صعوبات اقتصادية تواجه تونس.. الإخوان والنهضة في الرمق الأخير

الأربعاء 01/فبراير/2023 - 10:21 ص
طباعة  صعوبات اقتصادية أميرة الشريف
 
شهدت تونس خلال 2022  العديد من التحديات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، ونجحت إدارة الرئيس التونسي قيس سعيد تجاوز هذه التحديات وإعادة الاستقرار إلى البلاد رغم محاولات حركة النهضة الإخوانية عرقلة كافة المساعي للإصلاح.
وفي 2023 تستعد تونس لمزيد من الاستقرار، وإعادة عجلة الإقتصاد بعد محاولات حركة النهضة الإخوانية الضغط على السلطات التنفيذية في البلاد، من أجل العودة إلي السلطة، في ظل التحقيقات الأمنية في دعم قادة النهضة للجماعات الإرهابية وتسفير الشباب التونسي للقتال في مناطق النزاع في سوريا وليبيا.
وفي أول الاستحقاقات في 2023  أنهت تونس مسار الاستحقاق البرلماني بتنظيم الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، 30 يناير 2023، والتي شهدت ضعفاً في نسبة المشاركة، بلغت 11.3 بالمئة، وفق نتائج أولية، وتشير أوساط تونسية إلى أن مجلس النواب الجديد سيفتتح أعماله في 8 مارس المقبل بجلسة يتم خلالها انتخاب رئيسه ونائبيه وأعضاء اللجان.
واعتبرت رئيسة مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، علا بن نجمة، أن اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في القانون الانتخابي الحالي ساهم في عزوف الناخبين في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، في مختلف مراكز الاقتراع.
وزفق تقارير إعلامية ينظر التونسيون إلى الانتخابات الأخيرة على أنها أنهت فترة حكم الإخوان، وأتاحت الفرصة أمام برلمان جديد بوجوه جديدة أغلبها ممن لم يسبق لهم العمل في الحقل السياسي أو الانتماء لأحزاب سياسية، مشيرين إلي أن أهم ما يمكن ملاحظته هو أن النتائج كانت نزيهة وشفافة رغم ضعف المشاركة، وأن البلاد مقبلة على مرحلة مهمة، وهي إنهاء نظام الإخوان بالكامل.
ويرى مراقبون، أن الانتخابات البرلمانية التونسية جاءت في ظل محاولات يائسة، تقوم بها حركة النهضة الإخوانية لتعطيل المسيرة الانتخابية في ظل الفشل والأزمات التي تواجه الحركة أخيرا، والتي تلاحق قيادتها وعلى رأسهم راشد الغنوشي، معتبرين أن الانتخابات الضربة النهائية للحركة والخطوة الرئيسية لدعم استقرار تونس سياسياً أمنياً.
وفشلت حركة النهضة في استعادة مكانتها في الشارع التونسي مع الكشف عن المزيد من جرائمها الأمنية بدعم الارهاب وغسيل الأموال والسيطرة على منظمات المجتمع المدني من أجل السيطرة على عقول الشباب التونسي، أيضا لازالت الحركة  تجمع بين الحزب السياسي والجماعة، في براغماتية شديدة من أجل الاستمرار في الشارع واستخدام الدين للوصول الى الحكم،
ورصد الأمن التونسي تجنيد حركة النهضة أنصارها وتوظيف المساجد والخيمات الدعوية والجمعيات الخيرية وغيرها، وهذا ما ساهم في نزول تدريجي في الكتلة التصويتية لحركة النهضة بين انتخابات 23 أكتوبر 2011، وانتخابات العام 2019، مرورا بانتخابات 2014.
كما فشلت في الحافظ على المناخ السياسي الهادئ الذي كان يميز تونس حتى في زمن الاستبداد، فتتالت العمليات الإرهابية والاغتيالات، والتي كانت من تنفيذ حركات إرهابية قريبة من النهضة وتغذت وانتعشت في سنوات حكمها .
وخلال الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها تونس حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها، حاولت الجماعة التسلل من جديد إلى المشهد، عن طريق محاولات التحرك في الشارع التونسي، وترديد هتافات "إسقاط النظام" والقضية الفلسطينية، و لجأت الى استخدام المال الفاسد، في التظاهرات الأخيرة، لكنها فشلت في إثارة الشارع، أو تحريك مشاعر المواطنين للخروج والاصطفاف الى جانبهم .
ورغم أن التونسيين يعيشون في وضع خانق، إلا أنهم يؤمنون أن الإخوان انتهى زمنهم في تونس، حتى وإن حاولوا ودبروا للعودة لن يستطيعوا، لأن الشعب التونسي رفع شعار "لا عودة إلى ما قبل 25 يوليو"، وهذا ما أفشل تحركاتهم ومخططاتهم لإثارة الشارع.
كما تعمّقت أزمة "حركة النهضة" الداخلية، مع توالي الاستقالات في صفوفها إثر موجة استقالات وتجميد عضوية في الحركة مع سيطرة الغنوشي على مقاليد الحركة وعدم انتخاب رئيسا لها، وهو ما يكذب الديمقراطية التي يدعيها الإخوان ، فالغنوشي على رأس الحركة منذ عقود طويلة، وهو ما يشير الى النهضة فشلت على المستوى السياسي في السلطة، كما فشلت على مستوى التنظيم بانشقاقات عديدة عن الحركة، وهو ما يتوقع استمراره في 2023 مع استمرار التحقيقات في ملفات الإرهاب المتورطة فيها عناصر الجماعة.
ويتوقع مراقبون أن تتجه الرئاسة التونسية إلى بذل الجهود لاستيعاب المعارضة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحوار الشامل معها بغرض الحفاظ على استقرار المشهد الداخلي في تونس، وكذلك لمواجهة الضغط الخارجي، لا سيما من قبل الولايات المتحدة للعودة إلى آليات العمل الديمقراطي، ودعم إجراء حوار وطني شامل بين مؤسسات الدولة والأحزاب والمكونات السياسية والمدنية الأخرى.
وفي هذا السياق يعمل الاتحاد العام التونسي للشغل على صياغة مبادرة للحوار الوطني لم تتضح ملامحها بعد لاستمرار المشاورات مع عمادة المحامين ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري "هذه المرة نفضل أن يكون التفكير عميقاً حول تقديم المبادرة في إطار الشرعية أو خارجها، لكن إن كانت الشرعية تفضل منطق المرور بقوة كما حصل في فرض الدستور والانتخابات، فلا بد من أن نجد مخارج أخرى".
وتعقيباً على بيان رئاسة الجمهورية الذي تحدث عن "التحاور داخل مؤسسات الدولة" قال الطاهري "حتى الأحزاب والمنظمات هي جزء من مؤسسات الدولة، والدولة التونسية ليست شخصاً بل هي أجهزة ومنظمات ومجتمع مدني، ثم في ظل عدم وجود برلمان لا بد من إيجاد إطار للحوار".
ووجه قيس سعيد في كلمة ألقاها أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي في قصر قرطاج بحضور رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء العدل والدفاع والداخلية وقيادات أمنية وعسكرية انتقادات شديدة إلى معارضيه، متهماً إياهم بـ"العبث بمقدرات الشعب" ومشدداً على أنه "سيستمر في مشروعه اعتماداً على عمقه الشعبي".
وقال سعيد إن "عمقنا الشعبي أكبر بكثير من عمقهم الشعبي، وإن كان بعضهم حصل على مقعد بالبرلمان بفتات من الأصوات لا يمكن أن يتحدث عن مصير دولة ومصير شعب".
وفي سياق الحالة الاقتصادية، تمر تونس بأزمة حادة،  فقد كان عام 2022 صعباً على التونسيين اقتصادياً ومالياً بتدهور قدرتهم الشرائية، إضافة إلى تسجيل مستويات قياسية لأسعار معظم المواد الاستهلاكية وتواضع المؤشرات الاقتصادية في البلاد، فلهذا قد يكون عام 2023 أكثر صعوبة على تونس.
عشر سنوات فقط منذ دخول حركة النهضة إلى تونس كانت كافية لتحدث شللا اقتصاديا غير مسبوق في البلاد منذ أزمة 1984 أواخر فترة حكم الحبيب بورقيبة .
ويُعد عام 2023 صعباً على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية بعلاقة مع عمق تداعيات الأزمات الاقتصادية الأخيرة وحدة انعكاسها على الاقتصاد الوطني.
وتتوقع الحكومة التونسية تراجع عجز ميزانية الدولة لعام 2023 إلى 5.5 بالمئة من الناتج المحلي لتنحصر، في حدود 8.89 مليار دينار (2.84 مليار دولار)، مقابل 7.7 بالمئة للعام الحالي، وفق تقرير الميزان الاقتصادي نشرته وزارة الاقتصاد والتخطيط.
ويعود هذا التراجع بالأساس الى ارتفاع المداخيل الجبائية بنسبة 12.5 بالمئة مقابل تراجع نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمئة بالتوازي مع انخفاض نفقات العمليات المالية بنسبة 56.5 بالمئة.
وتستوجب تغطية هذا العجز تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار يأتي منها ما نسبته 66.2 بالمئة من الاقتراض الخارجي، تتعلق بالخصوص بقروض دعم الميزانية بقيمة 14.2 مليار دينار (4.53 مليار دولار).
وكانت تونس قد توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود وإصلاح شركات القطاع العام.
ويتوقع مراقبون بأن يكون عام 2023 صعباً باعتبار أن الوضع العالمي غير مستقر، بما أدى إلى تراجع نسق النمو والمبادلات العالمية مع ارتفاع نسب التضخم وما قد يصحبه بمزيد من تشديد السياسات النقدية في أهم البلدان المتقدمة.
ويُعتبر عام 2023 وفق الحكومة محورياً في مسار بناء "رؤية تونس 2035" والانطلاق في رسم منوال تنموي جديد يمكن من خلاله كسب الرهانات المستقبلية وبلوغ الأهداف المنشودة.
ووفق وثيقة مشروع الميزان الاقتصادي، فإن سنة 2023 تكتسي طابعاً خاصاً باعتبارها السنة الأولى في تنفيذ المخطط التنموي 2023/2025، الذي يتضمن برنامجاً متكاملاً للإصلاحات الهيكلية المعمقة يؤسس لهيكلة اقتصادية جديدة تستجيب للخيارات التنموية وتواكب التحولات على المستويين الدولي والوطني.
إجمالا ، تدخل تونس 2023 مرحلة جديدة قد تحول المشهد الحالي لمشهد أكثر استقرارًا بزعامة وحنكة الرئيس قيس سعيد، لتنهي أعواما من الصراعات تسببت فيها حركة النهضة الإخوانية التي قضت سنوات تصارع لإفشال السلطات المتعاقبة لتترأس المشهد السياسي وتفوز بكرسي العرش وهذا لم يسمح به التونسيون مجددًا.


شارك