رئيسة "مكافحة الإرهاب في أمريكا" تقرأ خريطة تهديدات 2023
الإثنين 16/يناير/2023 - 11:59 ص
طباعة
روبير الفارس
على الصعيد الدولي يمكن اجمال أخطر التحديات التي يواجهها الأمن القومي الأمريكي في الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب فيها، وإثبات الصين لنفسها بشكل متزايد على المستويين الاقتصادي والأمني، والأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، ونزعة المواجهة التي تُظهرها كوريا الشمالية في سلوكها، وتنامي قدرات عدد من الجهات الفاعلة السيبرانية. وفي الوقت نفسه، يواصل التطرف العنيف تأجيج التهديدات ضد الغرب في رقعة متسعة من الأراضي التي تمتد من الساحل الأفريقي إلى جنوب شرق آسيا، ويساهم هذا التطرف في تدهور الأوضاع الإنسانية في بعض المناطق مثل أفغانستان والصومال واليمن. وتجدر الإشارة إلى أن انتشار هذا التهديد، رغم كونه يمثّل تحدياً، قد أدى إلى تدني مستوى التركيز والفعالية الذي تتسم به القدرة الإرهابية الموجهة داخل الوطن. اكدت ذلك "كريستين أبي زيد " رئيسة مؤسسة مكافحة الإرهاب في أمريكا التى استضافها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني " كمتحدثة في منتدًى سياسياً افتراضياً حول التهديدات التي ستتطلب أكبر قدر من الاهتمام في امريكا خلال 2023، وحذرت ابي زيد من التهديدات بدءً من المتطرفين ذوي الدوافع العنصرية في الولايات المتحدة إلى فروع تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» في إفريقيا.
وقالت كريستين تعمل المنظمات الإرهابية مثل تنظيمي («داعش») و«القاعدة»، والمتطرفين العنيفين الذين تلهمهم مثل هذه التنظيمات، على استغلال الدول النامية، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف سلطة الدولة على بعض الأراضي، وذلك من أجل ترسيخ نفسها في بيئات عمل صعبة والتقرب من السكان المحليين. وتبقى هذه الحركات ملتزمة بمهاجمة الأفراد الأمريكيين والمنشآت الأمريكية حول العالم، حتى في ظل تحقيق التوازن بين السعي لبلوغ تلك الأهداف والحصول على المكاسب المحلية. وتشكل هذه الجماعات التهديد الأكثر إلحاحاً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في الخارج.
القاعدة وداعش
أما في الداخل،قالت ابي زيد لا نزال قلقين بشأن تنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، ولكننا نُقدّر أن التهديد الذي يطرحانه هنا أصبح أقل حدةً من أي وقت آخر منذ 11 سبتمبر، ويتماشى هذا التقدير مع ما أعربنا عنه العام الماضي. وفي الواقع، يأتي التهديد الأكثر احتمالاً في الولايات المتحدة من جهات فاعلة منفردة، من بينها تلك التي تلهمها المنظمات الإرهابية الأجنبية والمتطرفون العنيفون الأجانب ذوو الدوافع العنصرية والعرقية. وفي سياق التهديدات المنبثقة عن إيران وشركائها ووكلائها، اكدت رئيسة مكافحة الارهاب ان إيران تُواصلُ تشجيع ودعم المؤامرات ضد الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وخاصةً في الشرق الأوسط. ويستمر تصميم إيران و«حزب الله» اللبناني على الانتقام لمقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وتمثل ذلك بقيام إيران بالتخطيط لشن هجمات ضد مسؤولين أمريكيين سابقين. وتنتهج إيران حملة متنوعة تستخدم إجراءات قانونية ومالية وفتاكة في سعيها للانتقام. فقد هددت طهران علناً بشن عمليات مميتة يستهدف بعضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وزادت مؤخراً من تهديداتها بتنفيذ أعمال فتاكة داخل الولايات المتحدة. وفي أغسطس الماضي، اتُهم عضو من «الحرس الثوري» الإيراني مقره في إيران بمحاولة تدبير مقتل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون في الولايات المتحدة.
كما تنتهج إيران حملة ضد معارضي النظام الإيراني حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة. ففي يوليو 2021، اتهمت السلطات الأمريكية المعنية بإنفاذ القانون مسؤولاً إيرانياً في الاستخبارات وأربعة آخرين بمحاولة اختطاف صحفية أمريكية-إيرانية في نيويورك وإعادتها قسراً إلى إيران. وفي يوليو الماضي، اعتُقل رجل يحمل سلاحاً هجومياً قابل للإطلاق بعد أن تصرّفَ بطريقة مشبوهة خارج منزل الصحفية نفسها. وأبدت إيران أيضاً استعدادها للانخراط في الإرهاب في الشرق الأوسط، كما ثبُت في يونيو الماضي عندما ألقت السلطات التركية القبض على أعضاء خلية إيرانية كانت تخطط لخطف واغتيال مواطنين إسرائيليين في اسطنبول. وكانت المؤامرة تهدف إلى الرد على عملية إسرائيلية مزعومة في طهران. وعلى نحو منفصل، يستهدف المقاتلون المدعومون من إيران في العراق وسوريا القوات الأمريكية بواسطة منظومات طائرات مسيرة وهجمات غير مباشرة بأسلحة نارية، أثناء محاولتهم إرغامها على الانسحاب من المنطقة. ويشرف كبار قادة تنظيم «القاعدة» في إيران على الشبكة العالمية، التي تضم فروعاً إقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بالإضافة إلى العديد من الشبكات المحلية التي تدعم الفروع.
نصرة الاسلام
وحذرت ابي زيد من تهديدات «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التي نشأت في غرب أفريقيا والتي تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، بشكل متزايد العواصم في منطقة الساحل، بينما تحارب القوات العسكرية المحلية وعناصر تنظيم «داعش » في منطقة الساحل والقوات شبه العسكرية الروسية في مالي. ففي يوليو من العام الماضي، هاجمت الجماعة أكبر معسكر للجيش في مالي يقع خارج باماكو مباشرةً، مما يؤكد قدراتها وجرأتها المتزايدة في المنطقة. وربما تأمل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في استغلال رحيل القوات الفرنسية من مالي في وقتٍ سابقٍ من هذا العام لتسريع نموها وترسخها، بما في ذلك داخل الدول الساحلية من غرب أفريقيا مثل بنين وساحل العاج وتوغو. كما أدت مخاوف مكافحة الإرهاب في المنطقة إلى عدم الاستقرار الذي أدى إلى تأجيج عمليات الانتقال غير الديمقراطية للسلطة، وكان آخرها في بوركينا فاسو.
القرن الافريقي
وفي القرن الأفريقي، ما زلنا نشعر بالقلق إزاء التهديد المستمر الذي تشكله "حركة الشباب" على المواطنين الأمريكيين والمصالح الغربية. فهذه الحركة هي الأغنى والأكثر فتكاً من بين فروع «القاعدة» بأجمعها، وتسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب الصومال، وقد أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات ناجحة في أرجاء المنطقة، بما في ذلك ضد أفراد أمريكيين من القوات المسلحة.وفي شمال أفريقيا، شهد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» انتكاسات بسبب ضغوط مكافحة الإرهاب منذ أوائل عام 2018، ولكنه ربما يقدم إرشادات لعناصر آخرين من «القاعدة» في المنطقة، ولا سيما «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». ومنذ عام 2020، شغل الجزائري يزيد مبارك منصب زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وهو يؤدي دوراً رئيسياً في إدارة العمليات العالمية لتنظيم «القاعدة»، بما فيها اختطاف الأمريكيين وقتلهم.
اليمن
وفي الشرق الأوسط واليمن، ينوي تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» القيام بعمليات في الغرب وضد المصالح الأمريكية والإقليمية الحليفة. وقد أثبت أنه من بين فروع شبكة «القاعدة» الأكثر إبداعاً، لكنه واجه ضغوطاً كبيرة نتيجة مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة، مما أنشأ عقبات أمام تخطيط الجماعة للعمليات الخارجية. وفي يونيو 2021، نشر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» العدد السادس من دليل "إنسباير غايد" (Inspire Guide) الذي يوفر إرشادات متعلقة بالعمليات للمهاجمين المحتملين على أرض الوطن، ويشير إلى أن الجماعة لا تزال تحتفظ بقدرات إعلامية قابلة للاستمرار، على الرغم من وفاة داعيتها الرئيسي في عام 2001.
سوريا
وفي سوريا، واجه عناصر «القاعدة» تحت راية «حراس الدين» صعوبة في ترسيخ مكانتهم، وخسروا العديد من القيادات وتعرّضوا لضغوط من الجماعة المنافِسة، «هيئة تحرير الشام». غير أن هؤلاء العناصر يمكنهم أن يستخدموا ملاذهم الآمن التقليدي في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة من أجل استهداف المصالح الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة.
افغانستان
وأخيراً، في أفغانستان، يُعتبَر فرع «القاعدة» في جنوب آسيا، أي «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، أضعف جماعة في الشبكة العالمية للتنظيم. ولا يزال تنظيم «القاعدة» عازماً على ضرب المصالح الأمريكية وإلهام أتباعه بالقيام بذلك، ولكنه يفتقر حالياً إلى القدرة على توجيه هجمات ضد الولايات المتحدة من أفغانستان. وبمعزلٍ عن فرع «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، ربما يبلغ عدد العناصر القدامى في «القاعدة» الذين يتمتعون بعلاقات تاريخية مع الجماعة والموجودين في أفغانستان أقل من اثني عشر، وربما كان بعضهم متواجداً هناك قبل سقوط كابول، ولكن ليس لدينا ما يشير إلى أن هؤلاء الأعضاء القدامى المتبقين في أفغانستان متورطون في التخطيط لهجمات خارجية.
ويبقي داعش
في العراق وسوريا، بقي تنظيم «داعش» الذي يتمتع بقيادة مركزية على حالته الأصيلة، وسيستمر على الأرجح في تشكيل تهديد عالمي للمصالح الأمريكية والغربية الأخرى، وللسكان المحليين على حد سواء. وعلى الرغم من خسارته أكثر من عشرة من كبار القادة خلال السنوات الثلاث الماضية، يستمر التنظيم في قيادة تمرد منخفض المستوى في العراق وسوريا منذ الهزيمة الإقليمية التي لحقت به في عام 2018، ويترأس شبكة عالمية متماسكة سمحت للتنظيم بالحفاظ على نفوذه، وأتاحت له في بعض المناطق مثل أفريقيا توسيع نطاق التجنيد والعمليات. واضافت ابي زيد ونقدّر أن تنظيم «داعش » عيّن بسهولة كبيرة "أميراً" جديداً في فبراير من العام الماضي، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل "أميره" العام. وقد قبِلَ عناصر «داعش» الزعيم الجديد بسهولة، ولا نلاحظ بوادر انقسامات أو تفكك داخل فروع وشبكات التنظيم على الرغم من القيود التي يواجهها في العراق وسوريا.وحتى في ظل القيادة الجديدة، يبقى تنظيم «داعش» ملتزماً بتحقيق هدفه الطويل الأجل المتمثل في إقامة خلافة إسلامية، ويواصل استغلال المناطق التي تضعف فيها سلطة الدولة في العراق وسوريا، حيث ينشط حالياً كجهة متمردة سرية. وفي هذا العام، أعطى تنظيم «داعش» الأولوية لمهاجمة مركز اعتقال في شمال شرق سوريا يضم قادة رئيسيين ومقاتلين متمرسين ينتمون إليه، ونفذ هذه العملية. وبينما نقدّر أن معظم المعتقلين المهمين قد أُعيد القبض عليهم أو قُتلوا عندما ردت القوات المحلية على الهجوم، إلّا أن العملية نفسها تشير إلى قدرة التنظيم على شن هجمات بارزة وإعطاء الأولوية لجهود إعادة تشكيل صفوفه المتضائلة. وقد شهدنا دعوات وجهوداً لاحقة للإفراج عن الأعضاء المسجونين، بما فيها تلك التي أطلقتها فروع «داعش» في مناطق بعيدة مثل غرب أفريقيا. وستظل قدرات الجماعة ومسارها معتمدين على مستوى الضغط الذي تواجهه في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما من قبل الجهات الفاعلة في هذا المجال التي تستمر بشكل روتيني في تعطيل شبكات التيسير والعمليات الخاصة بتنظيم "داعش"
وقالت ابي زيد إن إحدى الآليات الأساسية التي يستخدمها تنظيم «داعش» لتهديد الغرب هي وسائله الإعلامية. وحتى مع انخفاض قدراته الإعلامية الإجمالية مقارنةً بسنواته الأولى، يأتي تهديد «داعش» الأكثر انتشاراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى من المهاجمين الملهَمين المعرَّضين للتأثر برسائله. وقد تجلت مؤخراً قدرة التنظيم على إثارة العنف من خلال قيام أحد مناصريه بتنفيذ هجوم في أوسلو في يونيو من العام الماضي أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 21 آخرين. كما ساعدت بعض الجماعات المؤيدة لتنظيم «داعش» في تعزيز وجوده الإعلامي عبر إنشاء دعايات بلغات متعددة وأرشفتها وترجمتها ونشرها على الإنترنت. ونشرت إحدى هذه الجماعات الداعمة لـ "«داعش» - ولاية خراسان" وسائل إعلامية باللغة الإنكليزية ركزت على نزع الشرعية عن الولايات المتحدة وتشويه سمعة حركة "طالبان".
وفي حين شهدنا انخفاضاً في عدد الهجمات المنفذة في الغرب بإلهامٍ من تنظيم «داعش» منذ أن بلغت ذروتها في عام 2017، إلا أن مثل هذه العمليات لا تزال تشكل أولوية بالنسبة للتنظيم. كما لا تزال الجماعة تطمح إلى نشر العناصر في الغرب، ونحن نواصل رصد التهديدات الموجَّهة ضد الأهداف الإقليمية الجذابة البارزة للعيان، والتي من شأنها أن تُحدِث تأثيراً كبيراً مشابهاً وتوفر قيمة دعائية وترويجية، مثل "بطولة كأس العالَم" الأخيرة في قطر.وعلى نطاقٍ أوسع، استمر تنظيم «داعش» في تنمية مشروعه العالمي، الذي يضم الآن ما يقرب من عشرين فرعاً وشبكة، والذي يُظهر قادته من خلالها قوتهم ويبددون عبرها رواية هزيمة التنظيم. ففي مارس من العام الماضي، اعترف تنظيم «داعش» بأحدث فرع له في منطقة الساحل. وفي يوليو، أعلن هذا الفرع مسؤوليته عن تنفيذ هجوم على سجن كوجي النيجيري، الذي يقع على بُعد أربعة وأربعين كيلومتراً فقط من السفارة الأمريكية، حيث أُطلق فيه سراح ما يقرب من1,000 سجين، ومن بينهم بعض الإرهابيين.
كما استخدم تنظيم «داعش» فروعه وشبكاته لتصميم حملات هجومية عالمية منذ عام 2019، وقد نفّذ آخرها في أبريل من العام الماضي انتقاماً لمقتل أميره العام. واحتل عناصر «داعش» في العراق وسوريا مركز الصدارة من حيث عدد الهجمات التي تبنوها، وقد دعمهم فرعا "«داعش» - ولاية غرب أفريقيا" و"«داعش» - ولاية خراسان"، اللذان نعتبرهما من بين الفروع التي تتمتع بالقدرة الأكبر ضمن الجماعة.وفي العام الماضي، وسّع فرع "«داعش» - ولاية خراسان" طموحاته خارج أفغانستان من خلال تنفيذه عدد قليل من الهجمات الصاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان، ومن خلال مؤامرة أُحبطت في الهند. ولا تزال طموحاته بمهاجمة الغرب، وربما أرض الوطن، تشكل أولوية استخباراتية قصوى، على الرغم من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس 2021. كما يستغل تنظيم «داعش» الضغوط المحلية غير المتكافئة لمكافحة الإرهاب في وسط وشرق وجنوب إفريقيا لتوسيع وجوده وزيادة قدرته على الاتصال، وتطويره قدرات جديدة خارج معاقله التقليدية في شمال وغرب إفريقيا. ويهدد توسع الجماعة في موزمبيق بشكل متزايد مشاريع الطاقة التي يقودها الغرب هناك، بينما تُظهر علامات نفوذ «داعش» في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا ودول أخرى في المنطقة جاذبيته المتزايدة في جميع أنحاء القارة.
وقالت كريستين تعمل المنظمات الإرهابية مثل تنظيمي («داعش») و«القاعدة»، والمتطرفين العنيفين الذين تلهمهم مثل هذه التنظيمات، على استغلال الدول النامية، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف سلطة الدولة على بعض الأراضي، وذلك من أجل ترسيخ نفسها في بيئات عمل صعبة والتقرب من السكان المحليين. وتبقى هذه الحركات ملتزمة بمهاجمة الأفراد الأمريكيين والمنشآت الأمريكية حول العالم، حتى في ظل تحقيق التوازن بين السعي لبلوغ تلك الأهداف والحصول على المكاسب المحلية. وتشكل هذه الجماعات التهديد الأكثر إلحاحاً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في الخارج.
القاعدة وداعش
أما في الداخل،قالت ابي زيد لا نزال قلقين بشأن تنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، ولكننا نُقدّر أن التهديد الذي يطرحانه هنا أصبح أقل حدةً من أي وقت آخر منذ 11 سبتمبر، ويتماشى هذا التقدير مع ما أعربنا عنه العام الماضي. وفي الواقع، يأتي التهديد الأكثر احتمالاً في الولايات المتحدة من جهات فاعلة منفردة، من بينها تلك التي تلهمها المنظمات الإرهابية الأجنبية والمتطرفون العنيفون الأجانب ذوو الدوافع العنصرية والعرقية. وفي سياق التهديدات المنبثقة عن إيران وشركائها ووكلائها، اكدت رئيسة مكافحة الارهاب ان إيران تُواصلُ تشجيع ودعم المؤامرات ضد الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وخاصةً في الشرق الأوسط. ويستمر تصميم إيران و«حزب الله» اللبناني على الانتقام لمقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وتمثل ذلك بقيام إيران بالتخطيط لشن هجمات ضد مسؤولين أمريكيين سابقين. وتنتهج إيران حملة متنوعة تستخدم إجراءات قانونية ومالية وفتاكة في سعيها للانتقام. فقد هددت طهران علناً بشن عمليات مميتة يستهدف بعضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وزادت مؤخراً من تهديداتها بتنفيذ أعمال فتاكة داخل الولايات المتحدة. وفي أغسطس الماضي، اتُهم عضو من «الحرس الثوري» الإيراني مقره في إيران بمحاولة تدبير مقتل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون في الولايات المتحدة.
كما تنتهج إيران حملة ضد معارضي النظام الإيراني حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة. ففي يوليو 2021، اتهمت السلطات الأمريكية المعنية بإنفاذ القانون مسؤولاً إيرانياً في الاستخبارات وأربعة آخرين بمحاولة اختطاف صحفية أمريكية-إيرانية في نيويورك وإعادتها قسراً إلى إيران. وفي يوليو الماضي، اعتُقل رجل يحمل سلاحاً هجومياً قابل للإطلاق بعد أن تصرّفَ بطريقة مشبوهة خارج منزل الصحفية نفسها. وأبدت إيران أيضاً استعدادها للانخراط في الإرهاب في الشرق الأوسط، كما ثبُت في يونيو الماضي عندما ألقت السلطات التركية القبض على أعضاء خلية إيرانية كانت تخطط لخطف واغتيال مواطنين إسرائيليين في اسطنبول. وكانت المؤامرة تهدف إلى الرد على عملية إسرائيلية مزعومة في طهران. وعلى نحو منفصل، يستهدف المقاتلون المدعومون من إيران في العراق وسوريا القوات الأمريكية بواسطة منظومات طائرات مسيرة وهجمات غير مباشرة بأسلحة نارية، أثناء محاولتهم إرغامها على الانسحاب من المنطقة. ويشرف كبار قادة تنظيم «القاعدة» في إيران على الشبكة العالمية، التي تضم فروعاً إقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بالإضافة إلى العديد من الشبكات المحلية التي تدعم الفروع.
نصرة الاسلام
وحذرت ابي زيد من تهديدات «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التي نشأت في غرب أفريقيا والتي تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، بشكل متزايد العواصم في منطقة الساحل، بينما تحارب القوات العسكرية المحلية وعناصر تنظيم «داعش » في منطقة الساحل والقوات شبه العسكرية الروسية في مالي. ففي يوليو من العام الماضي، هاجمت الجماعة أكبر معسكر للجيش في مالي يقع خارج باماكو مباشرةً، مما يؤكد قدراتها وجرأتها المتزايدة في المنطقة. وربما تأمل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في استغلال رحيل القوات الفرنسية من مالي في وقتٍ سابقٍ من هذا العام لتسريع نموها وترسخها، بما في ذلك داخل الدول الساحلية من غرب أفريقيا مثل بنين وساحل العاج وتوغو. كما أدت مخاوف مكافحة الإرهاب في المنطقة إلى عدم الاستقرار الذي أدى إلى تأجيج عمليات الانتقال غير الديمقراطية للسلطة، وكان آخرها في بوركينا فاسو.
القرن الافريقي
وفي القرن الأفريقي، ما زلنا نشعر بالقلق إزاء التهديد المستمر الذي تشكله "حركة الشباب" على المواطنين الأمريكيين والمصالح الغربية. فهذه الحركة هي الأغنى والأكثر فتكاً من بين فروع «القاعدة» بأجمعها، وتسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب الصومال، وقد أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات ناجحة في أرجاء المنطقة، بما في ذلك ضد أفراد أمريكيين من القوات المسلحة.وفي شمال أفريقيا، شهد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» انتكاسات بسبب ضغوط مكافحة الإرهاب منذ أوائل عام 2018، ولكنه ربما يقدم إرشادات لعناصر آخرين من «القاعدة» في المنطقة، ولا سيما «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». ومنذ عام 2020، شغل الجزائري يزيد مبارك منصب زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وهو يؤدي دوراً رئيسياً في إدارة العمليات العالمية لتنظيم «القاعدة»، بما فيها اختطاف الأمريكيين وقتلهم.
اليمن
وفي الشرق الأوسط واليمن، ينوي تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» القيام بعمليات في الغرب وضد المصالح الأمريكية والإقليمية الحليفة. وقد أثبت أنه من بين فروع شبكة «القاعدة» الأكثر إبداعاً، لكنه واجه ضغوطاً كبيرة نتيجة مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة، مما أنشأ عقبات أمام تخطيط الجماعة للعمليات الخارجية. وفي يونيو 2021، نشر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» العدد السادس من دليل "إنسباير غايد" (Inspire Guide) الذي يوفر إرشادات متعلقة بالعمليات للمهاجمين المحتملين على أرض الوطن، ويشير إلى أن الجماعة لا تزال تحتفظ بقدرات إعلامية قابلة للاستمرار، على الرغم من وفاة داعيتها الرئيسي في عام 2001.
سوريا
وفي سوريا، واجه عناصر «القاعدة» تحت راية «حراس الدين» صعوبة في ترسيخ مكانتهم، وخسروا العديد من القيادات وتعرّضوا لضغوط من الجماعة المنافِسة، «هيئة تحرير الشام». غير أن هؤلاء العناصر يمكنهم أن يستخدموا ملاذهم الآمن التقليدي في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة من أجل استهداف المصالح الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة.
افغانستان
وأخيراً، في أفغانستان، يُعتبَر فرع «القاعدة» في جنوب آسيا، أي «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، أضعف جماعة في الشبكة العالمية للتنظيم. ولا يزال تنظيم «القاعدة» عازماً على ضرب المصالح الأمريكية وإلهام أتباعه بالقيام بذلك، ولكنه يفتقر حالياً إلى القدرة على توجيه هجمات ضد الولايات المتحدة من أفغانستان. وبمعزلٍ عن فرع «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، ربما يبلغ عدد العناصر القدامى في «القاعدة» الذين يتمتعون بعلاقات تاريخية مع الجماعة والموجودين في أفغانستان أقل من اثني عشر، وربما كان بعضهم متواجداً هناك قبل سقوط كابول، ولكن ليس لدينا ما يشير إلى أن هؤلاء الأعضاء القدامى المتبقين في أفغانستان متورطون في التخطيط لهجمات خارجية.
ويبقي داعش
في العراق وسوريا، بقي تنظيم «داعش» الذي يتمتع بقيادة مركزية على حالته الأصيلة، وسيستمر على الأرجح في تشكيل تهديد عالمي للمصالح الأمريكية والغربية الأخرى، وللسكان المحليين على حد سواء. وعلى الرغم من خسارته أكثر من عشرة من كبار القادة خلال السنوات الثلاث الماضية، يستمر التنظيم في قيادة تمرد منخفض المستوى في العراق وسوريا منذ الهزيمة الإقليمية التي لحقت به في عام 2018، ويترأس شبكة عالمية متماسكة سمحت للتنظيم بالحفاظ على نفوذه، وأتاحت له في بعض المناطق مثل أفريقيا توسيع نطاق التجنيد والعمليات. واضافت ابي زيد ونقدّر أن تنظيم «داعش » عيّن بسهولة كبيرة "أميراً" جديداً في فبراير من العام الماضي، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل "أميره" العام. وقد قبِلَ عناصر «داعش» الزعيم الجديد بسهولة، ولا نلاحظ بوادر انقسامات أو تفكك داخل فروع وشبكات التنظيم على الرغم من القيود التي يواجهها في العراق وسوريا.وحتى في ظل القيادة الجديدة، يبقى تنظيم «داعش» ملتزماً بتحقيق هدفه الطويل الأجل المتمثل في إقامة خلافة إسلامية، ويواصل استغلال المناطق التي تضعف فيها سلطة الدولة في العراق وسوريا، حيث ينشط حالياً كجهة متمردة سرية. وفي هذا العام، أعطى تنظيم «داعش» الأولوية لمهاجمة مركز اعتقال في شمال شرق سوريا يضم قادة رئيسيين ومقاتلين متمرسين ينتمون إليه، ونفذ هذه العملية. وبينما نقدّر أن معظم المعتقلين المهمين قد أُعيد القبض عليهم أو قُتلوا عندما ردت القوات المحلية على الهجوم، إلّا أن العملية نفسها تشير إلى قدرة التنظيم على شن هجمات بارزة وإعطاء الأولوية لجهود إعادة تشكيل صفوفه المتضائلة. وقد شهدنا دعوات وجهوداً لاحقة للإفراج عن الأعضاء المسجونين، بما فيها تلك التي أطلقتها فروع «داعش» في مناطق بعيدة مثل غرب أفريقيا. وستظل قدرات الجماعة ومسارها معتمدين على مستوى الضغط الذي تواجهه في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما من قبل الجهات الفاعلة في هذا المجال التي تستمر بشكل روتيني في تعطيل شبكات التيسير والعمليات الخاصة بتنظيم "داعش"
وقالت ابي زيد إن إحدى الآليات الأساسية التي يستخدمها تنظيم «داعش» لتهديد الغرب هي وسائله الإعلامية. وحتى مع انخفاض قدراته الإعلامية الإجمالية مقارنةً بسنواته الأولى، يأتي تهديد «داعش» الأكثر انتشاراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى من المهاجمين الملهَمين المعرَّضين للتأثر برسائله. وقد تجلت مؤخراً قدرة التنظيم على إثارة العنف من خلال قيام أحد مناصريه بتنفيذ هجوم في أوسلو في يونيو من العام الماضي أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 21 آخرين. كما ساعدت بعض الجماعات المؤيدة لتنظيم «داعش» في تعزيز وجوده الإعلامي عبر إنشاء دعايات بلغات متعددة وأرشفتها وترجمتها ونشرها على الإنترنت. ونشرت إحدى هذه الجماعات الداعمة لـ "«داعش» - ولاية خراسان" وسائل إعلامية باللغة الإنكليزية ركزت على نزع الشرعية عن الولايات المتحدة وتشويه سمعة حركة "طالبان".
وفي حين شهدنا انخفاضاً في عدد الهجمات المنفذة في الغرب بإلهامٍ من تنظيم «داعش» منذ أن بلغت ذروتها في عام 2017، إلا أن مثل هذه العمليات لا تزال تشكل أولوية بالنسبة للتنظيم. كما لا تزال الجماعة تطمح إلى نشر العناصر في الغرب، ونحن نواصل رصد التهديدات الموجَّهة ضد الأهداف الإقليمية الجذابة البارزة للعيان، والتي من شأنها أن تُحدِث تأثيراً كبيراً مشابهاً وتوفر قيمة دعائية وترويجية، مثل "بطولة كأس العالَم" الأخيرة في قطر.وعلى نطاقٍ أوسع، استمر تنظيم «داعش» في تنمية مشروعه العالمي، الذي يضم الآن ما يقرب من عشرين فرعاً وشبكة، والذي يُظهر قادته من خلالها قوتهم ويبددون عبرها رواية هزيمة التنظيم. ففي مارس من العام الماضي، اعترف تنظيم «داعش» بأحدث فرع له في منطقة الساحل. وفي يوليو، أعلن هذا الفرع مسؤوليته عن تنفيذ هجوم على سجن كوجي النيجيري، الذي يقع على بُعد أربعة وأربعين كيلومتراً فقط من السفارة الأمريكية، حيث أُطلق فيه سراح ما يقرب من1,000 سجين، ومن بينهم بعض الإرهابيين.
كما استخدم تنظيم «داعش» فروعه وشبكاته لتصميم حملات هجومية عالمية منذ عام 2019، وقد نفّذ آخرها في أبريل من العام الماضي انتقاماً لمقتل أميره العام. واحتل عناصر «داعش» في العراق وسوريا مركز الصدارة من حيث عدد الهجمات التي تبنوها، وقد دعمهم فرعا "«داعش» - ولاية غرب أفريقيا" و"«داعش» - ولاية خراسان"، اللذان نعتبرهما من بين الفروع التي تتمتع بالقدرة الأكبر ضمن الجماعة.وفي العام الماضي، وسّع فرع "«داعش» - ولاية خراسان" طموحاته خارج أفغانستان من خلال تنفيذه عدد قليل من الهجمات الصاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان، ومن خلال مؤامرة أُحبطت في الهند. ولا تزال طموحاته بمهاجمة الغرب، وربما أرض الوطن، تشكل أولوية استخباراتية قصوى، على الرغم من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس 2021. كما يستغل تنظيم «داعش» الضغوط المحلية غير المتكافئة لمكافحة الإرهاب في وسط وشرق وجنوب إفريقيا لتوسيع وجوده وزيادة قدرته على الاتصال، وتطويره قدرات جديدة خارج معاقله التقليدية في شمال وغرب إفريقيا. ويهدد توسع الجماعة في موزمبيق بشكل متزايد مشاريع الطاقة التي يقودها الغرب هناك، بينما تُظهر علامات نفوذ «داعش» في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا ودول أخرى في المنطقة جاذبيته المتزايدة في جميع أنحاء القارة.