هاجر منصوري : النسويّة الإسلاميّة تطرح قراءة تأويليّة للنصّ الدينيّ بتنزيله في سياقاته التاريخيّة والاجتماعيّة
- منذ نهاية القرن التاسع عشر تعالت الأصوات المنادية بضرورة تجديد الخطاب الدّيني
هاجر منصوري دكتورة وباحثة تونسية مختصّة في الدراسات الحضاريّة. تعنى بالشأن النسويّ وقضايا النسويّة الدينيّة في بعدها الفرقيّ والمذهبيّ وفي تقاطعها مع السياسيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والإعلاميّ والأدبيّ والفنّي.. نشرت دراساتها في مجلاّت علمية محكّمة أو في كتب جماعيّة في تونس وخارجها تندرج في هذا السياق البحثي.ولها مشاركات عديدة في ندوات علميّة وطنيّة ودوليّة، واقعيّة وافتراضية، وتشغل \كتورة هاجر منصب نائبة رئيسة وحدة الدراسات الحضاريّة والأديان المقارنة بالمعهد العالميّ للتجديد العربيّ. ندير صالون "حواء لأصوات كل النساء". صدر لها حديثا كتابان بحثيّان هما: رواية الحديث بتاء التأنيث، دار محمّد عليّ للنشر- تونس، الانتشار العربي- لبنان، ط 2022. "نون النسوة في الخطابات الدينية: حفريّات ورهانات حضاريّة،" الدار التونسيّة للكتاب، تونس، ط 2023. وديوان شعريّ: مالم تبح به الشاعرات.. بيت بالمعنى الحرفيّ وقصيد، دار الأمينة للنشر، ط 2023. وكتاب بجزءين بصدد النشر هو في الأصل رسالتها للدكتورا وعنوانه بــ: " نساء أهل السنّة والإماميّة الإثني عشريّة في خطاباتهم المرجعيّة، دار زينب للنشر. ولهذا التميزالابداعي والعمق المعرفي كان لنا معها هذا الحوار
ما المقصود بالنسوية الإسلامية؟
الدراسات النسويّة الإسلاميّة حقل بحثيّ دقيق وحديث. تتفرّع عن الدّراسات النسويّة بما هي بحوث تدعو إلى مراجعة نظم البنى الاجتماعيّة وأنساقها السياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة القائمة على التمييز بين الجنسين، وإصلاحها على أساس رفع كلّ أشكال العنف المسلّط ضدّ النساء وإقرار المساواة التامة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. وتولّدت هذه الدراسات من رحم العلوم الاجتماعيّة، وتفرّعت بحكم تقاطعاتها مع حقول المعرفة الإنسانيّة، إلى نسويّات مختلفة منها النسويّة الدّينيّة التي انبثقت عنها النسويّة الإسلاميّة. وهي تتنزّل بحكم مضامينها البحثيّة في حقل الفكر الدّيني ومباحثة المعرفيّة المختلفة، وتهدف إلى النظر في هذه المباحث بمناهج الحفر والتأويل لكلّ ما له صلة بالنساء وأدوارهنّ الاجتماعيّة من جهة وللعلاقات بين الجنسين من جهة أخرى.
- ماهي القضايا التى تطرحها؟
تطرح النسويّة الإسلاميّة منهجيّا قراءة تأويليّة للنصّ الدينيّ بتنزيله في سياقاته التاريخيّة والاجتماعيّة التي تحكّمت في فهمه وفي توجيه خطابه عن النساء، أمّا مضمونيّا فهي تراجع الشّأن النسائي الذي تعدّ أحكامه وباب المعاملات فيه وحتّى تمثّلاته الواقعيّة والمتخيّلة للنساء تامّة ومنتهية ولا سبيل إلى تغييرها. ولهذا نجدها تعيد النظر في مسألة الجسد الأنثوي وآليّات حجبه، في مسألة التراتبيّة بين الجنسين في الأحكام والمعاملات الاجتماعيّة ( زواجا، نفقة، إرثا، طلاقا..) والاقتصاديّة ( أعمالا ومهنا...) وحتّى السياسيّة ( الإمامة الكبرى ونعني بها الرئاسة)، وفي مسألة التمكين الدّيني ( الإمامة الصغرى ونعني بها إمامة الصلاة)
- كيف يستقبل المجتمع العربي ويتعامل مع هذا المصطلح وقضاياه ؟
تلقّي مثل هذه المصطلحات في مجتمعاتنا العربيّة وما تطرحه دراساتها من قضايا يتوزّع على مستويين، مستوى أوّل رافض لها رفضا مطلقا، بل يتّهمها بالعمالة الفكريّة للغرب الكافر، وبأنّها ليست إلاّ غزوا ثقافيّا هدّاما للقيم الإسلاميّة وثوابته في مستوى ضبطه للعلاقات بين الجنسين وما تقوم عليه من أحكام وتمثّلات. وهو يوظّف ترسانات دراساته للردّ على هذا النوع من الدراسات، رافعا لواء الحفاظ على " الدين" من كلّ "تغيير". ومستوى ثان يرحّب بها، ويراها قادرة على تنسيب العلاقات بين الجنسين، فضلا عن السير قدما نحو تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات بما يتوافق والمتغيّرات الحديثة في سياق مجتمعات المواطنة والدّيمقراطيّة.
- ماهو مضمون رسالة كتابك "رواية الحديث بتاء التانيث " ؟وكيف طرحت موقع المرأة في علم الحديث ؟
إصدارنا الأوّل: "رواية الحديث بتاء التأنيث"، وهو في الأصل رسالتنا في الدراسات المعمّقة في البحث. تناولنا فيه حضور المرأة في المعرفة الدّينيّة وتحديدا في مبحث علم رواية الحديث من خلال أهمّ مصنّفين في فقه حديث أهل السنّة وهما جامعا "البخاري ومسلم". واستدعى منّا النظر في هذا الحضور أن نحفر في المنهج السندي لأهل السنّة وموقع المرأة فيه وفي طبقات رواته، فضلا عن تقصّي مضامين متون الجامعين ودلالاتها الفقهيّة في التأكيد على الحاجة إلى رواية المرأة. فكان الكتاب مرجعا في التأصيل لرواية المرأة في علم الحديث، وثبتا إحصائيّا للراويات وطبقاتهنّ.
- ما الذى يجمع كتاب رواية الحديث مع كتابك التالي له نون النسوة في الخطابات الدينية ؟ هل من تكامل في المضمون ؟ والمفارقات بينهما ؟
حينما يندرج اهتمامنا البحثيّ في الشّان النسوي الدينيّ، فمن المحتّم أن تنتظم دراساتنا وكتاباتنا ضمن هذا الاهتمام، وإذا كان إصدارنا الأوّل حفرا في حضور النساء في مبحث علم رواية الحديث تأكيدا منّا على أهميّة الرواية النسائيّة، فإنّ إصدارنا الثاني الذي وسمناه بـــ" نون النسوة في الخطابات الدينيّة حفريّات ورهانات حضاريّة" هو انفتاح على قضايا النسويّة المعاصرة من زوايا مضمونيّة ومنهجيّة مختلفة، تناولنا فيها مفاهيم: المرأة والإمامة الصغرى في خطاب ابن عربي الصوفيّ، وأحكام النساء والتفسير القرآني من خلال تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور، علاوة على تمثّل المرأة في الخطاب الدّعوي الحركيّ من خلال تنظيم القبيسيّات بسوريا وخارجها، وفي الخطاب النسائيّ الدّعويّ الإعلامي في الفضائيّات الدّينيّة المتخصّصة.
- تتكرر المطالبات بتجديد الخطاب الديني ولكن عند الاجتهاد في هذا التجديد يرفضه كثيرين ؟ اين تقع الاشكالية ؟ وهل يمكن تحقيق تجديد بدون صدام مع المجتمع ؟
منذ نهاية القرن التاسع عشر، تعالت الأصوات المنادية بضرورة تجديد الخطاب الدّيني. وهي ما تزال إلى الآن وبنفس الوتيرة وقد تكون أكثر. يتعالى فيها وهج المطالبة بالتجديد، ولكنّها في كلّ مرّة تجابه بأصوات أخرى على الضفّة المقابلة ترفض دعواتها إلى الاجتهاد، إلى القراءة التاويليّة للنصّ الدّيني، إلى الانفتاح على تعدّد المعنى وإمكاناته المتنوّعة. والإشكال في هذا الرفض يعود إلى التحديد الاصطلاحي لمفهوم الاجتهاد في ذاته فالأصوليّون يعرّفون الاجتهاد في الإسلام بأنّه " بذل الجهد لإدراك حكم شرعي ّمن أدلّته الشرعية"، ومن هذا المنطلق لا يسمح بالاجتهاد فيما له صلة بأحكام النساء أو المعاملات المنظّمة للعلاقة بين الجنسين لأنّ الادلّة الشرعيّة عندهم نصيّة ثابتة وقطعيّة ولا مجال للاجتهاد فيها.. فلِم الاجتهاد في أحكام نصوصها فيما يعتقدون قطعيّة؟! إذ لا مجال عندهم في البتّ والنظر.
وعليه فلا يمكن فيما نعتقد أن يتحقّق التجديد في الخطاب الدينيّ دون صدام مع المجتمع، ولعلّنا نستدلّ في هذا الصدد بقول شاعرنا أبي القاسم الشابي:
كلَّما قامَ في البلادِ خَطيبٌ .... مُوقِظٌ شعبَهُ يُريدُ صَلاحَهْ
أَلْبَسوا رُوحَهُ قَميصَ اضْطِهادٍ.... فاتِكٍ شائِكٍ يَرُدُّ جَمَاحَهْ
وهذا الصدام، يحتاج إلى مدّة زمنيّة قد تطول أو تقصر حتّى يخفت هديره، ويتطلّب في هذه المدّة عملا حثيثا من أجل تغيير العقليّات والذهنيّات التي تشكّلت على نحو معيّن، ويقتضي تغييرها تربية فكريّة وذهنيّة تؤسّس لقيم المواطنة والشراكة والمساواة في الحقوق والواجبات. وهو مسار لا بدّ منه ، ويا حبّذا لو يينع من القاعدة وتتقبّله السلطة السياسيّة وتعمل على تنفيذه.
- في اطار خطتك لتجديد موقع المرأة في الفكر الديني ماهو العمل الذى تعدين له حاليا؟
إيمانا منّا بأنّ الفكر الدّيني ينبغي أن يكون حمّالا لرؤى إنسانيّة أكثر رحمة، وأكثر عدلا، وأكثر تسامحا... ومن هذا المنطلق كان اشتغالنا على خطاب هذا الفكر المتّصل منه بالنساء حفرا في تموقعهنّ فيه، ونظرا في التمثّلات الواردة فيه حولهنّ والخاضعة بدرجة كبيرة لذهنيّة العصر الذكوريّة التي تحكّمت في تشكيلها. وفضح هذه الذهنيّة المتحكّمة في تشكيل التمثلات حول النساء هو من صميم اهتماماتنا وسيصدر لنا قريبا كتابان في هذا الشّان هما في الأصل جزءان من أطروحتنا للدكتورا التي درسنا فيها نساء أهل السنّة والإماميّة الإثني عشريّة في خطاباتهم المرجعيّة.