كيف يمكن ان تقدم عمل ابداعي عن واقع افغانستان بين حركات اصولية مثل القاعدة وطالبان لقاري غربي لا يعرف الكثير او لايعرف شيئا علي الاطلاق عن هذه الحركات واهدافها وزعمائها ؟سؤال صعب للغاية .لكن الروائي الفرانكفوني والذى يكتب بالفرنسية الدكتور " محمد طعان " قدم اجابة نموذجية باهرة في روايته الضخمة " لاجئو بيشاور " حيث نسج بقلم رشيق وباسلوب سلس  وفي ضفيرة واحدة بين الاحداث المتخيلة وبين التوثيق الذى يتعلق بشخصيات حقيقية لعبت دور كبير في الواقع بين افغانستان وباكستان والسعودية وتنقل قلمه الذى اصبح في يده كالكاميرا التى تنتقل بمهارة فائقة بين مدن عديدة منها كابول وجلال اباد ولاهور .لتدور ملحمة عنيفة تحمل بصمات الدم وسخونة الاحداث واوجاع الاسئلة التى مازالت بلا اجابات لانها تبحث عن مبررات للكراهية والقتل وضياع الانسانية .

الرواية قدمت في الجانب التوثيقي معلومات قيمة حول نشاة الحركة الوهابية  وحياة وافكار مؤسسها محمد بن عبد الوهاب ومدرسة ابن تيمية الفقهية .وكذلك حياة وفكر اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وصولا لحركة طالبان .وهذه الاجزاء التوثيقية ضرورية للقاري الذى يقرا بالفرنسية والذى كتبت الرواية من اجله  اولا . لذلك تعد هذه الاجزاء اساسية في فهم السياق العام للاحداث الابداعية وكانها خلفية المسرحية التى تدور رحاها في تشويق واثارة  اعطت الرواية روح معبرة عن هذه الحقبة التاريخية الساخنة والتى مازالت شظاياها قائمة في افغانستان حتى الان متمثلة في حركة طالبان .فقد تسلل قلم الكاتب لهذا المجتمع المتشدد الفكر والذى تنمو فيه بسرعة مذهلة الجماعات الاصولية المختلفة من حركات الاسلام السياسي .وفي الجانب الابداعي نجد حرب من نوع اخر تدور رحاها حول الشيخ الاصولي "عبدول " والذي جمع في شخصيته كل معاني الانتهازية الدينية المتمثلة في الفتاوي الجاهزة لخدمة مصالحه الخاصة وافكاره المدمرة فهو يفتي ويحلل تجارة المخدرات التى تقوم عليها الحركات الارهابية وتعد مصدر تمويلها الاول بحجة ان المخدرات هنا يتم تصديرها لتدمير الشباب الاوروبي فتصبح بذلك نوعا من الجهاد . وتظهر بشاعة الشيخ " عبدول " في زواجه من طفلة معاقة ذهنيا يستخدمها بعد ذلك في عملية انتحارية معتبرا ان محاولة علاجها امر حرام شرعا لانه يخالف الصورة التى خلقها الله بها .كما يستغل شقيقها في عملية انتحارية اخري اراد بها قتل عدواته اللدود طوال احداث الرواية وهي السيدة " ستريب " الموظفة بمكتب الامم المتحدة والتى تحكمها انسانيتها في التعامل مع اللاجئين وضحايا الحرب والجماعات الارهابية في افغانستان . وهي علي النقيض تماما من هذا الشيخ الذي يتاجر بالارواح باسم الدين الذي يعد نفسه حارسا له والمفسر الوحيد لشرعه .من هنا تتخذ الاحداث الروائية محورا ساخنا لصراع جديد بين الغرب متمثلا في موظفة الامم المتحدة وبين ممثلا للاصولية  بكل عنفوانها في افغانستان .فالسيدة تحاول انقاذ اللاجئين من الجوع فتقدم اللحوم المعلبة لهم ويثور الشيخ معتبرا ان الموت جوعا افضل لهم من اكل لحم حرام رغم التاكيد له انه لحم بقري وليس من لحوم الخنازير الا انه يامر اتباعه بحرق علب اللحوم ؟ وتتمادي المشاكل بينهما وتصل لذروتها عندما يتهمها الشيخ باهانة وازدراء الدين الاسلامي و " سب الدين " ثم يصدر فتوي بارقة  دمها .وتصبح حياتها مهددة .الرواية في احداثها المتعددة ترصد العديد من مظاهر الفساد في المجتمع الافغاني وكيفية نشاة طالبان للتصدي لهذا الفساد يتداخل هذا بخلفية الصراع الامريكي  في مواجهة الروس ثم العمل مع الجماعات الجهادية  ومحاولة مكتب مكافحة المخدرات التصدي لعمليات التهريب .لتختم الرواية صفحاتها وتبقي انفاسها وظلها الممدود علي واقع مرعب ومثير يتطلب جزء ثانيا من الرواية الضخمة لان فصولها مازالت تتحرك علي ارض  تعيش عليها تنظيمات اخري مثل " داعش "استخدمت نفس المنهج بل وجندت الاطفال واستخدمتهم في اعمال انتحارية علي طريقة الشيخ " عبدول " الذى مازال حيا في سوريا والعراق وكذئب طليق ايضا في الغرب