لكل شواذ قاعدة
الأربعاء 20/سبتمبر/2017 - 09:47 م
طباعة
عرفنا منذ صغرنا أن اجتماع الضدين مستحيل، فلا يمكن أن يتصف شخص واحد بالطول والقصر، أو بالبياض والسواد في آن واحد. وعندما كبرنا قليلًا عرفنا أن لكل قاعدة شواذ، وخصوصًا في القواعد النحوية، ودرسنا أن الشعراء قد يُهملون بعض القواعد النحوية للضرورة الشعرية حتى تتمشى الأبيات مع الوزن والقافية. وعندما نضجنا وأصبحنا نهتم بالشأن العام وخصوصًا الشأن السياسي أدركنا أن هناك قاعدة جديدة لم نكن نسمع عنها على الإطلاق، قاعدة لا يتحدث عنها أحد، ولا يذكرها أحد صراحة، بل ربما ينكرها من يطبقها باستمرار، نستشف هذه القاعدة ونستنتجها من خلال المواقف، خصوصًا أثناء الخصومات السياسية، أو عند اغتيال الشخصيات العامة معنويًا، هذه القاعدة هي "لكل شواذ قاعدة"، وهى كما نرى على العكس تمامًا من قاعدة "لكل قاعدة شواذ"، لأن "لكل قاعدة شواذ" تجعل ما يتمشى مع العقل والمنطق هو الكثير السائغ القريب من القلب والعقل والسهل تصديقه دون أدلة أو براهين، أما "لكل شواذ قاعدة" فكما هو واضح من اسمها فإن الشاذ البعيد عن العقل والقلب والمنطق والذي يصعب فهمه وادراكه ناهيك عن تصديقه هو الكثير، والمنطقي المعقول الذي يتمشى مع العقل هو القليل.
واليوم نرى قاعدة "لكل شواذ قاعدة" قد تجسدت بشحمها ولحمها فيما يُثار حول الدكتور عبدالرحيم علي، رئيس تحرير البوابة نيوز، وعضو مجلس الشعب والناجح من الجولة الأولى دون إعادة، والذي يعلم الله وحده أنه لا يعرفني ولم أشرف بمقابلته أبدًا، وأنا ما بيني وبينه من اختلاف في الأراء ووجهات النظر أكبر بكثير مما بيننا من اتفاق، لكنني في الوقت ذاته مؤمن بأن اختلاف وجهات النظر لا يُفسد للود قضية، وإن اختلافي مع الدكتور عبدالرحيم علي اختلاف في الفروع وليس في الأصول المتمثلة في حب الوطن والانتماء إليه والخوف عليه والدفاع عنه. وهذا اساس كاف لأن يجمع بيني وبينه.
وبالعودة إلى قاعدة "لكل شواذ قاعدة" فإن بعض علماء وأفذاذ هذا العصر ممن أعطاهم الله علمًا لم يعطه أحدًا مثلهم قد أقنعونا قبل ذلك بأن الدكتور "عبدالرحيم علي" رجل مناضل ووطني وغيور على وطنه، وإنه ضد حكم الإخوان كلية، وقد صدقنا ذلك لأن هذا شيئ منطقي يتماشى مع واقع الرجل، وقد قاله في برامجه، وكتبه في مقالاته، وجهر به علانية في ميدان التحرير، فكان من الطبيعي أن نصدق ذلك. كذلك قالوا لنا إن الرجل ضد سياسات تركيا وموقف رئيسها من مصر ومن ثورة 30 يونيه، وقد صدقناهم في ذلك أيضًا لأن الرجل صرح بذلك ومواقفه تشهد له بذلك، والموقع الذي يديره خير شاهد على هذا الأمر، وكذلك كان الرجل ضد من يتلقون التمويل من بلاد الخارج، وعبر عن ذلك في كتابات كثيرة، وأثناء اعتراضه على من يتلقون التمويل الخارجي لم ينتقده أحد، ولم يعترض عليه أحد، ولم يتهمه أحد الأفذاذ بتلقي أي تمويل، لذلك كان من المنطقي أن نُصدق أن الرجل ضد التمويل من الخارج.
أما الآن فيريد أفذاذ العصر أن نصدقهم في أن الرجل إخوان، وممول من الخارج، وغير رأيه ومواقفه بشأن تركيا، ولم يأتوا لنا بدليل واحد أو برهان على كلامهم، اللهم إلا في مسألة تغيير رأيه ومواقفه مع تركيا، فقد أتوا لنا بدليل دامغ وبرهان ساطع على حب "عبدالرحيم علي" لتركيا، ورئيسها، واستشهدوا بأن ابنته ظهرت في صورة على مواقع التواصل الاجتماعي وهى ترتدي زيًا عثمانيًا، وهذا يدل على مدى فتنة أل "عبدالرحيم علي" بالدولة التركية، ونسى هؤلاء الأفذاذ أنه أثناء ما كان هذا الزي شائعًا لدى السلطانات العثمانيات كان الوطن العربي كله عدا المغرب ولايات عثمانية بما في ذلك مصر، ليس هذا فحسب بل كانت اليونان وبلغاريا وشبه جزيرة البلقان كلها ولايات تابعة للدولة العثمانية وكانت تركيا هى عاصمة الدولة أي جزء من الدولة وليست كل الدولة، وأن الملابس العثمانية موجودة في المتحف، ومن يزور المتحف من السياح ويعجب بهذه الملابس فيمكنه أن يرتديها ويلتقط بها الصور، وليس للموضوع أي بعد سياسي، فليس معنى ارتداء الملابس هو حب أردوغان، وليس معنى كرهه كره الملابس. كما أن من اتهم "عبدالرحيم علي" بحب أردوغان حقق لأردوغان حلمه دون أن يدري حيث جعله رمزًا للدولة العثمانية التي استمر حكمها للعالم ثمانية قرون، فجعل حبها حُبًا لأردوغان، وكرهها كُرهًا له، وإن كاتب المقال ليرى أن أردوغان لو يعرف هذا الشخص الذي جعل من أردوغان رمزًا للأمبراطورية العثمانية لأعطاه مكافئة سخية، فهو يحب من يمدحه ويُثني عليه.