تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت

الثلاثاء 10/يونيو/2014 - 11:27 م
طباعة حصل على جائزة أفضل حصل على جائزة أفضل كتاب في معرض الكتاب الدولي
 
الكتاب: تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت
المؤلف: الدكتور محمد يونس
دار النشر: مكتبة الدار العربية
سنة النشر:2013
لم تزل قضية تجديد الخطاب الديني عامةً ـ والإسلامي على وجه الخصوص ـ تمثل هاجسًا ممتدًا، وضرورةً لدى عديدٍ من المفكرين، بوازعٍ يرى في هذا الخطابِ أداةً قابلةً للتطور، بحيث تواكبُ مستجدات العصر واحتياجاته الفكرية، وبالتوازي مع الحركة الرأسية للزمن، في علاقةٍ جدلية منتجة، في ظل تنامي صراعات الوجود والحدود في العالم، والتي لا تنفصل في أغلب الأحوال عن هذه الرؤية.

إعادة الصياغة والأطروحات
في هذا السياق يدعو كتاب "تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت" للدكتور محمد يونس، إلى تغيير نوعي في بنية الخطاب الإسلامي وإعادة صياغة أطروحاته، وتجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حاملي هذا الخطاب ومنتجيه، حتى يلبي احتياجات الشعوب المسلمة في ظل الظروف المعيشة الراهنة، بحيث يواجه التحديات التي تواجهها في سياق حركة المجتمع الذاتية، التي تتفاعل مع ما يجري حولها في العالم وفق معطيات عصر الاتصال والثورة العلمية الرقمية.
ويقدم الكتاب رؤىً جديدةً لصياغة خطاب إسلامي يقدر تأثير معطيات العصر، وتطور العلاقات وأنماط التعاطي مع المعرفة وتطورها، من التلقي إلى التفاعل، ومن أحادية المنبر الى تعددية الشبكة، ومن المطلقات إلى رفاهية اختيار اليقين المعرفي، خطاب لا يقتصر على معيار الصح والخطأ، وإنما يضيف إليه معايير تتعلق بالأنسب وما ينفع الناس.
كما يضع الكتاب أُطرًا معرفية لصياغة خطاب، يلبي احتياجات شعوب عبرت عن رفضها الاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادي والجمود الفكري الذي فرض عليها لعقود طويلة.
ويطرح الكتاب آليات لتجديد الخطاب الإسلامي على اختلاف مستوياته وأشكاله، بدء من خطبة الجمعة، ومرورا بالأشكال الاتصالية المقروءة والمسموعة والمرئية، وانتهاء بالشكل الرقمي عبر شبكة المعلومات الدولية.
وتؤكد الدراسة حاجة الأمة الإسلامية اليوم إلى خطاب بنائي، وليس إنشائيا، يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سنن التغيير الحضاري، بحيث يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في حركة المجتمع، خطاب ينبع أولًا من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد.
يقع الكتاب في أربعة فصول، وجاء الفصل الأول تحت عنوان "الخطاب الإسلامي في التراث والعصر الحديث"، واستعرض فيه المؤلف مفاهيم الفكر الإسلام، والخطاب الإسلامي والتجديد واتجاهات التجديد في التراث الإسلامي.
ويعرض الفصل الثاني "معالم الخطاب الإسلامي الجديد" من خلال تحليل حالة الخطاب الإسلامي المعاصر وأنواعه، كما يقدم أطروحات جديدة تشكل معالم الخطاب الإسلامي المنشود، موضحاً خصائص هذا الخطاب وركائزه الأساسية.
ويخصص الفصل الثالث لتطوير وسائل الخطاب الإسلامي (من الخطبة إلى الـ "فايسبوك")، مبينًا سبيل تطوير الخطاب الإسلامي المباشر والسمات اللازمة لعملية التطوير، مع التركيز على تطوير خطبة الجمعة، وضبط دور الدعاة وحملة الخطاب الديني، كما يتناول سبل تطوير الخطاب الإسلامي عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، فضلًا عن تحليل خطاب المواقع الإسلامية العربية، داعيًا إلى بلورة خطاب جديد عبر الإنترنت.
أما الفصل الرابع، فيتناول "الخطاب الإسلامي وقضايا الواقع"، من خلال التطبيق على نماذج معاصرة متنوعة تشمل قضايا حقوق المرأة، والعلاقة بالآخر وحماية البيئة.

دور الأزهر والتأصيل للسلمية
ويدعو الكتاب إلى التأسيس لخطاب إسلامي يؤصل فكرة السلمية والإيمان بالتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف، ليس لأن هذا أمر طارئ أو جديد على الفكر الإسلامي، وإنما لأن حجم التشويه الذي كان ولا يزال يواجه الخطاب الإسلامي، يستدعي الإلحاح على فكرة السلمية ونبذ العنف التي نجح الإعلام الغربي ـ مدفوعاً من الدوائر الصهيونية ـ في ترسيخها لدى الرأي العام العالمي لتبرير الهيمنة والاحتلال والحروب ضد الشعوب الإسلامية تحت ستار مقاومة الإرهاب.
ويطالب بإنهاء حال الفوضى في الخطاب الإسلامي، الناجمة بالأساس عن كثرة المتحدثين باسم الإسلام وعدم أهلية غالبيتهم لهذه المهمة، مؤكداً أن إعادة الأمر إلى نصابه لن يتحقق دون معالجة الأسباب التي أوجدت هذه الحالة، وفي مقدمتها ما أصاب المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية من ضعف نتيجة إخضاعها للسلطة السياسة وسلبها أوقافها ومصادر تمويلها، مثلما حدث مع الأزهر الشريف منذ عهد محمد علي وحتى اليوم، فتراجع دوره وصوته وخطابه، الأمر الذي مهد الطريق لنشوء جماعات وحركات دينية غير مؤهلة من خارج المؤسسة الدينية الرسمية لتسد الفراغ.
 ويطالب د.محمد يونس برد الاعتبار للأزهر الشريف باعتباره منارة الفكر الإسلامي الوسطي، فهو المؤهل لقيادة خطاب إسلامي معتدل بحكم تاريخه وعلمائه ومناهجه، ولكن يحتاج إلى استقلالية في القرار والتمويل ومراجعة شاملة لأسلوب إدارته، وهو ما بدأه بالفعل شيخه الدكتور أحمد الطيب من خلال سلسلة من المبادرات، من بينها «وثيقة الأزهر» وتشكيل لجنة لتعديل قانون الأزهر ليكون شيخه بالانتخاب، فضلاً عن انفتاحه على القوى الاجتماعية والسياسية والمؤسسات والجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية. 
من هنا تأتي أهمية اعتبار الأزهر الشريف الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة.
 كما يدعو الكتاب إلى خطاب إسلامي جديد، يختلف تماماً عن دعوات تجديد الخطاب الديني التي ظهرت عقب أحداث الحادي من أيلول (سبتمبر) 2001، لأسباب عدة، منها: أولا أن الخطاب المنشود يقوم على إرهاصات لخطاب إسلامي نشأ من أفواه الجماهير المسلمة، متزامناً مع الربيع العربي وثورات 2011 وبإرادتها، وليس مفروضاً عليها أو مطلوباً منها كما حدث في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ففي الربيع العربي كانت الجماعات والتيارات والحركات الإسلامية في صدارة المشهد السياسي والمجتمعي والإعلامي، فجاء خطابها من قلب الحدث، ومتخففاً من الظروف السابقة التي فرضت عليها الحظر والتقييد والمطاردات الأمنية، إذ اتسع الميدان لكل الفصائل والتوجهات كما فتحت وسائل الإعلام أبوابها أمام الجميع.
 أما الدعوات السابقة لتطوير الخطاب الديني والتي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 فقد جاءت من الخارج، وتزامنت مع الهجوم على الخطاب الإسلامي عقب تلك الأحداث، فقد نشرت العديد من الصحف خطة وضعتها لجنة تشكّلت داخل وزارة الخارجية الأمريكية باسم "لجنة تطوير الخطاب الديني في الدول العربية والإسلامية"، انتهت إلى توصيات يتم تبليغها للدول الإسلامية.

آليات تجديد الخطاب الإسلامي
ويطرح كتاب "تجديد الخطابي الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت" رؤية نقدية للخطاب الإسلامي المعاصر، من خلال تحليل عدد من مقولات هذا الخطاب واستقراء القصور فيه ومدى نجاحه أو فشله في تحقيق أهدافه،  ويرصد حالتي الفوضى والخلل البنيوي اللتين اتسم بهما هذا الخطاب، والتشتت والتباين الواسع بين حاملي الخطاب الديني ومروجيه، وتجاهل كبير لمقام وظروف متلقيه، وتتجلي هذه الحالة ليس فقط علي المنابر التقليدية وإنما أيضا عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
ويطرح المؤلف رؤى جديدة لمعالم الخطاب الإسلامي المنشود، مطالبًا بأن يتم وضع آليات تجديد الخطاب الديني في موضعه الصحيح، ليكون ضمن عملية "تجديد الأمة" لا مجرد "تجديد الخطاب الديني" كما يُراد لنا ضمن الحملة الأمريكية الراهنة على الأمة.
ويرى المؤلف الدكتور محمد يونس أن الخطاب الإسلامي المنشود يحتاج إلى إعادة الاعتبار لقدرات الأمة وكفاءاتها عبر آلية جديدة للاجتهاد الجماعي، ورؤية مختلفة لتجديد الخطاب تتجه أكثر إلى الجانب البنائي وتبتعد عن الجانب الدفاعي، وتستوعب مقتضيات الزمان وخصوصيات المكان وتكون على وعي بذبذبات النسيج الشبكي للواقع الاجتماعي الراهن عبر مستوياته الوطنية والإقليمية والعالمية.
 وفي هذا السياق يقول "علينا أن نحدد أجندة تجديد خطابنا الديني، وكيفية هذا التجديد، حتى لا نقع في خطأ تنفيذ أجندات الآخرين، علينا أن نمتلك زمام المبادرة لا أن يأتي حديثنا في إطار رد الفعل لما يطلبه الآخرون، فنحن أدرى بمكة وشعابها وهذا لا ينتقص من دراية الآخرين بشعاب لندن وباريس وواشنطن، ولكن خرائطهم حتى وإن تمت بتقنية "جي بي اس" لن توصلنا إلى شعابنا". 
ويتضمن الكتاب أطروحات مفصلة لتجديد الخطاب الإسلامي، داعيا إلى ضرورة تتدارك النقص والاختلال الذي شهده الفكر والفقه الإسلامي خلال عهود التراجع الحضاري، والذي أسفر عن تضخم في مجال العبادات وفقر في المجال الدستوري والسياسي، نتج عنه خطاب جزئي ركز على الشكليات، وأغفل العديد من القضايا الجوهرية في حياة الناس بخاصة كرامة الإنسان وحقوقه وحريته، حتى أطلق عليه بعض ساخرا "فقه الحيض والنفاس."
وهنا يدعو الكتاب الى ضرورة الانطلاق في الجانب السياسي لهذا الخطاب من وثيقة الأزهر الشريف، ويطالب بأن يركز الخطاب المنشود على إعادة بناء المسلم المعاصر ليكون إنسان حضاري فاعل في مجتمعه ومنتج وليس عالة على الآخرين، يفهم حقيقة الإسلام ومهمته وهي عبادة الله وتعمير الأرض، ولكن هذه المهمة لا تتم بمجرد الكلام الإنشائي الجميل وإنما يجب أن تكون عملية مستمرة تعتمد على آلية واعية تستهدف نفسية المسلم المعاصر، من خلال عملية إعادة البناء النفسي للمسلم، هذا البناء يتطلب "إزالة الركام غير النافع لكي يقوم البناء الأحدث والأنفع مكانه، وهذه العملية يجب أن تتم كل يوم (يطلق عليها التخلية ثم التحلية) وذلك بالتوازي مع عمليات هدم وبناء دائمة تتم في خلايا الجسم لضمان بقائه وصحته ونموه وتطوره، حيث تموت خلايا ويحل محلها خلايا جديدة يوميا والنفس أولى بذلك من الجسم لأنها - فى حال صحتها - أكثر سعيًا نحو الإحلال والتجديد والارتقاء نحو وجه الله "
وهنا يجب أن يكون الخطاب الإسلامي واعيا بمعالم الخريطة النفسية والعقلية التي وصلت إليها قطاعات كبيرة من جماهير المسلمة اليوم، والتي وصفها بعض مفكري الأمة لأنها أصبحت "نفسية العبيد وعقلية القطيع."
ويؤكد الدكتور محمد يونس - عبر هذا لكتاب - أن عملية الهدم والبناء في المفاهيم لازمة لتوعية المسلم المعاصر بدوره في تحقيق نهضة أمتهم وتقدمها، من خلال شحن طاقات المسلم للبناء والإنتاج والتفاني والإخلاص في العمل والتنمية في مختلف الميادين. الى جانب ذلك فإن الخطاب الإسلامي يمكنه أن يحرك معاني المقاومة والممانعة ويؤسس لنفسية العزة وعقلية الاختيار الحر المسئول في مقابل نفسية العبيد وعقلية القطيع.

الخطاب الإسلامي وضعف المؤسسات الدينية
ويدعو الكتاب إلى ضرورة التأسيس لخطاب إسلامي يؤصل فكرة السلمية والإيمان بالتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف، ليس لأن هذا أمر طارئ أو جديد علي الفكر الإسلامي، وإنما لأن حجم التشويه الذي كان ولا يزال يواجه الخطاب الإسلامي يستدعي الإلحاح على فكرة السلمية ونبذ العنف التي نجح الإعلام الغربي ، مدفوعا من الدوائر الصهيونية، في ترسيخها لدى الرأي العام العالمين لتبرير الهيمنة والاحتلال والحروب ضد الشعوب الإسلامية تحت ستار مقاومة الإرهاب.
ويطالب بإنهاء حاله الفوضى في الخطاب الإسلامي الناجمة بالأساس عن كثرة المتحدثين باسم الإسلام وعدم اهلية غالبيتهم لهذه المهمة، مؤكدا أن إعادة الأمر الى نصابه لن يتحقق بدون معالجة الأسباب التي أوجدت هذه الحالة، وفي مقدمتها ما أصاب المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية من ضعف نتيجة إخضاعها للسلطة السياسة وسلبها أوقافها ومصادر تمويلها، مثلما حدث مع الأزهر الشريف منذ عهد محمد علي وحتى اليوم، فتراجع دوره وصوته وخطابه، ما مهد الطريق لنشأ جماعات وحركات دينية غير مؤهلة من خارج المؤسسة الدينية الرسمية لتسد الفراغ.
ويطالب بضرورة رد الاعتبار للأزهر الشريف باعتباره منارة الفكر الإسلامي الوسطي فهو المؤهل لقيادة خطاب إسلامي معتدل بحكم تاريخه وعلمائه ومناهجه، ولكن يحتاج الي استقلالية في القرار والتمويل ومراجعة شاملة لأسلوب إدارته وهو ما بدأه بالفعل شيخه الدكتور أحمد الطيب من خلال سلسلة من المبادرات، من بينها "وثيقة الأزهر"، وتشكيل لجنة لتعديل قانون الأزهر ليكون شيخه بالانتخاب، فضلا عن انفتاحه على القوى الاجتماعية والسياسية والمؤسسات والجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية.
من هنا تأتي أهمية "اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة على حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة.

شارك