منذ ما يقرب من عقدين منذ الغزو الأمريكي للإطاحة بـ صدام حسين، أقامت إيران علاقات قوية مع جارتها، وعارضت الجهود الأمريكية ودعمت شبكة من الميليشيات التي تساعد طهران على توسيع نفوذها. ساعدت إيران، ذات الأغلبية الساحقة من الشيعة، في الحفاظ على وحدة الأغلبية الشيعية في العراق لتمارس السلطة، غالبًا لصالح طهران.

الآن، الفصائل الشيعية في العراق منقسمة بشدة في مؤشر على ضعف نفوذ إيران في البلاد. يخوض أحد الجانبين بقيادة رجل الدين النافذ مقتدى الصدر أسبوعه الرابع من احتلاله أرض البرلمان في المنطقة الخضراء ببغداد. والآخر، إطار التحالف، يسعى لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة ويقودها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، خصم الصدر الشرس والسياسي المعروف بأنه مقرب من إيران.

يقول فهد الجبوري، أحد كبار المسؤولين في حركة الحكمة الوطنية، وهي جزء من إطار التحالف: "إيران تقدم لنا النصيحة، لكننا لا نستمع إلى كل النصائح الإيرانية".

كما تجنب الصدر الارتباط بالإيرانيين. أكد إبراهيم الجابري، الذي يرأس مكتبه في بغداد أنه لا يمكن لإيران أبدًا السيطرة على مقتدى الصدر.

أَضاف التقرير أن عدم الرغبة في الارتباط بإيران يعكس قلقًا واسع النطاق من طهران، وهو تهديد محتمل لاستراتيجيتها للحد من نفوذ الولايات المتحدة في العراق واستخدام أراضي جارتها ومجالها الجوي لنقل الأسلحة والإمدادات الأخرى إلى سوريا ولبنان وأماكن أخرى. 

ردد المتظاهرون شعارات مناهضة لإيران. يلقي العديد من العراقيين باللوم على طهران في تمكين الميليشيات القوية التي قاتلت ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، ولكن يُنظر إليها الآن على أنها أجنحة مسلحة للفصائل السياسية الشيعية.

تلك الميليشيات هي التي تجعل الأزمة شديدة الاضطراب، مما يزيد من احتمالية أن تتحول معركة كانت في الغالب سلمية إلى أعمال عنف.

في أحد تصريحات طهران العلنية القليلة حول مشاكل العراق، قال ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "نحن نتابع التطورات في العراق عن كثب وبقلق. نحاول تقريب وجهات النظر المختلفة للفصائل العراقية من بعضها البعض".

من جانبها، تركز القوات الأمريكية التي لا تزال متمركزة في العراق والتي يبلغ قوامها 2500 جندي تقريبًا على تدريب الجيش العراقي ودعم القوات الأمريكية في سوريا المجاورة. ولم يرد متحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد على أسئلة حول دور إيران.

أشار كاظم الفرطوسي المتحدث باسم "سيد الشهداء" أحد الميليشيات الرئيسية إلى أن عدم شعبية طهران بعد سنوات من التدخل في الشؤون العراقية يتسبب في تراجعها.

أردف الفرطوسي: "أخبرنا الإيرانيون أنهم عانوا من ردود فعل سلبية من العراقيين، لذا هذه المرة سيتركون العراقيين لتولي شؤونهم بأنفسهم".

لكن وراء الكواليس كانت طهران نشطة، فقد وصل الجنرال إسماعيل قآني إلى العراق في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء محادثات لحل المأزق، بحسب عضو كبير في الميليشيا العراقية. قاني هو قائد فيلق القدس، وهو فرع من الحرس الثوري الإسلامي القوي المسؤول عن التعاملات الخارجية للجماعة.

لكن قآني لم يدل بأي تصريحات علنية، ولم يقل ممثلو الشيعة الذين رأواهم شيئًا علنًا عن الاجتماعات.

قال مساعده، الجابري، إن الصدر، الذي التقى بالجنرال الإيراني في الماضي ولديه علاقات عميقة مع طهران، رفض رؤيته.

ذكرت وول ستريت جورنال أن زيارة قآني سلطت الضوء على مدى تغير دور إيران منذ وفاة قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، وهو شخصية ملهمة للعديد من الشيعة الذين نسقوا المساعدة الإيرانية للميليشيات الشيعية التي تقاتل القوات الأمريكية في العراق. غالبًا ما توسط سليماني بين الفصائل العراقية حتى وفاته في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في 2020. بينما حقق قآني نجاحًا أقل في تسوية الخلافات الشيعية الداخلية.

إلى جانب مقتل سليماني، فإن الاحتجاجات منذ 2019 والضغط من العراقيين العاديين لحكومة أقل سيطرة من قبل الشيعة والكتل الطائفية والعرقية الأخرى تهدد النفوذ الإيراني في بغداد.

قال مارسين الشمري، زميل باحث في السياسة العراقية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد إن الشعب العراقي الآن يعمل ضد الطائفية ويريد حقًا حكومة قومية، مضيفا أن هذا ليس سيناريو جيد بالنسبة لإيران لأنه يضعف الأحزاب السياسية القريبة منها.

أظهرت الميليشيات الشيعية التي دعمتها طهران، أولاً في محاربة الوجود العسكري الأمريكي بعد الإطاحة بصدام ومؤخراً ضد تنظيم الدولة الإسلامية، علامات على الانقسامات الداخلية، مما زاد من تحدي سيطرة إيران. فقد واصلت بعض الميليشيات المتشددة شن هجمات صاروخية على منشآت أمريكية في العراق، بينما تعهد آخرون بالالتزام بأوامر الحكومة العراقية ضد مثل هذه الهجمات.