خيانة الداخل.. توثيق للإرهاب الإيراني متعدد الوجوه (الجزء الأول)
الأربعاء 19/ديسمبر/2018 - 12:59 م
طباعة
حسام الحداد
نظرا لإشارة العديد من التقارير إلى تمدد إيران خارج محيطها الإقليمي؛ لتثير العديد من الأسئلة عن نواياها وطبيعة مشروعها ورؤيتها للعالم وللعلاقات الدولية، ففي الوقت الذي ترسل فيه إيران ميليشياتها بمناطق واسعة داخل العالم العربي، وتخوض حرب مناطق ونفوذ، وتتوسع مذهبيا وأيديولوجيًا في أفريقيا، وتنشر أذرعها الاستخباراتية في أمريكا الجنوبية؛ فإنه -بناء على ذلك- تتزايد بالتدريج الحاجة إلى تكوين معرفة حقيقية عن إيران نفسها؛ إيران من الداخل.
ومن هنا نحاول قراءة ما كتبه المتخصصون في هذا الصدد، رغم كثرة الكتابات في الموضوع سوف نركز على مجموعة قليلة من الكتب والتي تفي بالغرض لحد ما، حتى تعطي ولو فكرة عن محاولات ايران التمدد خارج محيطها الإقليمي وتورطها في أعمال التطرف والإرهاب في المنطقة العربية وغيرها.
ونتناول في هذا الجزء (إيران والإخوان المسلمين، و الأيديولوجيا السياسية لعلي خامنئي، و إيران والسياسة الخارجية: خيانة الداخل)
إيران والإخوان المسلمين
هو أول الكتب التي سوف نقوم بعرضها لأهميته في كشف العلاقة بين نظام الملالي وجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي والكتاب للباحث الإيراني عباس خامه يار صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق في بيروت، ويكتسب موضوع الكتاب أهميته كون الإخوان المسلمين، من أكبر الجماعات السنيّة، وكانت على صلات طيبةـ خاصة مركز الجماعة في مصرـ بمراجع الشيعة، وكان حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، واحدا من أهم الناشطين في لجان التقريب بين السنة والشيعة.
أهمية مصر بالنسبة لإيران
يعقد المؤلف في مقدمة الكتاب مقارنات تاريخية وجغرافية وحضارية وثقافية بين إيران ومصر التي يوجد فيها مقر وثقل جماعة الإخوان، فكما أن إيران هي مركز القوة في العالم الشيعي، فمصر تعتبر مركز القوة في العالم السني؛ لما يشكله كلا البلدين من ثقل سكاني وإرث حضاري وموقع جغرافي متميز، لكن المؤلف لا يفوته وهو يشير إلى أهمية مصر أن يدعو إيران إلى "الاستفادة" من تلك الأهمية، مستشهداً بكلام لأحد المتشيعين في مصر (فهمي الشناوي)، جاء فيه:
"في يوم ما سوف تجد الثورة الإسلامية في إيران السؤال عينه معروضاً عليها للإجابة: هل تفوز برضى مصر، فتكون لها الغلبة وتنطلق عالميّاً كقوة دولية كبرى، أم تفقد مصر فتظل محصورة توصف مرّة بأنها مجرد ثورة داخل الفكر الشيعي، ومرة بأنها ثورة جنس الفرس فقط" ص22.
والكلام السابق الذي نقله خامه يار عن الشناوي في كتابه/ محاضرته "أهمية مصر للثورة الإيرانية" لا يدع مجالاً للشك في رغبة إيران استغلال موقع مصر وأهميتها وثقلها داخل العالم السني لنشر عقائدها، وتصدير ثورتها، مستفيدة من علاقتها القوية بالإخوان المسلمين، وهم أصحاب الحضور البارز في الشارع المصري، وخارج مصر أيضا.
كما استشهد المؤلف بكلام مهم للشناوي أيضاً، جاء فيه: "إن عملية اختراق الحصار العربي إنما تبدأ من مصر، وعملية السباحة عبر المحيط العربي إنما تبدأ من مصر، لا لأهمية مصر بين العرب وحسب، ولكن للأهمية الاستراتيجية لمصر في اللعبة الدولية، ولأنه إن مالت مصر مال العرب، ولأن اكتساب مصر أسهل من اكتساب الحرب الدائرة- وقت كتابه- (بين العراق وإيران)".
عوامل الالتقاء بين الحركتين
يخصص هذا الفصل من الكتاب لبيان العناصر التي أسهمت- من وجهة نظره- في حدوث تقارب بين الحركتين، ثم العوامل التي أدت إلى ضعف الصلات بينهما:
أولاً: عناصر الالتقاء بين الحركتين
ويجملها في: (الفكر الوحدوي عند الحركتين، وموقفهما المشترك من القومية، وقضية فلسطين).
أما عن عناصر الافتراق بين الحركتين فيخصص المؤلف هذا الجزء من الكتاب ليتحدث في عدد كبير من الصفحات عن العناصر التي أضعفت العلاقات الإخوانية- الإيرانية، ويقسمها إلى عوامل فكرية، وأخرى سياسية:
العلاقات بين الإخوان والثورة
وفي هذا الفصل يتحدث المؤلف عن المرحلة التي سبقت انتصار الثورة، ثم تقويم العلاقات بعد الثورة.
ويؤكد المؤلف أن العلاقات بين جماعة الإخوان، وبين قادة الحركة الشيعية بدأت قبل الثورة بسنوات طويلة، وكانت (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) عنصراً مهماً من عناصر التقارب الفكري بين الجانبين، وكان حسن البنا أحد الناشطين في الدار.
ومما يلفت الانتباه بعلاقة الإخوان المسلمين بالحركة الشيعية الإيرانية المناهضة للشاه في تلك الفترة، تلك الحميمية التي كان يكنها الإخوان لنواب صفوي.
ونواب صفوي- لمن لا يعرفه- هو أحد القيادات الشيعية الشابة الثورية، وكان يتعصب لآرائه لدرجة القتل، وكان زعيماً لمنظمة ثورية هي "فدائيان إسلام" (فدائيو الإسلام)، وقام هو وأتباعه بقتل عدد من كبار المسئولين الإيرانيين في عهد الشاه، وإضافة لذلك قتل عدداً من علماء السنة، منهم أحمد كسروي.
وقد كان الإخوان يعتبرون نواب صفوي واحداً منهم، ودعوه لزيارة مصر وسوريا في بداية عام 1954، والتقى قيادة الجماعة، وخطب في مهرجاناتها، وعندما اشتكى له زعيم الإخوان في سوريا د. مصطفى السباعي من انضمام شباب الشيعة إلى الأحزاب العلمانية والقومية، دغدغ صفوي عواطف الإخوان، وقال أمام حشد من السنة والشيعة: "من أراد أن يكون جعفريا حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين". ص225.
ويذكر المؤلف من الأسباب أيضاً: علاقة إيران الوثيقة بالنظام السوري الذي ارتكب أبشع المجازر بالإخوان في سوريا، وضغط الحكومات العربية على الإخوان لينفضوا عن إيران، والحرب العراقية الإيرانية، التي أصرت إيران على استمرارها 8 سنوات.
وهكذا يتضح للقارئ من خلال عرض الكتاب أن علاقة إيران بالإخوان كانت قائمة على دعامتين، هما:
1ـ معرفة إيران بمذهبها والانطلاق منه في التعامل مع الإخوان والعبور من خلالهم إلى العالم السني، مع غياب هذا البعد عند جماعة الإخوان التي لم يدرك كثير من قادتها لليوم مذهبية وطائفية إيران.
2ـ عمل إيران على الأرض بما يتوافق مع مذهبها ومصلحتها كالتعاون مع أمريكا في "إيران جيت" وتأييد مذابح الفلسطينيين في لبنان، ومذابح الإخوان في سوريا، مع دغدغة عواطف الإخوان بالشعارات والكلام، ومن ثَمَّ تحميل الإخوان مسئولية عدم تحقيق الوحدة الإسلامية!!
الآيديولوجيا السياسية لعلي خامنئي
والكتاب الثاني هو " الآيديولوجيا السياسية لعلي خامنئي" الصادر عن مركز تنمية الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا لـ”يافت هوفسبان بيرس″، الباحثة المتخصصة في التأثير الإيراني على السياسات العالَمية، ويعتبر الأول من نوعه في تَتَبُّع تطوُّر الأيديولوجيا الثيوقراطية المتمثلة حاليًّا بالمرشد الإيراني علي خامنئي، استنادًا إلى دراسة عميقة لبياناته الخاصة في المكتوبة بالفارسية الأصلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكتاب لا يُعتبر ترجمة لهذه البيانات، بل تحليل موضوعي لها. ويبحث مضمون الكتاب في أثر الفكر السياسي لخامنئي في الداخل الإيراني والسياسات الإقليمية والدولية.
ويبحث الكتاب أثر الفكر السياسي لخامنئي في الداخل الإيراني والسياسات الإقليمية والدولية.
ومن خلال دراسة عبارات وتصريحات خامنئي في سياقاتها الأصلية، أظهر الكتاب التكوين الفكري لخامنئي وكيف يمكن التكهُّن بردود فعل شخصية كهذه. فالكتاب يحدِّد كيفية رؤيته السياسية الثيوقراطية وكيف يؤثِّر تأثيرًا مباشرًا على المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة وسياسات إيران تجاه المنطقة والعداء تجاه إسرائيل وطموحها لتصبح قوة عالَمية.
يشير الكتاب كدليل تفسيريّ إلى نظرة خامنئي وكيف يمزج بين اعتقاداته الدينية والسياسية في عملية صنع القرار السياسي وتدبير الشأن الداخلي واتخاذ نهج معيَّن في التعامل مع دول الجوار والدول العظمى.
يعتمد الكتاب على التسلسل الزمني وتحليل مكثَّف لفكر ومعتقَدات خامنئي، مستندًا إلى وثائق تخصّ حياته، مرورًا بنشاطه السياسي خلال حركة الثورة الإسلامية في فترة الخميني، إلى فترة ما بعد الخميني وتَوَلِّيه الهيمنة على نظام الدولة.
وبشكل أخص، ذكر الكتاب دور خامنئي في إنشاء إيران في مرحلة ما بعد الخميني، فبدأ بذكر النزاع الذي كان قائمًا بين بني صدر وخامنئي ومحاولة اغتياله في 1981، السنة الذي انتُخب فيها رئيسًا ثالثًا للجمهورية الإيرانية التي استمرَّت إلى حين موت الخميني 1989، عند بداية تولِّيه منصب “المرشد الأعلى الإيراني”.
وبعد تولِّي رفسنجاني الحكومة آنذاك، انتقل الكتاب إلى المرحلة الإصلاحية في عهد خاتمي، والحوار حول السياسة الخارجية، وكيف كانت علاقات خاتمي الخارجية والتوتُّرات بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وتمييز ذكر الكتاب لهذه المرحلة بإبراز ما يُسَمَّى “ربيع طهران”، والحوار حول حرية الصحافة، مبيِّنًا حجم الصراع بين المعسكرين المحافظ والإصلاحي في الدولة.
وكان للمرحلة النووية في عهد محمود أحمدي نجاد نصيب من صفحات الكتاب، فقد عرض نهج خامنئي في السياسة الداخلية والخارجية في تلك الفترة للخروج ببرنامج نووي مستقلّ لنظام ثيوقراطي حديث النشأة.
أما الفترة الحالية التي يقودها حسن روحاني فوصفها الكتاب بأنها فترة الدبلوماسية الإيرانية، وسط عدم رضا خامنئي عن بعض الأمور في هذه الحكومة، إلا أنه تَمتَّع بتأثيره الخاص على الاتفاقيات والسياسات الخارجية.
يتناول الكتاب مواضيع محدَّدة وعناوين تشمل تصوُّرات خامنئي وآراءه حول الولايات المتحدة، التي يعتبر الكتاب أن إيران أصبحت أكبر مخاوفها، وفلسطين، وإسرائيل، وأيضًا احتوى الكتاب على تفسيراتِ وأهدافِ ما يُسَمَّى “الوحدة الإسلامية”، والحديث عن “الربيع العربي” والوضع الراهن للدول الإسلامية، وكيف تحلم إيران بقيادة العالَم الإسلامي، ويشرح الكتاب في هذا الصدد عدة فوائد لتوحيد العالَم الإسلامي من وجهة نظر بعيدة عن واقع إيران، كما يتحدَّث عن تَوْق النظام الإيراني إلى تصدير الثقافة الإيرانية.
ذكر الكتاب أيضًا تعريف خامنئي للحرية السياسية والاستقلالية، وتَبَنِّيَه فكرة التقدُّم الوطني وأهداف البرنامج النووي الإيراني، وتَضَمَّن رؤيته حول الشباب الإيراني، وآراءه حول الديمقراطية وكيف تُمارَس مع التقيد الصارم بالعقيدة الثورية أو ما يسميه “الديمقراطية الدينية”.
إيران والسياسة الخارجية: خيانة الداخل
وكتاب "إيران والسياسة الخارجية: خيانة الداخل" هو لمجموعة باحثين صادر عن مركز المسبار للدراسات 2018، فيؤكد على أن طهران عملت خلال أربعة عقود على بناء نفوذها الإقليمي في المناطق التي تنظر إليها كعمق استراتيجي وتاريخي لها، بعدما رفعت "الثورة الإيرانية" بعد انتصارها عام 1979 واستتباب الحكم لنظام ولاية الفقيه، شعار "تصدير الثورة" الذي يُعد أحد دعائم الدولة الدينية في إيران. فسعت إلى استعادة أمجادها الغابرة عبر تعميق حضورها السياسي والمذهبي في الإقليم واتجهت مع الوقت نحو مزيدٍ من "العسكرة"، مستفيدة من الفراغ الإقليمي العربي مع تراجع مصر عن أدوارها، وانتشار الاضطرابات والصراعات الأهلية في أكثر من بلد عربي. أتى ذلك في ضوء حسابات خاطئة قام بها أكثر من طرف إقليمي ودولي، خصوصاً بعد عام 2001 الذي عرف تحولات درامية لم تؤثر في دول الشرق الأوسط فحسب، بل في المشهد الدولي برمته.
ويسعى الكتاب إلى محاولة فهم الكيفية التي تبني فيها "الجمهورية الإسلامية" استراتيجياتها الإقليمية عبر أذرعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والمذهبية، والتي قامت بمراكمتها منذ وصول "الملالي" إلى السلطة على أنقاض نظام الشاه. لقد قادت إيران جبهات عدة في مجالها الحيوي من أجل تثبيت نفوذها والدفاع عما تسميه مصالحها القومية، وأفادت من بعض الشيعة في عدد من الدول العربية تحت حجة "المظلومية والتمكين" مما أدى إلى زعزعة استقرار هذه الدول مع استخدامها لوكلاء محليين وإقليميين ولمجموعات ومنظمات مسلحة عابرة للحدود. إن عمل طهران على تثبيت نفسها كـــ "قوة إقليمية" في جغرافيا مضطربة أدى بها إلى دفع تكاليف باهظة ليس على المستوى الخارجي فحسب، وإنما في الداخل أيضاً، وذلك مع ارتفاع حجم كتلة الاعتراض الشعبي على هدر مقدرات البلاد على النفوذ الإقليمي. ولعل "الحراك الاحتجاجي" الذي شهدناه أواخر عام 2017 يقدم دليلاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة، مع أخذنا بالاعتبار معدلات البطالة والفقر المرتفعة، والتي تصدرت لائحة مطالب المحتجين.
وحول التدخلات الإيرانية ونفوذها الذي يتمدد في منطقة الشرق الأوسط يقوم الكتاب بتشريح انعكاسات هذا التدخل السلبية على الداخل الإيراني، محدداً أهم العوامل الدافعة باتجاه تراكم الخسائر الداخلية، بسبب المغامرات الإقليمية التي وضعت فئات اجتماعية واسعة في مواجهة النظام وسياساته. تعد الأسس النظرية للتدخلات الإيرانية أحد المفاتيح لفهم العقلية التي تقود فيها إيران نفوذها الإقليمي، واعتبرت -إحدى الدراسات- أن طهران ومن أجل تقوية نفوذها، تعمل على استغلال البنى الاجتماعية في العديد من الدول العربية، وتحرض جماعة ضد جماعات أخرى أو ضد السلطة، وتؤجج التناقضات والاختلافات الدينية والعرقية والسياسية. لكن "استراتيجية التوسع" الإيراني دونها تكاليف كبيرة وانزلاقات إقليمية يدفع ثمنها الداخل، وهي مرشحة للتصاعد في الأشهر المقبلة مع زيادة العزلة التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية.
وحول التدخل الإيراني في سوريا ورصد العلاقات السورية الإيرانية، حيث يرتبط "نظام الملالي" في إيران بعلاقات وطيدة مع النظام السوري تعود إلى حقبة حافظ الأسد، والتي حافظت على استقلالية القرار السوري طوال الفترة الممتدة من عام 1979 حتى عام 2000؛ وشهدت هذه العلاقات زخماً مع الأسد الابن وقويت بعد عام 2011 الذي شكل انعطافة كبيرة في تاريخ سوريا المعاصر، حيث بدت وتيرة التدخل والاستقواء الإيرانيين أكثر حدة مع تزايد "الحراك الاحتجاجي" نحو التدويل والعسكرة، مما دفع القيادة الإيرانية وأذرعها في المنطقة إلى دعم النظام السوري ومنعه من التهاوي، في ظل اشتداد النزاع الدولي والإقليمي. تتبع الكتاب دور إيران في سوريا، محللاً تبعاته على المديين القريب والمتوسط، وكاشفاً عن مخاطره على مستقبل السوريين.
وتعتمد ايران في بناء استراتيجيتها على "القوى الناعمة" فعمدت إلى تأسيس قنوات إعلامية ومواقع إلكترونية من أجل نشر خطابها السياسي والديني. وتعد المملكة المغربية من بين الدول التي طمحت "القيادة الإيرانية" إلى التأثير فيها عبر البوابة الدينية من خلال استمالة بعض رجال الدين السُنة والترويج لأجندتها. ولأهمية هذا الموضوع قرأ الكتاب أسس واستراتيجيات الدعاية الإيرانية في المغرب، للخروج بفهم دقيق حول الآليات التي تستخدمها إيران في خطابها الإعلامي، مع ما يرافقه من تصدٍّ وتوعية للسلبيات المترتبة عليه.
أما على جانب الصراع العربي الإسرائيلي فتكتسي علاقة إيران بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين طابعاً متقلباً يقع تحت معادلة "التقارب والبرود" أو "الانحسار والتقدم". تخلص إحدى الدراسات إلى أن "الخيار الأكثر واقعية المتاح أمام حماس سيبقى في حالة تذبذب بين المحور الإيراني والحاضنة العربية، تحافظ على الدعم الإيراني عبر تصريحاتها الإيجابية وقوة علاقة جناحها العسكري مع إيران من جهة، ومن جهة أخرى ستُبقي الباب مفتوحاً أمام الدول العربية والمجتمع الدولي الذي يطمح إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة، فتكون هذه ورقة قوية بيد حماس تفاوض من خلالها على صفقة كبيرة أو صفقات صغيرة مناسبة ومنطقية، تتسق مع مصالحها فيمكنها أن تلوح بهذه الورقة متى شاءت، حتى تقرر أنّ الوقت قد حان لكي تستغني عنها وتستبدلها".
وعلى مستوى العلاقة مع البعد الإقليمي "دول الخليج" فتعد العلاقات الإيرانية– الخليجية من بين العلاقات الدولية الأكثر توتراً بسبب السياسات الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، وقد درسها الكتاب من زاويتين: أثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، والتدخلات الإيرانية في الشؤون الخليجية، وكيف تصدت الدول المعنية لها. إلى ذلك تشكل العلاقات التركية– الإيرانية باباً هاماً للتعرف على طبيعة الروابط الإقليمية المعقدة والمتداخلة، والتي تُنسج –غالباً- على منوال من التناقضات والتضارب. تَحَكَّمَ في صلات أنقرة بطهران خلال السنوات الأخيرة متغيران مفصليان: الأول بعد انفجار الحركة الاحتجاجية في سوريا وما نتج عنه من تدهور وعنف أهلي، والثاني بعد دخول روسيا العسكري القوي على خط الأزمة السورية بدءاً من عام 2015.
وقد ناقش الكتاب أيضا التدخل الإيراني في القارة الإفريقية حيث تشهد القارة تنافساً محموماً بين القوى الدولية والإقليمية، وقد دخلت إيران على خط التنافس، منطلقة من رؤية استراتيجية، تستخدم قواعد الاقتصاد الدولي، لتحقيق مصالح قومية. حاول الكتاب البحث في طبيعة النفوذ الإيراني في القارة السوداء، مبرزاً التطور الحاصل في عملية توطيده وتوسيعه بدءاً من حكم هاشمي رفسنجاني، ومعطياً الأولوية للعامل الاقتصادي.
إن فرض إيران نفسها قوة إقليمية يتم عبر دعم منظمات مهددة لأسس الدولة، وتعتبر تجربة العراق مع قوات الحشد الشعبي مثالاً واضحاً على ذلك. تطرقت الدراسة التي غطت هذا الموضوع إلى إبراز مختلف الجوانب المرتبطة بالحشد ونشأته والفصائل المكونة له، مع توضيح الدرجة التي تربط كلاً منها بإيران، وحدود الدور الذي قام به في مواجهة «داعش»، وموقف الحكومة العراقية والمرجعيات الدينية منه، ومشاركته في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وممارساته الطائفية ضد السنة، ودوره في الصراع السوري.
على الرغم مما يبدو عليه الحضور الإيراني الإقليمي من قوة وقدرة، فإن القراءة المتأنية بين السطور تبرهن على اختراقات واهتزازات في مناطق النفوذ التي تغلغلت فيها منذ أربعين عاماً، والهيبة الإيرانية مرشحة لمزيد من الانتكاسات مع جملة التحديات التي تمر بها إيران، والتي تحتم عليها التراجع بشكل تدريجي نحو الداخل، كي لا تضطر إلى تجرع «كأس السم» والتفاوض على طاولة الكبار من موقع الدولة الخاسرة.