خبير ألماني على موقع "قنطرة" تنظيم "الدولة الإسلامية"...تشويه لمفهوم "دولة الخلافة"؟

الأربعاء 09/يوليو/2014 - 11:06 ص
طباعة خبير ألماني على موقع
 
شتيفان بوخن
شتيفان بوخن
سنتعرض في هذا التقرير المنشور بالألمانية على موقع "قنطرة الألماني" وجهة نظر الخبير الألماني شتيفان بوخن: وجَدَت منطقة "الهلال الخصيب" نفسها نَهْبَاً لحرب طائفية بشعة. فداخل الدولتين اللتين ما زالتا تحملان اسم سوريا والعراق تعيش اليوم القوى الشيعية والسنية في حالة عداء مفتوح ومرير. إنها حرب تحركها ديناميكية لن تفلح لا تصريحات النوايا الحسنة للرئيس الأمريكي باراك أوباما ولا الزيارة الخاطفة لوزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لبغداد- في إيقافها، كما يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن في تحليله التالي لموقع قنطرة الألماني.
خبير ألماني على موقع
يبدو الأمر متيسرا على الفهم تقريبا؛ لقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2003 على العراق نظاما سلميا كلّفها أنّ 4500 جنديا لقوا حتفهم فيه منذ ذلك الحين، حتى انسحاب القوات الأمريكية سنة 2011.. والآن عاد النفط للتدفق من جديد من بلاد ما بين النهرين. وبالتالي فإنه سيصعب على المرء أن يقبل بأن يرى نتيجة ذلك العمل المضني تنهار مجددا بعد ثلاث سنوات فقط.
لا رغبة للرئيس أوباما في أن يظل يكنس ما تركته سياسةُ سابقِه في رئاسة البيت الأبيض من حطام وكسارات جارحة في العراق.
إن العراق يحتاج إلى حكومة "يكون فيها مكان لكل المجموعات والطوائف المكوّنة لشعبه" يصرح الرئيس أوباما الآن. وكان ذلك انتقادا موجها لسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي الذي توخى التحيز لتغليب مصالح الشيعة على حساب الطائفة السنية. ينبغي أن يحل الآن رئيس وزراء جديد يقود سياسة توازن طائفي يخدم مصلحة البلاد بكليتها. وبما أنه سيكون على العراق على أية أن يكوّن حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن هناك احتمالا بأن يعرف التغيير الحكومي مسلكا ديمقراطيا حقيقيا كاملا.
يبدو مطلب أوباما مقترحا معقولا ودبلوماسيا في الآن نفسه، إلا أنه يظل غير واقعي ومنافقاً أيضا.

في أحضان "جيش المهدي"

آية الله علي السيستاني
آية الله علي السيستاني
راحت الفصائل الشيعية التي ظلت تعيش حالة تناحر كامل في أوقات الأوضاع العادية تتقارب وتوحد صفوفها في العراق اليوم، وتنضوي كلها تحت جناح آية الله علي السيستاني، وترتمي في أحضان "جيش المهدي" تحت قيادة مقتدى الصدر. وخلف الصفوف الشيعية الموحدة يقف النظام الإيراني لآية الله خامنئي. وحين يُستبدَل المالكي في رئاسة الحكومة فسيكون ذلك إذن بخلف يواصل سياسته القائمة على التمييز الطائفي والالتزام بالتحيز الشيعي.
لقد تفكك الجيش العراقي الآن، والجنود والضباط السنيون التحقوا بمجموعات تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف المسمى داعش "الدولة الإسلامية في العراق والشام". وذلك ما حصل أيضا لميليشيات القبائل السنية التي تم تكوينها سابقا وتسليحها- مثلها مثل الجيش العراقي الرسمي- من طرف نظام الاحتلال الأمريكي؛ ليجعل منها حصنا ضد حركة "القاعدة في بلاد ما بين النهرين". إن هذا فقط هو ما يفسر الهجمة الكاسحة لداعش، التي سيكون من الأصح أن ننعتها بحركة رص صفوف عامة للقوى السنية.
من سيكون له أن يكوّن حكومة توازن وطني في مثل هذا الوضع؟ إن ما يثير القلق أكثر من انعدام الواقعية في دعوة أوباما هو طابعها المنافق، بل إنه يضيف علاوة على ذلك: "إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدخل عسكريا لصالح مجموعة أو طائفة بعينها".
لا يمكن إلا لرئيس أمريكي يعوِّل- فيما بينه وبين نفسه- على قصر ذاكرة الشعوب في المشرق، كما في المغرب أن ينطق بمثل هذه الجملة. أليس هذا الأمر بالذات هو ما ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تفعله خفية منذ السبعينيات، ثم علنا منذ سنة 1991! عمليات سرية لوكالة المخابرات سي آي أيه داخل المناطق الكردية، تكوين منطقة حظر طيران شمال خط العرض 36 بارتباط بعملية "عاصفة الصحراء"، المساعدة في تكوين إقليم كردستان المستقل بعد اجتياح سنة 2003: بتدرج ظلت الولايات المتحدة تعمل على دعم وتمتين دعائم انفصال منطقة بكاملها عن الكيان الإداري المؤلف للعراق.

توسع النفوذ الكردي

 توسع النفوذ الكردي
لقد أصبح "إقليم كردستان المستقل" اليوم عمليا دولة مستقلة غدت تتوسع أكثر فأكثر بفضل وضع الأزمة. وقد احتلت القوات الكردية "البشمركة" في الأثناء كلا من منطقة كركوك الغنية بالنفط وأجزاء من مقاطعة نينوي، التي تنتمي إليها الموصل إحدى كبرى المدن العراقية.
بالرغم من عدم واقعيته وطابع النفاق في خطاب أوباما، فإنه بوسعه بكل تأكيد أن يعوّل كليا على مساندة شفهية من رجل سياسة أوروبي، هو وزير الخارجية الألماني. "إن الأمر المهم اليوم هو تكوين حكومة في العراق تشارك فيها كل المناطق والطوائف الدينية"، كما صرح فرانك فالتر شتاينماير يوم الاثنين 23 يونيو 2014 في مجلس الوزراء الأوروبي ببروكسل.
تتحرك السياسة الخارجية اليوم مدفوعة بالمخاوف التي يثيرها خطر ظهور منطقة إرهاب جديدة في الشرق الأوسط تهدد أوروبا والولايات المتحدة. لكن أيعقل أن يثير هذا الشبح المخيف للتنظيم الإرهابي الجديد "داعش" هذا القدر الهائل من التشويش على الحس السياسي؟
يعمد تنظيم داعش حاليا في منطقة "الهلال الخصيب" إلى تهديد وقتل أناس ممن يعتبرهم معادين له: جنود نظاميون وموالون لحكومتي دمشق وبغداد، أقليات مثل اليزيديين والمسيحيين، وأجانب من أعوان المساعدة الإنسانية والصحفيين؛ إن هذا على قدر من الشناعة فعلا. لكنه أيضا ليس سوى الوجه الآخر للحرب الفظيعة التي يخوضها الرئيس السوري الأسد وكذلك المالكي الآن ضد السنة أيضا.

مراجعة مفهوم الخلافة

مراجعة مفهوم الخلافة
يمكن للغرب أن يقع في الخطأ الذي يتمثل في أن يرى نفسه، تحت طائلة الخوف من "دولة الإسلام في العراق والشام"، يهمل ويقلل من شأن كل ما عداها.. هناك تصحيح يمكن أن يبدأ بمراجعة نقدية لمفوهم "الخلافة" أولا. وإذا كانت هناك إهانة يمكن أن تطال التاريخ، فستكون داعش قد أنجزتها من خلال طموحها الداعي إلى بناء دولة "خلافة".
إن الإشارة التي جاءت في مجلة "دير شبيجل" إلى "خليفة بغداد السكير" في العصر الوسيط، الذي لا يمكنه أن يمثل قدوة ومثالا نموذجيا للمتعصبين السنيين، لهي إشارة صحيحة ومسلية في آن واحد، لكنها في الوقت نفسه تحيد بنا عن الحقيقة أيضا: لقد تقبلت الخلافة الإسلامية في العصر الوسيط إرث الحضارتين اليونانية والفارسية ونجحت في إدماجهما داخل الديانة الإسلامية الجديدة آنذاك. وأنجزت المرور بثقافة البداوة إلى ثقافة عربية حضرية، وكانت تلك واحدة من منجزات التحول العظمى في تاريخ الإنسانية.
استعمل الخلفاء آنذاك أعمدة إغريقية وفارسية أدمجوها في بنايات قصورهم وفي المدارس والمساجد. وما الذي تفعله داعش الآن؟ متعصبو "دولة الإسلام في العراق والشام" ينهبون المعالم الأثرية من نينوي ويبيعونها في السوق السوداء ليمولوا بها حربهم! وعندما تتحدث صحيفة تاجستسيتونج الألمانية عن "عبور إلى الخلافة" في أثناء حديثها عن حملة النهب التي تقوم بها داعش، فإنه لا يسعنا سوى أن نتمنى أنها تقول ذلك من باب الأسلوب الساخر لا غير.

نزوع إلى التهويل

نزوع إلى التهويل
السياسيون في ألمانيا، وهم أبعد ما يكونون عن حس السخرية، يأخذهم النزوع إلى التهويل. وما تنفك أجهزة الأمن السياسي تحذر في تقاريرها من أن ذوي القرابة الذهنية مع داعش في ألمانيا، وهم "السلفيون"، "يسعون إلى إلغاء النظام الأساسي القائم على الحرية والديمقراطية وتأسيس دولة دينية تقوم على الشريعة". فهل باستطاعة حفنة من 5000 ناشط، في ألمانيا، أو في بلاد "الهلال الخصيب"، أن تنجز هذا الأمر حقا؟ إن الادّعاء العبثي يلعب دورا على أية حال في تحديد نوعية التفكير والعمل لدى السياسيين أصحاب القرار لدينا.
هناك احتمال أن تتدخل قوات الولايات المتحدة من خلال ضربات جوية ضد داعش، خاصة إذا لم يكتب لمرتجاها الحالم المتعلق بـ"حكومة متعددة الانتماءات العقائدية" أن يتحقق. وعندها سيكون تعامل السُّنّة في الهلال الخصيب مع داعش شبيها بتعامل الباشتون الباكستانيين مع حركة طالبان. سيمنحون تعاطفهم مع المجموعة التي تقاتل بلا هوادة وبصفة مطلقة "لصالحهم" وتقدم ضحايا في ذلك.
يقف الشرق الأوسط حاليا أمام منعطف تاريخي. عندما يكون السنة والشيعة في كل من العراق وسوريا، وفيما وراءهما قد استنفدوا الطريق الحربية كليا وأنهكوا قواهم فيها، سيكون على الأطراف المتحاربة وكفلائهم في طهران والرياض أن يلتقوا على مائدة الحوار المباشر، وأن يقرروا إنْ كان ينبغي عليهم أن يعودوا إلى نظام الحدود القديم الذي حددته اتفاقيات نهاية الحرب العالمية الأولى، أو أن يتفقوا على تسطير حدود جديدة تتبع خطوط الفصل بين الطوائف ساعة توقف المعارك.
من يسعَ إلى اتخاذ موقف واقعي في هذا النزاع فسيكون عليه أن يمتنع عن اعتبار هذه الإمكانية من باب المحرَّمات التي لا يجوز التفكير فيها. ومن يظل لا يغيب عن ذهنه ذلك المثال النموذجي لحضارة أكثر تسامحا في عصور سابقة، فسيكون له سلوان في التفكير بأن النظام الجديد البشع قد لا يكون سوى مجرد فاصلة عابرة، لا غير.

شارك