أكراد الموصل بين خيارين لا ثالث لهما: الرحيل أو القتل

الأربعاء 23/يوليو/2014 - 11:19 ص
طباعة أكراد الموصل بين
 
بعد الخيارات الثلاثة التي وضعتها "داعش" أمام مسيحيي الموصل الإسلام أو الجزية أو الرحيل، جاء الدور على أكراد الموصل بخيارين لا ثالث لهما: إما الرحيل أو القتل، وكلا الخيارين أمر من الآخر.
فقد دعا تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الأكراد في المدينة إلى مغادرتها.
وقال سعيد مموزيني، مسئول إعلام الفرع الرابع عشر لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في محافظة نينوي، في حديث لـ««الشرق الأوسط»: "إن التنظيم هدد العوائل الكردية عن طريق رسائل مكتوبة أرسلت إلى هذه العوائل، وعن طريق مكبرات الصوت من الجوامع والكنائس التي أصبحت بعد خروج المسيحيين من المدينة مقرات عسكرية للتنظيم، تطالب الأسر الكردية في المدينة بمغادرتها في أسرع وقت أو مواجهة القتل".
وتابع مموزيني: إن "هناك نحو مليون ونصف المليون كردي في محافظة نينوي، يسكن من هذا العدد نحو 500 ألف شخص في مدينة الموصل، خاصة في الجانب الأيسر".

"داعش" يفرض الجزية على مسيحيي الموصل

داعش يفرض الجزية
بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل فرض على المسيحيين الذين ما يزالون في المدينة دفع الجزية، وهي ضريبة كانت تفرض على غير المسلمين اثناء عهد الفتوحات الإسلامية.
واستناداً الى عدد من الشهادات، جرى ذلك من خلال اتصالات هاتفية بالعائلات المسيحية في الموصل جرى ابلاغهم خلالها بأن عليهم دفع الجزية من اجل حمايتهم. وتراوح قيمة الضريبة الجديدة ما بين 250 دولاراً على كل شخص يعمل، و500 دولاراً على الأزواج. واستناداً الى الأب عيسى طاهر أسقف الكنيسة الكلدانية فإن المسيحيين في الموصل أمامهم ثلاثة خيارات: إما دفع الجزية أو الدخول في الإسلام أو الرحيل.
فرض الجزية على المسيحيين معناه التعامل معهم بوصفهم أهل ذمة أي مواطنين غير مسلمين في دولة إسلامية، وهم مدينون بدفع الجزية لقاء حمايتهم. ويطبق قانون الذمّي على غير المسلمين شرط أن يكونوا تابعين لديانة سماوية. غالباً ما يترافق هذا القانون مع تقييد لحرية المعتقد والتنازل عن بعض الحقوق مقابل حماية أمنهم وممتلكاتهم.
يبلغ عدد المسيحيين في الموصل نحو 500 ألف شخص من أصل مليوني نسمة. وكثير منهم فروا من المدينة خلال السنوات العشر الأخيرة، لا سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي جعلهم هدفاً للإسلاميين.
يشكل العرب السنة معظم سكان مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، كما ينتشر بها الأكراد الذين ينتمون للمذهب السني في الغالب ويتواجد جميعهم في الجانب الشرقي في المدينة أو ما يسمى بالساحل الأيسر، بالإضافة إلى تواجد ملحوظ للتركمان والعرب الشيعة في مدينة تلعفر شمال الموصل.

قصة سقوط الموصل في يد "داعش"

قصة سقوط الموصل في
نقل النواب والزعماء العراقيون خلافاتهم المتفجرة في المدن والمحافظات إلى البرلمان، ومثلما فشلوا في الاتفاق على التهدئة خارجه فشلوا في انتخاب رئيسه، بعد انسحاب الكتل السنية والكردية من جلسته الأولى. 
وفيما كان النواب الجدد يقسمون اليمين الدستورية ويتبادلون التهم بدعم «داعش» وتمكينها من احتلال نينوي، كان محافظ الموصل أثيل النجيفي يروي قصة سقوطها «منذ سنوات» بسبب فساد الضباط وتغاضي الحكومة والأمريكيين عن عمليات التهريب الكبرى التي كان ينفذها «داعش» وعن فرضه إتاوات على التجار والشركات. كما تحدث تاجر هارب عن عشر سنوات من وجود التنظيم كدولة داخل الدولة.
وقال النجيفي: إن رئيس الوزراء نوري المالكي رفض الاستماع الى معلومات قدمها إليه عن تورط ضباط كبار في الاستخبارات في تسهيل عمل «داعش» في الموصل، وتهريب النفط عبر منطقة «عين الجحش». وأضاف أن «ضباط الاستخبارات في الداخلية والفرقة الثانية كان اختصاصهم ابتزاز المقاولين والمتعهدين وأصحاب مواقف السيارات ومحطات الوقود». وتابع: «أرسلت المحافظة كتباً رسمية إلى قيادة العمليات وإلى وزارة الدفاع والقيادة العامة للقوات المسلحة وأشارت إلى وجود هذه التجاوزات وكانت مشكلتنا دائماً أن المواطنين يخشون التقدم للشهادة في أي تحقيق ولم يكن ذلك ضمن صلاحياتنا؛ لأن رئيس الوزراء يمنعنا من توقيف أي ضابط إلا بعد موافقته».
وقال مصدر في مكتب النجيفي: إن «ضباطاً في الاستخبارت كانوا يسهلون مرور شاحنات النفط المهرب من خارج حدود المحافظة، فضلا عن تأمين مكان لبيعه وتسهيل دخول تجار أو مافيات التهريب إلى مناطق إلى الأطراف، علماً أن أولئك التجار من قادة الصف الثاني في داعش. وهؤلاء كانوا يحصلون على معلومات عن توزيع القطعات الأمنية والعسكرية في عموم المحافظة إلى جانب عددهم وعدتهم مقابل عمولات كبيرة».
مثل هذه المعلومات ليست مفاجئة، فأهالي الموصل يتحدثون منذ سنوات عن دولة داخل الدولة أقامها «داعش»، بتسمياته المختلفة، سواء في ظل وجود الجيش الأمريكي، أو في ظل الحكومات المحلية، ومع وجود الجيش.
أكراد الموصل بين
وقال تاجر كبير من أهالي الموصل، رافضاً ذكر اسمه: إن «التنظيم كان يحصل أموالاً طائلة كضرائب شهرية ثابتة من كل التجار وأصحاب المصالح والمقاولين، إضافة إلى نسبة 20 % من أرباح أي مقاولة حكومية». وزاد: «حتى المقاولون الذين كانوا يعملون مع القوات الأمريكية كانوا يدفعون هذه الضريبة إلى عناصر التنظيم أو من يطلقون على أنفسهم الجباة، إذ كانوا يتجولون بشكل علني ويحصلون الأموال تحت أنظار الجيش الأمريكي سابقاً، وبرعاية الجيش العراقي حالياً».
وذكر النجيفي أن «الفساد جزء أساسي من حكاية سقوط الموصل، والمعلومات التي ذكرتها لا تشكل سوى جزء من منظومة كبيرة طالما حذرنا منها بطرق مختلفة ولم تكن الحكومة تستمع الينا، وكنت من أوائل الذين أشاروا إلى الشبكات الإرهابية السرية التي تخترق الجيش والشرطة».
من جهة أخرى فإن ماضي ما بات يدعى اليوم «الدولة الإسلامية» بعد إعلان زعيمه نفسه خليفة للمسلمين، لا يشير إلى إمكان استمرار فترة التهدئة بينه وبين الفصائل المسلحة السنية التي تسيطر على عدد من المدن منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، فأعمال الجباية لم تكن في السابق تقتصر على الموصل، بل إنه كان يجبي الضرائب في مدن الأنبار وصلاح الدين وديالي وكركوك، قبل أن تنقلب عليه عشائر تلك المناطق، وتشكل «الصحوات» ومعظمها من فصائل مسلحة سنية قاتلت القوات الأمريكية.
وذكر أحد المطلعين على واقع ما يجري في المدينة «أن الموصل كانت على الدوام تبيض ذهباً بالنسبة إلى داعش، فالضرائب التي كان يستوفيها كانت تجد طريقها إلى سوريا خصوصاً بعد سيطرته على بعض البلدات هناك».

"داعش" تفرض قوانينها المتشددة في الموصل

داعش تفرض قوانينها
في هذا السياق، قالت أم محمد (35 عاماً)، التي تعمل مدرسة في إحدى مدارس الموصل، في اتصال مع وكالة "فرانس برس": "نعيش في خوف مستمر من التعرّض لضغوط جديدة. نخاف أن نُحرم من العمل والمساهمة في بناء المجتمع".
وأضافت: "هؤلاء المسلحون سيعيدوننا وبلادنا مئات السنين إلى الوراء، وقوانينهم تتعارض مع قوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية".
وما أن أحكم المسلحون سيطرتهم على الموصل، حتى أصدروا بياناً عمّموه على سكانها، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، والذين فرّ مئات الآلاف منهم بسبب أعمال العنف، أطلقوا عليه اسم "وثيقة المدينة"، وأعلنوا فيه عن قوانين متشددة.
وتحرّم هذه الوثيقة، التي تتضمن 16 نقطة، "الاتجار والتعاطي بالخمور والمخدرات، والدخان، وسائر المحرمات"، وتمنع "المجالس والتجمعات، والرايات بشتى العناوين، وحمل السلاح" وتؤكد على ضرورة هدم "المراقد الشركية، والمزارات الوثنية".
وتفرض الوثيقة على النساء "الحشمة والسترة، والجلباب الفضفاض"، إلى جانب ملازمة المنزل "وترك الخروج منه، إلا عند الحاجة"، وتدعو في الوقت ذاته السكان إلى أن "ينعموا في حكم إسلامي"، في ظل "حقبة الدولة الإسلامية، وعهد الإمام أبي بكر القرشي"، زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية".
كما وزّع هؤلاء المسلحون وثيقة على المساجد، تفرض "عدم نشر وإذاعة أيّ بيان غير صادر عن دولة الإسلام في العراق والشام"، وكذلك عدم "رفع أيّ راية سوى راية دولة الإسلام، وبأيّ شكل من الأشكال"، معلنة عن مسجد يتمّ فيه قبول "توبة المرتدين".
وبحسب سكان في المدينة، فإن "داعش" عين مسئولاً لكل منطقة، يهتم أولاً مع مجموعة من مساعديه، بإجراء مسح لسكان منطقته.
وينتشر المسلحون في عموم مدينة الموصل، بعضهم يسيرون على أقدامهم، وآخرون يتنقلون بسيارات مدنية، أو عسكرية، استولوا عليها بعد انسحاب الجيش من المدينة، وباتت ترفع رايات سوداء، هي رايات "داعش".
ويرتدي بعض هؤلاء المسلحين ملابس مدنية، بينما يرتدي آخرون زياً عسكرياً، أو ملابس سوداء، ومنهم من يضعون أقنعة على وجوههم، ويحملون جميعهم أسلحة مختلفة، بينها بندقية الكلاشنكوف والمسدسات.
وعلى مدى الأيام الماضية، قام المسلحون برفع تماثيل من مناطق متفرقة، بينها تماثيل كانت موضوعة أمام كنيسة، وتمثال الشاعر والقارئ ملا عثمان الموصلي، في غرب المدينة، وتمثال الشاعر أبو تمام، وتمثال بائع شراب عرق السوس، وتمثال المرأة الموصلية، في وسطها.
أكراد الموصل بين
وذكر سكان في الموصل أن التماثيل رُفعت من مكانها، ونُقلت إلى مكان مجهول، ولم يُعرف مصيرها.
وقال أحد المسيحيين القلائل الذين بقوا في الموصل "رفعوا تمثال مريم العذراء الذي كان عند باب الكنيسة، وحطّموه، ورحلوا".
وعلى الرغم من عودة الدوائر الخدمية، مثل الماء، والكهرباء، والصحة، إلى العمل، بقيت المدينة تعاني من نقص كبير في الكهرباء، والوقود، حيث ينتظر المئات لساعات بسياراتهم أمام المحطات، بينما تواصل المدارس والجامعات إغلاق أبوابها، وتتجنّب القيام بأيّ نشاطات.

شارك