منهكة لأنها تتعامل باستمرار مع المشاكل اليومية الناتجة عن مواجهاتها مع النظام والعزلة الإقليمية، لقد فشلت فى تطوير استراتيجية واضحة لكيفية الحفاظ على الوحدة خلال هذه الأوقات العصيبة، لم تكن قيادة الإخوان فقط غير قادرة على إعادة الاندماج فى العملية السياسية، ولكنها فقدت أيضًا الكثير من دعمها على الصعيدين المحلى والإقليمى.
رابعًا: عزل جيل الإخوان الأصغر سنًا، خلال السنوات العديدة الماضية، فلم تكن الترقية فى صفوف الحركة على أساس الجدارة أو بسبب مؤهلات الأعضاء؛ بل كان مرتبطًا بولائهم وإيمانهم بالقيادة، حرم هذا الموقف جماعة الإخوان من ضخ دماء وأفكار جديدة فى عملية صنع القرار فيها، مما أثر على استراتيجيتها وتكتيكاتها السياسية.
وقد أدى هذا الموقف إلى نفور الأعضاء الشباب وإجبارهم إما على التخلى عن الجماعة أو تعليق أنشطتهم كعلامة على عدم الرضا عن قيادة الإخوان، وفى الواقع، فإن الخسائر السياسية والاجتماعية والتنظيمية للحركة منذ عام ٢٠١٣ هائلة وستستغرق سنوات حتى تتمكن من استعادة ثقة الأعضاء الشباب وإعادة بناء شبكتها التنظيمية مرة أخرى.
تحديات مستقبلية
بغض النظر عمن سينتصر فى معركة القيادة المستمرة داخل الإخوان، وسواء كانت من معسكر منير أو معسكر الحسين، فإن الجماعة تواجه العديد من التحديات الحادة فى المستقبل المنظور.
أولاً: قدرة القيادة على توحيد الحركة بعد الانقسامات العديدة التى عانت منها منذ عام ٢٠١٣، هذه الانقسامات ليست أيديولوجية أو سياسية فحسب، بل هى أيضًا تنظيمية واستراتيجية، فلأول مرة منذ عقود، ينتشر أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية فى أكثر من دولة، لا سيما فى تركيا والمملكة المتحدة وماليزيا والسودان وقطر، ولم تعد الجماعة تسيطر على أعضائها، ولا سيما الشباب المحبطون من الانقسامات المستمرة. وبحسب هيثم سعيد، وهو شاب منتخب حديثًا فى مكتب جماعة الإخوان الإرهابية فى تركيا، فإن المهمة الرئيسية للقيادة الجديدة هى كيفية إعادة الانخراط فى الجماعة وتوحيدها.
ثانيًا: تواجه قيادة الحركة التحدى المتمثل فى كيفية الإفراج عن سجنائها السياسيين الذين يقبعون فى السجن منذ ٢٠١٣، ويلقى أعضاء الإخوان باللوم على القيادة فى فشلها فى المساعدة على إنهاء معاناة هؤلاء السجناء وعائلاتهم، صحيح أن نظام السيسى لا يظهر أى علامة على محاولة المصالحة مع الإخوان، لكن قيادة الحركة لم تتخذ خطوات جادة أو تتبنى مبادرة من شأنها التواصل مع النظام للإفراج عن الأسرى.
ثالثًا: تعمل جماعة الإخوان فى بيئة إقليمية معادية بشكل كبير، وقد أثر ذلك على قدرة الجماعة على المناورة داخل نظام السيسى وتحقيق مكاسب سياسية، حتى تلك الدول التى وفرت الملاذ والدعم لجماعة الإخوان، مثل تركيا وقطر، بدأت فى إعادة تموضعها مع النظام المصرى، مما أثر على القدرات السياسية للجماعة.
علاوة على ذلك، فشلت قيادة الحركة فشلاً ذريعًا فى حشد الدعم الدولى وحشده لإنهاء معاناة سجنائها السياسيين والضغط على نظام السيسى للإفراج عنهم. ومن المؤكد أنه من دون معالجة الجذور العميقة لأزمة الإخوان الحالية، ستعانى الجماعة من المزيد من المشكلات والانقسامات فى السنوات المقبلة وسيظل مستقبلها غير مؤكد. لطالما اعتقد الإخوان المسلمون أنهم لا يهزمون، حتى لو تم إعدام بعض قادتهم، كما افترضوا أن العنف سيؤدى إلى اضطرابات أو حتى اندلاع حرب أهلية ذات عواقب وخيمة على مصر وتداعيات سلبية على أوروبا. ومع ذلك، ثبت أن هذه الرهانات فى غير محلها بعد أن كشف المصريون الأساطير التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، ونجح السيسى فى إقصاء الإخوان الإرهابية من الحياة الاجتماعية والسياسية فى مصر من خلال تصفية جميع المؤسسات الخيرية والمستشفيات والمراكز التعليمية التى أنشأها الإخوان منذ السبعينيات لتقديم نفسها كبديل للدولة.
لم يعد الإخوان حركة أو جماعة مؤثرة فى المشهد المصرى، بعد خسارة الكثير من قدرتها المالية والتشغيلية وتفكك شبكاتها المحلية والأجنبية، يبدو أن جماعة الإخوان تنتظر انقلابًا كبيرا لإنهاء بؤسها وانهيارها التاريخى.
التنظيم الإرهابى سيظل قنبلة موقوتة لا بُد أن تنفجر فى أى لحظة
إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب
أصدرت محكمة جنايات القاهرة فى مصر، يوم الثلاثاء ٢٦ أبريل ٢٠٢٢، حكمًا بإدراج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية وذلك لمدة ٥ سنوات.
وتضمن الحكم إدراج أسماء ٢٠ شخصًا من قيادات وعناصر الإخوان على قائمة الإرهابيين، وكذلك أسماء شركتى «أسباير برودكشن هاوس» و«دلتا التعمير للاستثمار العقاري» على قائمة الكيانات الإرهابية على أن قرار الإدراج لمدة خمس سنوات.
وكانت محكمة الجنايات قد أصدرت فى أبريل ٢٠١٨ قرارات بإدراج ١٥٢٧ شخصاً وقيادياً فى جماعة الإخوان على قوائم الكيانات الإرهابية،. وفى العام ٢٠٢٠ قررت السلطات المصرية إدراج عدد آخر من قيادات وعناصر جماعة الإخوان وآخرين وجماعات أخرى فى قوائم الكيانات الإرهابية.
وتقدمت النيابة العامة بطلب لإدراج عدد كبير من قيادات الجماعة وبعض الموالين لها والتحفظ على أموالهم، نظراً لاستناد الحراك المسلح والعمليات الإرهابية إلى الأموال التى يمدها بها هؤلاء الأعضاء ومؤيدوها من أصحاب الكيانات الاقتصادية، إضافة لمساعدة هؤلاء الأشخاص للإرهابيين مادياً ومعنوياً.
وذكرت النيابة العامة أن التحقيقات أثبتت ارتكاب الأسماء المدرجة فى القوائم جرائم تمويل شراء الأسلحة وتدريب عناصر الجماعة وإعدادهم للقيام بعمليات إرهابية، وتوفير الدعم اللوجستى لهم والترويج للشائعات التى تمس الأمن القومى وتضر بالنظام الداخلى للدولة وتهريب ما تبقى من أموال الجماعة بالعملة الصعبة للخارج من خلال شركات الصرافة التابعة للجماعة
ونشرت الجريدة الرسمية فى ١٦ أكتوبر سنة ٢٠٢٢ قرار محكمة جنايات القاهرة الدائرة (٣١ جنوب» كيانات إرهابية، بالجلسة المنعقدة بغرفة المشورة برئاسة المستشار علی محمد عمر الهوارى وعضوية المستشارين أشرف عبد الوهاب العشماوي، وخالد فخرى الشلقامى - الرئيسين بمحكمة استئناف القاهرة. وحضور عمر الكردى - وكيل النيابة وحضور معتز مدحت محمد - أمين السر، أصدرت قرارا بشأن طلب الإدراج رقم ٤ لسنة ٢٠٢٢ إدراج كيانات إرهابية وفى شأن طلب الإدراج رقم ٩ لسنة ٢٠٢٢ إدراج إرهابيين.. ٣١٦ لسنة ٢٠١٧ حصر أمن الدولة العليا:
أولا: إدراج جماعة «الإخوان» على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات من تاريخ إصدار هذا القرار.
ثانيا: إدراج المتهمين فى القضية رقم ٣١٦ لسنة ٢٠١٧ حصر أمن الدولة العليا الآتية أسماؤهم بقائمة الإرهابيين، وذلك لمدة ثلاث سنوات مع وقف الأثر المترتب على الإدراج الوارد فى البند رقم (٥) من الفقرة ثانيا من المادة (٧) من القانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ المعدل بالقانون رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٠.
وفى ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢، قررت الدائرة ٩ جنوب محكمة جنايات القاهرة، بإدراج جماعة الإخوان على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة ٥ سنوات تبدأ من يوم نشر القرار بالجريدة الرسمية.
وقررت محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى جنوب بإدراج الإعلاميين معتز مطر، وسامى كمال الدين، ومحمد الحميد أحمد عوف، وطارق محمود مبارك محمد، ومحمد على على عبدالخالق، على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات.
ووفقاً لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، الذى صدر عام ٢٠١٥ بمصر، فإن إدراج أى جماعة أو أشخاص على هذه القوائم، يتبعه تلقائياً «التحفظ على الأموال، والمنع من السفر، والإدراج على قوائم ترقب الوصول والمنع من السفر».