قطر.. الجريمة الكاملة
الأربعاء 13/يونيو/2018 - 12:10 م
طباعة
لَعِبَت قَطر دورًا محوريًّا في استغلال ما سُمِّي بثوراتِ الرَّبيعِ العربيّ لتمرير مخطَّطات التَّغيير السِّياسي في منطقة الشرق الأوسط؛ وفقًا لنظرية الفوضى الخلَّاقة التي تهدفُ إلى إعادة تقسيم دول المنطقة عبر إدخال تعديلات جوهرية على خريطة «سايكس بيكو» القديمة، وترسيم حدود جديدة لخريطة ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.
ففي مصر، وأثناء انتفاضة 25 يناير ٢٠١١ يبدو هذا الدور واضحًا عبر مشهدين رمزيين بارزين:
المشهد الأول يتمثل في الاتصال الهاتفي مساء 28 يناير 2011، بين النائب الإخواني – المسجون آنئذٍ – محمد مرسي العياط وقناة الجزيرة القطرية فور هروبه من السجن، والذي أعلن فيه أن : «الأهالي حرروا 34 من أعضاء جماعة الإخوان».
بهذه المُكَالمة الهَاتِفِيّة الميدانيّة المباشرة أعطى محمد مرسي - الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للبلاد - معلومات دقيقة عن هروبه وعن مكان وجوده، في الوقت الّذي كانت فيه جميع خطوط الاتصالات مقطوعة بشكل نهائيّ، فيما يمكن تفسيره على أنّه رسالة أراد «مرسي» توجيهها عبر قناة الدّوحة وبمساعدتها إلى أعضاء الجماعة وداعميها في الدّاخل والخارج.
المشهد الثاني الّذي لا يقلّ دلالة عن الأوّل فيما له علاقة بالدّور القطري، هو مشهد وصول يوسف القرضاوي إلى القاهرة -بعد سنوات من المنع، قادمًا من قطر التي يحمل جنسيّتها بجانب جنسيّته المصرية- وظهوره في ميدان التحرير وسط حشود المتظاهرين عندما أعلن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، تنحيه عن السلطة، في 11 فبراير 2011.
أثار مشهد ظهور القرضاوي في ميدان التحرير حينها، هواجس عديدة بشأن بدء عملية قرصنة للانتفاضة الشعبية المصرية، تحت عباءة إخوانية، وبدعم قطري.
والحقّ أن ما كان هاجسًا واحتمالًا، تحول إلى واقع، وحقق الإخوان في الأشهر التالية، حلم الوصول إلى قصر الرئاسة، بتنصيب محمد مرسي رئيسًا، بعد أن كان أقصى طموح له هو الحصول على مقعد في البرلمان.
هكذا ترددت في الدّوحة أصداء احتفالات الإخوان في مصر عبر الأبواق الإعلاميّة القطريّة، وتلك التي تتلقّى دعمًا قطريًّا، لدعم النظام المصريّ الجديد.
الإفراج عن خيرت الشاطر:
عقب ثورة يناير مباشرة وفي الثاني من مارس ٢٠١١ خرج خيرت الشاطر ورفيق دربه حسن مالك من السّجن، بعفو خاص وقّعه الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بعدها مباشرة طلب خيرت الشاطر من حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطريّ آنذاك، أن يخبر أمريكا بأنّ الإخوان سيحافظون على اتّفاقية كامب ديفيد في حال حكموا مصر، سواء عن طريق البرلمان أو الرئاسة، إذ لم يكن الدّستور الجديد قد تمّ إعداده بعدُ، ولم يعرف وقتها ما إذا كان النّظام السّياسيّ سيكون برلمانيًّا -كما كان يُفَضِّلُ الإخوان- أو رئاسيًّا؟
طلب الشّاطر أيضًا من ابن جاسم أن يؤكد للبيت الأبيض في واشنطن، أنّ الإخوان سيحافظون على جميع العلاقات والمعاهدات الدّولية، كما طلب دعمًا ماديًّا، وفرته قطر بالفعل للجماعة، عن طريق بنك قطر الإسلامي؛ حيث تمّ تحويل الأموال إلى حساب بنكيّ يخص «أكاديمية التّغيير» التي يديرها هشام مرسي زوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، في مايو من ٢٠١١.
رد الجميل:
بدأ الإخوان في رد الجميل إلى قطر عقب وصول محمد مرسي العياط إلى السلطة بشهور قليلة، ففي الثلاثين من ديسمبر 2012، بدأ رجل الإخوان في قصر الاتحادية، مقر الحكم في مصر، يسخر الاقتصاد المصري بمجمله للمصالح القطرية. وهو ما كشفت عنه فيما بعد الشكوى المقدمة من «إتلاف دعم صندوق تحيا مصر» بالإسكندرية، التي طالبت النائب العام بسرعة الانتهاء من تحقيقات المكتب الفني في البلاغ رقم 4210 -المدعم بالمستندات والوثائق- التي تتهم الرئيس المعزول محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل، بالإضرار العمدي بالمصالح المصرية، عن طريق الشروع في إبرام صفقات مشبوهة مع دولة قطر، بتعليمات من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.
كشف البلاغ المُقدم عن قيام قطر، من خلال تلك الاتفاقيات والصفقات بالاستيلاء على الاستثمارات الخاصة بمنطقة قناة السويس ومناطق أخرى حيوية بمصر، وكذلك المشروعات الخاصة بمصانع الحديد والصلب وعدد من المشاريع الاستثمارية في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ. فضلًا عن الاتفاقية الموقعة لإقامة منطقة صناعية قطريّة ومحطة كهرباء قطريّة وقرية لوجستيّة كاملة في شرق التفريعة ببورسعيد، وهي جميعها اتفاقيات وامتيازات هدفها السيطرة على الاقتصاد المصري وهيمنة دولة قطر على مقدرات الدولة المصرية وهو ما يُعتبر مؤثمًّا قانونًا.
التخابر لصالح قطر:
لم يَقِف الأمرُ عند حدود الإضرار العمدي بالاقتصاد المصري، وإنما تجاوزه إلى التخابر مع مسؤولين قطريين وتسليم ملفات تخص الأمن القومي المصري لهم بتوجيهات من الرئيس المعزول محمد مرسي العياط، وهو ما تم الكشف عنه بعد الإطاحة به ومحاكمته بتهمة التخابر لصالح قطر؛ حيث كشفت مستندات القضية رقم 10154 جنايات ثاني ٦ أكتوبر لسنة 2014، المقيدة برقم 3690 كلي جنوب الجيزة لسنة 2014، أن المتهمين علاء سبلان معد بقناة الجزيرة القطرية وإبراهيم هلال رئيس قطاع الأخبار بالقناة ذاتها تحصلوا على صور ضوئية وعدد من التقارير والوثائق الصادرة من أجهزة المخابرات العامة والمخابرات الحربية، والقوات المسلحة وقطاع الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية بقصد تسليمها لجهة أجنبية هي المخابرات القطرية.
وتضمّنت المعلومات التي حصل عليها المتهمون، بيانات تتعلق بالقوات المسلحة وأماكن تمركزها وسياسات الدولة الداخلية والخارجية، وكذا طرق التدريب ونوعيات التسليح.
وجاء في محضر تحريات القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية التخابر مع قطر، أنّ المتهمين أمين الصيرفي السكرتير الخاص للرئيس المعزول محمد مرسي العياط وابنته وكذلك أحمد عبده عفيفي، وجميعهم أعضاء بجماعة الإخوان، اتفقوا عن طريق المحادثات الخاصة والبريد الإلكتروني - مع المتهمين علاء سبلان، وإبراهيم هلال، في حضور رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم وأحد ضباط جهاز المخابرات القطري - على إمدادهم بالتقارير والوثائق التي كانت محفوظة بخزائن خاصة بالقصر الجمهوري، وهيؤوا سبل نقلها وتسليمها إلى دولة قطر ما يمثل إضرارًا بمركز مصر الحربي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي وبمصالحها القومية.
تضمنت أوراق القضية أيضًا، شهادة الرائد طارق محمد صبري، الضابط المسؤول عن التحريات بقطاع الأمن الوطني، والذي أكد أنه بعد أن أخرج المتهم «أمين الصيرفي» - سكرتير رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي - تلك المستندات من القصر الرئاسي، أعطى قبل ضبطه تكليفًا لابنته - بورقة مكتوبة - بأن تسلم تلك المستندات للمتهم «أحمد عبده عفيفي» والمتهم «علاء سبلان»، وأن المتهم «سبلان» سافر لاطلاع المسؤولين القطريين على صور من تلك المستندات، وتقابل مع المتهم «إبراهيم هلال» وأطلعه عليها، وبدوره حدد هذا الأخير لقاءً للمتهم الهارب «علاء سبلان» مع وزير الخارجية القطري الأسبق «حمد بن جاسم» في حضور أحد ضباط المخابرات القطرية.
وأشار الشاهد إلى أن المتهم المسجون «أمين الصيرفي» أثناء مقابلته لزوجته خلال إحدى الزيارات، استفسر منها عن الأوراق، وماذا فعلت بها نجلته، وأنه كلف زوجته - التي لم تكن تعرف شيئًا - أن تقوم بتسليم الأوراق للمتهم «أحمد عبده عفيفي»، والمتهم «علاء سبلان» عضو جماعة الإخوان، والذي كان يتردد على «الصيرفي» برئاسة الجمهورية، لافتًا إلى أن جميع المتهمين كانوا على علم بالاتفاق الذي تم مع ضابط المخابرات القطري ومحمد بن جاسم على بيع أصول الوثائق مقابل مبلغ مليون ونصف مليون دولار.
ومن بين أوراق القضية محاضر اعتراف عدد من المتهمين ومن بينهم المتهم محمد الكيلاني بخروج تلك الأوراق والمستندات بأوامر من الرئيس المعزول محمد مرسي العياط وأعضاء التنظيم الدولي، وأنهم قاموا بتسريبها من قصر الرئاسة عندما شعروا بقرب نهايتهم في ٣٠ يونيو 2013.
كما استمعت هيئة المحكمة، إلى شهادة المدير السابق لمكتب رئيس الجمهورية مصطفى طلعت الشافعي، الذي تمت إحالته إلى المعاش بتاريخ 21 يونيو من العام 2013. والذي فسر كيفية جمع الوثائق داخل قصر الرئاسة ونقلها فيما بعد إلى قطر؛ حيث أكد أنّ الرئيس المعزول محمد مرسي، استبدل، منذ اليوم الأول له في القصر الرئاسي، عددًا من العاملين والموظفين بالرئاسة، بمجموعة من التابعين لجماعة «الإخوان المسلمين»، مشددًا على أنّ الوثائق تم تسريبها قبل 48 ساعة من عزل مرسي.
استقبال قطر للإخوان:
بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان وفشل اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لم يبق أمام قيادات الجماعة سوى قطر وتركيا؛ اللتين فتحتا ذراعيهما لهم بعد تورطهم في قضايا عنف وإرهاب داخل مصر، ومكثوا هناك لممارسة نشاطهم الإجرامي في التحريض ضد الدولة من خلال المنابر الإعلامية في «تركيا وقطر»، أو من خلال المؤتمرات والندوات التي ينظمها قادة التنظيم الدولي في عدد من الدول الأوروبية.
ومن أبرز أسماء قيادات الإخوان الهاربين إلى قطر، فضلًا عن يوسف القرضاوي، جمال عبدالستار، وعصام تليمة، ووجدي غنيم، أيمن عبدالغني، ومحمد جمال حشمت عضو مجلس الشعب المنحل، وعلي خفاجي أحمد الشريف أمين الشباب السابق بمحافظة الجيزة بحزب الحرية والعدالة المنحل، ووليد شرابي المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر، وأحمد منصور مقدم البرامج بقناة الجزيرة القطرية، وممدوح إسماعيل البرلماني السابق عن حزب الأصالة السلفي، والدكتور محمد عبدالمقصود الداعية السلفي، وإيهاب شيحة، ومحمد محمود فتحي محمد بدر رئيس حزب الفضيلة السلفي وعضو ما يسمى «تحالف دعم الشرعية»، وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد القياديان بالجماعة الإسلاميّة.
ويعتبر عبدالماجد من العناصر الأكثر خطورة بين الهاربين إلى قطر، إذ كانت مهمته ترويع المواطنين أثناء حكم الإخوان ثم اعتصام في رابعة العدوية؛ حيث هدد «بحرق مصر إذا ما فكر أي شخص في إزاحة مرسي عن منصبه»، ويُعد «عبدالماجد» من أبرز المطلوبين أمنيًّا، بعد صدور حكم ضده بالإعدام من محكمة جنايات الجيزة، في القضية المشهورة إعلاميًّا باسم «أحداث مسجد الاستقامة».
قطر وتنظيم القاعدة:
في إطار العلاقات المشبوهة التي تربط دويلة قطر بالجماعات الإرهابيّة يمكننا رصد مشهد الاصطفاف الإعلامي التابع لتنظيم القاعدة الإرهابي للدفاع عن قطر.
ففي عدد يونيو 2017 من مجلة «المسرى» الأسبوعية التي تصدر عن ما يسمى «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وبعد إعلان الرباعية العربية، مصر والسعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر، أعرب القيادي البارز في الجماعة الليبية المقاتلة وأميرها السابق عبدالحكيم بلحاج، صراحة عن استهجانه لما حدث من قطع للعلاقات مع أولئك الذين أسماهم «المخلصينَ لأمتهم وقضاياها»، في تهديد مبطن توعدت فيه القاعدة بالرد على استهداف الدوحة، وكأنها ردة الفعل المنتظرة باسم قطر.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إنما امتد ليشمل تأييد المفتي الشرعي لجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، عبدالله المحيسني لقطر، - في أحد «الهاشتاجات» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قائلا: «بل أقول إن الشعوب المسلمة ترفض محاصرة شعب مسلم»، «وأقول لإخواننا في قطر يكفيكم أننا هنا في سوريا نسمع عجائز الشام يدعون لكم، فهي رسالة لكل من وقف مع المظلومين وأعانهم على نوائب الدهر».
الجدير بالذكر أن علاقة المحيسني بقطر لم تظهر فقط في هذا التأييد المعلن، وإنما تمتد للمشاركه الإعلامية المستمرة عبر قناة الجزيرة، وإمامته للجامع القطري في مكة المكرمة، إضافة لانتقاله عام ٢٠١٢ للإقامة بالدوحة، ومشاركته في نفس العام في المؤتمر الثاني لرابطة علماء المسلمين تحت عنوان «أحكام النوازل السياسية».
سبل الدعم القطري للإرهاب:
كشفت الوثائق الرسمية التابعة لـ«وزارة الخزانة الأمريكية» التي نشرت في أكتوبر 2014، أن التمويل القطري للقاعدة يتم عن طريق بعض رجالها، من أمثال سليم حسن خليفة راشد الكواري، الذي يوصف بـ«ممول القاعدة»، والمتهم بتحويل «مئات الآلاف» من الدولارات لتنظيم القاعدة؛ فضلًا عن الدعم المالي غير المباشر عبر الأموال التي تدفعها قطر للتنظيم، تحت غطاء «الفدية»، من أجل الإفراج عن الرهائن.
كما تدعم قطر القاعدة إعلاميا عبر قناة الجزيرة، من خلال نشر بياناتها وموادها الإعلامية، وبث جميع مقابلات ورسائل قادة التنظيم، وفي مقدمتهم زعيمه الحالي أيمن الظواهري، إضافة إلى الحوارات مع قادة التنظيمات التابعة له ورموزها، أمثال «أبومحمد الجولاني»، زعيم جبهة النصرة، جناح القاعدة في سوريا، وعبدالله المحيسني، مشرّع جبهة النصرة، الذي تم استضافته في نوفمبر 2016، عقب ظهوره في تسجيل مصور وهو يبارك أحد الأشخاص في طريقه لتنفيذ عملية انتحارية.
وإلى جانب عمليات التمويل وبرامج الدعم الإعلامي قامت قطر بإيواء عدد من عناصر وقادة التنظيم على أراضيها.
فحسب ما ذكره خالد شيخ محمد، العقل المدبر لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وما كشفت عنه وثائق «أبوت أباد» لأسامة بن لادن، التي تمت مصادرتها خلال الهجوم على مقره بباكستان، فإن خالد شيخ محمد اختبأ لعام كامل في منزل وزير الداخلية القطري، الأمير عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني، قبل ورود معلومات بوجود فرقة أمريكية تسعى للقبض عليه الأمر الذي سرَّع بخروجه من الدوحة بجواز سفر دبلوماسي متوجها إلى باكستان؛ حيث قُبِضَ عليه هناك.
من أهم ملفات دعم الدوحة المالي للجماعات الإرهابيّة ذلك الذي يتعلق بشخصيتين رسميّتين قطريّتين من مموّلي تنظيم القاعدة، تم وضعهما -بحسب ديفيد كوهين، نائب وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية- على القائمة السوداء العالمية للإرهاب.
وبالرغم من ذلك فإن القطريان خليفة محمد ترك السباعي، الموظف في البنك المركزي القطري، وعبدالرحمن بن عمر النعيمي، الذي يعمل مستشارا للحكومة القطرية -وعلى علاقة وثيقة بالأسرة الحاكمة- يتحركان بحرية في الدوحة كما يحلو لهما.
ومن الجدير ووفق ذات المصدر فقد أرسل النعيمي مبلغ ٦٠٠ ألف دولار إلى 'أبو خالد السوري' مبعوث أيمن الظواهري في سوريا، وهو من كان يمول تنظيم 'القاعدة' منذ عام ٢٠٠٣.
يتصدر أيضا القطريان سالم حسن كواري وعبدالله غانم خوار القائمة السوداء لأهم داعمي وممولي الإرهاب الأمريكية؛ حيث تتهمهم واشنطن بترأس أهم شبكات تمويل «القاعدة» في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، (في العراق وأفغانستان وباكستان)، وفقًا لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية عام ٢٠١١.
وفي عام ٢٠٠٧ تم وضع وتصنيف خليفة محمد تركي السبيعي «أرفع موظفي الدولة القطرية»، على قائمة «تمويل الإرهاب»، وفي تقرير «اللجنة الوطنية حول هجمات ١١سبتمبر»، إشارة إلى دور بعض المؤسسات القطرية مثل «الجمعية القطرية الخيرية» في تمويل «قاعدة» أسامة بن لادن منذ بدايات التسعينيات. وكذلك دور الأمير عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني في إيواء ودعم وحماية خالد الشيخ محمد، أحد المهندسين الأساسيين لهجمات ١١ سبتمبر.
تمويل داعش بالسلاح:
لقد رصدت دراسات بحثية عديدة، المصادر المالية التي تقدمها قطر لتنظيم داعش الإرهابي من أجل سداد قيمة الأسلحة التي تشتريها ، من أجل تنفيذ عملياتها الإرهابيّة، فضلًا عن التسهيلات اللوجستية من قبل الجانب التركي لنقل شحنات تلك الأسلحة إلى مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط - خلال العامين الماضيين.
وفي هذا الصدد قال مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج: «عثرنا على رسالة كتبتها هيلاري كلينتون لمدير حملتها الرئاسية جون بوديستا في مطلع عام 2014 - أي بعد مغادرتها لمنصب وزيرة الخارجية بقليل - تكشف أن واشنطن كانت على علم بتمويل حكومة قطر ودولة أخرى لتنظيم داعش الإرهابي».
واعتبر أسانج في مقابلة خاصة لـRT الروسية، أن هذه الرسالة أكثر أهمية من جميع التسريبات السابقة؛ حيث إنها تدحض الموقف المراوغ للحكومة القطرية التي تعزو حالات الدعم المالي فقط إلى بعض الأمراء القطريين المتهورين.
كما كشفت وثائق ويكيليكس، أن حمد بن جاسم وزير خارجية قطر يدعم الإرهاب في مصر عبر قناة الجزيرة لتحقيق الأهداف السياسية تجاه الدول العربية؛ فضلًا عن أنه تم عقد اجتماع بين وزير الخارجية القطري وقناة الجزيرة لإثارة القلاقل في مصر.
وأكدت التسريبات، أن قطر اشترت أجهزة تجسس عالية الدقة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي بقيمة 638 مليون يورو لاعتقال كل من ينشُر شيئًا ضد الحكومة القطرية.
وفيما يخص دعم الإرهاب في سوريا، نشرت قناة «سي إن إن» الأمريكية، فيديو عن التمويل القطري للإرهاب، باعتبارها الكيان الذي استخدم قناة الجزيرة كأداة لعقد الصفقات الدبلوماسية، فضلًا عن مناقشة اغتيال بشار الأسد بمساعدة العديد من الجهات، منها إسرائيل وأمريكا. وأضاف التقرير أن قطر تضخ أموالًا لتنظيم «داعش»، وأنها هي الدولة الوحيدة التي لها علاقة بحركة طالبان وتمويل القاعدة الأمريكية الموجودة هناك.
قطر واحتضانها الرسمي لحركة طالبان:
بعد 13 عامًا من الحرب على طالبان، فتحت الحركة، التي تصنف كحركة إرهابيّة من قبل المنظمات الدولية، مكتبًا في الدوحة بموافقة أمريكية عام 2013 كخطوة أولى لتسهيل عملية التفاوض، والتسليم بالاعتراف بها، ولكنها اضطرت لإغلاقه بعد شهر، لأن حامد كرزاي اشتاط غضبًا من هذه الخطوة، ولأن حركة طالبان رفعت علمها على المبنى، ووضعت لافتة باسم «سفارة إمارة أفغانستان الإسلاميّة».
طلبت الحكومة الأمريكية من حركة طالبان إزالة هذه اللافتة وإنزال علمها من على المبنى، ولكنها رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، وأكدت أن هذا العلم وتلك اللافتة هما جزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الحكومة القطرية وبالتالي هي ملتزمة به، وجرى إغلاق المكتب (السفارة) في (يوليو) عام 2013 بعد شهرين من افتتاحه في حفل رسمي حضره وزير الخارجية القطري في حينها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وعدد من السفراء الدبلوماسيين المعتمدين.
كل هذا دفع وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية إلى القول إن الأزمة السياسية التي تعصف بقطر تنبع من اتهامات جيرانها لها بدعم الإرهاب، بينما تُنكِر قطر هذه الاتهامات. غير أن علاقتها بإيران واحتضانها لعدد من الجماعات الإسلاميّة، أدى إلى انتشار ما يكفي من الدخان الذي يشير إلى وجود حريق.
ليس ما سبق إلا غيضًا من فيض حول التمويل القطري للجماعات الإرهابيّة، فإذا كان العالم يؤمن حقًّا بضرورة تجفيف منابع الإرهاب فعليه أولًا أن يتصدى للتمويل القطري وإلا فكل مظاهر الشجب والحرب ضذ الإرهاب لن تكون إلا ذرًّا للرماد في العيون.
ففي مصر، وأثناء انتفاضة 25 يناير ٢٠١١ يبدو هذا الدور واضحًا عبر مشهدين رمزيين بارزين:
المشهد الأول يتمثل في الاتصال الهاتفي مساء 28 يناير 2011، بين النائب الإخواني – المسجون آنئذٍ – محمد مرسي العياط وقناة الجزيرة القطرية فور هروبه من السجن، والذي أعلن فيه أن : «الأهالي حرروا 34 من أعضاء جماعة الإخوان».
بهذه المُكَالمة الهَاتِفِيّة الميدانيّة المباشرة أعطى محمد مرسي - الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للبلاد - معلومات دقيقة عن هروبه وعن مكان وجوده، في الوقت الّذي كانت فيه جميع خطوط الاتصالات مقطوعة بشكل نهائيّ، فيما يمكن تفسيره على أنّه رسالة أراد «مرسي» توجيهها عبر قناة الدّوحة وبمساعدتها إلى أعضاء الجماعة وداعميها في الدّاخل والخارج.
المشهد الثاني الّذي لا يقلّ دلالة عن الأوّل فيما له علاقة بالدّور القطري، هو مشهد وصول يوسف القرضاوي إلى القاهرة -بعد سنوات من المنع، قادمًا من قطر التي يحمل جنسيّتها بجانب جنسيّته المصرية- وظهوره في ميدان التحرير وسط حشود المتظاهرين عندما أعلن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، تنحيه عن السلطة، في 11 فبراير 2011.
أثار مشهد ظهور القرضاوي في ميدان التحرير حينها، هواجس عديدة بشأن بدء عملية قرصنة للانتفاضة الشعبية المصرية، تحت عباءة إخوانية، وبدعم قطري.
والحقّ أن ما كان هاجسًا واحتمالًا، تحول إلى واقع، وحقق الإخوان في الأشهر التالية، حلم الوصول إلى قصر الرئاسة، بتنصيب محمد مرسي رئيسًا، بعد أن كان أقصى طموح له هو الحصول على مقعد في البرلمان.
هكذا ترددت في الدّوحة أصداء احتفالات الإخوان في مصر عبر الأبواق الإعلاميّة القطريّة، وتلك التي تتلقّى دعمًا قطريًّا، لدعم النظام المصريّ الجديد.
الإفراج عن خيرت الشاطر:
عقب ثورة يناير مباشرة وفي الثاني من مارس ٢٠١١ خرج خيرت الشاطر ورفيق دربه حسن مالك من السّجن، بعفو خاص وقّعه الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بعدها مباشرة طلب خيرت الشاطر من حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطريّ آنذاك، أن يخبر أمريكا بأنّ الإخوان سيحافظون على اتّفاقية كامب ديفيد في حال حكموا مصر، سواء عن طريق البرلمان أو الرئاسة، إذ لم يكن الدّستور الجديد قد تمّ إعداده بعدُ، ولم يعرف وقتها ما إذا كان النّظام السّياسيّ سيكون برلمانيًّا -كما كان يُفَضِّلُ الإخوان- أو رئاسيًّا؟
طلب الشّاطر أيضًا من ابن جاسم أن يؤكد للبيت الأبيض في واشنطن، أنّ الإخوان سيحافظون على جميع العلاقات والمعاهدات الدّولية، كما طلب دعمًا ماديًّا، وفرته قطر بالفعل للجماعة، عن طريق بنك قطر الإسلامي؛ حيث تمّ تحويل الأموال إلى حساب بنكيّ يخص «أكاديمية التّغيير» التي يديرها هشام مرسي زوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، في مايو من ٢٠١١.
رد الجميل:
بدأ الإخوان في رد الجميل إلى قطر عقب وصول محمد مرسي العياط إلى السلطة بشهور قليلة، ففي الثلاثين من ديسمبر 2012، بدأ رجل الإخوان في قصر الاتحادية، مقر الحكم في مصر، يسخر الاقتصاد المصري بمجمله للمصالح القطرية. وهو ما كشفت عنه فيما بعد الشكوى المقدمة من «إتلاف دعم صندوق تحيا مصر» بالإسكندرية، التي طالبت النائب العام بسرعة الانتهاء من تحقيقات المكتب الفني في البلاغ رقم 4210 -المدعم بالمستندات والوثائق- التي تتهم الرئيس المعزول محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل، بالإضرار العمدي بالمصالح المصرية، عن طريق الشروع في إبرام صفقات مشبوهة مع دولة قطر، بتعليمات من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.
كشف البلاغ المُقدم عن قيام قطر، من خلال تلك الاتفاقيات والصفقات بالاستيلاء على الاستثمارات الخاصة بمنطقة قناة السويس ومناطق أخرى حيوية بمصر، وكذلك المشروعات الخاصة بمصانع الحديد والصلب وعدد من المشاريع الاستثمارية في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ. فضلًا عن الاتفاقية الموقعة لإقامة منطقة صناعية قطريّة ومحطة كهرباء قطريّة وقرية لوجستيّة كاملة في شرق التفريعة ببورسعيد، وهي جميعها اتفاقيات وامتيازات هدفها السيطرة على الاقتصاد المصري وهيمنة دولة قطر على مقدرات الدولة المصرية وهو ما يُعتبر مؤثمًّا قانونًا.
التخابر لصالح قطر:
لم يَقِف الأمرُ عند حدود الإضرار العمدي بالاقتصاد المصري، وإنما تجاوزه إلى التخابر مع مسؤولين قطريين وتسليم ملفات تخص الأمن القومي المصري لهم بتوجيهات من الرئيس المعزول محمد مرسي العياط، وهو ما تم الكشف عنه بعد الإطاحة به ومحاكمته بتهمة التخابر لصالح قطر؛ حيث كشفت مستندات القضية رقم 10154 جنايات ثاني ٦ أكتوبر لسنة 2014، المقيدة برقم 3690 كلي جنوب الجيزة لسنة 2014، أن المتهمين علاء سبلان معد بقناة الجزيرة القطرية وإبراهيم هلال رئيس قطاع الأخبار بالقناة ذاتها تحصلوا على صور ضوئية وعدد من التقارير والوثائق الصادرة من أجهزة المخابرات العامة والمخابرات الحربية، والقوات المسلحة وقطاع الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية بقصد تسليمها لجهة أجنبية هي المخابرات القطرية.
وتضمّنت المعلومات التي حصل عليها المتهمون، بيانات تتعلق بالقوات المسلحة وأماكن تمركزها وسياسات الدولة الداخلية والخارجية، وكذا طرق التدريب ونوعيات التسليح.
وجاء في محضر تحريات القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية التخابر مع قطر، أنّ المتهمين أمين الصيرفي السكرتير الخاص للرئيس المعزول محمد مرسي العياط وابنته وكذلك أحمد عبده عفيفي، وجميعهم أعضاء بجماعة الإخوان، اتفقوا عن طريق المحادثات الخاصة والبريد الإلكتروني - مع المتهمين علاء سبلان، وإبراهيم هلال، في حضور رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم وأحد ضباط جهاز المخابرات القطري - على إمدادهم بالتقارير والوثائق التي كانت محفوظة بخزائن خاصة بالقصر الجمهوري، وهيؤوا سبل نقلها وتسليمها إلى دولة قطر ما يمثل إضرارًا بمركز مصر الحربي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي وبمصالحها القومية.
تضمنت أوراق القضية أيضًا، شهادة الرائد طارق محمد صبري، الضابط المسؤول عن التحريات بقطاع الأمن الوطني، والذي أكد أنه بعد أن أخرج المتهم «أمين الصيرفي» - سكرتير رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي - تلك المستندات من القصر الرئاسي، أعطى قبل ضبطه تكليفًا لابنته - بورقة مكتوبة - بأن تسلم تلك المستندات للمتهم «أحمد عبده عفيفي» والمتهم «علاء سبلان»، وأن المتهم «سبلان» سافر لاطلاع المسؤولين القطريين على صور من تلك المستندات، وتقابل مع المتهم «إبراهيم هلال» وأطلعه عليها، وبدوره حدد هذا الأخير لقاءً للمتهم الهارب «علاء سبلان» مع وزير الخارجية القطري الأسبق «حمد بن جاسم» في حضور أحد ضباط المخابرات القطرية.
وأشار الشاهد إلى أن المتهم المسجون «أمين الصيرفي» أثناء مقابلته لزوجته خلال إحدى الزيارات، استفسر منها عن الأوراق، وماذا فعلت بها نجلته، وأنه كلف زوجته - التي لم تكن تعرف شيئًا - أن تقوم بتسليم الأوراق للمتهم «أحمد عبده عفيفي»، والمتهم «علاء سبلان» عضو جماعة الإخوان، والذي كان يتردد على «الصيرفي» برئاسة الجمهورية، لافتًا إلى أن جميع المتهمين كانوا على علم بالاتفاق الذي تم مع ضابط المخابرات القطري ومحمد بن جاسم على بيع أصول الوثائق مقابل مبلغ مليون ونصف مليون دولار.
ومن بين أوراق القضية محاضر اعتراف عدد من المتهمين ومن بينهم المتهم محمد الكيلاني بخروج تلك الأوراق والمستندات بأوامر من الرئيس المعزول محمد مرسي العياط وأعضاء التنظيم الدولي، وأنهم قاموا بتسريبها من قصر الرئاسة عندما شعروا بقرب نهايتهم في ٣٠ يونيو 2013.
كما استمعت هيئة المحكمة، إلى شهادة المدير السابق لمكتب رئيس الجمهورية مصطفى طلعت الشافعي، الذي تمت إحالته إلى المعاش بتاريخ 21 يونيو من العام 2013. والذي فسر كيفية جمع الوثائق داخل قصر الرئاسة ونقلها فيما بعد إلى قطر؛ حيث أكد أنّ الرئيس المعزول محمد مرسي، استبدل، منذ اليوم الأول له في القصر الرئاسي، عددًا من العاملين والموظفين بالرئاسة، بمجموعة من التابعين لجماعة «الإخوان المسلمين»، مشددًا على أنّ الوثائق تم تسريبها قبل 48 ساعة من عزل مرسي.
استقبال قطر للإخوان:
بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان وفشل اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لم يبق أمام قيادات الجماعة سوى قطر وتركيا؛ اللتين فتحتا ذراعيهما لهم بعد تورطهم في قضايا عنف وإرهاب داخل مصر، ومكثوا هناك لممارسة نشاطهم الإجرامي في التحريض ضد الدولة من خلال المنابر الإعلامية في «تركيا وقطر»، أو من خلال المؤتمرات والندوات التي ينظمها قادة التنظيم الدولي في عدد من الدول الأوروبية.
ومن أبرز أسماء قيادات الإخوان الهاربين إلى قطر، فضلًا عن يوسف القرضاوي، جمال عبدالستار، وعصام تليمة، ووجدي غنيم، أيمن عبدالغني، ومحمد جمال حشمت عضو مجلس الشعب المنحل، وعلي خفاجي أحمد الشريف أمين الشباب السابق بمحافظة الجيزة بحزب الحرية والعدالة المنحل، ووليد شرابي المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر، وأحمد منصور مقدم البرامج بقناة الجزيرة القطرية، وممدوح إسماعيل البرلماني السابق عن حزب الأصالة السلفي، والدكتور محمد عبدالمقصود الداعية السلفي، وإيهاب شيحة، ومحمد محمود فتحي محمد بدر رئيس حزب الفضيلة السلفي وعضو ما يسمى «تحالف دعم الشرعية»، وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد القياديان بالجماعة الإسلاميّة.
ويعتبر عبدالماجد من العناصر الأكثر خطورة بين الهاربين إلى قطر، إذ كانت مهمته ترويع المواطنين أثناء حكم الإخوان ثم اعتصام في رابعة العدوية؛ حيث هدد «بحرق مصر إذا ما فكر أي شخص في إزاحة مرسي عن منصبه»، ويُعد «عبدالماجد» من أبرز المطلوبين أمنيًّا، بعد صدور حكم ضده بالإعدام من محكمة جنايات الجيزة، في القضية المشهورة إعلاميًّا باسم «أحداث مسجد الاستقامة».
قطر وتنظيم القاعدة:
في إطار العلاقات المشبوهة التي تربط دويلة قطر بالجماعات الإرهابيّة يمكننا رصد مشهد الاصطفاف الإعلامي التابع لتنظيم القاعدة الإرهابي للدفاع عن قطر.
ففي عدد يونيو 2017 من مجلة «المسرى» الأسبوعية التي تصدر عن ما يسمى «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وبعد إعلان الرباعية العربية، مصر والسعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر، أعرب القيادي البارز في الجماعة الليبية المقاتلة وأميرها السابق عبدالحكيم بلحاج، صراحة عن استهجانه لما حدث من قطع للعلاقات مع أولئك الذين أسماهم «المخلصينَ لأمتهم وقضاياها»، في تهديد مبطن توعدت فيه القاعدة بالرد على استهداف الدوحة، وكأنها ردة الفعل المنتظرة باسم قطر.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إنما امتد ليشمل تأييد المفتي الشرعي لجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، عبدالله المحيسني لقطر، - في أحد «الهاشتاجات» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قائلا: «بل أقول إن الشعوب المسلمة ترفض محاصرة شعب مسلم»، «وأقول لإخواننا في قطر يكفيكم أننا هنا في سوريا نسمع عجائز الشام يدعون لكم، فهي رسالة لكل من وقف مع المظلومين وأعانهم على نوائب الدهر».
الجدير بالذكر أن علاقة المحيسني بقطر لم تظهر فقط في هذا التأييد المعلن، وإنما تمتد للمشاركه الإعلامية المستمرة عبر قناة الجزيرة، وإمامته للجامع القطري في مكة المكرمة، إضافة لانتقاله عام ٢٠١٢ للإقامة بالدوحة، ومشاركته في نفس العام في المؤتمر الثاني لرابطة علماء المسلمين تحت عنوان «أحكام النوازل السياسية».
سبل الدعم القطري للإرهاب:
كشفت الوثائق الرسمية التابعة لـ«وزارة الخزانة الأمريكية» التي نشرت في أكتوبر 2014، أن التمويل القطري للقاعدة يتم عن طريق بعض رجالها، من أمثال سليم حسن خليفة راشد الكواري، الذي يوصف بـ«ممول القاعدة»، والمتهم بتحويل «مئات الآلاف» من الدولارات لتنظيم القاعدة؛ فضلًا عن الدعم المالي غير المباشر عبر الأموال التي تدفعها قطر للتنظيم، تحت غطاء «الفدية»، من أجل الإفراج عن الرهائن.
كما تدعم قطر القاعدة إعلاميا عبر قناة الجزيرة، من خلال نشر بياناتها وموادها الإعلامية، وبث جميع مقابلات ورسائل قادة التنظيم، وفي مقدمتهم زعيمه الحالي أيمن الظواهري، إضافة إلى الحوارات مع قادة التنظيمات التابعة له ورموزها، أمثال «أبومحمد الجولاني»، زعيم جبهة النصرة، جناح القاعدة في سوريا، وعبدالله المحيسني، مشرّع جبهة النصرة، الذي تم استضافته في نوفمبر 2016، عقب ظهوره في تسجيل مصور وهو يبارك أحد الأشخاص في طريقه لتنفيذ عملية انتحارية.
وإلى جانب عمليات التمويل وبرامج الدعم الإعلامي قامت قطر بإيواء عدد من عناصر وقادة التنظيم على أراضيها.
فحسب ما ذكره خالد شيخ محمد، العقل المدبر لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وما كشفت عنه وثائق «أبوت أباد» لأسامة بن لادن، التي تمت مصادرتها خلال الهجوم على مقره بباكستان، فإن خالد شيخ محمد اختبأ لعام كامل في منزل وزير الداخلية القطري، الأمير عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني، قبل ورود معلومات بوجود فرقة أمريكية تسعى للقبض عليه الأمر الذي سرَّع بخروجه من الدوحة بجواز سفر دبلوماسي متوجها إلى باكستان؛ حيث قُبِضَ عليه هناك.
من أهم ملفات دعم الدوحة المالي للجماعات الإرهابيّة ذلك الذي يتعلق بشخصيتين رسميّتين قطريّتين من مموّلي تنظيم القاعدة، تم وضعهما -بحسب ديفيد كوهين، نائب وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية- على القائمة السوداء العالمية للإرهاب.
وبالرغم من ذلك فإن القطريان خليفة محمد ترك السباعي، الموظف في البنك المركزي القطري، وعبدالرحمن بن عمر النعيمي، الذي يعمل مستشارا للحكومة القطرية -وعلى علاقة وثيقة بالأسرة الحاكمة- يتحركان بحرية في الدوحة كما يحلو لهما.
ومن الجدير ووفق ذات المصدر فقد أرسل النعيمي مبلغ ٦٠٠ ألف دولار إلى 'أبو خالد السوري' مبعوث أيمن الظواهري في سوريا، وهو من كان يمول تنظيم 'القاعدة' منذ عام ٢٠٠٣.
يتصدر أيضا القطريان سالم حسن كواري وعبدالله غانم خوار القائمة السوداء لأهم داعمي وممولي الإرهاب الأمريكية؛ حيث تتهمهم واشنطن بترأس أهم شبكات تمويل «القاعدة» في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، (في العراق وأفغانستان وباكستان)، وفقًا لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية عام ٢٠١١.
وفي عام ٢٠٠٧ تم وضع وتصنيف خليفة محمد تركي السبيعي «أرفع موظفي الدولة القطرية»، على قائمة «تمويل الإرهاب»، وفي تقرير «اللجنة الوطنية حول هجمات ١١سبتمبر»، إشارة إلى دور بعض المؤسسات القطرية مثل «الجمعية القطرية الخيرية» في تمويل «قاعدة» أسامة بن لادن منذ بدايات التسعينيات. وكذلك دور الأمير عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني في إيواء ودعم وحماية خالد الشيخ محمد، أحد المهندسين الأساسيين لهجمات ١١ سبتمبر.
تمويل داعش بالسلاح:
لقد رصدت دراسات بحثية عديدة، المصادر المالية التي تقدمها قطر لتنظيم داعش الإرهابي من أجل سداد قيمة الأسلحة التي تشتريها ، من أجل تنفيذ عملياتها الإرهابيّة، فضلًا عن التسهيلات اللوجستية من قبل الجانب التركي لنقل شحنات تلك الأسلحة إلى مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط - خلال العامين الماضيين.
وفي هذا الصدد قال مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج: «عثرنا على رسالة كتبتها هيلاري كلينتون لمدير حملتها الرئاسية جون بوديستا في مطلع عام 2014 - أي بعد مغادرتها لمنصب وزيرة الخارجية بقليل - تكشف أن واشنطن كانت على علم بتمويل حكومة قطر ودولة أخرى لتنظيم داعش الإرهابي».
واعتبر أسانج في مقابلة خاصة لـRT الروسية، أن هذه الرسالة أكثر أهمية من جميع التسريبات السابقة؛ حيث إنها تدحض الموقف المراوغ للحكومة القطرية التي تعزو حالات الدعم المالي فقط إلى بعض الأمراء القطريين المتهورين.
كما كشفت وثائق ويكيليكس، أن حمد بن جاسم وزير خارجية قطر يدعم الإرهاب في مصر عبر قناة الجزيرة لتحقيق الأهداف السياسية تجاه الدول العربية؛ فضلًا عن أنه تم عقد اجتماع بين وزير الخارجية القطري وقناة الجزيرة لإثارة القلاقل في مصر.
وأكدت التسريبات، أن قطر اشترت أجهزة تجسس عالية الدقة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي بقيمة 638 مليون يورو لاعتقال كل من ينشُر شيئًا ضد الحكومة القطرية.
وفيما يخص دعم الإرهاب في سوريا، نشرت قناة «سي إن إن» الأمريكية، فيديو عن التمويل القطري للإرهاب، باعتبارها الكيان الذي استخدم قناة الجزيرة كأداة لعقد الصفقات الدبلوماسية، فضلًا عن مناقشة اغتيال بشار الأسد بمساعدة العديد من الجهات، منها إسرائيل وأمريكا. وأضاف التقرير أن قطر تضخ أموالًا لتنظيم «داعش»، وأنها هي الدولة الوحيدة التي لها علاقة بحركة طالبان وتمويل القاعدة الأمريكية الموجودة هناك.
قطر واحتضانها الرسمي لحركة طالبان:
بعد 13 عامًا من الحرب على طالبان، فتحت الحركة، التي تصنف كحركة إرهابيّة من قبل المنظمات الدولية، مكتبًا في الدوحة بموافقة أمريكية عام 2013 كخطوة أولى لتسهيل عملية التفاوض، والتسليم بالاعتراف بها، ولكنها اضطرت لإغلاقه بعد شهر، لأن حامد كرزاي اشتاط غضبًا من هذه الخطوة، ولأن حركة طالبان رفعت علمها على المبنى، ووضعت لافتة باسم «سفارة إمارة أفغانستان الإسلاميّة».
طلبت الحكومة الأمريكية من حركة طالبان إزالة هذه اللافتة وإنزال علمها من على المبنى، ولكنها رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، وأكدت أن هذا العلم وتلك اللافتة هما جزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الحكومة القطرية وبالتالي هي ملتزمة به، وجرى إغلاق المكتب (السفارة) في (يوليو) عام 2013 بعد شهرين من افتتاحه في حفل رسمي حضره وزير الخارجية القطري في حينها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وعدد من السفراء الدبلوماسيين المعتمدين.
كل هذا دفع وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية إلى القول إن الأزمة السياسية التي تعصف بقطر تنبع من اتهامات جيرانها لها بدعم الإرهاب، بينما تُنكِر قطر هذه الاتهامات. غير أن علاقتها بإيران واحتضانها لعدد من الجماعات الإسلاميّة، أدى إلى انتشار ما يكفي من الدخان الذي يشير إلى وجود حريق.
ليس ما سبق إلا غيضًا من فيض حول التمويل القطري للجماعات الإرهابيّة، فإذا كان العالم يؤمن حقًّا بضرورة تجفيف منابع الإرهاب فعليه أولًا أن يتصدى للتمويل القطري وإلا فكل مظاهر الشجب والحرب ضذ الإرهاب لن تكون إلا ذرًّا للرماد في العيون.