اضطراب العلاقات المغربية التونسية !
الإثنين 28/مارس/2016 - 10:48 م
طباعة
اتسمت العلاقات المغربية التونسية، منذ نظام بنعلي الهارب إلى فترة حكم منصف المرزوقي الثائر، بالمتانة والتعاون والتفاهم حتى في أحرج الملفات التي تعني المغرب: ملف الصحراء. غير أنه في الأشهر الأخيرة، بدأت تتعالى أصوات منذرة بدخول العلاقة بين البلدين مرحلة فتور دبلوماسي. فهل تصح هذه النبوءات المتشائمة؟ وما حقيقة تأجيل زيارة رئيس الحكومة التونسية إلى المغرب؟ وهل فعلا بدأت االعلاقات التونسية المغربية تشهد تحولات، أم ثمة أطراف تسعى إلى تعكير صفو العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟
توقعت بعض الصحف (جون أفريك) عدم إتمام زيارة رئيس الحكومة التونسية لحبيب الصيد إلى المغرب في فبراير المنصرم بسبب المشكلات الصحية التي ألمت برئيس الحكومة وألزمته المستشفى العسكري مطلع شهر فبراير 2016، والتي أربكت مسلسل مواعيده الوطنية والدولية.
لكن ذات الجريدة عادت إلى تفسير تأجيل الزيارة بقضية الصحراء؛ أي تأجيل رئيس الحكومة التونسية للزيارة بعد علمه بأن ملك المغرب يعد له استقبالا في مدينة العيون المتنازع عنها. ثم أثارت ما سمته انزعاج الملك محمد السادس من لقاء جمع لجنة برلمانية تونسية بجمعية تساند البوليساريو. كلها معطيات متناقضة تجعل المتابع يصرخ بوجه وسائل الإعلام: قولوا لنا أين المشكلة، هل في مرض الصيد أو تحفظه أو في انزعاج الملك؟ رجحوا أحد الأسباب !
وعليه فإن هذه التطورات لا يمكن فصلها عما عاشته تونس منذ فترة الردة على حكومة منصف المرزوقي ومحاولات إقصاء حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي من قبل حكومة قائد السبسي والحراك ثم الإنفلات الذي عرفته مدن القصرين وبنقردان وذهيبة، والتي لا تعدو أن تكون محاولات أطراف دولية ووطنية لثني تونس عن مواصلة انتقالها الديمقراطي.
أما عن علاقات تونس بالمغرب، فكانت جد إيجابية على كافة المستويات منذ تولى الرئاسة المناضل منصف المرزوقي، وإن تواصلها على ذلك النحو لَعامل معزز للانتقال الديمقراطي في تونس، لذلك لا يمثل لي هذا الارتباك سوى استغلال للوعكة الصحية التي ألمت برئيس الحكومة التونسي من قبل أعداء الانتقال في الداخل التونسي وخارجه، فابتكروا خرجات إعلامية لغرض تعكير صفو العلاقات بين البلدين.
ويمكن أن تكون رحلة وزير الخارجية التونسي إلى المغرب ولقائه برئيس الحكومة المغربي أواخر فبراير الماضي، زيارة لزرع الاطمئنان، ولا شك في أن من بين أكبر أهدافها تجاوز كل ما يمكن أن يثيره الإعلام من حزازات أو مغالطات أو سوء تفاهم بين الطرفين.
لكن كل ذلك لا ينفي دخول ملف الصحراء المغربية على الخط، باعتباره أقوى سلاح يمكن توظيفه من قبل المتضرر من متانة العلاقات التونسية المغربية، فمن المستبعد ألا يتدخل أعداء تونس والمغرب من هذا المنفذ.
لكن في نفس الآن، فإن درجة التوتر الذي وصلته تونس في الأشهر الأخيرة، الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي والعمليات الارهابية، ستدفع بحكام تونس إلى التريث قبل خطو أي خطوة. ثم إن الرئيس التونسي الجديد قد يكون عائقا لكونه أبان عن سلوكات إقصائية في تشكيل الحكومة الأولى، وقد أشرت إلى ذلك عرضا أعلاه، وذلك سلوك سياسي يتعارض استراتيجيا بالمسار الذي اختاره المغرب بخصوص الحركة الإسلامية وإدماجها في الحياة السياسية، لكن يبقى هذا العامل ضعيف التأثير بعد التعديل الحكومي الذي أجري مطلع العام 2016 والذي أدمج حركة النهضة في الحكومة الثانية.
لكن الذي لا يقبل الشك هو وجود أطراف دولية تضغط بقوة على القايد السبسي ورئيس حكومته لفرملة الانتقال الديمقراطي في البلاد وعرقلة كل مسعى يمكن أن يعززه؛ وقدوم التونسيين إلى المغرب يوحي بالرغبة في الانتقال، خاصة حين يؤكد المغرب، قبل أسابيع من الزيارة، قدرته على احتضان الليبيين وقيادتهم إلى حل سياسي.