محمد داود: المثقف الرجعي يستغل الرطانة الاكاديمية لخدمة الافكار الاخوانية

الثلاثاء 27/أغسطس/2024 - 12:55 م
طباعة محمد داود: المثقف روبير الفارس
 

التعليم عندنا مستلب رجعيًا وينتج مجندين في خدمة الهيمنة الدينية

في حوار مع الدكتور محمد داود، الكاتب والمفكر المصري، عبّر عن قلقه من دور بعض المثقفين الذين يدعمون الرجعية الدينية تحت غطاء أكاديمي. واعتبر داود أن التعليم في مصر مُستلب بشكل رجعي ويجند الأفراد لخدمة الهيمنة الدينية. وأوضح أن "المثقف الرجعي" هو من يدعم هذ الأفكار بشكل غير مباشر، مستفيدًا من خلفية تعليمية أكاديمية لتزيين آرائه بدلاً من مواجهة صريحة. وأضاف أن هؤلاء المثقفين يواصلون نشر الفكر الرجعي رغم كونهم متعلمين، وذلك نتيجة التلقين العميق للنظم التعليمية والثقافية المتأثرة بالهيمنة الدينية.



محمد داود: المثقف

 

محمد داود. كاتب مفكر مصري وروائي  يحارب بقوة من اجل  نشر الحداثة و العلمانية  صدرت له روايات  قف على قبري شويّا، السما والعمى، فؤاد فؤاد، أمنا الغولة، بار أم الخير، وصخرة بيتهوفن، ومجموعة قصصية بعنوان: نصف كيلو عدس أصفر، هذا فضلًا عن مقالات ودراسات نشرت في الدوريات  والصحف ومواقع الانترنت لمختلفة، ومؤخرا شن الدكتور محمد حملة علي المثقف الرجعي محذرا من توحش الرجعية التى تلتهم الواقع قطعة قطعة واكد ان هناك كثيرون مثلًا يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهي إليه أي إخواني صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخواني إن كان يصل للمراد الرجعي فوق بعير، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية. عن هذه النوعية من المثقفين وخطورتهم دار هذا الحوار.

كنت اول من آثار قضية المثقف الرجعي. فما هو تعريفك للمثقف الرجعي ؟

هو المثقف الذي يدعم الرجعية الدينية، هناك قلة لديها القدرة على التبجح بتبرير مواقفها بنصوص دينية صريحة، لكن الفئة الأخطر من المثقفين تتقنع بالرطانة التي قد تكون أكاديمية، تصدر في الواجهة خطابًا يبدو عقلانيًا، وتنتهي دائمًا في مواقفها إلى تحقيق المرادات الدينية الرجعية، فيدعمون الهيمنة الدينية الرجعية على العقل والحياة، بهذا هم يقدمون قشرة، مجرد طلاء، أو ظاهر عقلاني لجوهر خرافي لاعقلاني، وعند مواجهتهم ينكرون؛ لأنهم غالبًا يفعلون ذلك بدوافع عميقة نتيجة التأسيس والتلقين منذ الصغر في واقع عليه هيمنة دينية رجعية صاغت مناهج التعليم والثقافة بل والعادات والتقاليد واللغة، ضمن استلابها الشامل للعقل والوجدان في مصر 1400 سنة متصلة. من هنا اقترحت تسميتهم مثقفي الحُشاشة الدينية (بضم الحاء)، حيث تكون "الحوشاشة" هي الداخل العميق المؤثر بقوة ولكن دون أن يرى، ولتوضيح معنى الحُشاشة، نستعيد قول الشاعر:

يا من هواه أعزه وأذلني

كيف السبيل إلى وصالك دلني

يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني

واصلتني حتى ملكت حُشاشتي

ورجعت من بعد الوصال هجرتني

كيف تجتمع الثقافة بما تعنيه من حداثة مع الرجعية ؟

قد يجرنا هذا السؤال إلى تساؤلات أخرى تدور حول إجابتها خلافات كثيرة مثل: من هو المثقف؟ ومن هو المتعلم؟ وما الفارق بينهما؟. ومن دون الخوض في كثير من التفاصيل يمكن القول إن المتعلم هو الذي حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلًا على شهادة جامعية، لكن هذا لا يعني أنه مثقف، بل هو فقط متعلم، أما المثقف، فهو شخص لديه من الإدراك ما يكفي لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع، والأصل أنه ربما يكون ممن لم ينالوا حظًا وافرًا من التعليم، لكن الغالب في مصر أن المثقفين متعلمون، ولديهم شهادات جامعية، الإشكال الكبير أن التعليم عندنا مستلب رجعيًا، وينتج مجندين في خدمة الهيمنة الدينية الرجعية على الحياة، ومن هنا تنشأ مفارقة المثقف الذي يقع في صراع بين ما تلقنه وتعلمه وشكل حُشاشته من جهة، وما أدركه بالاطلاع وبالتجربة ومن خلال شروط الواقع من جهة أخرى، ويحل ذلك الصراع بأن يخدم الحُشاشة ويطمئنها بالوصول للمراد الرجعي، دون المرور بـ"قال الله قال الرسول"؛ حيث إنه من غير المنطقي تأسيس المواقف على تبريرات دينية صريحة من شخص متعلم ومثقف ليس شيخًا في الظاهر.

كثيرون مثلًا يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهي إليه أي إخواني صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخواني إن كان يصل للمراد الرجعي فوق بعير، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية.

 

محمد داود: المثقف

هل هي خلطة مصرية أم ظاهرة عالمية وعربية
أظن مثقف الحُشاشة الدينية ظاهرة مصرية أساسًا، مع التسليم بأن هذا ظن ضعيف وحظه من الإصابة قليل لأني لم أطلع على كافة التجارب في العالم كله. لكننا نعلم أن هناك عالميًا أشكالًا مختلفة من دعم الرجعية الدينية، أو لنقل الخرافة العربية القديمة، بأساب ودوافع كثيرة كما يفعل كثير من الأطياف وفئات في اليسار الغربي.
كيف يستطيع القاريء أن ينجو من فخ المثقف الرجعي
هذا صعب. لكن في العموم المراد الديني الرجعي معروف من كل القضايا، ولكل إنسان بروفايل فكري، يعني صورة كلية تجمع مجمل مواقفه واختياراته وقراراته. عندما نجد أن ذلك المثقف ينتهي عادة -وربما دائمًا- لتحقيق المراد الديني الرجعي، فهو داعم للرجعية الدينية حتى ولو لم يقل "قال الله قال الرسول"، ولو كان غير ملتزم طقسيًا أو عقائديًا، بل لو كان مختلفًا في العقيدة.
اذا اتخذنا الدكتور خالد فهمي نموذجا لماذا تحكم عليه بكونه مثقفا رجعيا وماهي ادلتك علي ذلك
في البداية لاحظت الظاهرة أن كثيرًا من المثقفين يدعمون الرجعية الدينية ربما بدون وعي، وحاولت أن أجد تفسيرًا مناسبًا، اقترحت أنهم يحلون الصراع الداخلي أو التنافر المعرفي بين التلقين التأسيسي أو التنشئة على مفاهيم وقوالب تفكير تحتية دينية رجعية، يعني "حُشاشة" دينية من جهة، واطلاع وواقع وتجارب متناقضة مع تلك المفاهيم من جهة أخرى، واجهت صعوبة كبيرة في شرح الفكرة؛ ربما لأنها مجردة؛ وكنت أتجنب ذكر أمثلة في البداية، ثم فكرت في التغلب على تلك الصعوبة بتجسيد اقتراحي في ثلاثة نماذج معروفة كأمثلة تطبيقية، تناولت أفكارهم ومواقفهم واجتهدت في إسقاط الأقنعة عنها؛ للكشف عن جوهرها الديني الرجعي، من تلك النماذج دكتور خالد فهمي، تناولت مؤلفاته الرئيسية بالنقد والتحليل، حاولت الكشف عما وراء الرطانة والزخرفة الأكاديمية من تماهي مع المراد الرجعي، مثلًا في التعاطف غير العادي مع الدولة العثمانية واحتلالها لمصر، والكراهية الشديدة للحداثة، والغرب تحت عنوان ظني هو محض رطانة يقال لها رفض المركزية الأوروبية، وكذلك كراهية تجربة الدولة الحديثة في مصر لدرجة شيطنتها هي ومؤسسها محمد علي. أصدقاء ومفكرون آخرون شاركوني العمل مثل سعيد شعيب ومؤمن سلام.
ربما ينبغي هنا التأكيد على أن للجميع كل الاحترام على المستوى الشخصي، وقد ابتعدتُ دائمًا عن التناول الشخصي، المسألة هي الأفكار، ورغم ذلك فقد غضب كثير من المثقفين، وتناولوني بشكل شخصي، بما يشير لعجزهم عن قبول الاختلاف، وخضوعهم لقوالب تفكير دينية رجعية تميل للشخصنة في الخلافات الفكرية، لعلهم تألموا من اقتراحي عن الحُشاشة الدينية؛ لأن لديهم مثلها، بعضهم أصدقاء للدكتور خالد، ربما يجاملونه بمنطق الشلة، وبعضهم يتوقعون منا أن نتعامل معه مثلهم كصنم فوق النقد. وشارك في استهدافي بعض من أبناء اليسار الرجعي، أو من تكونت عقولهم في ظل هيمنة قيادات يسارية رجعية لعقود طويلة على الخطاب الثقافي الإبداعي والنقدي في مصر.

كيف يتوافق ذلك مع ما يقدمه من شكل علمي اكاديمي؟

على دكتور خالد فهمي نفسه أن يجيب عن هذا التساؤل، هذا إن امتلك شجاعة مصارحة الذات، إنه يفرض توجهاته الأيديولوجية الخاصة على ما يقدمه كأبحاث أكاديمية يفترض قيامها على مناهج علمية. هذا الفرض الأيديولوجي المسبق على البحث يطيح بعلمية المنهج. من أراد عرض وجهة نظره فيمكنه كتابة مقال رأي كما أفعل شخصيًا. وفي لقاء معه في النت قال إنه منحاز، ولا يوجد ما يسمى الموضوعية. وفي ظني هو مخطئ في فهمه للموضوعية في البحث العلمي. العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلوم الاجتماع مختلفة عن العلوم الطبيعية مثل الرياضيات والفيرياء، نعم قد لا يستطيع الباحث في العلوم الإنسانية التخلص من انحيازاته التي قد ترتبط بتكوينه وتلك أشياء لا يد له فيها، ونحن لا نطلب المستحيل، ولا نفترض أن يكون مثاليًا خاليًا من كل خطأ وعيب، الموضوعية غير موجودة بالفعل بشكل كامل في غير العلوم الطبيعية، لكن يظل بالإمكان أن يترفع الباحث عن الفرض القسري والمتعمد على بحثه، ألا يفعل كما يفعل دكتور خالد فهمي حين يخلط الرؤيوي بالمعرفي مع إخضاع المعرفي للرؤيوي، فيقوم -مثلًا- بانتقاء الوثائق والمواقف التاريخية التي توافق هواه الأيديولوجي، ثم يقوم بقراءتها بشكل تعسفي لكي توافق ذلك الأيديولوجي. 

ماهي خطورة هذا النوع من الثقافة؟

نواجه في مصر تغولًا للخرافة الأعرابية القديمة، وتزايدًا في هيمنتها على العقل والتهامها للحياة. هذه الخرافة في عداء مع الحداثة وكافة تمثلات العقل في الواقع، خاصة فكرة الدولة الحديثة والغرب والعلم. الخطر أن ذلك الشخص الموصوف بالمثقف يسخَّر إمكاناته في إعادة إنتاج الرجعية أي مفاهيم الخرافة العربية القديمة وتصوراتها ومراداتها، مع تسويغ مراراتها، وضلالاتها، وتزويقها، وتغليفها، وطلائها بقشرة تبدو عقلية، وتسويقها بالمغالطات المنطقية، والمراوغة، والحيل البلاغية، والرطانة.

الخطورة هي أننا نفقد الوعي والثقافة يعني الأداة الرئيسية التي ينبغي أن تكون معنا للخلاص والخروج من المأزق التاريخي الذي نواجهه، وتصبح تلك الأداة -بفعل مثقفي الحشاشة الدينية- ضدنا في مواجهة الخرافة التي ضمن عدائها للحداثة وتمثلاتها هي تعادي الفن والمرأة والحضارة بل والإنسانية كلها.

هل كما نجحت الرجعية الأصولية في اقتحام العلوم  الانسانية نجحت أيضا في اقتحام المجالات الإبداعية من قص وشعر ورواية؟

الرجعية تلتهم الواقع قطعة قطعة، وقد استطاعت التهام الجزء الأكبر منه، ومازالت تنشط في ذلك، وقد بلغت حد إعادة إنتاج نفسها من خلال منصات مرفوضة في الفكر الرجعي أصلًا مثل الفن، وقد تجد من الأعمال الفنية ما يدعم الخرافةو العربية القديمة بشكل مباشر وغير مباشر، ووصل الأمر للتغول على مجالات النقد والإب\داع الأدبي شعرًا ونثرًا، وحين تلقي نظر على قوائم الأكثر مبيعا تجد من أبرزها روايات بعضها كتبه متطرفون وأعضاء في أشكال تننظيمية كالإخوان، وقد تجد منقبات يكتبن روايات يظهرن فيها فتى الأحلام المنتظر سلفي يقوم الليل ويصل الرحم وملتح، إلى آخر الصفات التي تعرفها عن النموذج المطلوب المراد رجعيًا للإنساتن الذي يخاصم اللحظة ويعيش اغترابًا خاصًا كأنه قام للتو من رمال ماضي الصحراء العربية.

محمد داود: المثقف
في رايك لماذا سار بعض المثقفين اليساريين سندا ومعاونة للتيار الإسلامي؟
هذا مبحث كبير. هناك فيما يبدو أسس أو أرضية تجمع الفريقين. منذ بدأ الغزو العربي في حوالي 640 ميلادية بدأ تكوين المثل الأعلى وتشكيل جهاز الرؤية الحالي للحياة في مصر، كلنا ننشأ في تلك الأرضية المستلبة رجعيًا من قديم. وهنالك مشتركات تجمع بين الفكر الديني الرجعي والفكر اليساري (ذو التوجه الرجعي أيضًا). أولها الكراهية، كراهية المختلف رجعيًا والكراهية الطبقية يساريًا، هنالك في الرجعية ميل لصالح الفقراء حيث إنهم الأسهل في التجنيد للغزو الذي يقوم عليه الاقتصاد في التأسيس الرجعي، هذا مع تشكيل ذهنية تسول يقابلها فكرة الاستحقاق اليساري، كذلك كلا الفكرين له تركيبة دوجمائية مغلقة، تسعى لتحقيق الجنة على الأرض من خلال تطبيق نموذج ذهني مثالي انطلاقًا من تلك الدوجما، هذا تشابه بنيوي في التفكير، يسهل التلاقي، وإن اختلف الموضوع، هناك تصور خطي للتاريخ في اتجاه تحقيق الجنة الموعودة، إما بتطبيق ما يقال له شرع الله أو الحتمية التاريخية بانتصار البروليتاريا، والفريقان لديهما التوجه الأممي المعادي لفكرة الوطن أو الدولة الوطنية الحديثة، هذا يقال له في الرجعية الدينية بالتعبير الإخواني أستاذية العالم، كما يجمع الفكرين القابلية للتشكل التنظيمي في الواقع، ويجتمع الفريقان كذلك على الشمولية وعداء الفردية، وكراهية الغرب وتجربته الحداثية.اء، ويضم المجلس الوزير المختص بشؤون التخطيط، ورئيس غير تنفيذي لمجلس الإدارة، وممثلاً عن الوزارات المعنية بشؤون التخطيط والمالية والاستثمار، بالإضافة إلى 5 أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة في الاقتصاد والقانون وشؤون الاستثمار أو غيرها من المجالات ذات الصلة بأغراض الصندوق، ومدة العضوية 4 سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة.

شارك