هاني لبيب يطرح سؤال اصلاح الكنيسة المصرية في مجتمع متغير
من الكتب المهمة التى صدرت دون ضجيج في الدورة الحالية لمعرض الكتاب، كتاب " سؤال الاصلاح الكنيسة المصرية في مجتمع متغير " الصادر عن دار سما للباحث الكبير " هاني لبيب " رئيس تحرير موقع مبتدا .
الكتاب يستكمل فيه لبيب مشروعه البحثي الممتد عن واقع الكنيسة والاقباط والذى سبق وتعرض له في كتبه السابقة والتي من اهمها كتاب "الكنيسة المصرية : توازنات الدين والدولة والذى تناول فيه تفاصيل العلاقة بين الكنيسة كواحدة من أهم مؤسسات الدولة المصرية وبين الدولة المصرية التى تقع هذه الكنيسة تحت مظلتها الوطنية والسياسية.
كما ناقش الكتاب العديد من القضايا الخلافية السياسية على غرار: جماعات الضغط السياسي.. والعلمانيين المسيحيين المصريين..
والقضايا الجدلية المسيحية – المسيحية..على غرار: الطوائف المسيحية والمنشقون.
والقضايا الجدلية الطائفية :على غرار:بناء الكنائس – وحرية العقيدة، فضلا عن تلك العلاقة الملتبسة بين التيارات الإسلامية والمواطنين المسيحيين المصريين.
ثم انتهت برؤيا حول القضايا المستقبلية على غرار: المشاركة السياسية للمواطنين المسيحيين المصريين.
وفي سؤال الاصلاح يكتب هاني بمشرط جراح ماهر ودقيق حول الفضايا الاصلاحية للكنيسة فيتعرض في الفصل الاول للتعليم وهو اختيار موفق جدا يدل لعمق الرؤية لهاني لانه لا اصلاح بدون اساس تعليمي سليم كما ناقش الكتاب التطور المؤسسي والقانوني للكنيسة والمجال الوطني والعلاقات بين الاديان مؤكدا ان الاصلاح لا يعني وجود فساد .
البدايات
وفي مقدمته للكتاب يقول هاني ولا تكون لنا نجاة من المهاترات.. إلا بسكوت من لا يعرف.. وأعتقد أن العديد ممن يتحدثوا في الشأن الكنسي العام الآن.. مما لا يعرفون بالفعل.
لا أجد أى نوع من أنواع «الحرج» في الحديث عن إصلاح الكنيسة... باعتبارها واحدة من أهم مؤسسات الدولة المصرية من جهة، وباعتبارها مؤسسة دينية من جهة أخرى. وهو أمر لا يمكن قصره على وجود فساد أو انحرافات داخل الكنيسة وحصره فى هذا المفهوم الضيق الذي يغلق باب النقاش والحوار قبل أن يبدأ من الأصل.. لأن الإصلاح في تقديري أصبح فرضاً وطنياً على جميع المؤسسات من أجل دعم المؤسسية، والحفاظ على قوة الكيان الحالي للكنيسة المصرية. وذلك مع الاحترام لقاعدة بديهية وهي أنه ربما يكون ما نعترض عليه الآن من مواقف أو سياسات أو قرارات أو توجهات.. هي نفسها الأفضل في سياق زمن اتخاذها أو إقرارها أو تفعيلها.
ويضيف هاني قائلا يرتكز مفهوم «الإصلاح» في كلمات هذا الكتاب وأفكارة.. على السعي نحو الكمال دون حساسية المصطلح، وهو عملية دورية مستمرة لكونه ضرورة مجتمعية ومسؤولية وطنية، ولا أحمل هنا وجود أى مشاكل أوانحرافات شخصية أو فردية على المؤسسة الكنسية، فتلك الانحرافات الكنيسة المصرية كنيسة تاريخية وعظيمة وقديرة وبالتالي لا يمكن توظيف سؤال «الإصلاح» في التشهير بالكنيسة ورجالها بقدر ما يكون الاهتمام بسيناريوهات المستقبل في الإجابة عن سؤال الإصلاح من خلال الاختيار بين أفضل الحلول وأدق السيناريوهات.
لا ينفي ما سبق وجود دعاة إصلاح افتراضيين ظهروا في العمل العام متأخرين بعد أن تمكن الشعر الأبيض منهم وبعضهم من الهواة.. للدرجة التي جعلتهم لا ينشغلوا سوى بوجودهم على مواقع التواصل الاجتماعي وظهورهم على شاشات القنوات الفضائية والافتراضية، يعملون على «شخصنة الحوار والخلاف واختزال النقاش عليهم باعتبارهم العارفين والملمين بشؤون الدنيا والدين، ولكن في المقابل هناك فئة ليست بقليلة من أصحاب الرؤى الفكرية، يمتلكون رسائل حقيقية ترتكز على وجهة نظر دينية ووطنية.
ويؤكد هاني ان أصحاب الرؤى الفكرية.. هم الذين يعتمدوا في هذا الشأن.. على مقومات الدولة المدنية باعتبارها المظلة والمرجعية المرتكزة على تحقيق منظومة المواطنة.. تلك الفلسفة التي ترتكز عليها قاعدة المساواة والعدل بين كل المواطنين المصريين دون استبعاد أو إقصاء أو تمييز أو تهميش سواء بسبب «الجندر» النوع الاجتماعي رجل أم امرأة»، أو الدين «مسيحي أم مسلم» أم غير ذلك، أو الانتماء الجغرافي «المدينة أم الريف أم الصعيد»، أو الحالة الصحية أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة»،
أو الفئة العمرية «صغير أم كبير السن»، أو الانتماء القبلي «من أبناء النوبة أم من أبناء البدو». وهو ما يعني أن اختزال مفهوم «المواطنة» في الدين خطأ من حيث الشكل والمضمون.
نقطة ومن أول السطر..
يعتمد هذا الكتاب على خبرة أكثر من 30 سنة في العمل العام والاهتمام بالشأن الديني المصري المسيحي - الإســـــلامي) وعلاقته بالشأن الوطني والسياسي. ولذا فأن حديث الإصلاح الكنسي.. هو حديث مرتبط بتقييم الأداء من أجل التقويم والتطوير والتعديل والتجديد والتحديث للأفضل فيما يخص سيناريوهات مستقبل الكنيسة المصرية العريقة في مواجهة التحديات والمتغيرات ولا علاقة له بالفساد أو الانحراف أو التقصير سوي في العقول المتشددة والمتطرفة التي تتعامل مع الإصلاح باعتباره من المحرمات. ولذا تأتي أهمية تقديم أفكار للتطوير المؤسسي للكنيسة المصرية. التاريخ لا ينسي الأحداث، ولا يرحم شخصياته ورموزه.. وما لا يدرك كله.. لا يترك كله.
من اجواء الكتاب
قضية "التأديبات الكنسية " من اكثر القضايا الشائكة والتى لها لبيب بذكاء ومهارة ودقة حيث كتب عنها واصفا واقعه بكونها " عدالة تحتاج إلى تقنين"
وقال الكاتب لا أحد يختلف أن الكنيسة المصرية كنيسة تاريخية وعظيمة وقديرة، وبالتالى لا يمكن الاستهانة بسؤال «الإصلاح» أو توظيفه فى التشهير بالكنيسة ورجالها بقدر ما يكون الاهتمام بسيناريوهات المستقبل فى اختيار إجابات الإصلاح.. بعيدًا عن تخوين من يحاول طرح سيناريوهات الإصلاح. ولذا لا يوجد أى حرج فى الحديث عن إصلاح الكنيسة. والذى لا يمكن قصره فى وجود فساد أو انحرافات داخل الكنيسة وحصره فى هذا المفهوم الضيق.. لأن الإصلاح فى اعتقادى أصبح فرضًا وطنيًا من أجل دعم مؤسسية الكنيسة المصرية من جانب، والحفاظ على قوة الكنيسة المصرية ومكانتها من جانب آخر.فى البداية، أود أن أؤكد أننى أفضل استخدام مصطلح «التأديبات الكنسية» بديلاً عن «المحاكمات الكنسية» حسبما طالبت المؤتمرات العلمانية التى طالبت بالإصلاح الكنسى قبل عدة سنوات، وذلك لأن الكنيسة فى نهاية المطاف هى مصدر المحبة وليست مصدرًا للعقاب بالدرجة الأولى.. فالتأديبات الكنسية هى مصطلح يتسق مع هدف وجود الكنيسة ورسالتها، وهى الحفاظ على الإنسان لأقصى درجة ممكنة، ودعمه نفسيًا وفكريًا.
فى تقديرى، أن ملف التأديبات الكنسية لرجال الدين المسيحى بدرجات رتبهم المتعددة يعتبر من أهم الملفات الأكثر حساسية ضمن ملف الإصلاح الكنسى. وربما يعود ذلك لعدم وجود إجابات حاسمة وواضحة ومباشرة لبعض الأسئلة المهمة، على غرار:
1-هل يوجد قانون أو
لائحة أو أى شكل مباشر لقانون التأديبات الكنسية بشكل محايد وعادل لمحاكمات رجال الدين
المسيحى؟
2-من المنوط به إصدار قانون التأديبات الكنسية؟ وهل نحتاج إعادة النظر فى دور المجلس الإكليريكى لمحاكمات الكهنة؟
3- ما قواعد التأديبات الكنسية المقترحة ومعاييرها التى تطبق على التجاوزات التى تستحق التأديب؟ وما أنواع التجاوزات وأشكالها التى يمكن أن تحدث، وما يترتب عليها من عقوبات أو إنذارات أو ملاحظات؟
4- ما الدرجات المتعددة للتظلم والنقض بحيث يحق لمن تجاوز ووقع عليه نوع من أنواع التأديبات الكنسية الدفاع عن نفسه بشتى الطرق والوسائل المتاحة؟5-ما مستقبل مفهوم «التأديبات الكنسية» استناداً على مرجعيات فكرية ولاهوتية محددة الجوانب الإجرائية والتنفيذية؟
لا نجد فى المكتبة الأرثوذكسية مراجع أو كتبًا مباشرة تتناول التأديبات الكنسية، ولكن تظل بعض الكتابات المتفرقة لمرجعية الحديث عن التأديبات الكنسية على غرار:
- القمص مرقص داود (حافظ داود)، كتاب «الدسقولية»، ترجمة سنة 1924.
- المستشار وليم سليمان قلادة كتاب تعاليم الرسل «الدسقولية»، إعداد وتعليق، دار الثقافة، ط 2 - 1989.
- حبيب جرجس، كتاب «الوسائل العلمية فى الإصلاحات الكنسية»، ط 1 - 1942.
- نظير جيد «البابا شنودة الثالث»، سلسلة مقالات، مجلة مدارس الأحد سنة 1954، وبين سنة 1965 و1967.
- د. وليم سليمان قلادة، سلسلة دراسات عن المحاكمات الكنسية، مجلة مدارس الأحد، سنة 1955.
- القس بولس عبد المسيح، كتاب «القوانين الكنسية فى إطار الموضوعية»، 3 أجزاء، ط 1 – 1985 و1986.
- المستشار عونى برسوم، كتاب «التقنين الكنسى»، ط 1 – 1994.
- مجدى صادق، كتاب «اختصاصات القضاء الكنسى فى مصر»، ط 1 – 1994.
- مجدى جرجس، كتاب «القضاء القبطى فى مصر»، دار ميريت، ط 1 - 1999.
- المستشار عونى برسوم، كتاب «علم الإكليروس»، ط 2 – 2005.
- يوحنا بن زكريا «ابن السباع»، كتاب «الجوهرة النفيسة فى علوم الكنيسة»، د. ت.
- جرجس فيلوثاوس عوض، شرح وإضافة تذييلات لكتاب «المجموع الصفوى» للشيخ الصفى أبى الفضائل بن العسال، جزئين، د. ت.
- جرجس بطرس عجايبى، بحث «القانون الكنسى»، د. ت.
- أكرم حبيب رفعت، بحث «المحاكمات الكنسية فى المجتمع القبطى المعاصر»، اللقاء العلمانى الأول «رؤية علمانية فى الإشكاليات الكنسية»، 14 و15 نوفمبر 2006.
- راهب من الكنيسة الأرثوذكسية، بحث قانونى كنسى روحى «التأديبات الكنسية»، اللقاء العلمانى الأول «رؤية علمانية فى الإشكاليات الكنسية»، 14 و15 نوفمبر 2006.
- المستشار لبيب حليم لبيب، ورقة مقترحة «رؤية مستقبلية لتقنين المحاكمات الكنسية»، اللقاء العلمانى الأول «رؤية علمانية فى الإشكاليات الكنسية»، 14 و15 نوفمبر 2006.
- المستشار لبيب حليم لبيب، مشروع قانون المحاكمات الكنسية «لائحة الجزاءات التأديبية للإكليروس»، اللقاء العلمانى الثانى «نحو منظومة تشريعية كنسية معاصرة»، 26 و27 أبريل 2007.
أسجل هنا بعض الأفكار التى أعتقد فى أهميتها فيما يخص إصدار قانون للتأديبات الكنسية، وعلى سبيل المثال:
· قطعًا، نتفق جميعًا أنه لا يجوز وجود قانون للتأديب الكنسى دون وجود نص واضح مرتكز على معايير هذه التأديبات.. لأنه لا يجوز الارتكاز على تراث القوانين التاريخية للكنيسة، وتركها للاجتهادات الفردية لتطبيقها فى شلح أو حرمان (أى التجريد من الزى الكهنوتى والخلع من الرتبة الدينية) لأى من رجال الكنيسة حسب وجهة نظر الرتب الكنسية العليا دون مراعاة السياق الاجتماعى والدينى والتاريخى.
· من حق كل من يقع عليه الاختيار ليكون ضمن رجال الكنيسة.. أن يكون على علم بالتجاوزات أو الأخطاء التى يمكن أن تعرضه للتأديب الكنسى، وطرق النقض والدفاع عن نفسه بشكل عادل حتى لا نترك الاتهامات دون وجود معايير حاسمة، وهو ما يعنى وجود أقصى الضمانات الممكنة التى تحقق لمن يقع عليه التأديبات الكنسية الدفاع عن نفسه.
· تقنين حسم مسألة إصدار تأديب كنسى لكاهن أو راهب بسبب فكره بشكل مطلق تحت مظلة الاتهام بأنه ضد الإيمان الأرثوذكسى. وتحديد صحة ما سبق من خلال لجنة مختصة مشكلة من كبار رجال اللاهوت من المجمع المقدس ومن رجال القانون.. لأنه اتهام خطير لرجل الدين الذى يقع عليه التأديب.
· الفصل التام بين من يقوم بالتحقيق فى التجاوزات أو المخالفات لرجال الدين المسيحى، وبين من يقوم بإصدار التأديب الكنسى.. فلا يمكن أن يكون موجه الاتهام هو نفسه القاضى الذى يحكم. وما يتبع ذلك من تدرج قرارات التأديب الكنسى.. فالشلح والحرمان آخر المطاف وأصعب قرارات التأديب.
· مراعاة الظروف الحياتية لأسرة الكاهن الذى يقع عليه التأديب الكنسى، ودراسة مسألة صرف مرتبه الشهرى خاصة أثناء جلسات التأديب الكنسى لأن أسرته ليس لها ذنب فيما حدث، والكاهن فى نهاية المطاف ليس له مصدر مالى آخر. الحفاظ على الأسرة هو ضمن نطاق أولويات الكنيسة الرحيمة. وهو الأمر الذى يفتح ملف الاهتمام بمرتبات الكهنة بما يتواكب مع مستلزمات الحياة من جهة، والتأمين الاجتماعى والصحى عليهم من جهة أخرى للمساعدة والمساندة للتفرغ لخدمتهم الدينية بشكل لحقيقى كامل، وحتى لا ينتظروا الهبات والمساعدات فى مواجهة مشاكل الحياة اليومية.
· فتح قنوات الاتصال مع وزارة العدل للوصول لأسلوب قانونى لتأكيد شرعية الاعتراف بقرارات التأديبات الكنسية، وما ينتج عنها من قرارات.. خاصة فى الشلح والحرمان لأحد رجال الدين. وأذكر هنا بفكرة طرحتها منذ ما يقرب من 15 سنة، وهى تقنين الزى الكهنوتى قانونًا على غرار الزى الأزهرى وزى رجال الشرطة والقوات المسلحة.. للتجريم القضائى لكل من ينتحل صفة رجل دين مسيحى دون أن يكون معترفًا به من مؤسسته الدينية، وتجنباً لحالة التضليل والتدليس التى يقوم بها البعض الآن، وما ينتج عنها من أزمات دينية ومجتمعية.
ما سبق يحتاج إلى خبرات لاهوتية وقانونية متميزة، ولذا أعتقد – كما كتبت قبل ذلك - أن المستقبل يفرض علينا الاهتمام بالملف التعليمى «التكوين»، والذى أقصد به الاهتمام بالحالة التعليمية والعلمية للكهنة والأساقفة بحيث تتاح لهم المزيد من فرص التعلم والحصول على درجات علمية لاهوتية.. تعيد مكانة رجال الكنيسة المصرية ضمن قائمة أهم لاهوتيّى العالم.
وتأسيس نظام جديد ومتطور فى اختيار الأساقفة. مثل: شرط الحصول على الدرجة العلمية «الدكتوراه تحديدًا» لرفع مستوى القدرات اللاهوتية والعلمية والفكرية لأعضاء المجمع المقدس.. بما ينعكس إيجابيًا على أداء رجال الكنيسة. وعلى أن يتم تنفيذ هذا النظام بعد 7 سنوات من إقراره، لترسيخ نظام جديد دون المساس بالنظام القديم ورجاله، كما أذكر هنا الأهمية القصوى لتطوير الأديرة والاهتمام بها، وإعادة الاعتبار لما تملكه من محتوى دينى وثقافى أثرى.. يمثل (كنز معرفى) للباحثين والعلماء والخبراء. وأتمنى لو تم إقرار معايير الصحة البدنية والنفسية لجميع رجال الإكليروس (أى رجال الدين المسيحى) من الرهبان والكهنة والأساقفة، فضلًا عن إقرار الذمة المالية لهم قبل بداية مسيرتهم الدينية.
نقطة ومن أول السطر
وجود قانون للتأديبات الكنسية هو بداية حقيقية لإصلاح أحوال رجال الدين المسيحى حتى لا يكونوا تحت رحمة اجتهادات فردية.. ربما تكون لا علاقة لها من الأصل بالمرجعية اللاهوتية والقانونية للكنيسة المصرية العظيمة.