عفوًا لوموند أفريك.. لقد نفد رصيدكم
الثلاثاء 28/مايو/2019 - 03:25 م
طباعة
منذ عامين تقريبًا، وتحديدًا في يوليو ٢٠١٧، حضر إلى مكتبي مصطحبًا فتاة في سن المراهقة؛ ليوصي بها في رحلتها للقاهرة، لكنني حينها لم أرتح له؛ لماذا؟ لأن الرجل بنى شهرته على كتاب عنوانه: «قطر القبيحة.. هذا الصديق الذي يريد بنا شرًّا»، حاولت وقتها أن أجذبَه للحديث حول الكتاب والأسرار التي تناولها، فجاء رد فعله مراوغًا مناورًا، كمن يهرب من شيء ما لا يريد الخوض فيه.
أسابيع قليلة مرت على هذا اللقاء، وعاود الرجل اتصاله طالبًا أن نلتقي على الغداء، وفي مطعم نورا المقابل لمكتبي في شارع «مارسو» الشهير، التقينا أنا وهو والدكتور أحمد يوسف مدير المركز، طلب الرجل أن أمدَّ له يد العون؛ حتى يتمكن من الذهاب إلى القاهرة وإجراء حوارات عدّة مع مسؤولين كبار في الدولة، وأكد لي- على غير انطباعي عنه- أنه مستعد للالتزام بالأسئلة التي يتم التوافق حولها، وأنه يعي تمامًا حجم المسؤولية الملقاة على النظام المصري لكبح جماح الحركات الإرهابية، ومحاربة تنظيماتها المسلحة.
وعدته بالعمل على ذلك المشروع حينما تهدأ الأوضاع، وتسنح الفرصة لإجراء حوارات كتلك، ووعد بالتعاون معنا في مركز سيمو، إضافةً إلى منحنا الحق- بحضور الدكتور أحمد- في الاستعانة بمقالاته المنشورة على موقعه وإعادة نشرها على موقع «المرجع»، على عكس بقية كُتًّاب المجلة والموقع، الذين جمعتنا بهم عقود للكتابة واضحة ومحددة، ومن باب المراوغة تَعَلَّل الرجل وقتها بأنه يسعى لإكمال «مشروع ما» لم يفصح عن تفاصيله، ربما يمنعه - في تلك اللحظة- من التعاون بشكل رسمي عبر عقد مكتوب معنا، إنه «نيكولا بو»، مؤلف «قطر القبيحة»، رئيس تحرير موقع «لوموند أفريك».
راسلني «بو» بعدها-عبر الميل- وكان موضوع الرسالة الإلكترونية حول مدى إمكانية إجرائه حوارات في القاهرة، فأتاه الرد مني بالجواب السابق ذاته، وأن عليه ألا يتعجلَ، فالوقت مازال مبكرًا على ذلك.
«نيكولا بو» وأكاذيب اللوبي القطري
الغريب أن محرري «لوموند أفريك» لا يعرجون على كل تلك اللقاءات، وزيارته إياي في مكتبي، الموضحة في الصور المرفقة، مرتين متتاليتين، لا يذكرون حتى أنني أهديته كتابين لي مترجمين إلى الفرنسية، والأغرب أن موقع «لوموند أفريك» راح ينسب إليَّ مقولات من قبيل الهوس بالمؤامرة، واتهامي لقناة الجزيرة بأنها قناة صنيعة إسرائيلية، متجاهلًا- أي الموقع- أن أول من أطلق هذا الكلام هو نيكولا بو نفسه في كتابه «قطر القبيحة»؛ حيث أكد الرجل بكل وضوح أنه «خلافًا للشائع، فإن فكرة إطلاق قناة الجزيرة لم تكن وليدة عبقرية الأمير حمد برغم أنه رجل ذكي، هي كانت نتيجة طبيعية لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في العام 1995، فغداة الاغتيال قرر الأخوان ديفيد وجان فريدمان، وهما يهوديان فرنسيان، عمل كل ما بوسعهما لإقامة السلام بين إسرائيل وفلسطين.. وهكذا اتصلا بأصدقائهما من الأمريكيين الأعضاء في أيباك- أي لجنة الشؤون العامة الأمريكية- الإسرائيلية»، الذين ساعدوا أمير قطر في الانقلاب على والده؛ لإقناع هذا الأخير بالأمر، وبالفعل وجد الشيخ حمد الفكرة مثالية تخدم عَرَّابيه من جهة وتفتح أبواب العالم العربي لإسرائيل من جهة أخرى، ويقول الكاتبان: إن الأمير أخذ الفكرة من اليهوديين، وأبعدهما بعد أن راحت الرياض تتهمه بالتأسيس لقناة يهودية.
وما يثير التعجب، بل الاستفهام، هو أننا عند البحث في الموقع الذي يترأسه «بو» لم نعثر على أي أثر لتلك المقولات التي تَضَمَّنَها كتابه، والتي دبج بها عددًا من مقالاته، وكأن الاتهامات الواضحة والصريحة لقناة الجزيرة، قد حذفت تمامًا من الموقع! هل يشير ذلك إلى شيء؟
اعتدنا ألا نتسرع في إجابة أسئلة من هذا القبيل؛ لما تحتويه من غموض ودلالات، ولن نجيبَ قبل أن نضعَ أيدينا على المعطيات كافة، فموقف الرجل «المراوغ» قد تغير وانقلب 180 درجة نحو الهجوم على كل من يعادي «قطر القبيحة»، وفق تعبيره هو الذي عنون به كتابه.
الرجل الذي يتهمنا بأننا «مهووسون بالمؤامرة» تناسى أنه من ابتدع المؤامرة في كتابه «قطر القبيحة»، الذي قال فيه نصًّا: «الدوحة التي قررت عام 1993 بقيادة الأمير حمد، بيع الغاز للدولة العبرية لم يكن لها طريق إلى دائرة أصدقاء واشنطن سوى من خلال العلاقة المباشرة مع تل أبيب»، مضيفًا أن «رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم كان يعيش حالة تنافس مع الشيخ تميم الذي كان وليًّا للعهد في ذلك الوقت، لم يكن أبدًا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وينقل عن رجل أعمال مقرب من بن جاسم قوله: إنه حين كان معه يشاهدان التلفزيون، سمعه يصرخ لما رأى المسؤولين الفلسطينيين: «هل سيزعجنا هؤلاء الأغبياء طويلًا؟».
هل نزيدكم من الشعر بيتًا؟ يقول محرر موقع «لوموند أفريك»: إن عبدالرحيم علي دائمًا ما يؤكد «أن إسرائيل وأمريكا تقومان بحياكة المؤامرات؛ لزعزعة البلدان العربية في المنطقة، وأن مؤامراتهما تستهدف أن تسيطر جماعة الإخوان على تونس ومصر واليمن وليبيا»، كما قال: «إن القرضاوي عميل للموساد».
«قطر القبيحة».. كما وصفها «بو»
فماذا قال نيكول بو في كتابه «قطر القبيحة»؟ لقد توقف رئيس تحرير موقع لوموند أفريك عند دور المخابرات الأمريكية في تدريب الكوادر والمختصين في الإنترنت والحرب النفسية، ولازمها الربط بين هذه الخطة والعلاقات الإسرائيلية السرية، ومن ذلك دور وزيرة خارجية إسرائيل السابقة «تسيبي ليفني» التي كانت دائمة الزيارة للقصر الأميري القطري، فكما جاء في الكتاب: «منذ افتتحت الدوحة مكتب التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي، اعتادت على استقبال شيمون بيريز وتسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما اليميني، والتي كانت تستسيغ زيارة القصر الأميري».
هل نكتفي من روح المؤامرة التي امتلأ بها كتاب «قطر القبيحة»؟! بالطبع لا.. فحسب رئيس تحرير موقع لوموند أفريك، فإنه في سبتمبر 2010 نظم محرك البحث «جوجل» في بودابست «منتدى حرية الإنترنت»، وأطلقت بعده وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت مؤسسة «شبكة مدوني المغرب والشرق الأوسط»، سبقت ذلك وتبعته سلسلة من المنتديات في قطر بعنوان «منتدى الديمقراطيات الجديدة أو المستعادة».. شارك في إحداها - بتاريخ فبراير 2006 - بيل كلينتون، وابنته، وكونداليزا رايس، وآنذاك تم الاتفاق على وثيقة سرية، حملت عنوان: «مشاريع للتغيير في العالم العربي»، ويضيف «بو» أنه كان من نتائج ذلك أن أسس صهر الشيخ يوسف القرضاوي، المصري هشام مرسي، «أكاديمية التغيير»، وضمت المؤسسة عددًا من «الهاكرز» والمدونين، وأطلقت في يناير 2011 عملية «التونسية» التي كانت تُدار مباشرة من الولايات المتحدة؛ ليؤكد «بو» في كتابه أن القرضاوي كان «عميلا»!
استند رئيس تحرير «لوموند أفريك» في مادة كتابه «قطر القبيحة» إلى حوارات شديدة الخصوصية أثرت الكتاب بأسرار لافتة، أهمها لقاء مع «أسماء بن قادة» طليقة القرضاوي، التي أكدت لمؤلفي الكتاب أن القرضاوي زار إسرائيل سرًّا عام 2010، وأنه حائز على إشادة رفيعة من الكونجرس الأمريكي، وأنه كان وراء تغيير النظرة إلى لوائح الإرهاب التي رُفع اسمه منها، وأنه شخصيًّا لم يعد ممنوعًا من دخول الأراضي الأمريكية؛ بسبب تلك العلاقات الشائكة، هل كان يشير نيكولا بو إلى شيء تراجع عنه فيما بعد؟!
كل ما سبق، لم يكن سوى الحلقة الأولى فقط، مجرد فتح لملف لوموند أفريك، ورئيس تحريره نيكولا بو، وفي القادم من الحلقات سنشرح الأسباب التي دفعت موقع «لوموند أفريك» ونيكولا بو لشن ذلك الهجوم في هذا التوقيت؛ حيث وقَّع 50 نائبًا فرنسيًّا مذكرة يطالبون فيها باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وحيث يحاكم أحد أخطر رجال قطر في باريس بتهمة الفساد، وسنجيب عن الأسئلة التالية: لماذا اتهم وزير الداخلية التونسي السابق «لطفي إبراهيم»، «نيكولا بو» بتلقي٧٠٠ ألف يورو من قطر في الفترة الأخيرة لتغيير توجهاته؟ وما سر حذف نيكولا بو في ٢٠١٩ من الموقع كل المقالات التي اننتقدت قطر؟ ولماذا أبقى الموقع على 3 مقالات فقط، جاءت كلها لصالح الدوحة؟ وسنكشف أسباب تغيير سياسة الموقع تمامًا تجاه مصر والإمارات بحلول مارس ٢٠١٨؛ حيث بدأ هجومه القبيح بنشر 14 مقالًا يهاجم فيها القاهرة خلال تلك الفترة! 8 مقالات منها نشرت في النصف الأول فقط من عام ٢١٠٩؟