هل يعترف العالم بطالبان قريبا.. ؟
الأربعاء 13/أكتوبر/2021 - 10:27 ص
طباعة
حسام الحداد
لا شك ان اعتراف العالم بطالبان بات القضية الاولى التي تشغل قيادات الحركة الارهابية التي استطاعت السيطرة على أفغانستان منتصف أغسطس الماضي، وفي محاولة للاجابة عن سؤال العنوان نستطلع في هذا التقرير تصريحات بعض الفاعلين ونبدأها بتصريح الناطق باسم طالبان حيث أكد الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم أنّ الغرب يحاصر الشعب الأفغاني، مستغربًا تركيزه على أمور ثانوية كحقّ الحرية والتعلم، في مقابل "تهميشه" الحق الأساسي في الحياة.
واتهم نعيم في حديث إلى تليفزيون "العربي" من الدوحة، بحرمان النساء والأطفال والمرضى في أفغانستان من حقوقهم الأولية التي تتعلق بحياتهم عبر حرمانهم من أموالهم، معتبرًا أنّ دول الغرب تثبّت بذلك عدم احترامها لحياة الإنسان.
وشدّد نعيم على أنّ حركة طالبان "وفت بكلّ تعهّداتها"، معتبرًا كلّ الدعاوى بخلاف ذلك "فارغة ولا أساس لها من الحقيقة"، ولافتًا إلى أنّ طالبان احترمت حقوق الإنسان "كما لم يحترمها أحد في التاريخ المعاصر"، على حدّ تعبيره.
وتوقع أن يكون هناك اعتراف دولي بنظام حركة طالبان في أفغانستان في نهاية المطاف، مشيرًا إلى أن عدم الاعتراف "مؤقت"، لأنّ النظام الذي أنشأته الحركة "هو الوحيد الذي يمثل الشعب الأفغاني بكلّ أطيافه".
الخارجية الأميركية:
وفي هذا السياق قال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الثلاثاء 12 أكتوبر 2021، إن "مناقشات مثمرة" جرت بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان" حول قضية المساعدات الإنسانية لأفغانستان، خلال اجتماعات نُظمت في قطر مطلع الأسبوع، ووصف المحادثات بأنها "إيجابية إلى حد كبير".
وأضاف برايس أن اجتماعاً آخر عُقد الثلاثاء مع ممثلين من "طالبان" شارك فيه مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إلى جانب مسؤولين أميركيين.
وعقدت "طالبان" السبت والأحد اجتماعات مع مسؤولين أميركيين من المخابرات والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ناقش خلالها الجانبان وصول المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان.
وقال برايس إن المحادثات ركزت على الأمن والمخاوف المتعلقة بالإرهاب، وتوفير ممر آمن للمواطنين الأجانب والحلفاء الأفغان للولايات المتحدة لمغادرة البلاد، وكذلك حقوق الإنسان.
وأضاف برايس أن "الوفد أوضح، مثلما نفعل باستمرار، أن الحكم على طالبان في نهاية المطاف لا يعتمد فقط على أقوالها، بل يعتمد فقط على أفعالها".
والأحد، قالت حركة "طالبان" إن الولايات المتحدة وافقت على تقديم مساعدات إنسانية لأفغانستان التي تعيش على شفا كارثة اقتصادية، بينما ترفض الاعتراف السياسي بحكام "طالبان" الجدد في البلاد.
وكان البيان الأميركي أقل تحديداً، مكتفياً بالقول إن الجانبين "ناقشا تقديم الولايات المتحدة مساعدة إنسانية قوية ومباشرة إلى الشعب الأفغاني"، موضحاً أن المحادثات لم تكن بأي حال من الأحوال مقدمة للاعتراف بحكم "طالبان".
ليس اعترافاً
تأتي هذه الاجتماعات بينما تسعى حركة "طالبان" إلى كسر عزلتها الدولية، بعدما استولت على السلطة في أفغانستان إثر انسحاب القوات الأجنبية في نهاية أغسطس الماضي، بعد حرب استمرت 20 عاماً.
وتسعى "طالبان" إلى نيل اعتراف دولي بشرعية سلطتها في أفغانستان والحصول على مساعدات لتجنيب البلاد كارثة إنسانية وتخفيف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها.
ولم تعترف أي دولة حتى الآن بشرعية حكم "طالبان"، فيما تضع بعض الدول شروطاً للاعتراف، أبرزها أن تحترم الحركة حقوق المرأة.
والاثنين، قال وزير الخارجية في حكومة "طالبان" أمير خان متقي: "نريد علاقات إيجابية مع كل العالم، ونؤمن بعلاقات دولية متوازنة. نعتقد أن العلاقات المتوازنة من الممكن أن تنقذ أفغانستان من انعدام الاستقرار".
لكن الناطقة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي قالت إن اللقاء في الدوحة "غير رسمي وسيجرى على المستوى التقني ولا يشكل اعترافاً بالحكومة الانتقالية"، في إشارة إلى حكومة "طالبان".
تجنب الانهيار
من جهته، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عقب محادثات مع وزراء التنمية الأوروبيين، إن التكتل يتطلع إلى تعزيز مساعداته المباشرة للشعب الأفغاني في مسعى لتجنيب البلاد "الانهيار".
ويواجه المجتمع الدولي مهمة بالغة الدقة تكمن في توفير المساعدات الطارئة للشعب الأفغاني، من دون تقديم أي دعم لحكم "طالبان".
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الاثنين، العالم إلى ضخ السيولة في البلاد لتجنب انهيارها اقتصادياً، لكنه قال إنه "منزعج خصوصاً بسبب عدم وفاء حركة طالبان بالوعود التي قطعتها للنساء والفتيات الأفغانيات".
والثلاثاء، أفادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بأن الاتحاد الأوروبي سيعلن خلال قمة مجموعة العشرين الافتراضية في روما، برنامج مساعدات بقيمة مليار يورو للشعب الأفغاني ودول الجوار، لـ"تجنب انهيار إنساني"، وهو مبلغ يزيد عن الرقم المخصص مسبقاً بـ700 مليون يورو.
وقالت فون دير لاين في بيان: "علينا القيام بكل ما بوسعنا لتجنب انهيار إنساني واجتماعي-اقتصادي كبير في أفغانستان. الشعب الأفغاني يجب ألا يدفع ثمن أعمال طالبان".
دول تدفع باتجاه الاعتراف بطالبان
وخلال الأيام القليلة الماضية حثت قطر وباكستان في مناسبات عدة المجتمع الدولي على عدم مقاطعة أفغانستان تحت حكم طالبان، وكذلك أبدت الصين مواقف مماثلة في هذا الخصوص.
و لايزال العالم يترقب ما ستقوم به طالبان ومدى إمكانية أن تغير شكلها الذي ظهرت عليه خلال ولايتها الأولى على أفغانستان بين عامي 1996 و 2001 عندما كانت تفرض حكما صارما يعتمد على الشريعة ويحظر خروج المرأة والموسيقى والتصوير والتلفزيون وحتى ألعاب الأطفال.
يقول رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات عبد الجبار بهير إن "حركة طالبان تمتلك علاقات طيبة مع الصين، وبالتالي ترى بكين أن تمتع (طالبان) بعلاقات طبيعية مع باقي دول العالم سيفتح المجال أمامها للاستفادة اقتصاديا من خلال بعض المشاريع والاستثمارات".
ويضيف بهير في حديثه لموقع "الحرة" أن "باكستان والصين لديهما علاقات متينة، وبالتالي تحاول إسلام آباد الضغط والاستفادة من تلك العلاقات لصالح طالبان".
"كذلك تمكنت قطر من بناء أواصر متينة مع طالبان من خلال لعبها لدور سياسي واضح في السابق ساهم في المفاوضات التي أقامتها طالبان مع الولايات المتحدة"، وفقا لبهير الذي أشار إلى أن الدوحة لا تريد أن تخسر ذلك كله في حال استمرت القطيعة الدولية لنظام حكم طالبان.
ويتفق الكاتب والصحفي الأفغاني زمرالاي أباسين مع هذا الطرح، ويرى أن قطر وباكستان والصين يعتبران من الحلفاء المقربين لطالبان، وخصوصا في السنوات الأخيرة.
ويضيف أباسين في حديث لموقع "الحرة" أن "الجميع يعلم أن قطر هي من رعت المفاوضات بين الحركة والولايات المتحدة في الدوحة، وبالتالي هناك مصالح متبادلة بين الطرفين في السابق وحاليا وبالتأكيد مستقبلا".
في الخطاب الذي ألقاه عبر الفيديو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة السبت، أشار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى أن طالبان وعدت باحترام حقوق الإنسان وتأليف حكومة شاملة منذ سيطرتها على البلاد الشهر الماضي، رغم خيبة الأمل العالمية في الحكومة الموقتة التي شكلتها الحركة.
وقال خان "إذا قام المجتمع الدولي بتحفيزها وشجعها على المضي قدما في هذا الحوار، سيكون الوضع مربحا للجميع".
كذلك، دافع خان عن موقف بلده، الداعم الرئيسي لنظام طالبان بين عامي 1996 و2001 الذي فرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية وأوى تنظيم القاعدة، ما أدى إلى الغزو الأميركي لأفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.
واقترح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"، الأربعاء، أن يطور المجتمع الدولي خارطة طريق تؤدي إلى الاعتراف الدبلوماسي بحركة طالبان، مع حوافز إذا استوفت متطلباتها ثم الجلوس وجها لوجه والتحدث مع قادتها.
وأضاف أن "وفاء الحركة بوعودها يسهل حصولها على الاعتراف الدولي".
والثلاثاء الماضي دعا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى "ضرورة استمرار الحوار مع طالبان"، مضيفا خلال كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن "المقاطعة لا تؤدي إلا إلى الاستقطاب وردود الفعل، في حين أن الحوار يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية".
بالمقابل طالبت الصين بإنهاء العقوبات الاقتصادية على أفغانستان ورد احتياطاتها بالعملات الصعبة، التي "لا يجب استخدامها كورقة مساومة لممارسة ضغط سياسي".
لكن ومع ذلك يشير أباسين إلى أنه "عندما يكون هناك حديث عن العلاقات الدولية والمجتمع الدولي والاعتراف الدولي، فلا أعتقد أن هذا الدعم الذي تتلقاه طالبان من الدول الثلاث (قطر وباكستان والصين) سيلعب دورا محوريا في الحصول على الاعتراف".
بعد شهر من سيطرتها على البلاد عقب هجوم خاطف في أفغانستان، أكملت حركة طالبان هذا الأسبوع تشكيل حكومتها المؤقتة.
ولا يزال القلق يسود بين الأفغان والمجتمع الدولي من أن الإسلاميين المتشددين يتجهون نحو فرض السياسات الوحشية نفسها ضد النساء والمعارضين التي تبنوها في فترة حكمهم السابقة.
ويعتبر احترام حقوق الإنسان وإعطاء حقوق النساء من أكثر المجالات التي يترقبها المجتمع الدولي في سياسة طالبان المقبلة، بالإضافة لمسائل أخرى تتعلق بالإرهاب، وفقا لأباسين.
وتابع أن "موضوع الاعتراف ليس بيد الصين وباكستان وقطر، وانما تسيطر عليه دول عظمى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا".
ويشير إلى أن الأمور ستكون صعبة بالنسبة لطالبان، لأن الأمر بالنهاية يعتمد عليها هي بالذات، كيف سيكون شكل علاقتها بالولايات المتحدة والدول الغربية؟ وأيضا موضوع قطع علاقاتها بالجماعات الإرهابية العالمية والمتشددين سيكون مهما".
تقول طالبان إنها فعلت ذلك، بحسب أباسين، "لكن العالم ينتظر الآن أن يرى ذلك يتحقق فعليا على الأرض".
ويبين "هم يريدون الاعتراف وأن يكونوا جزءا من المجتمع الدولي، لكن إذا كان هناك أي شخص يتوقع أن تكون حكومة طالبان حكومة على الطراز الحديث على المدى القصير أو المتوسط سيكون هذا خاطئا، لأنهم من غير الممكن أن يغيروا الأيدولوجية التي يتبعونها بهذه السهولة".
قالت الحركة منذ سيطرتها على البلاد في 15 أغسطس، إنها ستحترم حقوق المرأة بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية، دون الخوض في التفاصيل. وخلال فترة حكمها الأخيرة، أُجبرت النساء على ارتداء البرقع ومنعتهن من العمل أو الدراسة إلا في حالات نادرة.
وطُلب من معظمهن عدم العودة إلى العمل حتى تضع طالبان "أنظمة جديدة" فيما بقي بعضهن في المنزل خوفا من هجمات انتقامية في المستقبل كونهن نسوة عاملات.
وسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس الابتدائية لكن لم يسمح للأكبر سنا بارتياد المدارس الثانوية، حيث تقول طالبان إن جميع هذه الإجراءات مؤقتة.
ويرى عبد الجبار بهير أن "الحركة تواجه اليوم ظروفا اقتصادية قاسية وأزمة إنسانية مرتقبة، لإنها غير قادرة على توفير رواتب الموظفين".
ويعتقد أن "تغييرات جذرية ستطرأ على مواقف حركة طالبان خاصة في ما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية لأن الواقع الداخلي والخارجي يفرض عليها ذلك".
ويختتم بالقول "في ظل الضغوط الدولية وفي ظل الواقع الحالي الذي تعيشه أفغانستان من تراجع اقتصادي، لا يمكن لطالبان إلا المضي قدما وتقديم التنازلات للمجتمع الدولي".