تصاعد دامٍ في الفاشر.. المدنيون ضحايا القصف المتبادل بين الجيش والدعم السريع
الثلاثاء 15/أبريل/2025 - 03:45 م
طباعة

في حلقة جديدة من دوامة العنف المستمرة التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عام، شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيدًا خطيرًا راح ضحيته العشرات من المدنيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال.
فقد أعلن الجيش السوداني، الثلاثاء، أن 15 مدنيًا لقوا حتفهم، وأصيب ما لا يقل عن 20 آخرين، إثر هجمات نفذتها قوات الدعم السريع على أحياء سكنية باستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، وهو تطور خطير يُنذر بتدهور إضافي في الوضع الإنساني والأمني بالمنطقة.
بحسب بيان صادر عن القوات المسلحة السودانية، وقع القصف، الإثنين، في مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في وسط تبادل النيران، دون وجود ممرات آمنة أو حماية. وأوضح البيان أن غالبيّة الضحايا من النساء والأطفال، وهو ما يثير مخاوف حقيقية بشأن تدهور الوضع الإنساني وتزايد الانتهاكات ضد المدنيين.
وتأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه الفاشر توترات متصاعدة منذ أسابيع، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى توسيع رقعة سيطرتها في إقليم دارفور، بينما تحاول القوات الحكومية منع ذلك، في معركة باتت أكثر وحشية وتكلفة على السكان المحليين.
وفي إطار ردها على الهجمات، أعلنت القوات المسلحة السودانية أنها نفذت ضربات جوية دقيقة استهدفت مواقع وتجمعات لقوات الدعم السريع في شمال شرق الفاشر، ما أسفر، وفقًا لتقديرات الجيش، عن "تحييد أعداد كبيرة من العناصر المسلحة".
كما أفاد البيان العسكري أن قوة تابعة للجيش تصدّت لمحاولة تسلل لقوات الدعم السريع إلى حي خور سيال شرقي المدينة، وتمكنت من القضاء على المجموعة المتسللة بشكل كامل.
لم يتم التأكد من صحة هذه المعلومات من مصادر مستقلة حتى الآن، إلا أن السكان المحليين أكدوا أن المدينة شهدت اشتباكات عنيفة وصوت طائرات يحلق في السماء لساعات.
مدينة الفاشر تُعد واحدة من المدن الاستراتيجية في إقليم دارفور، وتاريخها مع النزاع طويل ومعقد. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في دارفور مطلع الألفية، ظلت الفاشر مركزًا عسكريًا رئيسيًا ومقصدًا للنازحين الذين فرّوا من المناطق الريفية المجاورة.
ومع تجدد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، عادت دارفور لتكون مسرحًا للمواجهات العنيفة، وسط تحذيرات من وقوع كارثة إنسانية.
ووفقًا لإحصاءات حديثة أصدرتها الأمم المتحدة، فقد تسبب النزاع في السودان منذ بدايته في نزوح أكثر من 12.5 مليون شخص داخل وخارج البلاد، وهي واحدة من أكبر أزمات النزوح التي يشهدها العالم حاليًا.
ويُقدّر أن نحو 4 ملايين شخص فرّوا إلى دول الجوار، مثل تشاد وجنوب السودان ومصر، بينما يعيش الملايين في أوضاع إنسانية قاسية داخل الأراضي السودانية، بدون خدمات أساسية أو حماية قانونية.
وتحذّر المنظمات الإغاثية من أن استمرار النزاع، خاصة في مناطق ذات كثافة سكانية مثل الفاشر، سيؤدي إلى كارثة إنسانية تفوق قدرة وكالات الإغاثة على التعامل معها، في ظل تراجع التمويل وتقييد الوصول إلى المناطق المتأثرة.
وسط هذا التصعيد، تتعالى الأصوات الدولية والمحلية للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة لإغاثة المدنيين.
وتدعو منظمات حقوق الإنسان كلا الطرفين إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، الذي يجرّم استهداف المدنيين والمناطق السكنية، ويُلزم الأطراف المتحاربة بتوفير الحماية للمدنيين وقت النزاع.
ورغم محاولات التوسط من قبل الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، إلا أن جهود الوساطة لم تُفضِ حتى الآن إلى أي اختراق يُذكر، وسط تمسك كل طرف بمواقفه ورفض تقديم تنازلات.
الوضع في الفاشر يعكس صورة أوسع للأزمة السودانية التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، مع انزلاق البلاد نحو هاوية صراع طويل الأمد، يُهدد وحدة السودان ويُهدد المنطقة برمتها بالمزيد من اللاجئين والانفلات الأمني.
وفي ظل غياب الإرادة السياسية الفاعلة من كلا الطرفين، يبدو أن المدنيين هم الضحية الأكبر لحرب لا أفق لها، حرب تزداد ضراوتها وتتوسع رقعتها، بينما العالم يراقب بصمتٍ مخيف.