المَلِك والانتخابات
السبت 29/أغسطس/2015 - 09:56 م
طباعة
بدأ يتعود المغاربة على سماع خطاب حار يستلهم من سخونة فصل الصيف وتوهجه الوضوح والنور التام يوم 20 غشت من كل عام.
أذكر ما كتبت بعد خطاب ذكرى ثورة الملك الشعب سنة 2013، والذي انصب بالأساس على مشكلات التعليم، وتضمن إشارات عدم الرضا عن حكومة ما بعد الربيع المغربي. وتساءلتُ إثر ذلك: هل كان الخطاب يوحي ببداية التراجع عن مبادرات الإصلاح، والحنين إلى أجندات ما قبل حكومة الربيع؟ أم أنه مجرد استجابة عابرة لضغوط، وتمويه ذكي للمتربصين بالإصلاح؟
وكادت أن ترجح عندي تجاه الخطاب قراءة بداية التراجع لكن عدت لأقول: "آمل صادقا أن تكون قراءتي لخطاب 20 غشت 2013 خاطئة، ولا تمت للواقع بصلة، وأسأل الله ضارعا أن يكون الخطاب استجابة لضغوط في زمن الردة والانقلاب، وتمويها مهضوما عند قوى التحكم والفساد".
والحمد لله كثيرا إذ كان الخطاب تمويها مهضوما، وبدأت الخطابات تَتْرى لتؤكد الإصرار على مواصلة أجندة الإصلاح ومحاصرة الريع والفساد والتحكم.
ثم جاء خطاب 2014 للحديث عن الريع وتساءل عن توزيع الثروة، وتلاه خطاب 2015 الذي تضمن إشارة قوية بخصوص استعمال المال لاستمالة الناخبين.
ركز الخطاب الأخير على انتخابات المجالس الجماعية والجهوية وشبه نجاحها بنجاح ثورة الملك والشعب إذا اختيار المواطن أفضل المرشحين، وأعرض عن الكائنات الانتخابية التي تظهر زمن الانتخابات ثم تتوارى، وابتعد عن أباطرة الإغراء الذين يستميلون الناخب بدراهم معدودة ثم يكونوا بعد ذلك في الناس ومصالحهم من الزاهدين.
لم تكن الخطابات الملكية السابقة تحرص على إفهام المواطنين مهام مجالس الجماعات والجهات وأثرها المباشر على الحياة اليومية محليا، وشرح مهام البرلمان التي تُعنى بالقضايا التشريعية ومراقبة التدبير الحكومي مركزيا. إن في هذا المسعى دليل على الرغبة في رفع نسب المشاركة ودعوة إلى مواصلة الربيع المغربي الذي لا يجب أن يقف عند الانتخابات التشريعية بل الأجدر به أن يمتد إلى الانتخابات الجهوية والمحلية ليكتمل المشهد الديمقراطي ويتلاحم التدبير المركزي بالتدبير المحلي بوثيرة يطبعها التناغم والتكامل والفعالية.
نعم ! طالما أثَرْت معضلة ضعف المشاركة الانتخابية وانعكاساتها السلبية على الأحزاب الجادة وطنيا وعلى المغرب دوليا، من أجل ذلك وقف خطاب 20 غشت 2015 بدقة ووضوح غير مسبوقين على أسباب العزوف وصوب ضربات تأديبية حارقة إلى كافة المستشارين المتخلفين عن أداء مهامهم التمثيلية وأدوارهم الطلائعية الكفيلة بإنجاح التنمية المحلية.
إن هذا الخطاب ومختلف التدابير المواكبة الرامية لإنجاح انتخابات 2015 جعلت الكثير من الإدارات الترابية تحقق أعلى درجات الحياد(مثلا رفض بعض ملفات الترشيح في كل من القنيطرة وزايو...)، كما أن في توقيف وتنقيل بعض رجال السلطة والتحقيق مع بعضهم الآخر من شأنه أن يقلص حجم تدخل الإدارة، وأتنبأ بمزيد من التوقيفات والتحقيقات والتنقيلات طالما بقيت بؤر كثيرة على المستوى الوطني تعمل لإنجاح الحزب المعلوم.
وتندرج في ذات السياق دعاوى استقالة بعض الأمناء العامين إذا لم يظفروا بالمركز الأول في الانتخابات، فهم لا يرجون دعما ويستبقون الخسران من ناحية، ومن أخرى يستعدون للمحاسبة بخصوص ملفات الفساد والشطط ويأملون أن يكون الحساب يسيرا، ويستبقون مساءلة القواعد إذ لم يفضي تدبيرهم إلا إلى خدمة أجندة الحزب المعلوم.
هناك من يرى في الخطابات الملكية الثورية الأخيرة مجرد سياسة ضرورية تواكب التطورات الاجتماعية والسياسية لمغرب ما بعد 20 فبراير، بينما أرى فيها برنامجا طموحا وحشدا قويا للدفع بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة، قد أكون مغرقا في التفاؤل أو أكون تائها في حلم عميق، ولن أستعجل فالتاريخ كشاف. أما اليوم فأوصي بشيء واحد أرجو أن تأخذوه عني: كونوا في غاية الحذر ممن يريد أن يسرق من فؤادكم الأمل، لا تستسلموا لمن يصر على حرمانكم حتى من الحلم.