تقرير امريكي : الانتخابات العراقية طريق المليشيات المسلحة للبرلمان
الإثنين 11/أكتوبر/2021 - 01:29 م
طباعة
روبير الفارس
تعليقا علي الانتخابات البرلمانية المبكرة بالعراق قال تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني ان قليلون هم من يتوقعون أن تكون هذه الانتخابات أكثر من مجرد لعبة كراسي موسيقية، ومن غير المرجح أن تلبّي المطالب الأساسية لـ "حركة تشرين"، وهي الحدّ من الفساد المنهجي، وتوفير فرص العمل، ومحاسبة الجماعات المسلحة. وتحظى هذه المطالب بشعبية عبر قطاع واسع من الطيف السياسي: ففي استطلاع حديث للرأي أجراه "مركز تمكين السلام في العراق"، دعم 70 في المائة من المستطلعين حركة الاحتجاج "إلى حد ما" أو "للغاية"، وذكر 80 في المائة منهم أن الفساد هو أحد أكبر المشاكل في العراق - أي ما يقرب من عشرة أضعاف نسبة الذين ذكروا تنظيم «داعش» (8.8 في المائة) أو قضايا الرعاية الصحية/فيروس كورونا (5.9 في المائة). كما أظهر الاستطلاع انخفاض الثقة بالعملية الانتخابية رغم خضوعها لبرنامج رقابة دولي - حيث اعتقد 23 في المائة فقط من المستطلعين أن التصويت سيكون حراً ونزيهاً "إلى حد ما" أو "للغاية". ولمواجهة مثل هذه التصورات، شجع آية الله علي السيستاني المشاركة [في الانتخابات] من أجل زيادة الإقبال، الذي انخفض من 61٪ إلى 44٪ بين عامي 2014 و 2018.
وتبدو الفرصة ضئيلة أمام الشباب العراقي المحروم عملياً من حقوقه، للوصول إلى السلطة في نظام سياسي يفضل الأغنياء والأشرار. ويبدو أن ردهم على هذه المعضلة بعيد كل البعد عن أن يكون متجانساً - فبعض المحتجين من "حركة تشرين" ما زالوا مرشحين في هذه الانتخابات رغم كل شيء. ومع ذلك، لن يشارك كثيرون غيرهم في هذه الانتخابات أو يدعون إلى مقاطعة جماعية لها. وبالتالي، يبدو أن الاحتجاجات والاعتصامات ستبقى نموذجاً موازياً للسياسة في العراق إلى أجل غير مسمى. وبدلاً من الانتقال إلى سياسة الأحزاب، يختار العديد من الشخصيات عدم التقيّد بالقواعد المعدّة ضدهم. ومن وجهة نظرهم، إن أفضل طريقة للضغط على النظام هي من الخارج - على سبيل المثال، من خلال عدم الموافقة على وصول المرشحين إلى الوظائف الرئيسية، كما فعلوا في عام 2020 عندما تمّ اختيار الخلف المؤقت لعبد المهدي.
وقال الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادني وهاب بلال في البداية، اجتاحت حركة الاحتجاجات الجماهيري وسط العراق وجنوبه في أكتوبر 2019، الأمر الذي أرغم الحكومة على تغيير قادة البلاد والالتزام بإجراء تعديلات واسعة على النظام الانتخابي. وكان من يسمون بـ "التشرينيون" - الملقبون على اسم الكلمة العربية لشهر تشرين الأول - يحتجون ضد الحكومة المنبثقة عن انتخابات عام 2018، والتي صنفوها بحق على أنها فاسدة، وغير فعالة، ومدينة بالولاء لإيران وشبكتها الواسعة من وكلاء الميليشيات الشيعية العراقية إلى حدّ كبير. وعلى الرغم من أن تلك الانتخابات أضفت غطاء من الشرعية الديمقراطية على الحكومة ومنحت بعض الفصائل إمكانية النفاذ إلى خزائن الدولة جيدة التجهيز، إلا أنها لم تنجح في توفير الاستقرار، والوظائف، والحوكمة الخاضغة للمساءلة. لذلك لجأ الشباب العراقي إلى الاحتجاجات المستمرة كشكل بديل للسياسة.ومنذ ذلك الحين، تراجعت الآمال الأولية الكبيرة لإصلاح النظام الانتخابي وأفسحت المجال للتهكم في أوساط "التشرينيين"، الذين من المتوقع أن يقاطع الكثير منهم الانتخابات ومن جانبها، كانت الولايات المتحدة تأمل على الأرجح في أن تؤدي الاحتجاجات إلى قيام حكومة مستقرة وذات سيادة قادرة على معالجة الفساد وكبح جماح شبكة الميليشيات الإيرانية. وعلى الرغم من أن هذه الأهداف تبدو بعيدة المنال إلى حدّ كبير خلال هذه الدورة الانتخابية، إلّا أنه لا يزال هناك دور مهم لواشنطن لتلعبه على المدى الطويل - ليس من خلال انتقاء قادة العراق، بل عن طريق الضغط بشكل مطرد من أجل المساءلة والشفافية التي يحتاج إليها الشعب لبناء حكومة أفضل.
واكد التقرير ان الحكومات الائتلافية الكبيرة اختارت تقاسم المحسوبية بشكل عام بدلاً من ذلك. بالإضافة إلى ذلك، وفي أعقاب الحرب ضد تنظيم «داعش»، سارعت الميليشيات إلى وصف نفسها على أنها محررة العراق واستغلت هذه الشعبية لتحقيق انتصارات برلمانية في عام 2018. ومن ثم، فاقمت الحكومة انعدام الاستقرار والفساد في البلاد، وعانى الشعب جراء ذلك. وعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في عام 2019، سرعان ما واجه المدنيون العزل عنفاً وحشياً أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص وإصابة ما يقرب من 10 آلاف شخص آخر بجراح. ومع ذلك، فقد تمكنوا من تحقيق اثنين من مطالبهم الأساسية، وهي: الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي وجعل خلفه، مصطفى الكاظمي، يلتزم بإجراء انتخابات مبكرة.ومع ذلك، يشعر اليوم الكثير من المحتجين بالإحباط. ومع استمرار ضغوط الشارع، قدّمت الطبقة الحاكمة تنازلات، مثل إقرار قانون جديد ديسمبر 2019 أحدث تغييرات جذرية في نظام الانتخابات. لكن حالما تضاءلت الضغوط في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا ("كوفيد-١٩")، فإن أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة تنفسوا الصعداء وشرعوا في تعزيز الوضع القائم، وذلك جزئياً من خلال إعاقة اتخاذ تدابير إصلاحية مختلفة أو تأخير تنفيذها. فعلى سبيل المثال، استغرق ما يقرب من عام لكي يتفق مجلس النواب العراقي على تقسيم محافظات العراق الثماني عشرة إلى ثلاثة وثمانين دائرة انتخابية جديدة. وعلى الرغم من أن هذا التغيير كان يهدف إلى تعزيز المساءلة المحلية، إلا أن الأطراف المسؤولة عن العملية استغلته للتلاعب في حدود الدوائر الانتخابية بما يصب في مصلحتها.والأسوأ من ذلك، أصبح العديد من الناشطين والصحفيين والمرشحين المحتملين للانتخابات أهدافاً سهلة لحملة اغتيالات شرسة. ففي مايو، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن ما لا يقلّ عن 34 شخصاً لقوا مصرعهم منذ بدء الاحتجاجات، بينما تمّ استهداف 81 شخصاً آخر، نقلاً عن أرقام الأمم المتحدة. ولا يزال مرتكبو هذه الأفعال طليقي السراح، مع بضعة استثناءات. وهذه الهجمات، إلى جانب خلل التوازن المالي الهائل بين حركة الاحتجاج والأحزاب الحاكمة، قد جعلت من شبه المستحيل على المعارضة تنظيم حملات ذات حيوية.ووفقاً لذلك، من المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى قيام مجلس نواب مجزأ آخر، تعقبه مساومات فاسدة ومبهمة بين الفصائل لتشكيل الحكومة المقبلة. ويستعد "تحالف الفتح"، وهو الكتلة التي تمثل العديد من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، للاحتفاظ بمعظم مقاعده البالغ عددها 48 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 329 مقعداً. وفي انتهاك صارخ للمادة 9 من الدستور، التي تحظر على العناصر المسلحة الترشح للانتخابات، أدرجت «كتائب حزب الله»، المصنفة جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، مرشحيها ضمن قائمة "حركة حقوق". وكانت الميليشيتان الوكيلتان لإيران «عصائب أهل الحق» و«منظمة بدر» قد قامتا بالخطوة نفسها. ويُعتبر صعود الميليشيات ذات الأذرع السياسية بمثابة تراجع حاد في السياسة الديمقراطية في العراق.وقال التقرير أما مقتدى الصدر، الذي يعتبر عادةً مركز ثقل الكتلة الشيعية في العراق، فقد تفوز قائمته الانتخابية بمقاعد في مجلس النواب أيضاً، لكن من غير المرجح أن تحصل على عدد كافٍ من هذه المقاعد لكي تهيمن على المشهد السياسي الشيعي. وإذا اختلف مع "تحالف الفتح" على أي أصوات برلمانية مستقبلية، فإن النخب السياسية الراسخة التي ورثت السيطرة على الأحزاب التقليدية في العراق ستكسر التعادل على الأرجح، ومن بينها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ومحافظ النجف السابق عدنان الزرفي والرئيس السابق لـ "المجلس الأعلى الإسلامي" العراقي عمار الحكيم. وتجاهلت معظم منصات الحملات الانتخابية التي استخدمتها الفصائل المهيمنة المطالب الشعبية، مما جعل الكثير من العراقيين يتوقعون تكرار سيناريو عام 2018. وفي انعكاس واضح لسياسات المحسوبية المجربة وعدت «قوات الحشد الشعبي» بإعادة تجنيد 30 ألف مقاتل ضمن صفوفها قبل أسابيع من يوم الاقتراع.أما في كردستان، فقد تسفر الانتخابات عن انتهاء المعارضة من قبل الأحزاب الصغيرة. وكان «الاتحاد الوطني الكردستاني» قد تحالف مع أكبر جماعة معارضة هي «حركة التغيير [كوران]» للتعويض عن أزمة القيادة الحالية التي يواجهها ومنع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» من تحقيق فوز ساحق. وقد ينجح عدد قليل من البرلمانيين الأكراد المستقلين والذين لا يتوانون عن التعبير عن مواقفهم في أن يصبحوا أعضاء في مجلس النواب في بغداد. وبالمثل، يتنافس تحالفان رئيسيان على مقاعد في المحافظات العراقية ذات الغالبية السنية - حزب "تقدم" بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" بقيادة رجل الأعمال خميس الخنجر. وبعيداً عن كَوْن الأحزاب السنية والكردية صانعة الملوك، سيتعين عليها التحالف مع الفائزين الشيعة لكي تكون جزءاً من الحكومة المقبلة. وعموماً، سيشمل مجلس النواب الجديد عدداً أكبر من المرشحين المستقلين، لكنهم سيكونون على الأرجح لقمة سائغة للكتل الفائزة بدلاً من تشكيلهم كتل خاصة بهم.