حصار أوروبى لشبكات الإخوان

الأحد 01/يناير/2023 - 09:16 م
طباعة حصار أوروبى لشبكات حسام الحداد
 
الجماعة الإرهابية تواجه أزمة «احتضار» والمواجهة الأوروبية تستهدف تقليص نشاط التنظيم وتتبع مصادر تمويله
 مراقبون يؤكدون على أهمية الدور الفعال لمنظمة المؤتمر الإسلامى والأزهر الشريف
إجراءات صارمة واستثنائية ضد الوجود الإخوانى فى فرنسا وألمانيا
التحركات الأوروبية الراهنة تهدف لوضع نشاطات الجماعة تحت الرقابة المكثفة وحظر نشاط رموزها وإدراجها على قوائم الإرهاب


شهد العام ٢٠٢٢، مجموعة لا بأس بها من القرارات الأوروبية لمواجهة أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى، حيث كانت الجماعة الإرهابية قد وضعت خططا للتسلل إلى مراكز صنع القرار ونجحت فى كثير من الحالات، مستغلة حاجة الغرب للتعامل مع خطر الإرهاب القادم من المتطرفين، ونتيجة لذلك أصبح الإخوان شريك الحكومة فى كفاحها ضد الإرهاب. على سبيل المثال، فى المملكة المتحدة، تم تعيين المجلس الإسلامى البريطانى (MCB) من قبل الحكومة فى المجلس الاستشارى الوطنى للأئمة (MINAB) لمحاربة التطرف. تلقت مؤسسات الجماعة المختلفة العديد من المساعدات الحكومية فى دول غربية مختلفة، وخاصة فى ألمانيا، مما جعلها تظهر كمجموعة مؤثرة فى المجتمعات الإسلامية.
وتنتهج جماعة الإخوان سياسة مزدوجة، تقوم على تقديم نفسها كممثل للمسلمين فى أوروبا، بحيث تلجأ إليها الحكومات الغربية للحصول على معلومات حول النشاط الإرهابى، وفى الوقت نفسه تتسامح مع بعض النشاط الجهادى عندما يخدم مصالحها.
وغالبًا ما يتعامل السياسيون الأوروبيون ووسائل الإعلام مع مؤسسات الإخوان كممثلين للمجتمعات الإسلامية، لأن جماعة الإخوان حركة جيدة التنظيم وحازمة، تميل إلى «التفوق فى الأداء على التيارات الإسلامية المنافسة».
وعندما تبحث النخب الأوروبية عن محاورين مسلمين للمشاركة، غالبًا ما يبدو هؤلاء من بيئة الإخوان هم الخيار الوحيد، لأنهم يعطون انطباعًا بأنهم أكبر بكثير وأكثر تمثيلاً مما هم عليه فى الواقع.
وأخيرا فإن اعتماد صانعى القرار على المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين يقلل من المساحة التى يمكن لهذه الحكومات أن تعمل فيها مع الجاليات المسلمة فى أوروبا، ويعزز سيطرة الجماعة على البيئة الإسلامية هناك، خاصة مع التقارب الأيديولوجى بين الإخوان المسلمين وغيرهم من الجمعيات الإسلامية وخاصة المقربة من الحكومة التركية.
وقامت بعض الحكومات مؤخرا بالتدقيق فى نشاط جماعة الإخوان المسلمين، مما قلل من نشاط الجماعة الظاهرى، وتحديداً علاقاتها مع المنظمات التى تصنفها الدول الغربية على أنها إرهابية. لقد قلصت هزيمة الإخوان محليا من أهميتها السياسية عالمياً، لذا فقد تلجأ إلى العمل السرى، لا سيما بعد الضغوط التى تعرضت لها فى فرنسا وألمانيا، حيث تم استبعادها من التكتلات الإسلامية الكبيرة التى تمثل المسلمين فى تلك الدول.
الحصار:
تنبهت أوروبا للخطر المحدق الذى تمثله جماعة الإخوان المسلمون على مجتمعاتها مع تنامى الهجمات الإرهابية التى استهدفت عدة عواصم أوروبية فى عام ٢٠٢٠، وأثبتت التحقيقات انتماء منفذوها لتنظيمات التطرف الإسلاموى فى البلاد، كان أبرزها هجوم فيينا الدموى الذى وقع فى ٢ نوفمبر ٢٠٢٠، وهجمات نيس الفرنسية التى وقعت فى ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٠، بالإضافة لجريمة ذبح المدرس الفرنسى صامويل باتى فى أكتوبر من نفس العام.
وبدأت الدول الأوروبية فى تعديل استراتيجياتها فى التعامل مع تنظيم الإخوان، بعد عدة تحذيرات أوردتها تقارير أمنية واستخباراتية أوروبية حذرت من خطر توغل التنظيم فى المجتمعات الأوروبية، وعزز القرار ظهور الأذرع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمون فى مصر فى أعقاب عام ٢٠١٣ وأبرزها تنظيمى «حسم» و«لواء الثوورة» المصنفين على قوائم الإرهاب الأميركية، بعد تنفيذ عدة عمليات استهدفت مؤسسات مصرية وشخصيات عامة كوسيلة انتقامية للجماعة بعد سقوطها عن الحكم، وبالرغم من تكرار النفى من جانب أذرع التنظيم صلتهم بالجماعة الأم فى مصر، إلا أن الصلات التنظيمية كانت ظاهرة فى الواقع وأكدتها عدة تقارير.
اعتبرت سوزان شروتر، رئيسة مركز أبحاث الإسلام العالمى فى فرانكفورت الألمانية وعضو المجلس الاستشارى العلمى للمركز النمساوى لتوثيق الإسلام السياسى، أن جماعة الإخوان المسلمون هى «أخطر تنظيم للإسلام السياسى فى الغربـ«، متحدثة عن «إجراءات نموذجية اتخذتها النمسا ضدها». وأدركت النمسا خطر الجماعة، واتخذت إجراءات متتابعة ضد الإخوان المسلمون بدءا من حظر الرموز إلى إنشاء مركز توثيق الإسلام السياسى لمراقبتها، وإعداد تقارير عن أنشطتها ورفعها للسلطات المعنية فى فيينا، بحسب ما نشرته صحيفة «فلوكس بلات»، بتاريخ ٢٩ يوليو ٢٠٢١.
وكذلك اعتمدت السويد وبريطانيا عدة استراتيجيات لمكافحة الإرهاب اليمينى المتطرف والإسلاموى ولمنع التهديدات المختلطة. كما زادت البلدان من مرونة البنية التحتية الحيوية والتدابير الأمنية لتعزيز الأمن السيبرانى. وبذلت كذلك ألمانيا والنمسا جهودا واسعة فى محاربة التطرف والإرهاب بداية من عام ٢٠٢١، ونجحتا بشكل جيد فى الحد من أنشطة الجماعات المتطرفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تم حظرها. وفى السياق أيضا، كشفت الحكومة الفرنسية فى ٥ أبريل ٢٠٢١، عن مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الإنترنت كـ”واتسابـ« و«سيغنال» و«تيليغرام» باستخدام الخوارزميات، وتوسيع استخدام أجهزة الاستخبارات الفرنسية للخوارزميات لتعقب الإرهابيين المحتملين.
واستبعد المجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا جمعية صنفتها الاستخبارات الألمانية على أنها تابعة لشبكة الإخوان المسلمين. والقناعات الأساسية للجمعية تتضمن إقامة أنظمة سيادة إسلاموية لا تتوافق مع مبادئ ديمقراطية مثل حرية الرأى والسيادة الشعبية والمساواة. وتلك المجموعات والجماعات جزء من مما يطلق عليه الطيف القانونى والمقصود به المجموعات التى لا تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق شن هجمات إرهابية بل عن طريق إحداث تغيير على المدى البعيد سياسيا استنادا إلى القوانين المحلية.
نشرت صحيفة «دى فيلت» الألمانية فى ديسمبر ٢٠٢٢ تقريراً يشير إلى تزايد التمويل الذى تتلاقاه جمعيات مرتبطة بـ«الإخوان المسلمين» من منظمات شبيهة مقرها بريطانيا. وتعمل تلك الجمعيات «فى هياكل أشبه بالمافيات». وإن منظمة مقرّها بريطانيا تُدعى «أوروبا تراست» استحوذت على مبنى فى منطقة «فيدينغ» فى برلين بقيمة ملايين يورو، وإن جمعيات ومنظمات عدة انتقلت إلى برلين، والآن باتوا يخضعون لمراقبة المخابرات الألمانية الداخلية.
ويرتبط الإخوان المسلمون فى بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التى ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسى محكَم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (٦٠) منظمة داخل بريطانيا. فيما تنامت حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان فى بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان المسلمون يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (٨ – ١٠) مليارات دولار. وقد حصلت شركات الإخوان المسلمون ومؤسساتها على الوضع القانونى، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السرى لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.
وتضم فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة فى أوروبا حيث يقدر عدد المسلمين الذين يعشون فى المجتمع الفرنسى بحوالى (٦) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أن الغالبية الساحقة من مسلمى فرنسا هم من دول المغرب العربى ونسبتهم (٨٢٪) من مجمل مسلمى فرنسا (٤٣.٢ ٪) من الجزائر، (٢٧.٥ ٪) من المغرب و(١١.٤٪) من تونس و(٩.٣٪) من أفريقيا جنوب الصحراء و(٨.٦٪) من تركيا و(٠.١٪) فرنسيون تحولوا إلى الإسلام نحو (٧٠.٠٠٠) متحول للإسلام.
الاستغلال السياسى للأزمات
تشترك حركات الإسلام السياسى بوجه عام فيما يسمى بالاستغلال السياسى للأزمات وتوظيفها سواء للوصول إلى السلطة أو التحريض ضد الأنظمة الحاكمة ومحاولة تشويه صورتها أو فى التغلغل فى المجتمع وبناء قاعدة شعبية لها، وخاصة ضمن أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة، وتأتى جماعة الإخوان فى مقدمة هذه الحركات التى لم تترك أزمة أياً كانت سياسيةً أو اقتصاديةً أو إنسانيةً إلا وحاولت استغلالها لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها. وكشفت التقارير أن مؤيدى الإسلام السياسى، يسعون حالياً إلى السيطرة على الإسلام فى فرنسا من أجل إنشاء دولة الخلافة، ويغذون فى بعض المدن نزعة انفصالية خطيرة.
وبعد ان اتخذت عدد من الدول الأوروبية إجراءات صارمة واستثنائية ضد الوجود الإخوانى على أراضيها مثل فرنسا وألمانيا، اتجهت الجماعة إلى دول وسط وشرق أوروبا؛ مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا، لمحاولات اختراق مجتمعاتهم على الرغم من افتقار الجماعة فى البداية إلى قاعدة تقليدية ناطقة باللغة العربية. يعد التدفق المتزايد للاجئين والمهاجرين من سوريا والعراق، والتوجه الدينى المتزايد للمنظمات القومية التركية النشطة فى المنطقة، فرصة لجماعة الإخوان المسلمين للعثور على مكان فى هذه البلدان، بالنظر إلى الإجراءات غير المسبوقة التى تواجهها فى معاقلها التقليدية فى الاتحاد الأوروبى.
حول هذا الموضوع قام مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فى تقرير له، بتسليط الضوء على تحركات الإخوان المسلمين فى رومانيا، على الرغم من أنها كانت «خجولة» حتى الآن، إلا أن وضعها تحت المجهر قد يساهم فى توضيح تأثير المجموعة فى الاتحاد الأوروبى والعالم.
وحسب المركز لا يوجد ظهور واضح لجماعة الإخوان المسلمين فى رومانيا؛ ولكنْ هنالك ارتباطا وثيقا بين بعض المؤسسات الدعوية والتعليمية العاملة فيها والجماعة. وكما هى الحال فى دول الاتحاد الأوروبى، تنكر كوادر جميع هذه المؤسسات علاقتها مع الجماعة؛ حرصاً على سرية «الدعوة».
ومن أبرز المؤسسات المرتبطة بالجماعة مؤسسة «الجمعية الإسلامية الثقافية فى رومانيا» التى تأسست بمبادرة من بعض الطلاب العرب، ويشمل نشاط الجمعية إقامة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والإنسانية وترميم المساجد القديمة وتنظيم حملات التبرع للعائلات المسلمة. وتمتلك الجمعية فروعاً فى الجامعات الرومانية الكبرى فى مختلف المدن الرومانية؛ حيث تروج للإسلام بين الطلاب غير المسلمين.
يترأس الرابطة اليوم الدكتور أبوالعلا نادى الغيثى، وهو يمنى درس الطب فى رومانيا، ويقيم فيها منذ تخرجه منذ ثلاثين عاماً. ويُعرف عن الغيثى مساهمته فى دعم الإخوان المسلمين عشية انهيار سلطتهم فى مصر؛ حيث أشرف شخصياً على تنظيم مظاهرات ضد الرئيس السيسى، كما أنه لعب دوراً كبيراً فى دعم المعارضة السورية فى رومانيا، سواء من خلال جمع التبرعات لصالح «المجاهدين» فى سوريا أو دعمهم إعلامياً ومالياً.
كما يعتبر الدكتور فريز عبدالمجيد اللقطة، من أبرز الشخصيات العاملة لمصلحة الجمعية فى رومانيا، وقد وصفته الناشطة السورية المقيمة فى رومانيا الدكتورة حنان نورا الحايك، بأنه «الزعيم الفعلى للإخوان المسلمين فى رومانيا». وقد أسهم فى دعم المعارضة السورية ومنحها نوعاً من الشرعية من خلال عقود مع مؤسسة القدس التى يديرها؛ تتمحور حول تعليم اللاجئين السوريين، كما لعب دوراً واضحاً فى استبعاد وتحييد بعض المعارضين السوريين الذين اختلفوا معه فى التوجه.
كما تستضيف رومانيا أسامة القرضاوى، نجل الراحل يوسف القرضاوى، مفتى الإخوان المسلمين، بصفته «سفيراً فوق العادة» لدولة قطر لدى رومانيا منذ أكتوبر ٢٠٢١؛ الأمر الذى يرى فيه المراقبون محاولة لتمكين الإخوان المسلمين فى دول البلقان المضطربة اقتصادياً. وقد شغل أسامة القرضاوى منصب نائب سفير قطر فى القاهرة إبان حكم الإخوان المسلمين فى مصر. ويقيم القرضاوى علاقات وثيقة مع قادة الإخوان المسلمين فى رومانيا ودول الاتحاد الأوروبى الشرقية.
وتغير الجماعة من تكتيكاتها فى التغلغل فى المجتمعات المضيفة وفقاً لعوامل معينة تميز كلاً من هذه المجتمعات؛ مثل نسبة المسلمين فيها على سبيل المثال، كما تستغل ظاهرة الإسلاموفوبيا وتستخدمها فى الترويج لأيديولوجيتها وتوسيع قاعدتها الشعبية تحت شعار «الدفاع عن حقوق المسلمين».
ويحذر المراقبون من أن غياب الدور الفعال لأهم المنظمات الإسلامية فى العالم العربى والإسلامي؛ مثل منظمة المؤتمر الإسلامى والأزهر الشريف، قد أفسح المجال للإخوان لممارسة نفوذ وتأثير كبيرَين فى دولة أصبحت بوابة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
المشهد الأخير
يتضح مما سبق أن جماعة الإخوان وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التشظى التنظيمى والانهيار الذى لحق بكافة أفرعها سواء فى المنطقة العربية، مثل سقوط آخر مناطق النفوذ فى تونس والمغرب، أو فى أوروبا، بدليل بدء المواجهات الحاسمة ضد التنظيم فى عدة دول ذكرنا منها ألمانيا والنمسا وفرنسا، فيما يرتقب وصول تلك الإجراءات إلى معظم دول القارة مع بدايات ٢٠٢٣، فى إطار الاستراتيجية الشاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف.
ومن المتوقع، أن تفضى التحركات الأوروبية الراهنة، فى ضوء وضع نشاطات الجماعة تحت الرقابة المكثفة وتتبع مصادر تمويلها وكذلك صلاتها بالتنظيمات الإرهابية فى العالم، وأيضاً فى ضوء القرارات من جانب عدة دول بحظر نشاطات الجماعة ورومزها، إلى وضع الجماعة على قوائم الإرهاب فى بعض الدول الأوروبية.
كذلك تواجه جماعة الإخوان أزمة «احتضار» بالتزامن مع جهود المواجهة الأوروبية التى تستهدف تقليص نشاط التنظيم ووضعه تحت رقابة صارمة وكذلك تتبع مصادر تمويله ومراقبة أعضائها البارزين، لأنها تفقد أحد أهم ملاذاتها الآمنة فى الوقت الراهن، الأمر الذى يزيد أزمة التنظيم تعقيداً ويهدد بانهيارات أكثر تأثيراً وخطورة على بنيته الهيكلية وتماسكه وكذلك تحكم قياداته فى مراكز السلطة والنفوذ.
تتأثر الروافد المالية للتنظيم فى أوروبا بشكل مباشر بتلك التداعيات، ولا يستبعد أن يبحث التنظيم المأزوم عن ملاذات بديلة لاستثماراته وأنشطته بعيداً عن المواجهة الأوروبية الحاسمة، خاصة بعد البدء فى تطبيق الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التطرف والتى أقرها الاتحاد الأوروبى فى نهاية عام ٢٠٢٠، وتشير التقديرات إلى توجه التنظيم نحو غرب أفريقيا وماليزيا ودول شرق آسيا كملاذات بديلة أكثر أمناً واستقراراً.
للمرة الأولى فى تاريخه، بات التنظيم فى مواجهة مباشرة ومفتوحة مع الدول الأوروبية، ما يفقده واحدة من أهم مساحاته التنظيمية المهمة للعمل بشكل حر، وبالرغم من العلاقات القوية التى تربط بعض قياداته بالمسئولين فى النظم الأوروبية إلا أن تلك الدول تواجه ضغوطاً متزايدة تشترط ضرورة مواجهة نشاط الإخوان باعتبارها أحد بؤر التطرف.
لا يستبعد أن تفضى التحركات الأوروبية الراهنة، فى ضوء وضع نشاطات الجماعة تحت الرقابة المكثفة وتتبع مصادار تمويلها وكذلك صلاتها بالتنظيمات الإرهابية فى العالم، وأيضاً فى ضوء القرارات من جانب عدة دول بحظر نشاطات الجماعة ورومزها، إلى وضع الجماعة على قوائم الإرهاب فى بعض الدول الأوروبية.
ومن المهم أيضا الانتباه للأزمة الأخيرة للجماعة وتحديداً ما يتعلق بالصراع القيادى بين أعضائها، والتى كشفت حقيقة ارتباط التنظيم فى أوروبا بالجماعة الأم فى مصر، بل كشفت بعض المعلومات تباعاً، أن إخوان أوروبا هم المسئولين عن تمويل ودعم أنشطة الجماعة داخل مصر، وبالتالى تنبهت الدول الأوروبية للخطر الذى تمثله أفرع التنظيم على أراضيها، وبدأت بتبنى خطط للمواجهة وتحجيم النفوذ وتتبع مصادر التمويل.
وأن التظيم الدولى للجماعة يسعى ومنذ عشرات الأعوام لإنشاء مجتمعات متوازية ومنغلقة فى أوروبا، هدفها الأساسى العمل على معارضة النظام الديمقراطى القائم ومعادات الحريات العامة، وكل ذلك استثماراً بالبيئات العربية والمسلمة فى أوروبا ومن خلال تلك المراكز الدينية والتعليمية، ومن هنا أتت الصحوة الأخيرة للحكومات الأوروبية وبريطانيا بفرض عقوبات وقيود جديدة وشديدة على تنظيم الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسى، وحظر بعض مقراتهم، تمهيداً لحظر الجماعة فى أوروبا ومنعهم من ممارسة نشاطاتهم المتطرفة التى تشجع على الإرهاب والقضاء على النظام الديمقراطى فى البلاد”
صراع النفوذ والانقسام
تكشفت الكثير من المعلومات عن طبيعة النشاط التنظيمى للجماعة خارج منطقة الشرق الأوسط، مع احتدام الصراع القيادى داخل جماعة الإخوان، ولعل الملمح الأهم فى الصراع الأخير المتفاقم منذ أكتوبر ٢٠٢١، يتمثل فى النطاق الجغرافى، فبرغم كونه تنافسا غير محموم بين القيادات (جميعهم من أصل مصري) للسيطرة على مراكز السلطة والمال داخل التنظيم، إلا أن حلقاته جميعها تدور بين لندن وإسطنبول، وتعكس طبيعة النفوذ والتوغل الإخوانى داخل القارة الأوروبية.
تفجرت أزمة الإخوان للعلن فى ١٠ أكتوبر ٢٠٢١ بعد قرار من القائم بأعمال المرشد العام الراحل إبراهيم منير، وهو أحد أبرز قيادات التنظيم الدولى وكان يقيم فى لندن منذ عقود، بفصل ٦ من قيادات مكتب إرشاد مصر على رأسهم الأمين العام محمود حسين، ومدحت الحداد ومحمد عبدالوهاب وهمام على يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك، واتهامهم بقضايا أخلاقية وفساد، بحسب بيان صادر عن جبهة منير، ثم توالت الأحداث بعد ذلك حيث أعلن محمود حسين فى ٢٦ نوفمبر ٢٠٢١ قرار عزل إبراهيم منير من منصبه واعتبار قراراته غير سارية، بحسب فيديو نشره الموقع الرسمى للجماعة.
لكن حالة الصراع تعود بدايتها إلى عام ٢٠١٤، بعد سقوط الجماعة عن الحكم فى مصر إثر ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وما تبعها من انقسام وصراع بين القياديين محمود عزت، القائم بأعمال المرشد آنذاك ومحمد كمال عضو مكتب الإرشاد والمشرف على التنظيم الخاص أو الجناح المسلح، هدأت بعد مقتل الأول فى مداهمة للشرطة المصرة عام ٢٠١٦، ثم عادت للتوهج بعد القبض على الثانى فى أواخر عام ٢٠٢٠، ومن ثم ظهور الخلافات بين إخون مصر الهاربين فى تركيا بقيادة محمود حسين، وقيادات التنظيم الدولى فى أوروبا بقيادة إبراهيم منير، وحاول الطرفان السيطرة على السلطة المركزية داخل التنظيم بتوجبه كلاً منهما اتهامات للآخر بالفساد والخروج عن الجماعة، لم تنته حتى الوقت الراهن.
وأظهرت حالة الصراع الراهن حقيقة حاولت الجماعة إنكارها على مدى العقود الماضية، حول علاقة التنظيم الدولى بالجماعة، المُصنفة «إرهابية» فى مصر وعدة دول عربية، منذ عام ٢٠١٤، وأثبتت مدى ارتباط هؤلاء بتنظيم الإخوان فى الداخل المصرى وأنهم جميعاً يدورون فى فلك التنظيم نفسه. وهو ما دفع الدول الأوروبية إلى مراجعة أنشطة التنظيم على أراضيها ووضعه تحت مراقبة دقيقة والشروع فى إجراءات لتتبع أنشطته ومراقبة مصادر تمويله.

شارك