هل تدرج بريطانيا الإخوان المسلمين "تنظيمًا إرهابيًا"؟
الخميس 05/نوفمبر/2015 - 05:19 م
طباعة

لا شك أن الضغوط والتحركات الأخيرة للدبلوماسية المصرية، أسفرت عن فتح ملف الإخوان في بريطانيا بعد إغلاقه لفترة ليست بالقليلة، حيث أكد المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "أدوين سموأل" أن نتائج التقرير المتعلق بحظر وتقييد نشاط جماعات إسلامية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، ستكون في غضون الشهرين القادمين قائلاً: "هذه المراجعة مازالت مستمرة ولم تنتهِ بعد".
وأضاف المتحدث في تصريحات له 13 أكتوبر 2015، في غضون الإعداد لزيارة السيسي العاصمة البريطانية، أن المراجعة تتركز حول الموقف من جماعة الإخوان المسلمين في نطاق الأمن الوطني القومي البريطاني، وتأثير أعمالها وأنشطتها داخل بريطانيا، مؤكدًا أن مرئيات التقرير لن تنظر في أنشطتها خارج بريطانيا، مشيرا إلى أن "الهدف الأول من التقرير لتحديد ما إن كانت أنشطة الإخوان المسلمين مهددة للأمن القومي أم لا"؟
وأكد الدبلوماسي البريطاني ارتباط جماعة الإخوان المسلمين بأعمال تمس الأمن القومي، موضحًا خلال حديثه ارتباط جماعة الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة ببعض الأنشطة التي على حد وصفه: “تبدو لنا ضد السياسة البريطانية وضد الأمن القومي البريطاني، لذلك يجب إعادة النظر بشأنها”.

رئيس الوزراء ديفيد كاميرون
وتأكيدًا على هذا، نشرت صحيفة التايمز البريطانية اليوم الخميس 5 نوفمبر 2015، مقالا لفرانسيس إليوت المحررة السياسية بعنوان "الإخوان المسلمون يواجهون قيودا جديدة لتهدئة السعودية". وتقول الصحيفة إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سيعلن قيودًا جديدة على الإخوان المسلمين في خلال أسابيع في مساع لتهدئة السعودية ومصر.
وكان كاميرون قد طلب منذ عامين إجراء مراجعة مستقلة للإخوان المسلمين وسط ضغوط من الحلفاء في الشرق الأوسط لشن حملة على أنشطتها في بريطانيا، وتقول الصحيفة إن السعودية تشكو أن لندن هي القاعدة الرئيسية للإخوان المسلمين التي حظرتها وتتهمها بأنها على صلة بالمتطرفين.
وبعد عدة إجراءات تقول الحكومة البريطانية إن المراجعة التي تجريها لأنشطة الجماعة سيتم الانتهاء منها خلال أسابيع مع إجراءات لتشديد الإشراف على أنشطتها في بريطانيا.
وتقول الصحيفة إن مؤيدي الإخوان المسلمين لوحوا بأن تشديد الحكومة البريطانية القيود على أنشطتها قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
وتضيف الصحيفة أن من المرجح أن يطلع كاميرون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يزور لندن حاليًا، على الإجراءات الجديدة.
وقد بدأ الجدال حول الاخوان المسلمين في بريطانيا منذ مطلع عام 2014 بعدما اعلن القضاء المصري ان جماعة الاخوان جماعة ارهابية، وقد رفضت الداخلية البريطانية الاعتراف بهذا الحكم وبالقرار الصادر عن الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة وتنظيماً إرهابياً، بينما في أبريل من نفس العام 2014، تراجعت الحكومة البريطانية واتخذت خطوة للتضييق على جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، إذ أمر رئيس الحكومة ديفيد كاميرون الخارجية البريطانية الأسبوع الاول من ابريل 2014، بالبدء في تحقيقٍ فوري وإجراء مراجعة حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وتكليف السفير البريطاني في السعودية جون جنكنز بإعداد التقرير، إضافة إلى رئيس الاستخبارات الخارجية جون سويرز (السفير السابق في القاهرة)، والتصريح بأن الهدف من التحقيق هو إجراء مراجعة للأفكار والقيم التي تقوم عليها الجماعة ودرس توجهاتها وأنشطتها والتأكد - كما ذكر كاميرون للصحافيين حينها- من صلاتها ومعتقداتها في ما يتعلق بالتطرف والتطرف العنيف، وعلاقتها بالجماعات الأخرى في بريطانيا.
هذه التصريحات من كاميرون تجاه هذه القضية بغض النظر عن التفاصيل والأسباب الداعية إلى فتح ذلك التحقيق، إما بسبب ضغوط من حلفائها أو نتيجة مبررات واقعية ملموسة هي غير مستغربة، فهذه القضية تأتي أيضاً في سياق الجدل في بريطانيا منذ أعوامٍ عدة، حول استراتيجية مكافحة التطرف المعروفة باسم «وقاية» المثيرة للجدل التي تبنتها الحكومة البريطانية منذ عام 2007، وقد ذكر كاميرون في مؤتمر حول الأمن بمدينة ميونيخ في فبراير 2011 «أن من يعتبرون المتطرفين غير العنيفين يسهمون في إبعاد الشباب الأكثر تأثراً عن العنف، أنه مجرد كلام غير صحيح» واعتبر أن الأشخاص المدانين بارتكاب أعمال إرهابية تشير الأدلة إلى أن عدداً كبيراً منهم تأثر بدايةً بالأفكار المتطرفة غير العنيفة، ومن ثم حمَلوها إلى مستوى ثانٍ من خلال تبنٍ للعنف، ومن السابق لأوانه في الوقت الراهن الحكم أو حتى مجرد التوقع أو التكهن عما تسفر عنه هذه التحقيقات ومدى تأثيرها في أعضاء جماعة الإخوان المقيمين في بريطانيا، فالعلاقة التي بين «الإخوان» والغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً ليست عادية أو حديثة العهد، وإنما هي علاقة نفعية بين كلا الطرفين وقديمة ومتجذرة تعود إلى عقود من الزمن، حينما قدمت مجموعات صغيرة من أعضاء جماعة «الإخوان» في نهاية الخمسينات إلى بلاد الغرب بدوافع مختلفة، إما بدافع اللجوء السياسي والهرب من الملاحقات الأمنية، وإما البحث عن الرزق والعمل، وإما الدراسة في الجامعات الأوروبية، وكان من أبرزهم سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، ورجل الأعمال الشهير يوسف ندا وغيرهم، وقد بدأت حركة الجماعة هناك، وهي محملة بكل الخصائص التي كانت عليها في المشرق الإسلامي مسقط رأسها.

ونشأت وهي تحمل المكونات الفكرية والدعوية والحركية والسياسية والتنظيمية ذاتها. وبعد مضي أعوام واستقرار العديد من أعضائها بدأت «الجماعة» في التفكير والسعي وفي شكل جاد بالانخراط بمرحلة الحضور والتفاعل والعمل والتأثير في المجتمعات الأوروبية، فكانت الرابطة الإسلامية التي أسسها الدكتور كمال الهلباوي المتحدث الرسمي السابق باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب (المنشق عن جماعة الإخوان) عام 1997 أول مؤسسة أو واجهة علنية يتم من خلالها العمل في شكل واضح، حول ظروف وتجربة «الإخوان» في بريطانيا من وجهة نظر غربية وأكاديمية نجد أن الباحث بجامعة هارفارد والمتخصص في حركات الإسلام السياسي لورينزو فيدينو (صاحب كتاب «الإخوان المسلمون الجدد في الغرب» الصادر عام 2011 أحد أهم الدراسات المعاصرة التي تناولت جماعة الإخوان المسلمين في الغرب حتى وقتنا المعاصر، واستغرق تأليفه أعواماً عدة ونشرته جامعة كولومبيا وتُرجم أخيراً) يلخص رؤيته تجاه ذلك بقوله: «إن الخصوصية الجغرافية للإخوان المسلمين في بلاد الغرب كانت تتطلب منهم طرح خطاب مختلف أو خطاب مزدوج، فهم يطرحون أنفسهم كحركة معتدلة تشدد في أهدافها على الاندماج والوحدة والتسامح الديني وجميع العبارات الطنانة التي يفضِّل سماعها صناع القرار السياسي، لكن إذا نظرت إلى أدبياتهم وكتبهم التي يبيعونها في مكتباتهم فإنك تجد الاختلاف والتباين»، ويؤكد فيدينو أن لهم نفوذاً كبيراً جداً في الغرب لا يتناسب مع عددهم، فهم يملكون قدرة تنظيمية جيدة ويتحصلون على الكثير من الأموال من العديد من المانحين، وهم ناجحون في السيطرة على التنظيمات الإسلامية، ولديهم فرص كثيرة في الوصول إلى الحكومات والظهور في وسائل الإعلام، على رغم أن معظم المسلمين في أوروبا لا يشاركونهم الأفكار والتوجهات نفسها، إلا أنهم نجحوا إلى وقت طويل في تمثيلهم أمام الحكومات ووسائل الإعلام، وإذا كانت النخب السياسية الأوروبية في منظوره ساذجة في السابق بقبولها للإخوان ممثلاً للمجتمعات المسلمة في شكل غير نقدي، فهي في الأعوام الأخيرة أصبحت أقل سذاجة وبدأت تدرك أنهم ليسوا وحدهم الممثلين عن المسلمين وأن المجتمعات المسلمة متنوعة ومختلفة، وأن الصوت الأعلى ليس بالضرورة هو الأكثر تمثيلاً، ويضرب على ذلك مثلاً بأن المجلس الإسلامي في بريطانيا (تعتبر الرابطة الإسلامية أحد أهم مؤسسيه) ظل إلى وقت طويل الشريك الحصري شبه الرسمي للحكومة البريطانية وقيادة هذا المجلس يسيطر عليها الإخوان المسلمين، ولكن الحكومة أجرت تغييراً في سياستها عام 2006 بعد اكتشافها أن فئات كبيرة من السكان المسلمين لا ينتمون إلى المجلس الإسلامي..

«وقد سلطت بعض وسائل الإعلام البريطانية في الفترة الماضية الضوء حول الدور الذي باتت تلعبه في هذه المرحلة مؤسسة قرطبة لحوار الحضارات ورئيسها أنس التكريتي ابن المراقب العام للإخوان المسلمين بالعراق، فالخارجية البريطانية في موقعها الرسمي أشارت إليه بأنه أحد البارزين على تشجيع المسلمين في بريطانيا على الانخراط في العمل السياسي، بينما اتهمت «صنداي تليغراف» في تحقيق لها أنها ذات صلة بمنظمات متطرفة عدة، وأنها المتحدث باسم «الإخوان المسلمين»، في المقابل فإن أمثال روبرت لامبرت صاحب كتاب «مكافحة تنظيم القاعدة في لندن: شراكة بين الشرطة والمسلمين»، وأحد المعارضين للاستراتيجية الحكومية للتطرف والمفتش السابق بشرطة لندن بشؤون الإرهاب يرى أن الإسلام السياسي في بريطانيا لا صلة له بالعنف وأنها تقوم بدور إيجابي نحو الاعتدال، وفي كل الأحوال فإن للقرار مدلولات عدة، وكل الأطراف تدرك أن هذه القضية في حال المسار القضائي، سواءً بالإدانة أو التبرئة فإنها قد تستغرق وقتا، ومن الصعب في الوقت الراهن تخيُّل ما تسفر عنه المرحلة المقبلة من نتائج وتطورات، إلا ان زيارة السيسي حاليًا للعاصمة البريطانية لندن ربما تعجل باتخاذ قرار يخص جماعة الإخوان لتحديد ما إن كانت أنشطتهم مهددة للأمن القومي البريطاني أم لا، ومن ثم وضعهم من قائمة التنظيمات الإرهابية.