المغرب وأمريكا.. تعثر أم توتر؟
الخميس 26/مايو/2016 - 08:41 م
طباعة
منذ حلول ربيع 2011، غمرت العالم أحداث مدهشة؛ الاتفاق النووي الامريكي الايراني؛ عودة التوتر الأمريكي الروسي، التقارب الأمريكي الكوبي، واليوم فتور العلاقات المغربية الأمريكية بعد حوارات استراتيجية ومحطات من التعاون العسكري والدبلماسي في مواجهة الصراعات الدولية القائمة.
فما السياق السياسي لحدوث مثل هذه الطفرات؟ وهل المغرب بصدد تغيير تحالفاته الاستراتيجية؟ وهل يعبر تقرير الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الانسان عن سحب أمريكا دعمها أطروحة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية؟ أم الأمر لا يعدو أن يكون توجسا أمريكيا من السلوك الدبلوماسي المغربي وفرملة قوية تصده عن إبرام تحالفات جديدة متينة؟ وهل ستؤثر تطورات الموقف الأمريكي في الوضع السياسي الداخلي للمغرب؟
لطالما أكدت على حقيقة التحول الجذري للسلوك الدبلوماسي المغربي، ولفهم آخر تجلياته لا بد من مراجعة كرنلوجيا الأحداث التي انطلقت منذ زيارة بان كي مون إلى الصحراء المغربية، والتي تلتها رحلة محمد السادس إلى روسيا وبعض دول أروبا الشرقية، من 13 الى 21 مارس 2016، بهدف تشبيك العلاقات والمصالح الاقتصادية.
إن سرعة تحول المغرب إلى المحور الروسي- الصيني تدل على أنه يشتغل باستراتيجية تتأسس على فرضية ولادة عالم متعدد الأقطاب، وتضع أكثر من مربع لتأمين التنقل السريع وفي الوقت المناسب.
ففي الوقت الذي كان يترقب فيه محمد السادس زيارة لـ"كي مون" إلى المغرب تسبق الجزائر، مراهنا على حلفائه الاستراتيجيين، توجه الأمين العام للأمم المتحدة إلى الجزائر(5 مارس 2016) ومنها إلى تندوف والصحراء ليعلن مواقف صريحة ومعادية للمغرب ووحدته الترابية. فجاء رد المغرب سريعا، حكومة وشعبا، ليشجب انحياز بان كي مون وانزلاقاته الخطيرة، وليقلص بعثة المينورسو تعبيرا منه عن موقف سيادي وسياسي يُحَمِّل الأمين العام مسؤولية انهيار العمل الأممي الجاد.
وبالرغم من ذلك فقد استجاب مجلس الأمن في 29 أبريل 2016 لتقرير الأمين العام الداعي إلى عودة بعثة المينورسو إلى الصحراء وتمديد فترة بقائها لعام كامل، وربما كان التمديد سيأخذ فترة أطول، مع إدراج مقتضيات أخرى ضد المغرب، لو لم يتخذ المغرب موقفا قويا واستباقيا قبل رفع التقرير إلى مجلس الأمن من قبل الأمين العام.
ولم يتوقف رد المغرب عند هذا الحد، بل واجه تقرير الخارجية الأمريكية بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية ابتداء من 11 ماي 2016، ليؤكد على جدية مطالبه وعدم تسامحه في ملف وحدته الترابية. وسيتعاطى مع تقرير الخارجية الأمريكية المتعلق بحقوق الانسان في المغرب بلغة صارمة ونقد لاذع، إذ تضمن التقرير نبرة عدائية واضحة ضد المغرب وخطابا متناقضا وغير مسؤول، وحين عمد إلى تبرير تناقضاته الصارخة قال بأن مواقف أمريكا السابقة من سياسات المغرب الراهن كانت مجرد مجاملات !
ويزداد التساؤل إلحاحا: أين سيقف مسلسل الجفاء بين الدولتين؟ وكيف يجرؤ المغرب على استعداء أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم؟ وما الذي يريد المغرب قوله لقوة عظمى بسلوكه الدبلوماسي المغامر؟
إذا كان المغرب منحازا في الصراع الدولي الجاري للتحالف الأمريكي الخليجي وساهم عسكريا في عاصفة الحزم، فكيف لأطراف التحالف أن تتهاون في دعمه لاسترجاع حقه من عبث العابثين؟ يبدو أن الخليجيين قد استوعبوا رسالة مخططات التجزيء التي وضعها محمد السادس على طاولة القمة المغربية الخليجية الأخيرة، فعبروا عن تضامنهم بوضوح، ثم نقلوا الرسالة إلى الولايات المتحدة.
لا شك في أن تقرير الخارجية الأمريكية لا يعكس رأي كافة النخب، فمن المسؤولين والإعلاميين الأمريكيين من وصف التقرير بالرعونة والنفاق، وعليه فقد نجح التيار الذي ينشط حاليا لضرب وحدة المغرب بجعل الادارة الديمقراطية تجاريه طمعا في الدعم وكسب أصوات الانتخابات الرئاسية الوشيكة.
لكن في نفس الآن لا يخفى على الديمقراطيين المفعول الجانبي والمهم لموقفهم العدائي تجاه بلد حليف، خاصة إذا علمنا بأن استراتيجيتهم الأمنية تقر بعالم متعدد الأقطاب، إذ بوسع هذا الموقف دفع المغرب إلى استقطاب روسيا والصين لصالح وحدة المغرب الترابية، وهما المعروفتان بإسنادهما للجزائر، ومن ثم تتعمق عزلة الجزائر ويضعف تأثيرها في قضية الصحراء. كما يحفز المغرب على تحقيق مزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، ومحاصرة قوى النكوص والفساد والتحكم ليكون جديرا بثقة القوى العظمى وفاعليها الراغبين بتعزيز قدرته على التحكم في أمن الساحل والصحراء وأمن العالم المتوسطي، وبمد شعاع الدمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة المغاربية والافريقية.
يدرك الجميع بأن المغرب يسعى بدوره إلى الاستفادة الأكيدة من التحولات الجارية، غير المسبوقة، إذ قبيل أن تضع الحروب أوزارها تعقد التسويات، وإذا كانت الدول العظمى قد انخرطت في الصراع بدافع الحفاظ على امتيازاتها ومصالحها الحيوية، فإن انخراط المغرب يؤطره طموح يكاد يكون متواضعا، إذ لا يحركه سوى منطق حماية حقه الشرعي والتاريخي في الصحراء، وإذا انتهى هذا الصراع ولم يبذل كل ما في وسعه، وفوت الفرصة، فقد لا يجد حلا لمشكلة الصحراء إلا بعد زمن طويل، أو ربما يفقد السيطرة على المشكلة إلى الابد.