الأزهر وحرب جديدة على المثقفين

السبت 05/نوفمبر/2016 - 11:42 ص
طباعة الأزهر وحرب جديدة
 
رغم تاريخه الوطني ودفاعه في فترات تاريخية مختلفة عن الوحدة الوطنية، خصوصًا قبل مرحلة البترودولار والتي بدأت مع السادات حينما سمح لجماعة الإخوان بالانتشار والتواجد في الجامعات المصرية، وتبرع الملك فيصل ملك السعودية الوهابية للأزهر بأربعين مليون جنيه، وتحول الأزهر إلى مؤسسة وهابية بامتياز، إلا أنه في فترات تاريخية أيضًا ليست بالقليلة كان وما زال يشن هجومًا على المثقفين وكأن الحرب بين جماعة المثقفين وبين مؤسسة الأزهر تشبه كثيرًا الحرب الباردة التي كانت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، فمن حرب الأزهر على طه حسين وعلي عبد الرازق ومحمد أحمد خلف الله وأمين الخولي إلى حربه على حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد وجابر عصفور وعلي مبروك والقمني وإسلام البحيري.. إلخ القائمة والتي لا ننسى فيها فرج فودة- تشكل هذه الحرب بشكل ما أو بآخر نكبة فكرية وثقافية تمر بها البلاد من وقت لآخر.
كل هذا يؤكد أن معارك علماء الدين والمثقفين، تتجدّد من فترة إلى أخرى، ووصلت إلى حد وصف المثقفين بالملحدين، وتسبّبت في اغتيال بعضهم، منهم فرج فودة، الذي اتهمه متطرفون بالسعي إلى فصل الدين عن السياسة والدولة، ثم تعرّض نصر حامد أبوزيد للمطاردة، بعد بحثه حول نقد الخطاب الديني، وحدث الأمر نفسه أيضاً مع الدكتور سيد القمني. وكانت أزمة المشيخة مع وزراء الثقافة سمة غالبة خلال السنوات العشر الماضية، وبدأت مع فاروق حسنى، الوزير الأسبق، بأزمة بشأن الحجاب؛ حيث وصفه بأنه عودة إلى الوراء والجهل، مما أثار غضب الأزهريين الذين طالبوا بإقالته، تلاه الدكتور جابر عصفور، الذي انتقد الأزهر ووصفه بجمود الفكر وسيطرة الفكر السلفي عليه.
وقد تصاعدت الأزمة بين الأزهر والمثقفين، بعد رفض أعضاء في هيئة كبار العلماء، التابعة للأزهر، إشراك بعض المثقفين في أي حوار مجتمعي ترعاه الدولة، لوضع استراتيجية لتجديد الخطاب الديني.
علوى أمين، أستاذ
علوى أمين، أستاذ الفقه وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق
وقال الدكتور علوى أمين، أستاذ الفقه وعميد كلية الشريعة والقانون الأسبق: إن الموجودين على الساحة الآن، ليسوا مثقفين، وإنما نُقاد، وآراء بعضهم متطرّفة وأقرب إلى الإلحاد، مضيفاً: «الأزهر يُرحب بالمثقفين الحقيقيين للمشاركة في تطوير الخطاب الديني، أما من يتهمون الفكر الأزهري، بأنه (داعشي) فليس بناقد أو مثقف؛ لأن المثقف من يضع الحل، بعكس الموجودين على الساحة الآن».
وتابع: «خريجو الأزهر بالملايين، ومنهم علماء أجلاء، مثل الشيخ محمد عبده، والشيخ الشعراوي، والشيخ شلتوت، ولن نقبل وصفنا بأصحاب فكر متطرّف، ونحن نعلم أن الانتقاد حق إذا كان عن علم، كما أن مراجعة التراث ضرورة مهمة، والتراث نفسه يقول إن الأحكام تتغير بتغيُّر الزمان والمكان، لكن على من يتحدث عن التراث أن يُحدّد ماهيته، وهل يقصدون القرآن والسنة عند حديثهم أم ماذا؟ لأن اتهام التراث غير مقبول». 
حامد أبوطالب، عضو
حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية
الدكتور حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن دعوة المثقفين إلى المشاركة في تطوير الخطاب الديني، هي دعوة إلى جميع فئات الشعب لسماع جميع الاتجاهات والآراء من أجل تطوير الخطاب بالفعل، وليس هدم التراث، لأنه للأسف هناك بالفعل من يرى أن التطوير يكون بهدم التراث الإسلامي تماماً، مضيفاً: «نُرحّب بسماع جميع وجهات النظر، لكن نرفض من يسعى لتدمير التراث الإسلامي، ويجب أن يعرف الشعب حقيقة الخطاب الديني عند هؤلاء وأهدافهم المُغرضة لهدم الأسس».
من جانبه، قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في تصريحات له: إنه لا يوجد تناقض ولا تضاد بين علماء الدين والمثقفين، فقد تتداخل الصفتان، وتصير العلاقة بينهما علاقة عموم، وإن كان لكل منهم منهجه في معالجة القضايا والمستجدات وطرق حل المشكلات.
الشاعر أحمد عبد المعطى
الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي
في المقابل، قال الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي: إن المثقفين يطالبون دائماً بتجديد الخطاب الديني، ولم يتوقفوا عن دعواتهم في هذا الشأن طوال قرنين، لأنهم أكثر المتضرّرين من المتجمّدين من رجال الأزهر الذين رفضوا التجديد منذ عصر الإمام محمد عبده، وصولاً إلى شباب المثقفين حالياً مثل إسلام بحيرى، وأحمد ناجى، وفاطمة ناعوت، مضيفاً: «يجب أن تكف أيدي رجال الدين عن التدخّل في ما لا يخصهم، مع الفصل بين عمل رجل الدين وعمل المتخصص».
وتابع: «لا يكفي أن يدعو الرئيس إلى تجديد الخطاب الديني، وهو يملك في يديه السلطة التي تخوله الفصل بين المؤسسات الدينية والمؤسسات المدنية ووقف توغلها».
ورداً على وصف المثقفين بالملحدين، ولا يحق لهم المشاركة في تجديد الخطاب الديني، قال: «من يُطلق مثل تلك الدعوات هو من يحتاج إلى تأديب، ويجب أن يُساق إلى المحاكم للتحقيق معه، بدلاً من المثقفين الذي سيقوا إلى السجون بتهم التعدي على الدين».
واستطرد «حجازي»: «مثل هذه العبارة تدل على ما وصلنا إليه من اختلاط القيم والجرأة على حقوقنا والعدوان الدائم على الدستور والقوانين، وعلى كل القيم التي تعارَف عليها العالم المتحضّر، ليعودوا بنا إلى الخلف، فمثل تلك العبارة لا تُقال إلا في العصور الوسطى». 
الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور
وقال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق: إن وصف المثقفين بالملحدين، يعني تكفيرهم، والرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما»، فهؤلاء لم يكشفوا عن قلوب المثقفين حتى يوجّهوا لهم مثل هذا الاتهام، وما يحدث ليس طريقة حوار لتجديد الخطاب الديني، وهؤلاء عار على الأزهر؛ لأن العلماء حقاً لا يردون على معارضيهم بالتكفير. وقال عمار علي حسن، الباحث في شئون الحركات الإسلامية: إن المثقف بطبعه ينتقد ويملك عقلاً نقدياً ويضع كل شيء موضع المُساءلة والشك والمراجعة، وينظر إلى كل ما حوله من منظور نسبي على عكس عالم الدين الذي يتعامل مع ما لديه على أنه مُطلق وحق دائم، فرأى الدين شيء مقدّس ولا يحتاج إلى مراجعة، لذلك يتوهم أنه الدين وأن رأيه من الله، فلا يجب نقده أو مراجعته؛ لأن ذلك يُخرج المرء من الدين، وهذا هو سر الصراع بين الطرفين في كل المعارك التي دارت بينهما.
وأضاف: «رغم أن الإسلام في نصه لا يعرف الكهنوت حتى دور الرسول ليس كهنوتياً، وإنما إبلاغي فهو مبلغ العقيدة، وعالم الدين لا يخرج عن التبليغ، لكن مع مرور الوقت وإنشاء مؤسسات دينية تحول العالم إلى كهنوت إسلامي، رغم أنهم ينفون ذلك على المستوى الشكلي، ويدافعون عن مصالحهم، باعتبارها مصلحة الدين، وأنهم حراس العقيدة وهذا ليس صحيحاً».

شارك