بين الادعاء بانتصار الشيعة والمسار الدموي للسنة.. خبراء أمريكيون يقيمون الحرب ضدّ تنظيم «داعش»

الأربعاء 02/سبتمبر/2015 - 09:22 م
طباعة بين الادعاء بانتصار
 
نشر معهد واشنطن لدراسات سياسيات الشرق الادني مؤخرا مجموعة من الآراء حول تقييم الحرب في العراق، ويلخص الباحثان مايكل نايتس وهارون زيلين  مضمون هذه الآراء التي يرى البعض فيها تحقق انتصار  ولو بطيء ضد داعش وخاصة الشيعة والاكراد بينما لا يرى السنة أي انتصار ضد هذا التنظيم. 

بطء تقدم

بطء تقدم
يري الباحث مايكل نايتس هو زميل في برنامج الزمالة  بمعهد "ليفر إنترناشيونال" في معهد واشنطن في الحديث عن العراق فقط، والذي من الواضح أنّه جبهة واحدة من الحرب الأوسع ضد تنظيم «داعش  في العراق والشام» ينبغي على أيّ تقييمٍ لمستوى التقدّم الحالي أن يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المشاركين المتباينين، قد تكون الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة غير صبورة لكنّها سترى في الدفاع عن سامراء وبغداد وكربلاء نجاحاً عظيماً، وستنظر بالفخر نفسه إلى تحرير ناحية جرف الصخر (التي تطلّ على طرق الحجّاج الشيعة) وتكريت ومناطق أخرى. كما سيبرز تفاؤل حول المعارك التي تتكشّف في الرمادي والحديثة، ومن وجهة نظر بغداد، يستعيد الجيش العراقي عافيته لكنّه لا يزال يعتمد إلى حدٍ كبير على السياسيين الشيعة المستقلّين الذين شكّلوا قوات عسكرية خاصة بهم، وبالتالي فإن بطء تقدّم الحكومة ليس بالضرورة واحداً من مخاوف بغداد الرئيسية بشأن الحرب، بل أن هذه المخاوف تتعلق بأي من المنافسين الشيعة غير الحكوميين يحظى بالتمكين بفعل الحرب، ومن المفيد أيضاً النظر إلى الأراضي التي تمّت استعادتها بعين شيعة العراق. فبالنسبة إلى شخصٍ غربي، لا تزال أراضٍ شاسعة من العراق بحاجة للتحرير، لكن بالنسبة إلى سياسي عراقي شيعي، تمّ بالفعل تحرير المناطق الشيعية كلّها تقريباً، بينما تُعدّ المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" والبعيدة عن بغداد أولويةً أدنى. وبالتالي، شهدت الحرب، من وجهة نظر شيعة العراق، تعبئةً شعبية ملهِمة وأمّنت عدم اجتياح معظم المناطق الشيعية، الأمر الذي يبدو أنّه يشكّل نجاحاً جديراً بالثناء، ويتشارك أكراد العراق في بعض أوجه التشابه مع وجهة نظر الحكومة الاتحادية التي يقودها الشيعة. فقد أظهر الدفاع عن أربيل أنّ الولايات المتحدة والغرب يهمّهما كثيراً بقاء "كردستان العراق" إقليماً [نابضاً بالأمن والاستقرار]، وبالتالي تمّ تقديم مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري الدولي للأكراد. إن ذلك وحده يجعل من المجهود الحربي الذي بُذل في العام الماضي نجاحاً دبلوماسياً من الدرجة الأولى. فقد استعاد الأكراد معظم المناطق التي تهمّهم ورسموا خطاً دفاعياً قوياً للغاية يضمّ معظم [محافظة] كركوك. ومن وجهة نظر الأكراد، تبقى المهمة غير منجزة، فـ تنظيم «داعش» هو ببساطة [على مسافة] قريبة إلى درجة لا تبعث على الارتياح. لذا، سيَعتبر الأكراد أنّ الحرب ضدّ «داعش» تسير على قدمٍ وساق، إلا أن الأمر سيغدو كارثياً إذا انكفأ الأكراد فجأةً وتركوا لـ تنظيم «داعش» السيطرة على مدينة الموصل التي تبعد نصف ساعة فقط عن عاصمتهم أربيل.
بين الادعاء بانتصار
وليس هناك شك في أنّ معظم العرب السنة في العراق قد يعتبرون أنّ الحرب ضدّ «داعش» تسير بشكل سيءٍ للغاية، ويخشى أولئك الذين يقيمون في مناطق أكثر أمناً كبغداد، من ردّ فعلٍ عنيف إذا بدأ تنظيم «داعش » باللجوء إلى مزيد من التفجيرات في المناطق الشيعية المجاورة لهم. أمّا الذين في المناطق المُحرّرة، فيواجهون تحدياً مهولاً يتمثّل بإعادة الإعمار وكثيرون منهم يُمنعون من العودة إلى مدنهم وقراهم، في حين يبقى القابعون في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» أو الذين ينتظرون العودة إليها من مخيمات المشرّدين داخلياً غير متيقّنين من أنّ أياً كان سيحرّر فعلاً المناطق السنية من أجلهم. وإذا اضطرّت «وحدات الحشد الشعبي» السنية إلى تحرير المناطق بنفسها بوصفها القوات القتالية الرائدة على هذه الجبهة، فإنّ مساراً دموياً ينتظر الكثير من أبناء المقاتلين، لذا فمنذ عام 2014 كانت الحرب كارثية على نطاق لم يسبق له مثيل بالنسبة إلى السنة، حتى بالمقارنةً بالكوارث التي مُني بها سنّة العراق في السنوات السابقة.
وربما لدى الأسرة الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، وجهة نظر مختلفة للغاية حول إذا ما كانت الحرب تسير على ما يرام في العراق. فقد أرادت القيادة الأمريكية أن تحدّ من تقدّم تنظيم «داعش » في العراق من دون أن تغدو مجدّداً طرفاً لا غنى عنه يوفّر القوات البرية، وقد نجحت في تحقيق هذا الهدف الضيق، الأمر الذي قد يرضي البيت الأبيض بعض الشيء، بل وإداراتٍ أخرى أيضاً. أمّا الإيرانيون، فقد اكتسبوا تأثيراً كبيراً بتكلفة زهيدة إلى حد ما، وذلك من خلال تفادي التذمّر واللجوء إلى سرعة التحرّك، وهو بالتحديد ما أمكن الولايات المتحدة القيام به ووجب عليها فعله. لكنّهم على الأرجح غير راضين بشكلٍ عام، فإيران مذعورة على نحو متزايد من عدم سير الحرب بسرعة كافية في العراق، وأنّ المشاركة الغربية تتصاعد ببطءٍ (شديد)، وأنّ تنظيم «داعش» قد ينتشر ويشكّل تهديداً مباشراً على الحدود الإيرانية وداخلها.
 
بين الادعاء بانتصار
وعلى الرغم من أنّه من الصعب الغوص في ذهن قيادة تنظيم «داعش »، أعتقد أنّ هؤلاء راضون للغاية بإنجازات العام الماضي في العراق على عددٍ من المستويات. أولاً، بدا مقاتلو التنظيم أقوياء وعدوانيين لفترة طويلة من ذلك العام، وإن صارعوا من أجل التقدم أبعد كثيراً خارج المناطق المأهولة بالسنة. كما أن وسائل الإعلام العالمية قد عززت المقاتلين خلال العام المنصرم، محوّلةً إياهم إلى رجال خارقين، وذلك استناداً إلى إنجازاتهم في العراق، الأمر الذي فتح أبواباً كثيرة للتوسّع في أماكن أخرى. فالعراق هو الدولة التي صنعوا فيها علامتهم التجارية خلال العام المنصرم، لكنّهم واجهوا هناك أيضاً عدداً من خيبات الأمل. فقد تبيّن على وجه الخصوص أنّ تشغيل صناعة نفطية والاحتفاظ بالأراضي والبُنى التحتية الضرورية لذلك، أمرٌ صعب للغاية. لكن عموماً، يمكن ربما تلخيص وجهة نظر «داعش» عن العام الماضي بالعبارة: "لا يمكنني أن أتذمر".

الرأي الآخر

الرأي الآخر
بينما الباحث هارون زيلين  هو باحث في معهد واشنطن، حيث يتركز بحثه على كيفية تكيف الجماعات الجهادية مع البيئة السياسية الجديدة في عصر الانتفاضات العربية وعلى السياسة السلفية في البلدان التي تنتقل إلى الديمقراطية.
حيث يري انه بعد عام على بدء الحملة العسكرية في العراق، برزت نتائج مختلطة. فبالنسبة إلى تنظيم «داعش »، تُعدّ عبارة "باقية وتتوسّع"/"باقية وتتمدد" واحداً من شعاراتها. وعلى الرغم من احتلال «داعش» لبعض المناطق مثل الفلوجة والرمادي، إلّا أنّ أراضيه شهدت تقلّصاً كبيراً في العراق، وخاصة في صلاح الدين وديالى وأجزاء من محافظات الأنبار. وفي المقابل، رسّخ تنظيم «داعش » حكومته في محافظاته الغربية - في "ولاية نينوى" و"ولاية دجلة" و"ولاية الجزيرة" على وجه الخصوص - ووحّدها وطوّرها. وفيما يتعدّى عدالته القائمة على "الحسبة"، شارك «داعش» في تنظيف الطرق وإعادة طلائها، وفي العمل في مصنع إنتاج الملح، وإجراء مسحٍ للأرض لإنشاء أرصفة وممرّات جديدة، وإصلاح خطوط الصرف الصحي، وتشغيل المستشفيات ومختلف الأسواق في مدنٍ وقرى عديدة، فضلاً عن إدارة مزارع الدواجن ومتاجر الخياطة، بالإضافة إلى تقديم أموال "الزكاة"، وتوزيع المواد الغذائية على الأشخاص المستحقّين، وإعادة صفّ الطرق والأرصفة، وتزيين الشوارع، وتشغيل وكالات بيع السيارات، وبناء قاعة للألعاب الرياضية، واستئناف العمل في محطةٍ لتصفية المياه، وتسوية المنازعات والتوفيق بين خلافات العشائر، وبدء الدورة الثانية من الامتحانات في المدارس. وبالطبع، هذه مجرد عينة لأسبوع واحد، ممّا يدلّ على الطبيعة التي لا تنفكّ تتطوّر وتميّز إدارة تنظيم «داعش » للأراضي التي يسيطر عليها - ويتخطّى ذلك عمليات الإعدام التي ينسبها معظم الناس إلى «داعش» فقط. بيد، لا تزال بعض المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تعاني من كارثةً إنسانية كبرى كما لا تزال حكومة تنظيم «داعش» وضوابطه غير مثيرة للإعجاب إلى  درجة كبيرة. جلّ ما في الأمر أنّها - مقارنةً بالحكومة الجهادية السابقة - أكثرُ الحكومات التي رأيناها تقدّماً، فضلاً عن حقيقة أنّ التوقعات متدنية للغاية وأنّ «داعش» يحاول بالفعل تحقيق بعض الإنجازات على بعض المستويات. وقد يكون ذلك سبباً لتمتّعه بفائدة الشك من قبل البعض. لذلك، فعلى الأقل في الأراضي التي لا يزال تنظيم «داعش » يسيطر عليها وله قبضة أكثر إحكاماً عليها في الوقت الحالي، ينبغي اعتبار الحملة العسكرية فاشلةً.

شارك