الاستقطاب السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي دراسة سوسيولوجية للحالة المصرية
السبت 24/يونيو/2023 - 02:07 ص
طباعة
حسام الحداد
إن جميع المجتمعات منذ زمن بعيد تعيش في حالة استقطاب متعددة الأشكال، ويُعدُّ الاستقطاب السياسي أحد أهم وأخطر أنواع الاستقطاب؛ لما يقوم به من تأثيرات سلبية تضر بوعي الفرد وتوجهاته، وتؤثر في استقرار المجتمع وتجانسه. ومع ظهور التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال ساد في الآونة الأخيرة نوع جديد من الاستقطاب السياسي، وأصبح أثره ملحوظًا في وسائل الإعلام بشكل عام، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، مما أسهم بشكل أو بآخر في تفاقم الصراعات السياسية.
هكذا تقدم لدراستها التي نالت بها درجة الماجستير الباحثة سيمون محمد عادل، من كلية الآداب جامعة عين شمس تحت اشراف استاذ دكتور صالح سليمان عبد العزيز استاذ علم الاجتماع بالكلية
أكدت الدراسة أن للاستقطاب السياسي وجوهًا عدّة، ومن أهم الأوجه المعبرة عنه أنه وجه للتطرف، سواء كان (سياسيًّا_دينيًّا_ثقافيًّا_اجتماعيًّا). ويُعد الاستقطاب السياسي المقترن بالدين هو من أخطر الملامح المُجسدة لوجه التطرف؛ فقد تجاوزت حدوده الأغراض النزيهة والعادلة، فقد تبلورت أغراضه في الترويج للأفكار المتطرفة، وتشكيل كيانات ومنظمات تدعم هذا الفكر، وهو ما جاء ممثلًا لتيارات الإسلام السياسي المتشدد. وقد أدت منصات التواصل الاجتماعي دورًا حيويًّا في سرعة الترويج لهذه الأفكار، وأصبحت تمثل أداة مهمة للاستقطاب السياسي، وجزءًا من اللعبة السياسية يستخدمها السياسيون وتساعدهم فيما يريدون.
ومن أهم المسهمين في هذا النوع من الاستقطاب التيارات السياسية عامة، وهي تيارات عدة، ولكن من أبرز التيارات التي وجدت لنفسها أرضًا خصبة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي هي تيارات الاسلام السياسى، وخاصة حين برز دورها في إدارة التنافس والاستقطاب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق تسييس الدين، فاتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي ستارًا لتمرير مصالحها وتحقيقها دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية الخاصة بالمجتمع.
فالاستقطاب السياسي- وبشكل عام ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص- يشكل خطرًا جسيمًا على المجتمع المصري؛ إذ يقوم بالعمل على الانقسام السياسي، ومن ثَمَّ يؤدي إلى انشطار مجتمعي يؤثر في العلاقات الاجتماعية المختلفة، ويجعل أفراد المجتمع حاملين لثقافة التحيز والتعصب والتشدد، التى تزجُّ بهم نحو ممارسة العنف في سبيل الدفاع عن مواقفهم واتجاهاتهم المتطرفة، وتحقيق أغراضهم.
وفي هذه الدراسة تتطرق الباحثة إلى دراسة الموضوع المتعلق بالاستقطاب السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي دراسة سوسيولوجية للحالة المصرية، لتكشف من خلالها عن حقيقة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الاستقطاب السياسي السلبي، والكشف عن المخاطر التي تعكسها هذه الظاهرة في المجتمع المصري. وفي ضوء هذه الأبعاد تتبلور مشكلة الدراسة وأهميتها النظرية والتطبيقية، وأهدافها الرئيسية والفرعية، والمفاهيم الرئيسية المستخدمة في الدراسة بشقيها الاصطلاحى والإجرائي.
وتعرض الباحثة في الفصل الأول الدراسات السابقة، والذي يتضمن مجموعة من الدراسات السابقة المختلفة المتعلقة بموضوع الدراسة، ويعقبها خاتمة تعبر عن مدى استفادة الباحثة من تلك الدراسات. وخاصة في تحديد مشكلة الدراسة والأهداف والتساؤلات، وآلية اختيار النظريات والطرق الإجرائية والمنهجية. ويشمل الفصل الثاني الإطار النظري للدراسة، وعرضت فيه الباحثة النظريتين المتعلقتين بموضوع الدراسة واللتان اعتمدت عليهما في تطبيق دراستها، وهما: (نظرية البنائية الوظيفية، ونظرية المجال العام). ويتضمن الفصل الثالث الإطار المنهجي والإجرائي للدراسة، وفيه تعرض الباحثة وصفًا عامًّا عن منهجية الدراسة المستخدمة من حيث نوع الدراسة وأسلوبها، ومجتمع الدراسة وعينتها، ومبررات اختيارها، وأداة الدراسة وخطوات إعدادها، ومجالات الدراسة، كما تتضمن كل الإجراءات التي اتبعتها الباحثة لتحقيق أهداف الدراسة. ويشمل الفصل الرابع الإطار التطبيقي للدراسة، والذي يتضمن عرض مجموعة من المنشورات الاستقطابية السلبية التابعة لصفحة على منصة "فيس بوك"، والتي تهتم بالشأن السياسي المصري، ويتم تحليلها عن طريق استخدام التحليل الوصفي، ثم عرض وتفسير النتائج التى توصلت إليها الباحثة. والفصل الخامس يتضمن الإطار التطبيقي للدراسة، من خلال عرض مجموعة من الفيديوهات الاستقطابية السلبية التابعة لصفحة على منصة "فيس بوك"، والتي تهتم بالشأن السياسي المصري، ويتم تحليلها من خلال استخدام التحليل الوصفي، ثم عرض وتفسير النتائج التي توصلت إليها الباحثة. وفي الفصل السادس تستعرض الباحثة النتائج العامة التي توصلت إليها من خلال التحليل الوصفي لعينة الدراسة. كما تقوم الباحثة بمناقشة مدى صحة تساؤلات الدراسة مع النتائج العامة للدراسة، ومن ثم تستعرض التوصيات والمقترحات التي تأمل في أن تسهم في تحجيم الظاهرة في المجتمع المصرى، والقضاء عليها رويدًا رويدًا.
هدفت الدراسة إلى الكشف عن واقعية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الاستقطاب السياسي السلبي في المجتمع المصري، كما اعتمدت الدراسة الحالية في إطار المنهج على التحليل الوصفي والتطرق إلى التحليل السيميولوجي، واستخدمت الباحثة أسلوب المسح بالعينة لمجتمع الدراسة، وأداة الدراسة كانت استمارة تحليل المضمون لجمع البيانات الوصفية من عينة الدراسة، وقامت الباحثة بسحب عينة الدراسة بالطريقة العمدية لصفحتين على وسائل التواصل الاجتماعي عامة، ومنصة فيس بوك خاصة، إحداهما تتضمن المحتوى المكتوب وهي صفحة "شبكة رصد"، والأخرى تتضمن محتوى الفيديو وهي صفحة "عبد الله الشريف". وتتبنى الدراسة الحالية نظرية المجال العام ونظرية البنائية الوظيفية.
انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها: أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بمنزلة السلاح الأقوى في انتشار ظاهرة الاستقطاب السياسي السلبي، وتصدُّر جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة للمشهد الاستقطابي السياسي في المجتمع الافتراضي. كما أوضحت عينة الدراسة أن الاستقطاب السياسي المقترن بالدين يُعد من أقوى وأخطر أنواع الاستقطاب السياسي الذي يؤثر سلبًا في تشكيل وعي الفرد وتوازن المجتمع. وعكست عينة الدراسة أن هناك عوامل مسهمة في تشكيل الظاهرة وهي عوامل عشوائية منها ما يتصل بالفرد والمجتمع، ومنها ما يتصل بالامتيازات التكنولوجية. وهناك عوامل غير عشوائية ممنهجة تتبعها جماعة الإخوان المسلمين عن طريق إثارة القضايا والموضوعات المجتمعية التي تلمس الوازع الديني والوجدان، والتلاعب بوعي المستخدم الإلكتروني ومشاعره، وقد جاءت كل هذه العوامل وغيرها مشاركة بشكل أو بآخر في زيادة حجم المخاطر واحتمالية حدوثها. وتبين للباحثة أن الغرض الحقيقي وراء ممارسة جماعة الإخوان المسلمين لظاهرة الاستقطاب السياسي السلبي هو استعمار الدولة المصرية من قِبَل كيانات إرهابية وطمعًا في تحقيق مفهوم اللا دولة في المجتمع المصري.
وأهم المقترحات والتوصيات التى خرجت بها الدراسة: نشر التوعية الدينية والسياسية والثقافية، وتقديم التأهيل الاجتماعي والنفسي، وفتح باب الحوار الوطني لجميع فئات الشعب المصري على المجتمعين الافتراضي والواقعي، وإضعاف جماعة الإخوان المسلمين وهدمها على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال محاربتها بنفس الآلية وبنفس المستوى من خلال ممارسة الاستقطاب السياسي الإيجابي. كما توصي الباحثة بضرورة إجراء المزيد من الدراسات العلمية حول ظاهرة الاستقطاب السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي.