صيحات التجديد الديني ( 30 )
الخميس 19/نوفمبر/2015 - 07:22 م
طباعة
عندما أغمض الشيخ محمد عبده راحلاً قال
ولست أبالى أن يقال محمد أبلًّ
أم اكتظت عليه المآتم
ولكنه دين أردت صلاحه
أحاذر أن تقضى عليه العمائم
ولم يكن يتصور أن الهجوم على أفكاره ومحاولة استئصال أفكار التحرر والعقل والعلم سوف يأتى على يد أخلص تلاميذه الشيخ رشيد رضا ، لكن التاريخ سار عكس ما تصور الإمام وأتت الضربة لتعاليمه من حيث لم يحتسب ، من رشيد رضا . فمن هو ؟ ولد رشيد رضا فى قرية القلمون قرب طرابلس الشام لعائلة من الإشراف بما أكسبه احترام العامة وكتم ضمن "مشايخ" العائلة وتتلمذ فى المدرسة الوطنية الإسلامية وتلقى بعضاً من العلوم الشرعية . ثم درس العلوم الشرعية فى عديد من مدارس طرابلس [رشيد رضا – المنار والأزهر – 1353هـ - صـ133وما بعدها] . وقد تأثر فى شبابه بكتابات أبى حامد الغزالى وخاصة كتابه "إحياء علوم الدين" مما دفعه للتصوف مناديًا بضرورة إصلاح الطرق الصوفية ومراجعة أفكارها وممارساتها ، وبعدها تحول ليصبح حنبليًا متمسكًا بالنص . ثم عاش فى غابة فكر ابن تيمية المتشددة واشتهر عنه التصلب فى الرأى والتعامل مع خصومه بوحشية ، وظل فخورًا بأحادية تفكيره الثقافى العربى والاسلامى وعدم تأثره بالفكر الغربى أو حتى التسامح معه" .
[Kerr . Islamic reform .p.154]
وبعدها انفتح رضا عن كتابات الافغانى ومحمد عبده فى "العورة الوثقى" فوقع فى شباك التأثير السحرى لها ، الى درجة أنه كان ينسخها بخط يده ليوزعها على أصدقائه وتلاميذه . وعندما يمتزج فكره السلفى الحنبلى وتعاليم ابن تيمية بالنقشبندية بتطور فكره بدعوة للإصلاح الدينى الذى لا يهدف لحسن فهم الدين وعبادة الله وإنما لتحقيق "السيادة الإسلامية فى الأرض" [رشيد رضا – تاريخ الأستاذ الإمام – جزء أول – صـ84] ثم أتى إلى مصر ليتتلمذ على يدى محمد عبده . والمثير للدهشة أنه حضر الى مصر متسللاً صحبة صديقه فرح أنطون أحد أستاذه التفكير العلمى والعقلى والليبرالى . وأخيرًا التقى رضا بمحمد عبده عام 1898 . وقد ساعده محمد عبده كثيراً فى تمويل جريدة المنار عبر العديد من معارفه بل هو الذى اختار لرضا اسم "المنار" . لكن شخصية رضا العنيدة العنيفة فزعت من تصور البعض أنه مجرد تلميذ لمحمد عبده وأن "المنار" تردد وفقط أفكار محمد عبده فكتب فى مجلة المنار وخلال حياة الإمام عبده مؤكداً "أن كل ما ينشر فى المنار غير معزو إلى أحد فهو لصاحب المنار فكراً وعبارة" [المنار – 30 يناير 1903- تحت عنوان إزالة وهم] والحقيقة أن المنار قد بدأت عند صدورها فى حياة محمد عبده منبرًا للفكر التجديدى ، وخاضت معارك الصراع الثقافى والفكرى على هذا الأساس . وقد حدد رضا أن هدف المنار "هو بيان اتفاق الإسلام مع العلم والعقل وموافقته لمصالح البشر فى كل قطر وكل عصر وإبطال ما يرد من الشبهات عليه وتفنيد ما يعزى من الخرافات إليه" [المنار – مقدمة المجلد الأول – صـ2 – رمضان 1327هـ] ودعا إلى تطوير أساليب ووسائل التعليم ومناهجه ، والترغيب فى تحصيل العلوم والفنون ، ومجاراة الأمم المتمدنة فى الأعمال النافعة" [المنار – شوال 1315هـ] لكن رضا ما لبث بعد وفاة أستاذه فى 1905 أن أكد "على أولوية الدين فى تطوير واقع المسلمين ونقلهم من التخلف الى التقدم ، فالرجوع إلى القرآن هو الحل لكل المشاكل" وكان ذلك فى عدد مارس 1906 أى بعد وفاة محمد عبده بقليل .
ونمضى قدماً مع رشيد رضا .