الإسلاموفوبيا.. هلع أوروبى وتصاعد للتوترات الدينية والعرقية
الإثنين 08/يوليو/2024 - 08:26 م
طباعة
حسام الحداد
المواجهات بين الإسلام السياسى وأحزاب اليمين زادت حالة الاستقطاب داخل المجتمعات الأوروبية
شهدت العقود الأخيرة صعودًا ملحوظًا للإسلام السياسى فى العديد من الدول حول العالم. هذا الصعود لم يمر دون ردود فعل من أطراف متعددة، بما فى ذلك التيارات السياسية اليمينية المتطرفة فى أوروبا وأماكن أخرى. تميزت هذه الفترة بمواجهات فكرية وسياسية حادة أثرت على الساحة العالمية وأدت إلى تغيرات جوهرية فى سياسات الدول والمجتمعات، ولمناقشة تأثير اليمين المتطرف فى أوروبا على الإسلام علينا بداية أن نقوم بعمل تعريف ولو مختصر للإسلام السياسى واليمين المتطرف.
الإسلام السياسي
مصطلح يشير إلى الحركات والجماعات التى تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتشكيل الحكومات والسياسات العامة بناءً على المبادئ الإسلامية حسب تأويلها الخاص لنصوص الإسلام "القرآن والسنة". ونشأ هذا التيار فى بداية القرن العشرين كرد فعل على الاستعمار والهيمنة الغربية، وسعى إلى استعادة الهوية الإسلامية والسيادة الوطنية.
تطورت هذه الحركات عبر الزمن، وبرزت جماعات مثل جماعة الإخوان فى مصر، والتى أصبحت نموذجًا لحركات الإسلام السياسى الأخرى. انتشرت هذه الأفكار إلى مناطق مختلفة من العالم، مما أدى إلى ظهور أحزاب وحركات سياسية تسعى لتحقيق نفس الأهداف.
اليمين المتطرف
مصطلح يستخدم للإشارة إلى الجماعات والأحزاب السياسية التى تتبنى مواقف قومية متشددة، تعادى الهجرة وترفض التعددية الثقافية، وغالبًا ما تتخذ مواقف معادية للإسلام والمسلمين. ازداد تأثير هذه الجماعات بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، مستفيدة من المخاوف المتزايدة بشأن الإرهاب والهجرة.
أسباب الصعود
وقعت هجمات إرهابية عديدة فى أوروبا وأماكن أخرى نُسبت إلى جماعات إسلامية متطرفة. هذه الهجمات أثارت مخاوف واسعة النطاق واستُغلت من قبل اليمين المتطرف لتعزيز خطابه المناهض للإسلام والهجرة. تزامن هذا مع كثرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فى فترات الركود الاقتصادى وارتفاع معدلات البطالة التى أوجدت بيئة خصبة لنمو الأفكار القومية المتطرفة، حيث بحث الناس عن جهة لإلقاء اللوم عليها. وأخيرا التحول الديموغرافي: حيث الزيادة فى أعداد المهاجرين المسلمين فى أوروبا أثارت قلق قطاعات من السكان المحليين، مما دفعهم لدعم الأحزاب اليمينية التى تعد بالحفاظ على الهوية الوطنية.
علاقة اليمين المتطرف بجماعات الإسلام السياسي
بتبنى اليمين المتطرف فى أوروبا غالباً سياسات معادية للإسلام ويروج لأيديولوجيات ترفض الاندماج الثقافى والدينى للمسلمين، يمكن اعتبار جماعات الإسلام السياسى كأحد العوامل التى تستخدمها الأحزاب اليمينية المتطرفة لتعزيز دعمها، حيث تصور هذه الجماعات على أنها تهديد لأمن واستقرار المجتمعات الأوروبية.
ولأن لكل بلد أوروبى ظروفه وتفاصيله المختلفة، فإن القضايا التى توحد أحزاب اليمين المتطرف تظل هى نفسها تقريبا. وإذا استبعدنا القضايا المتصلة بالاقتصاد والوحدة الأوروبية، فإن الخطاب الشعبوى وملف اللاجئين والموقف من الإسلام والمسلمين عموما تشكل القاسم المشترك فى هذا الخطاب.
لذلك هناك من يحمّل الإسلام السياسى وجماعاته والتشدد الإسلامى عموما جانبا من المسئولية عن صعود اليمين المتطرف. ويستندون فى ذلك لاجتماع عدة ظروف كانت بمثابة وقود لا ينقطع لخطب وبرامج زعماء هذا اليمين.
فمن جهة هناك سجل حافل من العمليات الإرهابية وترويع السكان فى أوروبا منذ قرابة العقدين من الزمان وهى مستمرة، وهناك حروب أهلية ودول فاشلة فى الشرق الأوسط تقذف بالمزيد من اللاجئين إلى بعض الدول الأوروبية وبأعداد تفوق أحيانا طاقة هذه الدول على استيعابها، وثالثا هناك خطاب إسلامى ينشر الكراهية ويحرض على العنف ويشجع المهاجرين المسلمين على مقاومة الاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة، الأمر الذى يخلق مشكلات حقيقية لهم ولتلك المجتمعات.
وهذه العوامل مجتمعة كفيلة بأن تشكل خطابا متطرفا يمكن تسويقه لقطاعات متزايدة من الأوروبيين، كما شهدنا فى السنوات الأخيرة والذى يتمثل في:
استخدام اليمين المتطرف فى خطابه السياسى التهديدات المحتملة التى تشكلها جماعات الإسلام السياسى كحجة لتبرير سياساتهم المعادية للهجرة والمسلمين.
تروج الأحزاب اليمينية المتطرفة لسياسات تهدف إلى تقليص التأثير السياسى لجماعات الإسلام السياسي، مثل حظر تمويل هذه الجماعات، مراقبة المساجد، وتقييد أنشطتها السياسية والاجتماعية.
ولا شك أن معظم المسلمين فى أوروبا لا يشاطرون بالضرورة الإسلاميين آراءهم وأفكارهم وتشددهم. لكن هؤلاء يعتبرون أقلية فى هذه المجتمعات، بينما غالبية المسلمين هم مجرد مواطنين عاديين لهم نفس الاهتمامات والمطالب والحاجات التى لغيرهم فى هذه البلدان. وبالتالى فإن إشاعة مشاعر الخوف غير المبرر من جميع المسلمين تبدو كما لو أنها مجرد استغلال سياسى فج.
مع ذلك يبقى من الصحيح القول إن مشاعر الخوف والقلق لدى الكثير من الأوروبيين لم تأت من فراغ. وأن هناك بالفعل مخاطر حقيقية يشكلها الخطاب الإسلامى فى شقه المتطرف على الأقل، سواء كانت مخاطر أمنية أو سياسية أو اجتماعية.
وكون أن أحزاب اليمين المتطرف تستغل ذلك لا يعنى أنها قد خلقته من العدم. لهذا من الصعب أن يغفل الإنسان السياق الذى تجرى فيه الأحداث وخاصة منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وحتى اليوم.
العلاقة بحركات الإسلام السياسي
ظهور اليمين المتطرف فى أوروبا يتزامن بشكل كبير مع تزايد أنشطة حركات الإسلام السياسي، حيث يمكن القول إن هناك علاقة متبادلة بين الطرفين، حيث نمو حركات الإسلام السياسى والتطرف الإسلامى فى بعض المناطق الأوروبية قد أدى إلى تعزيز شعور الخوف والقلق لدى المجتمعات الأوروبية، مما وفر بيئة خصبة لنمو اليمين المتطرف. كذلك تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة الحوادث الإرهابية وأنشطة حركات الإسلام السياسى كأدوات لتعزيز خطابها السياسى والدعوة إلى سياسات أكثر صرامة ضد المسلمين والمهاجرين. كذلك فإن ظهور الإسلام السياسى وردود الفعل عليه من قبل اليمين المتطرف يمكن أن يؤدى إلى دائرة مغلقة من التصعيد، حيث يزداد التطرف على الجانبين.
واتخذ اليمين المتطرف عددا من الأساليب لمواجهة الإسلام السياسي، حيث سعت العديد من الدول الأوروبية إلى سن قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك قوانين تنظم الهجرة واللجوء. واستخدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام لترويج خطابها المناهض للإسلام، مستفيدة من الحوادث الإرهابية لنشر الخوف وتعزيز شعبيتها. كذلك تمكنت الأحزاب اليمينية من تحقيق نجاحات انتخابية والتحالف مع أحزاب أخرى لتحقيق أجندتها السياسية.
وأدت المواجهات بين الإسلام السياسى واليمين المتطرف إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمعات، مما ساهم فى تعميق الانقسامات وزيادة التوترات العرقية والدينية.
وازدادت إجراءات الرقابة والمراقبة من قبل الحكومات فى محاولة لمكافحة الإرهاب، مما أثر على الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
وأخيرا يؤدى تصاعد خطاب اليمين المتطرف إلى تعزيز مشاعر الاضطهاد والتمييز لدى المسلمين، مما يمكن أن يدفع البعض نحو التطرف والإرهاب كرد فعل.
علاقة اليمين المتطرف بالإسلاموفوبيا
اليمين المتطرف فى أوروبا له دور كبير فى تغذية الإسلاموفوبيا، من خلال نشر الخوف والكراهية تجاه المسلمين، حيث تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة خطابات عنصرية تروج لفكرة أن الإسلام يمثل تهديدًا للهوية الوطنية والثقافية لأوروبا. تعتمد هذه الأحزاب على وسائل الإعلام والدعاية لنشر صور سلبية عن المسلمين، مما يعزز من مشاعر الخوف والكراهية تجاههم. كما يروج اليمين المتطرف لسياسات تقيد حقوق المسلمين، مثل حظر الحجاب والنقاب، تقييد بناء المساجد، وتقليص حقوق اللاجئين والمهاجرين.
تُعد الحوادث الإرهابية التى تُنسب إلى جماعات إسلامية متطرفة من الأحداث التى تترك أثراً عميقاً على المجتمعات الأوروبية. تستغل أحزاب اليمين المتطرف هذه الحوادث لتعزيز خطابها المناهض للمسلمين وزيادة التأييد الشعبى لسياساتها. تستخدم هذه الأحزاب استراتيجيات متعددة لتوجيه المخاوف الشعبية وتحويلها إلى دعم سياسي.
فتعمل أحزاب اليمين المتطرف على تصوير المسلمين كتهديد مباشر للأمن القومى والثقافة الوطنية. بعد أى حادث إرهابي، تُروج هذه الأحزاب لفكرة أن المسلمين يشكلون خطراً على المجتمع الأوروبي.
وتستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية لتضخيم الحوادث الإرهابية وإثارة مشاعر الخوف والقلق بين الناس. يتم التركيز على تفاصيل الحادث وأسبابه الدينية لربط الإرهاب بالإسلام بشكل مباشر.
تُقدم هذه الأحزاب نفسها كحماة للهوية الوطنية والثقافة الأوروبية فى مواجهة ما تصفه بالتهديد الإسلامي. وتُستغل الحوادث الإرهابية للدعوة إلى سياسات تقييد الهجرة وتشديد الرقابة على المجتمعات المسلمة.
كما تُشجع الأحزاب اليمينية المتطرفة على مشاعر الغضب والانتقام بعد الحوادث الإرهابية، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسلمين، مما يُعزز من شعبيتها بين أولئك الذين يشعرون بالخوف أو الغضب.
الخلاصة
اليمين المتطرف فى أوروبا يلعب دورًا مهمًا فى تشكيل العلاقات مع الإسلام وجماعات الإسلام السياسي. تأثيره يتجلى فى تعزيز الإسلاموفوبيا وتبنى سياسات قمعية تجاه المسلمين، مما يؤدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية فى المجتمعات الأوروبية. فى المقابل، تساهم حركات الإسلام السياسى فى تقديم مادة غنية لليمين المتطرف لاستغلالها سياسياً وتعزيز دعمه الشعبي.
ويظل التوازن بين مكافحة الإرهاب والتطرف من جهة، والحفاظ على الحريات المدنية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، تحديًا كبيرًا أمام الحكومات والمجتمعات. يتطلب الوضع الحالى استراتيجيات متوازنة وشاملة تهدف إلى معالجة جذور التطرف، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة لتحقيق السلام والاستقرار.
شهدت العقود الأخيرة صعودًا ملحوظًا للإسلام السياسى فى العديد من الدول حول العالم. هذا الصعود لم يمر دون ردود فعل من أطراف متعددة، بما فى ذلك التيارات السياسية اليمينية المتطرفة فى أوروبا وأماكن أخرى. تميزت هذه الفترة بمواجهات فكرية وسياسية حادة أثرت على الساحة العالمية وأدت إلى تغيرات جوهرية فى سياسات الدول والمجتمعات، ولمناقشة تأثير اليمين المتطرف فى أوروبا على الإسلام علينا بداية أن نقوم بعمل تعريف ولو مختصر للإسلام السياسى واليمين المتطرف.
الإسلام السياسي
مصطلح يشير إلى الحركات والجماعات التى تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتشكيل الحكومات والسياسات العامة بناءً على المبادئ الإسلامية حسب تأويلها الخاص لنصوص الإسلام "القرآن والسنة". ونشأ هذا التيار فى بداية القرن العشرين كرد فعل على الاستعمار والهيمنة الغربية، وسعى إلى استعادة الهوية الإسلامية والسيادة الوطنية.
تطورت هذه الحركات عبر الزمن، وبرزت جماعات مثل جماعة الإخوان فى مصر، والتى أصبحت نموذجًا لحركات الإسلام السياسى الأخرى. انتشرت هذه الأفكار إلى مناطق مختلفة من العالم، مما أدى إلى ظهور أحزاب وحركات سياسية تسعى لتحقيق نفس الأهداف.
اليمين المتطرف
مصطلح يستخدم للإشارة إلى الجماعات والأحزاب السياسية التى تتبنى مواقف قومية متشددة، تعادى الهجرة وترفض التعددية الثقافية، وغالبًا ما تتخذ مواقف معادية للإسلام والمسلمين. ازداد تأثير هذه الجماعات بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، مستفيدة من المخاوف المتزايدة بشأن الإرهاب والهجرة.
أسباب الصعود
وقعت هجمات إرهابية عديدة فى أوروبا وأماكن أخرى نُسبت إلى جماعات إسلامية متطرفة. هذه الهجمات أثارت مخاوف واسعة النطاق واستُغلت من قبل اليمين المتطرف لتعزيز خطابه المناهض للإسلام والهجرة. تزامن هذا مع كثرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فى فترات الركود الاقتصادى وارتفاع معدلات البطالة التى أوجدت بيئة خصبة لنمو الأفكار القومية المتطرفة، حيث بحث الناس عن جهة لإلقاء اللوم عليها. وأخيرا التحول الديموغرافي: حيث الزيادة فى أعداد المهاجرين المسلمين فى أوروبا أثارت قلق قطاعات من السكان المحليين، مما دفعهم لدعم الأحزاب اليمينية التى تعد بالحفاظ على الهوية الوطنية.
علاقة اليمين المتطرف بجماعات الإسلام السياسي
بتبنى اليمين المتطرف فى أوروبا غالباً سياسات معادية للإسلام ويروج لأيديولوجيات ترفض الاندماج الثقافى والدينى للمسلمين، يمكن اعتبار جماعات الإسلام السياسى كأحد العوامل التى تستخدمها الأحزاب اليمينية المتطرفة لتعزيز دعمها، حيث تصور هذه الجماعات على أنها تهديد لأمن واستقرار المجتمعات الأوروبية.
ولأن لكل بلد أوروبى ظروفه وتفاصيله المختلفة، فإن القضايا التى توحد أحزاب اليمين المتطرف تظل هى نفسها تقريبا. وإذا استبعدنا القضايا المتصلة بالاقتصاد والوحدة الأوروبية، فإن الخطاب الشعبوى وملف اللاجئين والموقف من الإسلام والمسلمين عموما تشكل القاسم المشترك فى هذا الخطاب.
لذلك هناك من يحمّل الإسلام السياسى وجماعاته والتشدد الإسلامى عموما جانبا من المسئولية عن صعود اليمين المتطرف. ويستندون فى ذلك لاجتماع عدة ظروف كانت بمثابة وقود لا ينقطع لخطب وبرامج زعماء هذا اليمين.
فمن جهة هناك سجل حافل من العمليات الإرهابية وترويع السكان فى أوروبا منذ قرابة العقدين من الزمان وهى مستمرة، وهناك حروب أهلية ودول فاشلة فى الشرق الأوسط تقذف بالمزيد من اللاجئين إلى بعض الدول الأوروبية وبأعداد تفوق أحيانا طاقة هذه الدول على استيعابها، وثالثا هناك خطاب إسلامى ينشر الكراهية ويحرض على العنف ويشجع المهاجرين المسلمين على مقاومة الاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة، الأمر الذى يخلق مشكلات حقيقية لهم ولتلك المجتمعات.
وهذه العوامل مجتمعة كفيلة بأن تشكل خطابا متطرفا يمكن تسويقه لقطاعات متزايدة من الأوروبيين، كما شهدنا فى السنوات الأخيرة والذى يتمثل في:
استخدام اليمين المتطرف فى خطابه السياسى التهديدات المحتملة التى تشكلها جماعات الإسلام السياسى كحجة لتبرير سياساتهم المعادية للهجرة والمسلمين.
تروج الأحزاب اليمينية المتطرفة لسياسات تهدف إلى تقليص التأثير السياسى لجماعات الإسلام السياسي، مثل حظر تمويل هذه الجماعات، مراقبة المساجد، وتقييد أنشطتها السياسية والاجتماعية.
ولا شك أن معظم المسلمين فى أوروبا لا يشاطرون بالضرورة الإسلاميين آراءهم وأفكارهم وتشددهم. لكن هؤلاء يعتبرون أقلية فى هذه المجتمعات، بينما غالبية المسلمين هم مجرد مواطنين عاديين لهم نفس الاهتمامات والمطالب والحاجات التى لغيرهم فى هذه البلدان. وبالتالى فإن إشاعة مشاعر الخوف غير المبرر من جميع المسلمين تبدو كما لو أنها مجرد استغلال سياسى فج.
مع ذلك يبقى من الصحيح القول إن مشاعر الخوف والقلق لدى الكثير من الأوروبيين لم تأت من فراغ. وأن هناك بالفعل مخاطر حقيقية يشكلها الخطاب الإسلامى فى شقه المتطرف على الأقل، سواء كانت مخاطر أمنية أو سياسية أو اجتماعية.
وكون أن أحزاب اليمين المتطرف تستغل ذلك لا يعنى أنها قد خلقته من العدم. لهذا من الصعب أن يغفل الإنسان السياق الذى تجرى فيه الأحداث وخاصة منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وحتى اليوم.
العلاقة بحركات الإسلام السياسي
ظهور اليمين المتطرف فى أوروبا يتزامن بشكل كبير مع تزايد أنشطة حركات الإسلام السياسي، حيث يمكن القول إن هناك علاقة متبادلة بين الطرفين، حيث نمو حركات الإسلام السياسى والتطرف الإسلامى فى بعض المناطق الأوروبية قد أدى إلى تعزيز شعور الخوف والقلق لدى المجتمعات الأوروبية، مما وفر بيئة خصبة لنمو اليمين المتطرف. كذلك تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة الحوادث الإرهابية وأنشطة حركات الإسلام السياسى كأدوات لتعزيز خطابها السياسى والدعوة إلى سياسات أكثر صرامة ضد المسلمين والمهاجرين. كذلك فإن ظهور الإسلام السياسى وردود الفعل عليه من قبل اليمين المتطرف يمكن أن يؤدى إلى دائرة مغلقة من التصعيد، حيث يزداد التطرف على الجانبين.
واتخذ اليمين المتطرف عددا من الأساليب لمواجهة الإسلام السياسي، حيث سعت العديد من الدول الأوروبية إلى سن قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك قوانين تنظم الهجرة واللجوء. واستخدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام لترويج خطابها المناهض للإسلام، مستفيدة من الحوادث الإرهابية لنشر الخوف وتعزيز شعبيتها. كذلك تمكنت الأحزاب اليمينية من تحقيق نجاحات انتخابية والتحالف مع أحزاب أخرى لتحقيق أجندتها السياسية.
وأدت المواجهات بين الإسلام السياسى واليمين المتطرف إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمعات، مما ساهم فى تعميق الانقسامات وزيادة التوترات العرقية والدينية.
وازدادت إجراءات الرقابة والمراقبة من قبل الحكومات فى محاولة لمكافحة الإرهاب، مما أثر على الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
وأخيرا يؤدى تصاعد خطاب اليمين المتطرف إلى تعزيز مشاعر الاضطهاد والتمييز لدى المسلمين، مما يمكن أن يدفع البعض نحو التطرف والإرهاب كرد فعل.
علاقة اليمين المتطرف بالإسلاموفوبيا
اليمين المتطرف فى أوروبا له دور كبير فى تغذية الإسلاموفوبيا، من خلال نشر الخوف والكراهية تجاه المسلمين، حيث تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة خطابات عنصرية تروج لفكرة أن الإسلام يمثل تهديدًا للهوية الوطنية والثقافية لأوروبا. تعتمد هذه الأحزاب على وسائل الإعلام والدعاية لنشر صور سلبية عن المسلمين، مما يعزز من مشاعر الخوف والكراهية تجاههم. كما يروج اليمين المتطرف لسياسات تقيد حقوق المسلمين، مثل حظر الحجاب والنقاب، تقييد بناء المساجد، وتقليص حقوق اللاجئين والمهاجرين.
تُعد الحوادث الإرهابية التى تُنسب إلى جماعات إسلامية متطرفة من الأحداث التى تترك أثراً عميقاً على المجتمعات الأوروبية. تستغل أحزاب اليمين المتطرف هذه الحوادث لتعزيز خطابها المناهض للمسلمين وزيادة التأييد الشعبى لسياساتها. تستخدم هذه الأحزاب استراتيجيات متعددة لتوجيه المخاوف الشعبية وتحويلها إلى دعم سياسي.
فتعمل أحزاب اليمين المتطرف على تصوير المسلمين كتهديد مباشر للأمن القومى والثقافة الوطنية. بعد أى حادث إرهابي، تُروج هذه الأحزاب لفكرة أن المسلمين يشكلون خطراً على المجتمع الأوروبي.
وتستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية لتضخيم الحوادث الإرهابية وإثارة مشاعر الخوف والقلق بين الناس. يتم التركيز على تفاصيل الحادث وأسبابه الدينية لربط الإرهاب بالإسلام بشكل مباشر.
تُقدم هذه الأحزاب نفسها كحماة للهوية الوطنية والثقافة الأوروبية فى مواجهة ما تصفه بالتهديد الإسلامي. وتُستغل الحوادث الإرهابية للدعوة إلى سياسات تقييد الهجرة وتشديد الرقابة على المجتمعات المسلمة.
كما تُشجع الأحزاب اليمينية المتطرفة على مشاعر الغضب والانتقام بعد الحوادث الإرهابية، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسلمين، مما يُعزز من شعبيتها بين أولئك الذين يشعرون بالخوف أو الغضب.
الخلاصة
اليمين المتطرف فى أوروبا يلعب دورًا مهمًا فى تشكيل العلاقات مع الإسلام وجماعات الإسلام السياسي. تأثيره يتجلى فى تعزيز الإسلاموفوبيا وتبنى سياسات قمعية تجاه المسلمين، مما يؤدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية فى المجتمعات الأوروبية. فى المقابل، تساهم حركات الإسلام السياسى فى تقديم مادة غنية لليمين المتطرف لاستغلالها سياسياً وتعزيز دعمه الشعبي.
ويظل التوازن بين مكافحة الإرهاب والتطرف من جهة، والحفاظ على الحريات المدنية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، تحديًا كبيرًا أمام الحكومات والمجتمعات. يتطلب الوضع الحالى استراتيجيات متوازنة وشاملة تهدف إلى معالجة جذور التطرف، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة لتحقيق السلام والاستقرار.