هل تصبح أفغانستان مركزا للجماعات الإرهابية..؟

الأربعاء 29/يونيو/2022 - 03:00 م
طباعة هل تصبح أفغانستان حسام الحداد
 
كشف قائد المنطقة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريللا خلال جولة في وسط آسيا أن الولايات المتحدة "تلاحظ إعادة بناء مخيمات للإرهابيين داخل أفغانستان" ولم يعط المزيد من التفاصيل.
جاءت تصريحات الجنرال الأميركي بعد تأكيدات من مفتش عام وزارة الدفاع الأميركية الذي قال ان تنظيم داعش-خرسان لديه 2000 مقاتل في أفغانستان "فيما بقي تنظيم القاعدة بعيداً عن النشاط العلني بناء على طلب تنظيم طالبان". هذا ما يفجر عدد من الأسئلة المهمة وعلى رأسها امكانية أن تكون أفغانستان مركزا للحركات الإرهابية.
داعش والخطر المنتظر
لا شك أن حالة العداء بين تنظيم داعش-خراسان وطالبان مستمرة، لكن الأخيرة لم تتمكن من القضاء على الخطر الإرهابي الذي يمثّله داعش على الأراضي الأفغانية.
وأشارت تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أن داعش-خراسان يركّز نشاطه على ضرب المراكز الدينية للشيعة ومهاجمة تنظيم طالبان، وقد نفذ خلال الأشهر الماضية عشرات الهجمات.
فيما الأخطر هو تقديرات الاستخبارات التي أشارت إلى أن هذا التنظيم تمكّن منذ أشهر من تجنيد المزيد من العناصر لأنه يجيّش الأفغان الناقمين على طالبان بعد سيطرتها على البلاد، وبدلاً من أن يتقلّص يبدو أنه يحافظ على أعداده أو يزيدها.
وتقرير الأمم المتحدة الأخير إلى مجلس الأمن في أوائل فبرايرالماضي، والذي أعده فريق الأمم المتحدة لمراقبة العقوبات ضد "داعش" و"القاعدة"، جاء فيه أن أفغانستان بعد انتصار طالبان "يمكن أن تصبح ملاذًا آمنًا للقاعدة ومنظمات إرهابية أخرى لها علاقات مع منطقة آسيا الوسطى وخارجها ". وصحيح أن فرع "داعش" في أفغانستان "داعش خراسان" يسيطر على مناطق محدودة في أفغانستان فقط، لكنه أثبت قدرته الدائمة على تنفيذ هجمات مكلفة.
ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، ينتمي حوالي 4 آلاف مقاتل إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" فرع خراسان، بما في ذلك ما يصل إلى 2000 أجنبي تم إطلاق سراحهم بعد فتح السجون الأفغانية عقب انتصار طالبان. ويقول الخبير بشؤون أفغانستان كونراد شتر، عضو مجلس إدارة مجموعة العمل الأفغانية (AGA)، في مقابلة مع DW، إن غالبية المقاتلين يتم تجنيدهم من بين صفوف الأفغان، وخاصة أولئك الذين كانوا ينتمون إلى طالبان حتى وقت قريب.
وتعود تقوية شوكة تنظيم "داعش خراسان" بشكل أساسي إلى مقاتلي طالبان السابقين، الذين انضم كثيرون منهم إلى الغرهابيين بعد تولي طالبان السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021. "هؤلاء الناس كانوا غير راضين عما حصلوا عليه نظير ما قدموه. وبعد الاستيلاء على السلطة، افتقرت طالبان إلى الوسائل لمكافأة مقاتليها ماديًا أو بمناصب مؤثرة"، ويتابع شتر: "لذلك كان هناك العديد من الشباب الذين رأوا آمالهم تخيب بعد النصر. وهكذا تم لفت انتباههم إلى تنظيم الدولة في خراسان، الذي أغراهم بعروض جديدة".
وبحسب شتر، فإن هنالك حدثًا آخر أدى إلى انتشار تنظيم "الدولة" فرع خراسان في أفغانستان. "إنه يتزامن مع الوقت الذي بدأت فيه مفاوضات السلام في الدوحة وانتهت باتفاق السلام في فبراير 2020. في تلك اللحظة التي أشارت فيها طالبان إلى أنها مستعدة للتحدث مع الأمريكيين (..) نمى تنظيم الدولة في أفغانستان".
ويقول شتر إن المقاتلين المتشددين عسكريًا وإيديولوجيًا، بصفة خاصة، شعروا بالانجذاب إلى تنظيم "الدولة" في خراسان، ويضيف: "بطريقة ما، هناك اقتصاد عنف وراء العيش في حرب. فهؤلاء الناس لا يعرفون سوى القتال ولا يمكنهم الانخراط في التعايش السلمي والحلول الوسط".
القاعدة وطالبان
في موازاة ذلك، طرح تنظيم القاعدة خطراً موازياً، وشعر الأميركيون بقلق خاص من أن طالبان لم تف بوعودها بشأن فك العلاقة مع "القاعدة"، وأن سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية أعطت تنظيم القاعدة ملجأ مفتوحاً للتدريب، ولاستقطاب العناصر من خارج الأراضي الأفغانية.
ومن مؤشرات الخطر المتصاعد أيضاً، عدم السيطرة على الحدود الباكستانية مع أفغانستان، خصوصاً في منطقة القبائل، ما يسمح للكثيرين ممن يريدون الانضمام إلى القاعدة، أن يسافروا إلى باكستان، وأن يعبروا الحدود كما كانوا يفعلون في أواخر التسعينات والعام 2000 و2001.
ويقول تقرير مركز مكافحة التطرف (CEP) عن حالة الإرهاب في أفغانستان خلال فبراير الماضي: "رفاق هبة الله أخوند زادة، زعيم طالبان، ما زال لديهم علاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة، وتصدر أعضاء شبكة حقاني الإرهابية مناصب قيادية في حكومة طالبان، مع وجود تنظيم داعش الذي دخل في صراع مع طالبان، ما ينعكس بعدم الاستقرار على البلاد".
وبشكل تفصيلي، عدّد التقرير أمثلة للحركات التي ينشط عناصرها هناك، مثل: القاعدة في شبه القارة الهندية، الحركة الإسلامية في أوزبكستان، جماعة الجهاد الإسلامي، الحزب الإسلامي التركستاني (المعروف سابقا باسم حركة تركستان الشرقية الإسلامية) ومقاتلين من فروع القاعدة الباكستانية (جيش محمد "لشكر محمد" أو تحريك طالبان باكستان "TTP")، ما يعني أن طالبان فشلت في تحقيق وعودها بعدم تحول أفغانستان لساحة للمنظمات الإرهابية.
ورجح تقرير مركز (CEP) أن هدوء القاعدة في أفغانستان المبني على تقديم زعيم القاعدة أيمن الظواهري البيعة لطالبان لن يستمر طويلا، وإعادة عملياتها في المنطقة والعالم متوقع مع تصاعد التنافس مع داعش.
وأصدر الظواهري في فبراير فيديو يوضح أنه ينظر لأفغانستان على أنها نقطة انطلاق لمعركته العالمية ضد الغرب، لافتا إلى أن تنظيم القاعدة يرى أن استيلاء طالبان على أفغانستان نجاح له أيضا، ومثال لقدرته على تنفيذ استراتيجية بعيدة المدى.
وأشاد عدد فبراير من مجلة القاعدة "أمة واحدة" بنظام طالبان كبديل وظيفي للحكومات الديمقراطية، بينما تقدم القاعدة كطليعة إرهابية عالمية.
تخوفات أمريكية
كذلك عندما نتحدث إلى مصادر الدفاع الأميركية ونحاول فهم تقديرات الاستخبارات، يبدو واضحاً أن تقديرهم للمخاطر بدأ بالارتفاع منذ خرجت القوات الأميركية من أفغانستان.
وما زاد الأمور تعقيداً على الأميركيين هو أن الانسحاب حرمهم من القدرة على جمع المعلومات على الأرض من خلال شبكات الأمن والأجهزة العسكرية التي كانت تملكها الحكومة الأفغانية، إذ تنحصر الآن عمليات جمع المعلومات على التنصت وعمليات المسح الجوي وربما تكون هذه الوسائل أقل فاعلية من المطلوب.
فيما تصاعدت مؤشرات الإرهاب وعودة مخيمات تدريب الإرهابيين على أراضي أفغانستان تدفع الأميركيين للاتصال مجدداً مع الدول جارة أفغانستان، وهذا ما حاول الجنرال كوريللا فعله خلال رحلته في دول وسط آسيا الأسبوع الماضي، لكن سلسلة المصاعب ما زالت هي ذاتها منذ سنتين.
وسعت الولايات المتحدة إلى إقناع دول وسط آسيا بمنحها الحق في التحليق والهبوط على أراضيها، ونشر ولو أعدادا قليلة من القوات الأميركية في مناطق محاذية مثل الحدود الطاجيكية أو الأوزبكية أو التركمانية، لكنها لم تنجح حتى الآن، كما أنها لم تنجح في إقناع الحليف القديم باكستان في منحها قواعد على أراضيها لتنطلق منها الطائرات والمسيرات الأميركية إلى أجواء أفغانستان.
بدورها، قالت ليزا كورتيس، التي عملت في مجلس الأمن القومي أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رداً على أسئلة "العربية" و"الحدث" حول هذه القضية، إنه "يجب على واشنطن الوصول إلى استنتاج أن القاعدة تتحيّن فرصة وجود حلفائها المسيطرين في أفغانستان وتبني صفوفها وقدراتها".
وحذّرت من أنها "مسألة وقت قبل أن تشنّ القاعدة هجمات إرهابية على أهداف غربية انطلاقاً من معقلها داخل أفغانستان".
من جهتها، حذرت الخبيرة في شؤون أفغانستان واليت، التي عملت سابقا في وزارة الدفاع والـ"سي أي أي"، من أن تثق الولايات المتحدة بالتزام طالبان في ضبط نشاطات القاعدة الإرهابية، ودعت إلى "قصف أهداف القاعدة لو كانت هناك ضرورة".
وأشارت ليز كورتيس إلى أن دول وسط آسيا ربما لا تميل الآن إلى استقبال قوات أميركية لمواجهة هذه المخاطر لكنها ربما تغيّر موقفها لو تصاعدت مشكلة الإرهاب في أفغانستان وبدأت في تهديد هذه الدول.

شارك